هذا هو عنوان الخبر بصحف أول أمس 30 يناير: " إصابة 8 من أفراد الشرطة برصاص نظامي في أمبدة". وفي التفاصيل أن نظامي: " فتح النار على دورية شرطة تتبع لشعبة مكافحة العصابات المتفلتة ، وذلك في محطة ود البشير (سوق الجعفري) بأمبدة ". ليست هذه هي الحادثة الأولى من نوعها، فقبل أيام قليلة اشتبكت قوات الشرطة مع قوات نظامية في مدني !!. فهلا تكرم عساكرنا، خاصة رئيس مجلس السيادة ونائبه، اللذين يخرجان علينا كل حين مهددين ومتوعدين العملاء المتآمرين والخونة أصحاب الأجندة لجر البلاد إلى الفوضى، ويحذرون من انزلاق السودان في مستنقع الفوضى الذي وقعت فيه سوريا وليبيا، أو فليتفضل عنهما الجنرال الكباشي الذي قال بأنهم لن يعودوا إلى الثكنات، ليوضحوا لنا ما الذي يحدث في البلد ؟!. - السؤال الذي يجب أن يجيبوا عليه: ما هي وظيفتهم التي من أجل القيام بها هم يستلمون رواتبهم ويعتاشون وعيالهم منها وينعمون بكل هذا الجاه بالضبط ؟. - ما يحدث في الغرب من مجاذر وفي الشرق وفي قلب العاصمة، هل يدل على أن في هذا البلد جيش وشرطة وأجهزة أمنية ؟!. - القتل والنهب المسلح في قلب عاصمة البلاد، وعلى مرمى حجر من مؤسساتهم وتحت بصر أفراد قواتهم وهم عاجزون عن كبحها، بل أصبحت تسجل حضوراً أكثف من حضور كل هذه الأجهزة. فكيف يمكن أن نفهم هذا، وبماذا نفسره؟!. - لم نفق بعد من صدمة السؤال المفجع السابق عن انتشار عصابات النيجرز وغير نيجرز في قلب العاصمة، وإذا بصدامات مسلحة داخل المدن بين الأجهزة المناط بها حفظ الأمن ..هل يملك البرهان وحميدتي وكباشي وبقية الجنرالات أعضاء اللجنة الأمنية الذين يقبعون في الظل إجابة تبدد ضباب هذه الأحداث ؟. - وفي كل مرة يطلقون على كل هذه الجرائم صفة هلامية مثل "تفلتات". وهذه المفردة تعني الفوضى وانعدام الضبط وعدم السيطرة على الأفراد والسلاح. فهل هذه حجة تعفي قادة هذه الأجهزة من المسؤولية؟. - لقد كان فض الاعتصام وما أرتكب فيه من جرائم قتل وتعذيب واغتصاب في بعض روايات العسكر مجرد "تفلت". كذلك ما حدث بعده من جرائم كان أيضاً تفلتات. فإلى كم من الزمن يا قادة عسكرنا علينا أن نعيش في ظل هذه التفلتات ؟. إهمال أبسط من هذا في أي بلد يحترم قادته أنفسهم ومسؤولياتهم يدفعهم لأن يتقدم المسؤول الأرفع والأعلى رتبة بالمؤسسة باستقالته، وإذا بلغت نتيجة الإهمال ما تبلغه فداحتها عندنا تتم محاكمته هو والمهملون المباشرون، حيث لا توجد في الأجهزة العسكرية والأمنية مفردة "تفلت" التي يبرر بها جماعتنا هذه الجرائم، وكأنها صك الغفران لهم وللمجرمين. - إذا بلغ العجز بقيادة هذه الأجهزة أن تفشل في مواجهة عصابات تمارس النهب المسلح نهاراً جهاراً في عاصمة البلاد، وتفشل في السيطرة على أفرادها من أن يتبادلون إطلاق النار في شوارع المدن الكبرى فبأي وجه حق يتحدثون عن حقهم في قيادة البلد كله وحكمه، وقدرتهم على ؟؟!. ألا يدعو هذا للسخرية ؟. - وما يدعو للشك والريبة أن ذات هذه الأجهزة العسكرية والشرطية والأمنية اعتادت الخروج بكثافة وبكامل عدتها وعتادها، وتغلق شوارع العاصمة، وكأننا في حالة حرب نتهيأ لرد عدوان أو غزو أجنبي، مع كل دعوة تعلن عنها لجان المقاومة المدنية لمسيرة سلمية احتجاجية لتحسين الأوضاع المعيشية، بينما لا تستجيب لإغاثتهم من انتشار عصابات النهب المسلح في شوارع المدينة وحمايتهم من بطشها. فهل يملك جنرالاتنا تفسيراً لهذا السلوك المتكرر ؟!. ورغم المجازر التي تنكل بالمدنيين في دارفور وتسببت في قتل أكثر من مئة إنسان وتسببت في تهجير الألاف من السكان إلى دولة تشاد ورغم انتشار عصابات النهب المسلح في العاصمة، ورغم المصادمات المسلحة بين أجهزة الدولة الأمنية في المدن، يقرع جنرالاتنا طبول الحرب ضد دولة مجاورة !. هل يعقل أنهم يجهلون بأن الحرب مع دولة أخرى تبدأ بتهيئة الأوضاع الداخلية، وأن لا دولة تستطيع، مهما بلغت قوتها أن تخوض حربين (داخلية وخارجية) في آنٍ واحد دون تماسك جبهتها الداخلية؟. وعلى عكس ما يظن بعض دعاة الحرب كمهرب من الأزمات داخل بلدانهم، فإن الحرب مع دولة أخرى لا يحقق دائماً وفي كل الحالات تماسكاً مؤقتاً للوحدة الداخلية. وطالما هذا هو حال أجهزتنا العسكرية والأمنية والشرطية مع شعبها، فإنك لن تعدم من يقول بينهم: "اللهم أشغل أعدائي بعدوٌّ غيري". يجب أن لا يستبعد قادتنا العسكريون وجود من يفكر أو يشعر على هذا النحو، حتى لو جردناه من الوطنية والشرف ورميناه بتهم الخيانة والعمالة. نصيحة لوجه الله: لقد بررتم (أو فرضتم) ضرورة مشاركتكم الحكم في إدارة المرحلة الانتقالية بزعم قدرتكم على تغطية الجانب الأمني للثورة الوليدة. وها أنتم تبذلون الآن "كل" جهدكم للاستيلاء منفردين على السلطة. وقد نجحتم إلى حدٍّ كبير في تحقيق ذلك، حتى صارت كل مفاتيح قوة الدولة الآن بين أيديكم وفي جيوبكم. ولكنكم في سبيل تحقيق هذا الهدف فرطتم في الحفاظ على أمن الدولة واستقرارها وأمن مواطنيها. وأظن بات واضحاً لكم ولنا أنكم إذا ما تحقق هدفكم بالاستيلاء على السلطة كاملة، فإنكم لن تجدوا الوطن الذي تحكمونه. ستكسبون السلطة – لا شك في ذلك – بالحيلة والمكر والدهاء والسلاح ولكنكم ستخسرون الوطن. هل أتاكم نبأ الأولى سبقوا في ليبيا وسوريا وغيرها من البلاد التي فقدت دولتها وتشردت شعوبها ؟. فاعتبروا يا أولي الألباب. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.