البرهان    استهداف طائرات مسيرة قاعدة "فلامنغو" البحرية في مدينة بورتسودان فجر اليوم    "آمل أن يتوقف القتال سريعا جدا" أول تعليق من ترامب على ضربات الهند على باكستان    شاهد بالفيديو.. قائد كتائب البراء بن مالك في تصريحات جديدة: (مافي راجل عنده علينا كلمة وأرجل مننا ما شايفين)    بالفيديو.. "جرتق" إبنة الفنان كمال ترباس بالقاهرة يتصدر "الترند".. شاهد تفاعل ورقصات العروس مع فنانة الحفل هدى عربي    شاهد بالصورة.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل تسابيح خاطر تنشر صورة حديثة وتسير على درب زوجها وتغلق باب التعليقات: (لا أرىَ كأسك إلا مِن نصيبي)    شاهد بالفيديو.. الفنان الدولي يدخل في وصلة رقص مثيرة مع الممثلة هديل تحت أنظار زوجها "كابوكي"    شاهد بالفيديو.. الفنانة مروة الدولية تعود لإثارة الجدل..تحضن زوجها وتدخل معه في وصلة رقص رومانسية وهي تغني: (حقي براي وملكي براي بقتل فيه وبضارب فيه)    إنتر ميلان يطيح ببرشلونة ويصل نهائي دوري أبطال أوروبا    الهند تقصف باكستان بالصواريخ وإسلام آباد تتعهد بالرد    برئاسة الفريق أول الركن البرهان – مجلس الأمن والدفاع يعقد اجتماعا طارئاً    والي الخرطوم يقف على على أعمال تأهيل محطتي مياه بحري و المقرن    ترمب: الحوثيون «استسلموا» والضربات الأميركية على اليمن ستتوقف    اعلان دولة الامارات العربية المتحدة دولة عدوان    عادل الباز يكتب: المسيّرات… حرب السعودية ومصر!!    الأهلي كوستي يعلن دعمه الكامل لمريخ كوستي ممثل المدينة في التأهيلي    نائب رئيس نادي الهلال كوستي يفند الادعاءات الطيب حسن: نعمل بمؤسسية.. وقراراتنا جماعية    مجلس الإتحاد يناقش مشروع تجديد أرضية ملعب استاد حلفا    من هم هدافو دوري أبطال أوروبا في كل موسم منذ 1992-1993؟    "أبل" تستأنف على قرار يلزمها بتغييرات جذرية في متجرها للتطبيقات    وزير الطاقة: استهداف مستودعات بورتسودان عمل إرهابي    أموال طائلة تحفز إنتر ميلان لإقصاء برشلونة    قرار حاسم بشأن شكوى السودان ضد الإمارات    بعقد قصير.. رونالدو قد ينتقل إلى تشيلسي الإنجليزي    ما هي محظورات الحج للنساء؟    شاهد بالصورة والفيديو.. بالزي القومي السوداني ومن فوقه "تشيرت" النادي.. مواطن سوداني يرقص فرحاً بفوز الأهلي السعودي بأبطال آسيا من المدرجات ويخطف الأضواء من المشجعين    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظاهرة الانبراش الحكومي والمثقّفاتي في السّودان: عندما يُحرجُ الشّعبُ في حكوماته ومثقّفيه حتّى يكاد أن يتوارى خجلاً! (3/3) .. بقلم: محمّد جلال أحمد هاشم
نشر في سودانيل يوم 07 - 03 - 2021


جوبا 3 مارس 2021م
ولمصرَ جنودٌ مجنّدة من مثقّفي السّودان:
أدناه سوف نستعرض إفادات بعض الشّخصيّات السّودانيّة ذات الوضع المعتبر في المجتمع ممّن يتفاخر ويتباهى بحبّه لمصر. ولا ينبغي أن نعجب من هذا في بلدٍ برزت فيه أكبر حركة سياسيّة ومنتهى شوقها أن تندمج مع مصر تحت التّاج المصري. وقديما صدح الشّاعر السّوداني محمّد سعيد العبّاسي بقصيدة ذجر فيها أهله السّودانيّين إزاء الدّعوة الوطنيّة للتّعامل مع مصر من منطلق المساواة وليس التّبعيّة حيث قال:
هل شدّتمو يا قومُ أسطولاً على البحرِ مَخَرْ؟
أو طائراتٍ بالسّما ترمي الأعادي بالزُّبَرْ؟
أو حبّرتْ أقلامُكم بعضاً من الآيِ الغُرَرْ؟
أو مثلَ شوقي إذ شَدا والرّافعيِّ إذا نَثَرْ؟
إن لم تكونوهم فما هذا التّعالي والصَّعَرْ؟
***
الغريب أنّ مصر لم تقم بتشييد الأساطيل، أو قامت بصنع طائراتٍ .. إلخ. لكن ما يهمّنا النّزعة لتعيير أهله السّودانيّين ودمغهم بالدّونيّة إزاء مصر، ومن ثمّ توبيخهم لتعاليهم كذا! إذن فهي نزعة سودانيّة ابتُليت بها الصّفوة والطّبقة المتعلّمة. أدناه صور ونماذج لاستمراريّة هذه النّزعة الانبراشيّة الانبطاحيّة إلى يومنا هذا.
***
محمّد سعيد محمّد الحسن
ما كنّا لنقف عند هذا المقال لولا أنّنا رأينا الأمر كما لو كان منسّقاً بين العديد من الجهات الرّسميّة وغير الرّسميّة بخصوص تبنّي خطاب بعينه في مسألة العلاقة مع مصر والإزراء بمجموعات ثقافيّة سودانيّة أصيلة. فبعد حديث اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين (وزير الدّاخليّة) بحوالي الشّهر، أي تحديداً في يوم الأحد 8 فبراير 2005م الموافق 17 ذا الحجّة 1424ه طالعتنا جريدة الرّأي العام (عدد 2351، ص 9) بالحلقة الأولى من مقال لمحمّد سعيد محمّد الحسن بعنوان: الوجود المصري المكثّف يصوّب الخطأ الفادح ويعيد التّوازن السّكّاني .. التّسريع بتفعيل "الحرّيّات الأربع" بوادي النّيل، والعنوان وحده يشي بمحتواه لدرجة ربّما ما كانت لتحوجنا إلى التّعليق عليه. ومع ذلك لا بأس من الإشارة لبعض الفقرات المحوريّة التي اشتمل عليها هذا المقال العجيب الذي أغضب النّوبيّين حتّى زعم البعض منهم أنّه يشتمّ فيه رائحة العمالة.
***
بالطّبع يبدأ المقال بالتّعويل على اتّفاقيّة الحريّات الأربع، وتحديداً للانطلاق منها لتسويغ استيطان ملايين المصريّين ليس بشمال السّودان فحسب بل في مناطق أخرى، بالضّبط مثلما نُسب للسّيّد اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين. ويستخدم الكاتب في ذلك صياغات خطابيّة مصريّة عند تناول الشّأن السّوداني من قبيل (وادي النّيل)، (الجنوب) لدى الإشارة إلى السّودان، مغلّفاً أهدافه بورق الكلام الأصفر. نقرأ في المقال: "إنّ التّداخل البشري بين شطري وادي النّيل ينبغي أن يأخذ الأسبقيّة الأولى لأنّه ضروري للجنوب بمثلما هو ضروري للشّمال فهو عصب العمليّة التّكامليّة والوحدويّة على حدٍّ سواء لأنّ التّواصل الإنساني والتّعامل المباشر وحده يؤمّن الجسر المشترك ويقوّي الوشائج ولتسهيل هذا الجانب فينبغي التّعجيل برصف طريق بورسودان السّويس (نحو 280 كيلو متراً) أي أقلّ من المسافة بين الخرطوم وعطبرة الذي يقطع الآن في أقلّ من أربع ساعات وهذا وحده كفيل بتحقيق حلم ظلّ على مدى حقب بعيدة يراود أهل شطري وادي النّيل وسيجعل الانتقال سهلاً وممكناً ومتاحاً للجميع ...".
***
انظروا كيف يقفز الكاتب فوق مثلّث حلايب (كما قفزت مريم الصّادق بالزّانة) الذي يبدو أنّه لا يهمُّه في شيء. تُرى كيف سيصل الطّريق بين بورسودان والسّويس دون أن يمرّ بحلايب؟ كيف يعقل أن يتحدّث سوداني عن طريق يمرّ بحلايب ليصل بورسودان بالسّويس دون أن يتطرّق للاحتلال المصري لحلايب؟
***
ولننظر إلى القوم كيف يستكثرون على أنفسهم كبر مساحة السّودان، كأنّما لو كانوا غير جديرين بها، بل أولى بمثل هذه المساحة الرّحيبة الجارة العزيز، مصر المؤمّنة. وفي الحقيقة هذا الكلام لا علاقة له بكلام أهل السّودان البسطاء، ممّن حباهم الله رجاحة العقل باعتبارها حسّاً عاماً لا يحتاج إلى شهادات أو مدارس. كما لا يشبه كلام أهل السّودان من كتبة الصّحف عموماً إلاّ في استخدامه لإزميل فدياس في تدمير تماثيل الكلام بدلاً من نحتها به. لاحظوا خلوّ المقال من حركات التّرقيم من نقطة وشولة، إلخ، فضلاً عن ركاكة مركّبة مع رسخان قدم الكاتب في مهنة الصّحافة.
***
فلننظر يا سادتي إلى هذا القول النُّكْر: "... فلدى السّودان موارد هائلة وأرض شاسعة وممتدّة خصبة وثريّة ولدى مصر خبرات وإمكانيّات ضخمة ولكن الأرض الزّراعيّة في مصر ظلّت منذ عهد الفراعنة محدودة ولم تتجاوز الخمسة ملايين فدّان واستطاع الفلاّح المصري بالخبرة المتوارثة والقدرات المتعدّدة المتاحة المثابرة على الزّراعة وتكثيف الإنتاج لتغطية احتياجات سكّان مصر الذين ارتفع تعدادهم من 25 مليون نسمة في حقبة الخمسينات إلى 70 مليون نسمة مع مطلع الألفيّة الثّالثة وتمكّنت الدّولة المصريّة من قهر الصّحراء وشقّ القنوات ومدّها بالمياه واستصلاح الأراضي عبر جهد خارق وأموال طائلة ولكن كلّه لم يحقّق سوى مليوني فدّان واتّسعت المساحة إلى سبعة ملايين فدّان ومثل هذه الفدادين توجد أضعافها في الشّمال والوسط وفي الشّرق وبوجه خاص منطقة طوكر، والسّودان يمتلك أراضي زراعيّة ذات خصوبة عالية ... إنّ الأراضي الخصبة في السّودان تعوزها الأيدي الزّراعيّة ذات الخبرة والدّراية والتي بمقدورها تحويل الأرض من تراب إلى تبر وليس هنالك أفضل ولا أكفأ من الخبرة المصريّة العريقة المتمثّلة في الفلاّح المصري ولكن قدوم المصريّين لن يتيسّر بالكلام الطّيّب ولا بالتّمنّيات ولا بوجود مثل هذه الأراضي الجيّدة الثّريّة إنّما بتوفير الاحتياجات والخدمات الضّروريّة من المياه النّقيّة والكهرباء والتّعليم والعلاج والسّكن والأسواق في المناطق المعدّة للزّراعة وإيجاد الصّيغة الملائمة والجاذبة للتّمليك أو الشّراكة للقوى المنتجة، إنّ دولاً مثل تونس والعراق أعطتهم الأرض والسّكن مجّاناً للوصول إليها والتّفرّغ للزّراعة".
***
ثمّ فلنُعِد الكرّة فيما يمكن أن يعتبره البعض توارد خواطر (رسميّة وشعبيّة) بين ما قال به اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين والأستاذ محمّد سعيد محمّد الحسن فيما يخصّ تزايد وتيرة تعداد شعب مصر، وكأنّما السّودان هو المسئول عن دفع فاتورة هذه التّكلفة السّكانيّة. ثمّ فلننظر إلى هؤلاء الذين يبكون بدموع التّماسيح شفقةً على مصر من رُزء أصلابها. وللمرء أن يتساءل: لماذا تتكبّد الدّولة بالسّودان كلّ هذه التّكاليف من أجل أبناء شعب آخر وهي التي لم تفعل ذلك لشعبها؟ ولكن، هل فعلاً يعني الكاتب أن تقوم الدّولة السّودانيّة بدفع تكاليف توطين ملايين المصريّين من مال دافعي الضّرائب السّودانيّين؟ الإجابة على هذا السّؤال وقعنا عليها طبعاً في تلافيف الحديث الذي نُسب إلى الدّكتور الصّادق عمارة، أعلاه.
***
نعم، لقد صدق كاتب المقال في مسألة استجلاب العراق ودول أخرى للفلاّحين المصريّين إلى أرضهم؛ لكن الكاتب أحجم عن أن يحكي لنا إلى ماذا انتهت فصول ذلك الاستيطان. فقد سُحل المصريّون في شوارع العراق حتّى تمّ إجلاؤهم عن آخرهم. ومع رفضنا لما قام به العراقيّون في ردّة فعلهم إزاء الفلاّحين البسطاء، لا نملك إلاّ أن نُحمّل مسئوليّة ما حاق بالفلاّحين على نظامي القاهرة وبغداد. الأول على تكالبه على كلّ شبر من الأرض قد يُتيحه له أيُّ نظام حكم غير مسئول؛ والثّاني على تفريطه في مكتسبات شعبه. فهل هذه تجربة مثلى كي يُضرب بها المثل من قبل كاتب مرموق مثل الأستاذ محمّد سعيد محمّد الحسن، الذي يقول بعد ذلك قولاً نُكْراً على نُكر ما قال به أعلاه، ممّا عدّه الكثير من المراقبين على أنّه مجرّد انبراش مجّاني. ولا يُلام هؤلاء في ذلك حتّى لو اشتطّوا: "إنّ تطبيق "الحريّات الأربع" التّنقّل والإقامة والعمل والتّملّك ينبغي أن يتمّ بشكل فوري على الأرض التي طال شوقها وانتظارها لقدوم أهل الخبرة والخضرة في الشّمال (يعني ب 'الشّمال‘ مصر طبعاً").
***
في نهاية المقال يقذف الأستاذ محمّد سعيد محمّد الحسن ببرقع الكلام بعيداً ليكشف عن وجه قميء في باب العلاقة بين السّودان ومصر، من جانب، حيث يطالب بتوطين ملايين المصرييّن وبالمكشوف، ثمّ في رؤيته، من جانب آخر، لإخوةٍ لنا سودانيّين حفظونا وحفظوا سوداننا وسودانهم عبر السّنين والقرون وما بدّلوا تبديلا، ألا وهم السّودانيّون الذين تعود بهم أصولهم إلى غرب أفريقيا، فحُقّ لنا أن نحفظهم في بلدهم وبلدنا السّودان وفاءً وإكراماً، إلاّ من أضلّه الله فلن تجد له من هادٍ. وهذا ما يعود بنا إلى الكلام المنسوب للواء عبد الرّحيم محمّد حسين ثمّ الكلام الوارد في الوثيقة الرّسميّة الخاصّة بوزارة الدّاخليّة المشار إليها أعلاه.
***
يقول الأستاذ الصّحفي المخضرم: "إنّ التّسريع بتطبيق 'الحرّيّات الأربع‘ وبوجه خاص ما يتعلّق بانتقال الزّراعيّين المصريّين نحو الشّطر الجنوبي [كذا] سيحقّق مزايا ومكاسب واسعة في وادي النّيل ليس على مستوى الإنتاج والتّوسّع الزّراعي وإقامة المناطق المنتجة الجديدة وإنّما على مستوى تحقيق التّوازن السّكّاني .. [استخدام النّقطتين كأسلوب ترقيمي ورد في الأصل] لقد عمدت الإدارة البريطانيّة إبّان حكمها للسّودان إلى إعادة المصريّين العاملين فيه إلى مصر وحظرت دخولهم تماماً إلاّ بإذن خاص ويقتصر على مسئولي الحكومة المصريّة بينما فتحت للهجرة البدائيّة [كذا] الوافدة من الدّول الأفريقيّة المجاورة الحدود ومنافذ العبور وشجّعت إقامتهم ثمّ جاء الحكم الوطني وبعقليّة قاصرة أغدق على جموع الوافدين 'الجنسيّة السّودانيّة‘ لضمان أصواتهم في الانتخابات العامّة وتمّ ذلك إبّان حكومة السّيّد عبدالله خليل سكرتير عام حزب الأمّة وذلك في أعوام 1956م و1957م و1958م واستقرّوا وتوالدوا وتكاثروا [لم يبقَ إلاّ أن يقول 'كالبعوض أو الذّباب‘] في مناطق عديدة والأرض الرّحبة تسعهم وينبغي أيضاً أن تسع غيرهم أي قدوم الملايين من مصر لأهداف وأغراض متعدّدة منها أنّ استقرارهم في جنوب الوادي يحقّق المعادلة الصّحيحة للتّوازن السّكّاني والحيلولة دون الاختلال".
***
كذا إذن! أليس ذلك أدعى للنّاس كيما يصدّقوا مذكّرة مجموعة العمل النّوبي (صدرت في الخرطوم في أبريل 2004م وتم توجيهُها للسّكرتير العام للأمم المتّحدة رفضاً واستنكاراً لبيع الحوض النّوبي) عندما قالت بأنّ المسألة كلّها مبنيّة على رؤية عنصريّة تنظر إلى السّودان باعتباره بلداً ينبغي أن يكون للعرب فيه اليد الطّولى من حيث السّكّان والسّلطة والثّروة، ثمّ الثّقافة؟ وفي الحقّ، إذا كان جميع هؤلاء النّاس، وغيرهم كُثر، يتكلّمون بهذه الطّريقة من تلقاء أنفسهم وبالأصالة عمّا بدوخلهم، إذن فما أسعد مصر المؤمّنة بحبّ بعض أبناء السّودان وإيثارهم لها عن بلدهم المغبون.
***
ثمّ ختم الصّحفي المخضرم محمّد سعيد محمّد الحسن الجزء الأوّل من مقالته التي سَلَحَ بها على رؤوسنا دون استحياء: "ثمّ نأتي إلى دور مصر في عمليّة سلام السّودان وتأمين واتّفاقيّة [كذا] الدّفاع المشترك ووجوب استردادها واستعادة فعاليّتها واتّفاقيّة مياه النّيل وإعادة الحياة والكثافة السّكّانيّة في منطقة حلفا القديمة كضرورة إستراتيجيّة ...".
***
كذا إذن! فإعادة الحياة والكثافة السّكّانيّة في منطقة حلفا القديمة التي اشترط المصريّون إفراغها من سكّانها الأصليّين قد أصبح حقّاً إستراتيجيّاً لمصر! هذا ما كان من أمر صحفي يفترض فيه أنّه يكتب من منطلق حرّيّة الفكر والأمانة المهنيّة.
***
السّفير عزّ الدّين حامد
الآن دعونا نتأمّل بإيجاز ما قاله أحد رجالات الدّولة، ألا وهو السّفير عزّ الدّين حامد، (السّفير وقتها بمجلس الصّداقة الشّعبيّة وهو مؤسّسة رسميّة). طالعتنا جريدة الرّأي العام الصّادرة بتاريخ الأحد 18 أبريل 2004م الموافق 28 صفر 1425ه (وهو اليوم الذي قدّمت فيه مجموعة العمل النّوبي مذكّرتها لكوفي عنان)، صفحة رقم 3، بخبر تنظيم ندوة حملت العنوان التّالي: العاطفة أم المصلحة .. تحكم علاقات مصر والسّودان؟ حوار مثير في ندوة مهمّة بالخرطوم ناقشت الآمال والآلام؛ وقد جاءت النّدوة التي استمرّت لمدى يومين بقاعة الصّداقة بتنسيق مشترك بين المركز السّوداني للخدمات الصّحفيّة (وهذا مركز كان ينتمي إدارةً وتأسيساً لجهاز الأمن السّوداني وربّما لا يزال الآن بعد الثّورة) امتداداً لندوات مماثلة أقامها بالقاهرة مركز الأهرام سابقاً. وعلى هذا قام السّيّد محمود مراد (تاني!) بإعداد مضابط النّدوة للنّشر. يقول المعدّ الصّحفي للنّدوة، السّيّد محمود مراد: "وشارك في إدارة الجلسات شخصيّات لها ثقلها مثل البروفيسور علي شمّو رئيس المجلس القومي للصّحافة والمطبوعات وزير الإعلام والثّقافة الأسبق، والبروفيسور حسن السّاعوري، والدّكتور حسين سليمان أبو صالح وزير الخارجيّة الأسبق، وتحدّث في النّدوة عدد من الشّخصيّات البارزة مثل الدّكتور مجذوب الخليفة وزير الزّراعة والغابات، والزّهاوي إبراهيم مالك وزير الإعلام، والدّكتور كمال علي محمّد وزير الرّيّ، والبروفيسور بركات موسى الحوّاتي عميد كلّيّة القانون بجامعة جوبا والدّكتور أحمد دياب أستاذ التّاريخ وعدد من القيادات السّياسيّة والفكريّة والإعلاميّة ...".
***
تميّزت الإفادات المنسوبة للمشاركين في النّدوة، وأغلبهم من السّودانيّين، بتحيّزها الواضح لمصر، عدا إفادة واحدة احتجّت على صعوبة إجراءات حصول السّودانيّين لتأشيرة الدّخول لمصر، ذلك في ظلّ الزّخم المرتبط باتّفاقيّة الحريّات الأربع (وهو ما سنأتي له لاحقاً).
***
في سياق هذه النّدوة نُسب إلى السّيّد السّفير عزّ الدّين حامد قوله بعد إشارته للعديد من أشكال التّكامل التي تمّ التّوقيع عليها رسميّاً بين السّودان ومصر: "... ما يحدث من تكامل الآن لم يخرج عن إطار العلاقات الثّنائيّة. ولتحقيق ذلك [أي التّكامل الحقيقي] لا بدّ من أن تكون الأسبقيّة الأولى في الاتّجاه للأمن الغذائي والتّكامل الزّراعي والتّوسّع في زراعة القمح في الإقليم الشّمالي من السّودان لتشجيع الفلاّح المصري لعبور حدود الإقليم الشّمالي لإحداث توازن في التّركيبة السّكّانيّة التي تفقد الإقبال من الدّول العربيّة خاصّة مصر بينما كلّ دول غرب أفريقيا عرفت طريقها إلى السّودان منذ أمدٍ بعيد".
***
وكيفما كان هذا الاتّجاه مشحونا بالعنصريّة ومجافاة حقيقة الهويّة السّوداء، كيفما كان كلّ هذا، تبقى حقيقة من الصّعب المغالطة أو المماحكة فيها، ألا وهي أنّ مسألة "إحداث التّوازن في التّركيبة السّكّانيّة والوافدين من دول غرب أفريقيا" تمثّلان جملتين مفتاحيّتين اجترحهما المسئولون الرّسميّون في السّودان لتوصيف الوضع في المنطقة الشّمالية التي هُجّر منها أهلها بُعيد تشييد السّدّ العالي، أو هجروها فيما بعد جرّاء الدّهورة التي نجمت عن التّهميش ببعديه التّنموي والثّقافي. ومن الواضح عند مسئولينا أنّ تحقيق هذا التّوازن يتمثّل في استقدام ملايين المصريّين من دون النّوبيّين، مصريّين كانوا أم سودانيّين. وهذا الإقصاء لا يمكن فهمه إلاّ في إطار أنّ المسألة كلّها لا تقوم على مجرّد ملء الفراغ البشري، بل إحداث تغيير في التّركيبة العرقيّة والثّقافيّة، الأمر الذي يبرّر استبدال العنصر الأفريقي الأسود بعنصر عربي جديد، وهذا هو مناط الإشارة إلى من يسمّيهم المسئولون الرّسميّون بجملة "وافدي غرب أفريقيا". وفي هذا يجد المسئولون الرّسميّون من يشايعهم ويحرق لهم البخور من لفيف الأكاديميّين والصّحفيّين والدّبلوماسيّين وغيرهم.
***
الدّكتور محمّد إبراهيم دياب
الآن دعونا ننظر إلى هذا الأفريقي الأسود كيف يُعلي من شأن مصر ويُزري في المقابل من شأن أفريقيا السّوداء، ألا وهو الدّكتور أحمد دياب (أستاذ التّاريخ)، في نفس النّدوة المشار إليها أعلاه: "إنّني من الذين لديهم محبّة شديدة لمصر وأرفض كلمة علاقات لأنّه يمكن أن يقال العلاقات مع الهند أو يوغندا مثلاً .. لكن علاقات مع مصر فهذا ما لا أقبله لأنّ الذي بين مصر والسّودان روابط دم وتمازج قديم".
***
فهل تُرى لم يجد الدّكتور أحمد دياب (أستاذ التّاريخ) من يذكّره بأنّ علاقات السّودان ويوغندا بالنّسبة للقبائل النّيليّة مثل الأشولي وغيرها كثير (دع عنك عموم أهل السّودان الذين لا يرون غضاضة في أن يكونوا أفارقةً سوداً)، وهي نفس القبائل المنقسمة حدوديّاً بين البلدين وتصعد حتّى كينيا، تمثّل أيضاً روابط دم وتمازج قديم؟ فمثل هذه المعلومات الأوّليّة لا يمكن الزّعم بغيابها عن واعية أستاذ التّاريخ، لكن إن هي إلاّ غيبوبة المحبّ في لحظة الجذب، فتصوّر! هذه المسألة لا يمكن فهمها إلاّ في إطار حالة الاستلاب التي تجتاح بلادنا، فتعصف بتوازن أناسٍ ربّما نالوا مرتبة عالية في العلم والسّلطة والثّروة، فإذا بهم ينفرون من صحوة هويّتهم الأفريقيّة الغرّاء ليدخلوا بملء إرادتهم غيبوبةَ نُشدانهم لهويّةٍ عربيّة ما واتاهم بها المولى عزّ وجلّ، والله ذو الفضل العظيم. ولعمري هذا أبغض مراحل العنصريّة، ذلك عندما يشتطّ تيّار عنصري بعينه، حتّى يُفقد حملةَ العنصر المغاير احترامهم لأنفسهم كبشر، والعياذ بالله.
***
الصّحفي الطّاهر ساتّي
في يوم 17 أبريل 2007م خرجت مسيرة غاضبة من نجوع وقرى المحس المهدّدة بالإغراق، فطافت حول شلاّل كجبار ثمّ عادت إلى حاضرتهم التي ليست سوى قرية صغيرة، وادعة على النّيل اسمها فَرَّيق. خرجت المظاهرة احتجاجاً على قرار الحكومة معاودة العمل في بناء الخزّان، مستصحبة معها جميع العوامل التي أفضنا في شرحها التي كانت جموع النّوبيّين البسطاء على وعي عالٍ بها وبالأجندة الخفيّة التي تقف خلف هذا المشروع. وقد كان قوام المظاهرة النّساء والرّجال من كبار السّنّ ثمّ الأطفال، فضلاً عن بعض الشّباب الذين قفلوا عائدين إلى قراهم لدى سماعهم بالأنباء. لم تكن المظاهرة تزيد على الخمسة آلاف متظاهرة ومتظاهر. ومع ذلك انزعجت السّلطات التي كعادتها استدعت قوّات الاحتياطي المركزي ... إلخ ممّا قد نتطرّق له لاحقاً. ومع كلّ هذا، لم تعدم وحدة تنفيذ السّدود (الجهة المسئولة عن تنفيذ الخزّان وتتبع إلى رئاسة الجمهوريّة رأساً) من يُدافع عنها، من المثقّفين النّوبيّين، مزرياً بأهله البسطاء وبما قاموا به، وهو جهد المقلّ. فقد كتب الصّحفي الطّاهر ساتّي في عموده اليومي "إليكم" بالصّفحة الأخيرة بجريدة الصّحافة بتاريخ الخميس 19 أبريل 2007م الموافق 2 ربيع الثّاني 1428ه (العدد رقم 4974)، أي بعد يومين من تلك المظاهرة، تحت عنوان "رفض ضار بحياة النّاس ..!!" (لاحظوا آفّة الكتابة الصّحفيّة السّودانيّة، وهي التّعامل مع علامات التّرقيم كما لو كانت علامات للزّينة). في عموده اليومي أتى الطّاهر ساتّي بقول نُكر فاق فيه "القبلو والبعدو". فالرّجل كمن سَلَحَ على رؤوس القوم وهم جلوسٌ في المحفل من حيث ظنّ أنّه قد أكرمهم.
***
ليت الطّاهر ساتّي اكتفى بهاجمة مظاهرة النّوبيّين التي انطلقت في فرّيق بالمحس، لأنّه في الواقع ذهب إلى أبعد من ذلك، إذ ذهب إلى تسجيل الإدانة الدّامغة في حقّ الشّعب النّوبي خاصّة، ثمّ بعده الشّعب السّوداني في مجمله. وقد فعل كلّ ذلك وهو يجلس على دكّة الفيلسوف الذي كأنّما فرغ من التّنظير في كلّ شيءٍ، ثمّ لم يبقَ غير أن يُصدر أحكامه على النّاس، كلّ النّاس. ولكن الرّجل الغافل لم يعلم أنّ الذي يُدين الجماهير يبوء بإدانة نفسه لا بإدانة الجماهير.
***
انظروا بالله إلى لغة الإزراء والتّحقير والتّسفيه (ولاحظوا خطايا اللغة والكلام التي تفنّن الرّجلُ فيها أفانين ما واتت أحداً قبله، والتّنقيط كلّه جاء في الأصل): "هل سمع أحدكم بمظاهرة تظاهر متظاهروها [كذا] رفضاً لمدّ مدينتهم بالتّيّار الكهربائي ....؟ طبعاً لا .. وهل رأى أحدكم مسيرة سار مسيّروها [كذا] استنكاراً لريّ مشاريعهم الزّراعيّة بالرّيّ المستدام ...؟ بالتّأكيد لا .. وهل اشتمّ أحدكم رائحة بمبان أطلقته الشّرطة لتفضّ موكب حاشد رافض ومستهجن [كذا، فالمنصوب مغلوب على أمره] لعمليّة تنمويّة في دياره ...؟ إطلاقاً [سطر جديد] لا ... وإذا جاءك أحداً [كذا بالنّصب] بمثل هذا النّبأ بالتّأكيد سوف تتعامل معه باعتباره إمّا فاسق [كذا] نبأه [كذا بالنّصب للمرفوع] ليس بحاجة إلى (تبيّنوا)، أو مجنون لا يؤخذ من فيه حتّى حكمة [كذا بهذه الرّكاكة]، وغير هذا وذاك لا نظنّ بأنّ على أرضنا هذه كائناً عاقلاً يقول أو يصدّق بأنّ سكّان منطقة ما في مكان ما عبّروا بوسيلة ما عن رفضهم لمشروع تنموي ما ..."!
***
بالطّبع تتطاير الرّدود الجاهزة على مثل هذا القول العاجز، الضّعيف، حتّى إنّ المرء لا يدري بأيّها يبدأ. من قبيل ذلك أن نسأله أن يذكر لنا اسم هذا المشروع التّنموي الذي يتباكى عليه الرّجل بدموع التّماسيح. فحكومة الإنقاذ السّنيّة (رقم 1)، حتّى تلك اللحظة ومنذ 1995م عندما صدر القرار الجمهوري القاضي ببناء خزّان كجبار، لم يفتح الله عليها بكلمة واحدة عن مشاريع تنمويّة بعينها متعلّقة بخزّان كجبار إلى أن واتاها الأجل المحتوم عبر ثورة الشّعب التي لم يتردّد الطّاهر ساتّي وأشباه الطّاهر ساتّيمن امتطاء ظهرها. فقد تكلّمت عن الكهرباء، بوصفها لازمة تنمويّة، ثمّ عن التّهجير، فالتّعويض، دون أيّ حديث عن مشاريع تنمويّة بعينها. وإلاّ قولوا لنا، لماذا التّهجير وتكرار سيناريو حلفا بطريقة وقع الحافر على الحافر؟
***
كلّ هذا وغيره، يمكن مجابهة الرّجل به؛ لكن ما يجعلنا في غني عن ذلك أنّ الرّجل صحفي، الأمر الذي ينبغي فيه أن يكون قد وقع على ما وقعنا عليه في أمر الحوض النّوبي ومسألة بيعه للمصريّين بغية توطين ملايين الفلاّحين المصريّين فيه، ممّا أفضنا فيه أعلاه. فإذا سمع وقرأ بكلّ ذلك، ثمّ لم يفهم ما قرأ وما قفز بين السّطور، فتلك مصيبة؛ أمّا إذا قرأ كلّ ذلك وفهم ما حملته السّطور وما بين السّطور، ثمّ أتى بقوله النُّكْر أعلاه، فليست بمصيبة. ذلك لأنّ مثل هذه المصائب عندما يعتاد عليها النّاس، وتصبح من شئون حياتهم اليوميّة، لا تصبح مصيبة، بل تصبح مصاباً قوميّاً ابتلى اللهُ به شعبَنا.
***
لكن ما يُقلق فيما يخطُّه كتبةُ السّلطان جهلهم بما يكتبون عنه. دعونا نتأمّل قوله: ""هل سمع أحدكم بمظاهرة تظاهر متظاهروها [كذا] رفضاً لمدّ مدينتهم بالتّيّار الكهربائي ....؟ طبعاً لا .. وهل رأى أحدكم مسيرة سار مسيّروها [كذا] استنكاراً لريّ مشاريعهم الزّراعيّة بالرّيّ المستدام ...؟ بالتّأكيد لا .. وهل اشتمّ أحدكم رائحة بمبان أطلقته الشّرطة لتفضّ موكب حاشد رافض ومستهجن [كذا، فالمنصوب مغلوب على أمره] لعمليّة تنمويّة في دياره ...؟ إطلاقاً ...". فهذا يعني أنّ الطّاهر ساتّي يعتقد بأنّ السّدّ عندما يُبنى سوف يُنير قرى المتأثّرين بالسّدّ. اعتقاده هذا يكشف جهله المطبق بتجربة تهجير سدوديّة ضخمة مثل تهجير النّوبيّين لخشم القربة وحلفا الجديدة. فقيام السّدّ العالي لم ينجم عنه إنارة قرى المتأثّرين ببساطة لأنّ هذه القرى سوف تختفي من الوجود بالغرق، ولأنّ المتأثّرين سوف يتمّ تهجيرهم بعيداً عن أوطانهم.
***
وتبعاً لهذا تسقط جملة مزاعمه الجاهلة: "... استنكاراً لريّ مشاريعهم الزّراعيّة بالرّيّ المستدام ..."؛ كما لو كانت قراهم المغمورة بالماء سوف تُروى بالماء، فتصوّر! وكذلك مزعمه التّالي: "... وهل اشتمّ أحدكم رائحة بمبان أطلقته الشّرطة لتفضّ موكب حاشد رافض ومستهجن لعمليّة تنمويّة في دياره ...؟ إطلاقاً". فالطّاهر ساتّي الذي يطالع قرّاءه يوميّاً عبر عمود صحفي يبدو في جهل غير مقبول بحقيقة بسيطة يعرفها حتّى الأطفال القصّر، ألا وهي أنّ المنطقة المغمورة بالسّدّ العالي لم تحدث فيها تنمية خلال نصف القرن الماضي، أي منذ إفراغها من سكّانها وتهجيرهم لسبب بسيط ألا وهو خلّوها من السّكّان.
***
ثمّ ضرب لنا الرّجل مثلاً بأهلنا المناصير، فقال: "المناصير وغيرهم لم يرفضوا مبدأ أن يكون في مروي سدّ (هل تُراه يقصد "مَرَوِي" Merowe أم "مِرْوِي" Mirwi) ولكنّهم وافقوا على بناء السّدّ وعضّوا عليه بالنّواجذ ثمّ قدّموا مطالب مشروعة عند التّهجير، ندعم مطالبهم بلا تحفّظ ونطالب الحكومة بأن تزيدهم نظير تضحياتهم بمسقط رأسهم في سبيل مسقط رأس (أهل السّودان)" [كذا].
***
هذا قولٌ لا يعرف المرءُ له وجهاً. تُرى ما هي المطالب المشروعة التي قدّمها المناصير؟ ثمّ هل فعلاً قدّموها عند التّهجير بما يعني أنّهم وافقوا على التّهجير، لكن بكيفيّة معيّنة؟ فالمناصير، فيما يعرفه القاصي والدّاني، رفضوا التّهجير نفسه، وبالتّالي ما يجب أن يتوجّه نحوه النّقاش والتّحاجج هو: لماذا إفراغ المنطقة من السّكّان أصلاً؟ لماذا لا يحدّثنا الصّحفي المرموق عن المشاريع التّنمويّة التي تزمع الحكومة السّنيّة أن تُقيمها على أرض المناصير بعد قيام السّدّ؟ ثمّ من يا تُرى الذي سيقوم بتنفيذ تلك المشاريع، إذا كانت القوّة البشريّة المناط بها تنفيذ تلك المشاريع سوف تُهجّر وبقوّة السّلاح إلى أرضٍ ليست ذات ماء أو زرع؟
***
ثمّ تبلغ به درجة الاجتراء والتّقحّم حدّاً كم رآه النّاس وخبروه عند كتبة السّلطان، عندما يصف موقف النّوبيّين، فيقول: "والآن تأمّل عزيزي القارئ نوعاً من أنواع الرّفض الأبله، وهو النّاتج بلا سبب مقنع ... رفض بعض أهلي بشمال البلاد بأن تُنشيء الحكومة في ديارهم الجرداء خزّاناً مائيّاً يخزّن المياه [كذا، كأنّما كان في الإمكان أن يخزّن الحبوب] ويوزّعها على صحاريهم القاحلة التي لم تُنبت أرضها منذ أن بسطها الخالق إلاّ الحراز والعشر وتلال الزّحف الصّحراوي [كذا! فهذا أيضاً ممّا ينبت!] .. سبحان الله، إنّهم يرفضون سدّاً مائيّاً [كما لو في الإمكان بناء سدّ ناري] قد يُنتج لهم قبل غيرهم تيّاراً كهربائيّاً يُضيء ظلمات لياليهم التي لم تُضاء منذ أن خلق الله الليل والنّهار إلاّ بالقمر والنّجوم و(الرّتاين والفوانيس) ...".
***
فلتنظروا إلى هذا الصّحفي كيف يتّهم أهله بالبله فلا يبوءُ بالبله إلاّ هو نفسه؛ ولتنظروا إليه كيف يُصدر هذه الأحكام القطعيّة والمطلقة فيُرسلها حَبْقةً تلو حبقة. والرّجلُ قبل كلّ هذا يتكلّم قاضياً فيما يجهل؛ فهو ربّما لا يعلم أنّ بلادنا أنتجت التّمر والخضر، والكروم والزّيتون، ذلك قبل أكثر من ألف عام، حسبما ذكره ابن سليم الأسواني الذي زار البلاد عام 950م. وفيما يخصّ الرّتاين والفوانيس، اسمحوا لي أن أذكر للطّاهر ساتّي أن الأسواني وصف مدينة سوبا (التي تبعد 20 كلم فقط من الخرطوم) بأنّها كانت تشتمل على مئات الأماكن للعبادة، وأنّ الشّوارع كانت مظلّلة بالأشجار على جانبيها، وأنّها كانت مرصوفة بالحجر، وأنّها كانت تُضاء ليلاً بالمصابيح، وأنّ المدينة كانت جيّدة التّخطيط وبها أحياء مقسّمة، منها واحد للمسلمين به مسجد ... إلخ.
***
أقول للطّاهر ساتّي (النّوبي ابن جزرنا الخضراء) بأنّ هذا هو في الواقع مبتدأ الماضي العريق الذي يصدر عنه السّودانيّون عامّة، والنّوبيّون خاصّة. فأين أنت من هذا؟ وما هي الخلفيّات التّاريخيّة التي صَدَرتَ عنها في خوائك الماضوي الأبله هذا؟ ولكن كيف لنا أن نعجب من مثل هذا القول النُّكْر، والصّحفي الطّاهر ساتّي لا يني يفتري على التّاريخ، ماضياً، وحاضراً ومستقبلاً، مستغرقاً في اللجاجة وكتابة "الكلفتة" mediocrity، إذا يقول: "ولكن الذين يرفضون خزّان كجبار لم يقدّم أحدهم مطلباً ولا اقتراحاً ولا سبباً مقنعاً للرّفض، وكلّ من يفتح فمه رافضاً يفتح عليه عقله [كذا] بتبرير فطير لا يتجاوز مداه وفحواه الخوف على غرق (التّراث النّوبي، الثّقافة النّوبيّة) .. هل من العقل أن يكون الحرص على (أضرحة ومقابر أجدادنا القدماء) أقوى وأعظم من الحرص على (حاضر ومستقبل الأجيال) ..."؟ [التّنقيط والتّقويس جاء في الأصل].
***
انظروا إلى كتابة الرّجال البلهاء! ولتنظروا أيضاً إلى هذه الزّراية بتاريخ الأمم والشّعوب! ثمّ تأمّلوا كلّ هذا الكمّ من التّسطيح والرّكاكة اللغويّة والفكريّة والأخلاقيّة. وفي الحقيقة، لا يعرف المرء كيف يبدأ ردّه لمثل هذا القول الفجّ. فلو أنّ النّوبيّين رفضوا إقامة خزّان كجبار لأنّ ما حاق بأهل حلفا، وحاق بعد ذلك بالمناصير، سيحيق بهم أيضاً، لكان ذلك سبباً وجيهاً لرفضهم إقامة الخزّان. فأيّ حاضر وأيّ مستقبل للأجيال يتحدّث عنه الصّحفي الطّاهر ساتّي؟ فمسألة إفراغ المنطقة من السّكّان تشي بغياب أيّ بعد تنموي في حالّة حلفا، والمناصير، وفي كجبار، وبقيّة العقد الفريد من الخزّانات التي يزمع نظام الإنقاذ إقامتها. أوليس هذا سبباً كافياً لرفض إقامة هذه الخزّانات، حتّى لو سبقتها موافقة مبدئيّة أوّلاً؟ فالطّاهر ساتّي لا يُجيب عن السّؤال حول الحكمة من إفراغ المنطقة من السّكّان بالرّغم من أنّه يعلم بأنّ المنطقة سوف يتمّ إفراغُها. ومع هذا، فهو يكتب فيما يجهل. كما إنّه يعلم أنّ الحكومة أصرّت، وبحدّ البندقيّة، على إخلاء المناصير من قراهم بدلاً من السّماح لهم ببناء عوض منازلهم المغمورة على ضفاف البحيرة.
***
بالطّبع، الصّحفي الطّاهر ساتّي لا يمكنه أن يُطلعنا على مشروع واحد أُقيم بمنطقة المناصير ببساطة لأنّه لا يجهل ما يتكلّم عنه، لكن لأنّه يكتب بموجب ما يُمليه عليه أولياء نعمته، لا بموجب ما يمليه عليه ضميرُه، وفاقدُ الشّيء لا يُعطيه. فهو يقف "يعمل فيها رايح" في مواجهة أسئلة من قبيل: فإذا كان هناك مشروع كهذا، لماذا إخلاء المناصير من المنطقة؟ وما هي القوّة البشريّة التي ستقوم بإنفاذ هذا المشروع المزعوم؟ وإذا لم يكن هناك مشروع يمكنه أن يُطلعنا عليه، فما هي الجدوى من إقامة هذه الخزّانات؟ أليس من حقّنا أن نعرف لمن تُقرع أجراس هذه الخزّانات في بلادنا؟
***
وكم زادت دهشتنا من تقحّم الرّجل عندما طالعتنا جريدة الصّحافة الغرّاء (أي نفس الجريدة التي يكتب فيها الطّاهر ساتّي) في عدد 4976 بتاريخ السّبت 19 أبريل 2007م الموافق 2 ربيع الثّاني 1425ه، أي بعد يومٍ واحد من كلامه الذي ناقشناه أعلاه، بخبر مفاده أنّ المناصير بصدد إغلاق أبواب الحوار مع الحكومة، مركزيّة وولائيّة، بعد تعنّت الأخيرة في إنفاذ ما وعدت به من السّماح لهم بالسّكنى على ضفاف بحيرة الخزّان. فبعد هذا الخبر، يتوقّع الإنسان من أيّ كاتب يحترم مهنته أن يُراجع نفسه فيما خطّت يداه بالأمس؛ ولكن هيهات أن يحدث مثل هذا ممّن ينسى ما كتب بالأمس، ومن الذين لا يقرأون إلاّ ما يكتبونه فيعيشون في جهلٍ مُطبق بينما يملؤهم الزّهو بأنّهم قد بلغوا الذُّرى من العلم والفكر. هؤلاء هم كتبةُ المال وتنابلة السّلطان.
***
ولكن أغلب هذا ما كان ليعنينا في القول النُّكْر الذي سَلَحَ به الطّاهر ساتّي على رؤوسنا من على أظهر المنابر؛ إذ هو قولٌ يبوء به وحده. ما عنانا، في بعض ما سَلَحَ به، تكذّب الرّجل على النّوبيّين، وكذبةُ المنبر بلقاء. فطيلة سنيّ التّسعينات، وتحديداً منذ أن صدر القرار الجمهوري القاضي ببناء خزّان كجبار، لم ينِ النّوبيّيون من تقديم بدائلهم التّنمويّة التي فصّلنا في أمرها بخصوص التّنمية المتوسّعة بالحوض النّوبي. ولنا أن نتساءل، تُرى أين كان الرّجل في مبتدر عام 2000م، عندما نشرنا على صفحات الجرايد مقالنا الذي اتّخذناه أصلاً لبحثنا الحالي، فسردنا فيه جميع ما قلناه بخصوص تنمية الحوض النّوبي؟ ولكم أن تزداد دهشتكم إذا علمتم بأنّ تلك المقالات التي توالت في ستّ حلقات، نشرتها ذات جريدة الصّحافة الغرّاء التي كان الطّاهر ساتّي يطالع قرّاءه من خلال صفحاتها. فأين كان الرّجل حينها يا تُرى؟
***
وزير الدّفاع متفقّداً رعاياه من المستوطنين بالحوض النّوبي
في يومٍ بعينه، قام السّيّد عبد الرّحيم محمّد حسين بزيارة مبرمجة للمنطقة التي بدأ المصريّون في الاستيطان بها، ألا وهي شمال إقليم السّكّوت بالمنطقة النّوبيّة. وللمرء أن يتساءل: ما الذي يدعو وزير دفاع لتجشّم مشاق السّفر بطائرة هيليكوبتر في بلد تتساقط فيه مثل هذه الطّائرات كما تتساقط حبّات المطر؛ ما الذي يدعوه لزيارة منطقة تمّ فيها توطين أناسٍ أجانب مستقدمون من دولة مجاورة!
***
كتب عبد المجيد محمّد عبد المجيد (وهو من النّوبيّين شائني السّمعة ممّن لم يجدوا وسيلةً للرّزق غير الالتحاق بحاشية الوزراء والمسئولين الكبار) كتب بصحيفة الأهرام اليوم بتاريخ 22 أبريل 2010م (يرجى مراجعة ما كتبه في الموقع التّالي: http://www.alahram.com/ah_news/5996.html
تحت عنوان "البريد الاقتصادي ... رحلة الاستكشاف الكبرى للشمالية") فقال: "من حسن الحظ أنني كنت ضمن الوفد المرافق لسعادة الفريق أول مهندس ركن عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع الوطني وسعادة د. عبد الحليم المتعافي وزير الزراعة الاتحادي وعدد كبير من الخبراء والزراعيين والمسؤولين في وزارتي الزراعة الاتحادية والولائية وأركان حرب سعادة الفريق أول كما كان مديرو شركات 'دان فوديو‘ و'زادنا‘ و'ادا‘ في الوفد الكبير".
***
بعد هذا يقول: "بدأت الرحلة صباح الجمعة من مطار الخرطوم إلى مطار دنقلا حيث كانت هناك مروحيتان في انتظار الوفد. ... حلقت المروحية لمدة ساعتين ونصف وحطت بنا في واحة خضراء غرب السكّوت وتحديداً على بعد 50 كيلو من حميد حيث المشروع الأنيق في قلب الصحراء، مشروع ري محوري يزرع حوالي 1500 فدّان، مساحات شاسعة من القمح والمزروعات الأخرى تسر الناظرين. والغريب في الأمر أنّ الإخوة من أبناء شمال الوادي يعيشون وكأنهم في قلب القاهرة، وأكلنا بسبوسة طازجة وسلطة فواكه طازجة في قلب الصحراء (إنها جنة ضلت طريقها إلى الأرض)" [كذا]!
***
كذا إذن! تُرى من مِن النّوبيّين كان سيعجزه أن يوفّر لكم كلّ هذا لو أُتيحت له ما أُتيحت للإخوة في شمال الوادي، بما في ذلك حماية وزير الدّفاع ثمّ وزير الزّراعة وجملة من أرفع المسئولين الحكوميّين؟
***
هذا نتركه بلا تعليق!
***
وبعد؛ ما مريم براها!
تكشف لنا هذه المستلّة المُتَصرّف فيها كيف أنّ الانبراش والانبطاح لمصر ولمجمل العرب العاربة ليس سوى ظاهرة سودانيّة لا يمكن أن نعمل على استكشاف مصادرها إلاّ ووصلنا إلى الأيديولوجيا الإسلاموعروبيّة. هذه الأيديولوجيا التي لعبت الدّور الأكبر في تزييف وعي قطاعات عريضة من السّودانيّين فصرفتهم من أن يكتشفوا حقيقة هويّاتهم الأفريقيّة السّوداء، فكان أن برزوا للشّأن العام والخاص لا بوصفهم أفارقةً سوداً يتكلّمون العربيّة (أي أنّهم عربفونيّون)، بل برزوا بوصفهم عربُ العرب، فما باؤوا إلاّ بالخسران والاستهزاء. ولو أنّ هذا البوار أصابهم في شخوصهم وعاقبة أمرهم كأفراد، لما كان ذلك لَيشغُلنا في شيء. إلاّ أنّ كل هذا قد باءت به البلاد فأمرضتها الأيديولوجيا الإسلاموعروبيّة الغاشمة حتّى قسّمتها، ثمّ ها هي الآن تعمل على بيع البلاد بالجملة والقطّاعي لمن يدفع ثمّ يمكن أن يحمي. يدفع لمن؟ بالطّبع، يدفع لمن يحكمون؛ يحمي من؟ بالطّبع، يحمي من يحكمون. فكلُّ شيء في بلادنا أصبح معروضاً للبيع في مزاد عالمي وإقليمي، بما في ذلك القوّات المسلّحة التي لم يكتفوا بعرضها للبيع فحسب، بل عملوا على إضعافها وتفتيتها عبر ابتناء المليشيات ذات الأساس الإثني، ولو كانت هذه الإثنيات من خارج الحدود.
***
وعليه، ليست مريم الصّادق سوى بنت أبيها وبنت أيديولوجيّتها الإسلاموعروبيّة. وهي في هذا البناء الخياني الكبير ليست سوى مُدماق "يا دوووووب" في بدايته. وإذا كنّا سنعجب، فلنعجب كيف تمكّن الوعي الإيديولوجي الإسلاموعروبي أن يُزيل كلّ موروثات العداوة بين الأنصار (ممثلّين في قيادتهم الأسريّة التي ما كان المهدي نفسُه لَيسمحُ بها) وبين مصر. فالمتوقّع بموجب الخلفيّة التّاريخيّة أن يحتكر الاتّحاديّون بمختلف فضائلهم وتشرذماتهم هذه الخيانة النّجلاء البلقاء. إلاّ أنّه كلّما احتدّ الصّراع وثبت أنّ السّودان القديم لم يعد قادراً على الاستمرار، كلّما كان ذلك أدعى للقطاعات الخاضعة للأيديولوجيا الإسلاموعروبيّة التي كانت تتظاهر بأنّها بخلاف ذلك (الخلايا النّائمة للأيديولوجيا الإسلاموعروبيّة)، للرّجوع إلى قواعدها وكشف القناع عن وجهها الأيديولوجي الإسلاموعروبي. وهذا ما جعل حزب الأمّة (ممثلاً في قيادته الأسريّة التي ما كان المهدي نفسُه لَيسمحُ بها) لا يتماهى فحسب في ذات المواقف الاتّحاديّة، بل يتصرّف كما لو كان ملكيّاً أكثر من الملك نفسه.
***
وفي معرض هذا، فلتتأمّلوا موقف الجيوب الأنفيّة الإسلاموعروبيّة (من مخلّفات البعثيّين والنّاصريّين) الذين يتسيّدون المشهد السّياسي اغلآن دونما أيّ سند جماهيري. فإذا جمعناهم كوووووولهم لما ملأوا ميداناً لكرة السّلّة. فماذا تبقّى لهم؟ لم يبقَ لهم غير التّماهي في الموقف الإسلاموعروبي وبالوووووواضح. فهذه هي القوى نفسها التي تقف الآن ضدّ فصل الدّين عن الدّولة واسترجاع الدّولة لشرط عَلمانيّتها البنيويّة حتّى تصبح دولةً وطنيّةً حقيقيّةً تقوم على حقوق المواطنة. أمّا السّنابل (وما أروع هذه التّسمية التي لو لم يفعل عمر (الدوقير) شيئاً بخلاف اجتراحها، لكفاه ذلك. إذن، السّنابل وما أدراك ما السّنابل؟ هؤلاء قد أكلهم الطّير. وما الطّيرُ هنا إلاّ قيادتهم التي ركبت ظهورهم كما تركب الطّائفيّةُ ظهور الشّعب لبلوغ السّلطة دون أن تحفظ أيّ جميل لهذه الشّعوب المغلوبة.
***
إنّه العقلُ الطّائفي! آخر مراحل العبوديّة!
***
MJH
جوبا 3 مارس 2021م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.