بناء على إفادات شهود العيان الموثقة بالصور في إحدى دوائر كسلا الانتخابية ثبت قيام عدد كبير من الأطفال بالتصويت وهو أمر عادي ومتوقع قياسا بما جرى ويجري في هذه الانتخابات وأمر لا يثير كثيرا من الدهشة لكن المدهش حقا هو تبرير مسئول الانتخابات في نفس المنطقة لما حدث إذ قال، لا فض فوه، أن الأطفال المذكورين كانوا يحملون أوراق تسجيل وإثبات صحيحة تؤهلهم للتصويت ، فضلا عن أنه لم يعترض أحد على تسجيلهم في كشوفات الناخبين من قبل ولم يعترض أحد أيضا على قيامهم بالتصويت وبالتالي فمركز الاقتراع ، التابع لمفوضية الانتخابات، غير معن بالأمر، والنتيجة النهائية أن تصويت أطفال دون الثانية عشر صحيح ولا غبار عليه بحكم القانون أو بحكم هذا المنطق. ذكرني هذا المنطق الكسيح بمنطق مسئول شرطي في بلد عربي تبريرا لواقعة تختلف من حيث الشكل مع واقعة كسلا وتتفق معها من حيث مضمون الممارسة وهي السرقة والغش وقصور المنطق. فقد هبطت طائرة ركاب في مطار عاصمة ذلك البلد قادمة من مطار جدة وهي تحمل مواطنين يحملان نفس جنسية البلد. المواطنان أديا فريضة الحج أو العمرة ،أو يفترض ذلك، لأن الطائرة كانت مخصصة بالكامل لنقل الحجاج والمعتمرين ، لكن الأمر غير العادي هو أن الحاجين أو المعتمرين كانا يحملان مبالغ كبيرة من الأموال تبلغ مئات الألوف من الريالات السعودية. كان هذا الحاجان يحملان معهما أيضا سجلا جنائيا حافلا في السرقة والنشل والسطو وإقامات لفترات متفرقة في السجون، ولم يعرف عنهما الثراء أو مزاولة مهنة التجارة أو أي مهنة أخرى تدر عليهما مثل هذه الأموال في تلك الفترة الوجيزة ، فقد كانت أختام الخروج عبر نفس المطار تشير إلى أن فترة غيابهما عن الوطن لم تتجاوز الثلاثة أسابيع. استجوبت السلطات الأمنية الرجلين للحظات ثم اخلت سبيلهما وسمحت لهما بالدخول بريالاتهما وقضي الأمر الذي فيه يستفتيان. المسئول الشرطي قال إنه شخصيا يشك في مصدر هذه الأموال ويعتقد أنها حصيلة نشل وسرقة والضحايا من الحجاج والمعتمرين ، ولكن ما دام ليس في سجلاتهم أي بلاغ عن سرقة تعرضت لها أي جهة، فليس من حقهم احتجاز هذين الخطرين، وبذلك تصبح الريالات المسروقة ، للأسف، من حقهما(حلال عليهم).من جهة أخرى السلطات السعودية تسمح لكل من يشهد "ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله" من مشارق الأرض ومغاربها بدخول أراضيها لغرض الحج أو العمرة ، وفق الضوابط والشروط المتعارف عليها، وليس في وسعها اكتشاف أو حظر النشالين القادمين الذين يستغلون مثل هذه المواسم. لم يوضح ذلك المسئول الشرطي كيف تحصل الرجلان على جوازي السفر وتاشيرات الخروج والدخول في بلد معروف بقدراته وقبضته الأمنية، تماما مثلما لم يوضح مسئول مركز الاقتراع في كسلا كيف سجل هؤلاء الأطفال أسماءهم أصلا في كشوفات الناخبين واكتفى بالقول إن تسجيل الناخبين ليس من اختصاصه ولكنه من اختصاص جهات أخرى في نفس المفوضية القومية للانتخابات ، وهي،أي المفوضية، كيان ما يزال يثير كل يوم ولأيام طويلة مقبلة أشياء كثيرة ،كما هو معروف، أقلها الدهشة. (عبدالله علقم)