ما زلنا نعاني ومنذ زمن بعيد من مشكلة عدم تقبل وجود الآخر وسيطرة فكر (الأنا) الاقصائية... ونحتاج جدا في هذا الوقت أن نستدعي الحديث الشريف... (امحها ياعلي) في صلح الحديبية والذي كان بين كفار قريش وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يحج المسلمون البيت الحرام ، اختار المشركون سفيراً لهم ، وهو سهيل بن عمرو لعقد الصلح ، وبعد الاتفاق على قواعد الصلح ، قال صلى الله عليه وسلم : ( هات اكتب بيننا وبينك كتاباً ) فدعا الكاتب ، وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال : تكتب بعد باسمك اللهم : هذا ماقاضى عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو ، فاعترض سهيل بن عمرو وقال : والله لو نعلم أنك رسول الله ماصددناك عن البيت ، ولكن اكتب محمد بن عبد الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا علي : إمحها يا علي ، واكتب محمد بن عبد الله ، فقال علي رضي الله عنه : والله لا أمحها أبداً يارسول الله ، فقال صلى الله عليه وسلم : هاتها يا علي ، فمحاها بيده الشريفة عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه يعلم تماماً أن علي لن يمحو كلمة رسول الله . والحديث صحيح ثابت في الصحيحين ، رواه البخاري (3184) ، ومسلم (4731) . ولعل ما راب السائلة منه امتناع علي بن أبي طالب رضي الله عنه من امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم . وليس في ذلك ما يريب ؛ لأن من الأوامر والنواهي ما يكون للإلزام ، فيكون عدم امتثاله عصيانا مذموما ، ومنها ما لا يكون للإلزام ، ويفهم المخاطب ذلك فلا يمتثله إكراما وتوقيرا للآمر والناهي ، فلا يكون ذلك عصيانا ولا مذموما . ومن ذلك ما كان من أبي بكر رضي الله عنه حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس ، فتخلص حتى وقف في الصف ، فلما علم به أبو بكر تراجع ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يثبت إماما ، فأبى وأصرّ على التأخر ، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما سأله بعد الصلاة : ( ما منعك أن تثبت إذ أمرتك ؟ ) فقال : " ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم " . ومن ذلك ما يكون من الأبناء البررة من الامتناع عن الجلوس في صدر المجلس إذ يأمرهم به أبوهم ، ويرونه هو الأحق بذلك ، ويعد فعلهم هذا برا يحمدون عليه ، ولا يدخل في شيء من العصيان ولا يقرب منه . وكقول على بن أبي طالب رضي الله عنه كما في بعض الروايات الأخرى في البخاري (2699) وغيره : " والله لا أمحوك أبدا " ، فقد كان امتناعه لاستعظامه محو صفة الرسالة ، عن رسول الله الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، في كتابته . ولذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه للحديث في "فتح الباري" : "وكأن عليا فهم أن أمره له بذلك ليس متحتما ، فلذلك امتنع من امتثاله" لقد ركز شراح الاحاديث على التعليق على ما دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى بن أبي طالب... وحاولوا تبرير رفض سيدنا علي كرم الله وجهه لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإيجاد شتى الأعذار والمخارج له لتبرير هذا الرفض... ولقد أفلحوا... ولا توجد مشكلة والدليل على ذلك إقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم لفعل على ضمنا وهو ما يعرف بالسنة التقريرية... وليتهم ركزوا أيضا أو قاموا بتسليط بعض الضؤ على قبول رسول الله صلى الله عليه وسلم صراحة لرفض سهيل بن عمرو على كتابة عبارة محمد رسول الله وطلبه استبدالها بعبارة محمد بن عبد الله كما طلب ذلك سهيل بن عمرو... فها هنا تتجلى أكبر موعظة وعبرة ودرس بليغ في حكمة قبول الآخر... ونبذ الفكر الاقصائي وبعده صلى الله عليه وسلم عن الأنا...وإمكانية التعايش... وأن ليس بالضرورة أن يعني الاختلاف التخالف... فما أعظمك من معلم للبشرية. وبعد... ما زال منا من يركز فقط على نفسه وعلمه وحسبه ونسبه وقبيلته ودينه... رافضا قبول الآخر و(محوها)...ويصرون علي (والله لا امحوها ابد)... وهل تمر ( الأمة السودانية) ... ومن قبلها (الامة الإسلامية) بنفس ألم المخاط الذي حتم رفض سهيل بن عمرو... ورفض على بن أبى طالب... وقبول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وقيامه بمحوها بيده الشريفة... نسأل الله تعالي ان يهدي الجميع إلى سبيل سواء... د. فتح الرحمن عبد المجيد الأمين الخرطوم في 3 يناير 2021 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.