[email protected] (1) لا تنظر خلفك ..بغضب . الضواري من السباع و الضباع ، وحدها التي تستطعم بعد النصف الأخير من الليل ! . ماذا يجري هُنا ؟ .. وجبة عند الثالثة صباحاً !! المفاجئة تُربك . استنفار الذاكرة : الملفات الدينية .. الرجوع إلى المصادر و الأسانيد . تجاهل الضعيف يا "حسن" و اهتم بالصحيح إنها "ورطة" بعد جُهد .. كان لا بُد للنصوص أن تخلع خِمار القُدسية ، حتى نلبسها ثوب الدنيا، و نُخيطه عليها . دخلنا عالم التجريب من أوسع أبوابه ..رغم المحاذير . لا بأس أن نقّرب الفهم بالشرح الحيادي ، حتى نُيسر لرفيقينا من جنوب الوطن ، أن يجدا تفسيراً مقنعاً لهجرة معظم مَن بالداخليات في ظلمة الليل مِن أسرّتهم إلى قاعات الطعام خلال شهر "الصوم ". إنه طقس ديني .. حسب ما اعتقد.. أليس كذلك ؟ "ألف صلاة و سلام على الحبيب" ، ردد "حسن بدري" (2) من البُعد تسمع رنين الأطباق ، يلّون الجسوم الأسمنتية العملاقة التي يَقطنها البعض . الصوت في جنح الليل له وَقع ضخم .الصدى يقرع الأسطح . الضوء الخافت يتسلل عبر النوافذ الزجاجية ليضيء العتمة . حزمة من الغُرف ، تضيء بخجل. واحدة أو اثنتان لا تضيء أبداً . نقيق الضفادع هنا و هناك . " الشاي الأحمر يقطع العطش " ، تجارب يتناقلها الصائمون . للمفطرين على قلتهم ،الوجبات متوفرة . الصائمون من الطُهاة ، يعّدون وجبات المفطرين : الإفطار الصباحي و الغداء للمفطرين . إفطار الغروب "الرمضاني" و "السُحور" للصائمين . وجبة العشاء المتأخرة قليلاً تجمع المتنافرين : صائمين و مفطرين . (3) أريحية مفرطة و كرمٌ فادح قابلتنا به الجامعة تلك الأيام . لا فرق بين الأعراق و الثقافات المختلفة . حريٌ بنا أن نعيد دراسة ما كان في تلك الأيام : ما زرعته الجامعة و حصدنا جُلّه . ما كُنا نملك ، و من ثم فقدناه . هل كُنا في حاجة لكل الرُفاهية النسبية تلك ؟ . " الجنة الضائعة " دائماً هي أُحجية كل زمان . الآن هبط الجميع الأرض : تضاريسها الجافة تُجبرك أن تنتبه . الرّمضاء تُصقل القدم و تعيد تشكيلها . الحياة اللينة الناعمة التي يزعم البعض أننا كُنّا نحياها، ربما بعثت رسالة خاطئة للكثيرين ممن عاشوا تلك الأيام . منها أن من يخدمك ، ينظف غرفتك و يرتب أغطيتك ،و يطهو لك طعامك قد خُلق لذلك، أذلته الدنيا ليخدمك . أحلامك وأنت تغفو هي أوامر عليه أن يتّبعها و لا يحيد عنها . من يخدمك ربما كان في عُمر والدك ! أيهما تختار ؟ توقير الكبير أم اذلاله . (4) انظر خلفك ثم تمهل . الوقت للسمر ... ، أما نحنُ فلا... قضاء الوقت في "مرسم" الكلية يأخذ كل وقتك . قلم الرصاص صديقك . الِمبرأة أُختك الصُغرى... صداقة تنمو مع تقدُمك ، تبدأ بالخط الليّن الحُر ثم تنتهي بالمستقيم الحاسم . تخرج الأشكال من طفولتها الباكرة ،ومع الوقت تنمو و تكبر . تلك ميّزة لا تتوفر كثيراً في الدراسة الجامعية تلك الأيام ... الآن الحاسوب ، "هازم اللذات" نسف صديقك و فجّر أُختك . (5) لا وقت للسمر ..، إلاّ أنني ظفرت ببعضه : دخلت الغرفة ذات مساء .لا خصوصية في تغيير الملابس ، نصفنا لا يحبه..، يختبئ بعضنا عن بعض . تشغل رفاقك بأي حديث ، حتى لا ينتبه أحدهم للسراط الذي يفصل اللباس الرسمي عن غيره ،و أنت تعبره. ابتدرت "وولتر" :- أين تقف من "أنانيا تُو" ؟ ( كان الزمان حينها قبل اتفاق أديس أبابا) الذي يحارب يطلب العدل ، السلم بعد العدالة هنالك في الشرق القصّي ، من يقول " من فوهة البندقية تنبع السُلطة السياسية " ، ما رأيُك أنت ؟ ربما كان صحيحاً أنت في قلب الشمال ، و تناصبه العداء ؟ نحن أصحاب حق ، أنتم في الشمال تملكون السُلطة و البندقية و كل شيء . نحنُ على هامش الحياة ،... الهوّية الوطنية فصلتموها على جلبابكم .. ، أخفيتموها خلف العباءة... قبل أعوام كان مجلس رئاسة الدولة من خمس أفراد ، من الجنوب "واحد". يتداولون الرئاسة كل بضعة أشهر . فجأة توقفت عجلة التداول . ثبتت رئاسة المجلس لأحد أبناء الشمال ، رئاسة دائمة. تنهد برهة ، ثم نزف : نحن و" النُوبة" أعمق أصالة منكم ..و أعرق نسباً في عمق القارة . إن لانت الدُنيا لكم ، لقفزتُم في البحر الأحمر و عبرتم إلى الضفة الأخرى : لتظفروا بالأصل و الدين ..أليس كذلك ؟ امدُد يدك . يمدُد يده هذه "سوداء" وتلك "أخرى" هذه الأصل و تلك الهجين ... أية هجين يا رجُل ! أين لُغتك الأم ؟ أين لَباس أهلك ؟ هجرته ، أليس كذلك ؟ أتذكر أوائل من عبروا إلي شواطئ القارة السمراء من المستعمرين ؟... الجُغرافيون وفدوا لقياس عمق ماء البحر عند الشواطئ ، وزن الفُلك ،حساب الغاطِس منه و الطافِح ،و من ثَمّ صُنعت بما يُناسب . دخل أصحاب البشرة البيضاء بلغة البطش ، و معهم دُعاة الدين الوافد بلغة اللين . أرض لا يُعرف أهلها ، أمن البشر هم ،أم تلك حظيرة كبرى .تلك كانت البداية ، و أظنها بلا نهاية .إن كان لك الخيار أيهما تختار ،الهجين أم الشائه ؟ هذا استطراد في غير محله ، العِبرة في الخاتمة ، أن نأخُذ من القوي قدر ما نستطع حتى نستقوي . (6) للحديث شِراك لا نقوى على الهرب منها . الحديث بلا حساب ، لا أحد يقاطعك وأنت تسترسل، على غير العادة . لا أحد يُصحح ما تقول . كُنا نفتقد الدقة و الضبط : الزواج بين الأعراق . العبودية القديمة، الصحيح و الأسطورة .. ثورات القبائل ضد المستعمر في كافة أرجاء الوطن الذّي لم يتشكل بعد. الحركة الوطنية مُنذ الشهيد "ود حبوبة" الذي امتلك الوطنية وافتقد قراءة الخارطة السياسية . دور أبناء الجنوب في "1924" . المناطق المقفولة . مؤتمر "جوبا " . التصويت الإجماعي على الاستقلال من داخل البرلمان ،بعد التعهُد بخصوصية الجنوب " جنتلمان أقريمانت"و ضمان السيدين . احتسينا الشاي الأحمر ... سرقنا الوقت . سُحب تبددت . التعبير دائماً يتأخر عن الفِكرة . "وولتر " أكثر طلاقة . الخِلاف بقي على حاله ، بين الأسرّة العُليا و الدُنيا في "الدبُل دكر" . عوالم تبعُد عن بعضها بُعد السماء عن الأرض . خفّت بعد التداول .انفكّ الإحتقان . أمطرت السماء ، وانفتحت العُيون من الأرض. اللؤلؤ الأبيض انزاحت عنه الغُيوم ، أبصرت البسمة أخيراً. (7) الحادي عشر من مارس "1971" ، كالحادي عشر من سبتمبر . كلاهما غيرا ما بعدهما .ضخامة الثانية التي غيّرت المعمورة، و صِغر الأولى .نسبة وتناسُب. أُغلقت صفحة و فُتحت أخرى في تاريخ الحركة الطلابية في جامعة الخرطوم . مُنعطفات تتخلل المسيرة الطويلة ، مُنذ إضراب طلاب " كلية غردون التذكارية " الأول . لن نُفصّل..... ، كان خطاب رأس الدولة آنذاك على الهواء : تعريب الدراسة بالجامعة . تجمعت أحزاب أبناء جنوب الوطن . هُجرت قاعات المحاضرات أو أغلقت عُنوة . تجمع المستبعدون عن السُلطة من الأحزاب مع الهاربين من حساب آخر العام الدراسي من الطلاب . الجميع أصبحوا غلبة . قررت " لجنة وحدة الطلاب " من مجمع "شمبات" الإحتلال . تمتّرست الفئة الغالبة بالجامعة . طوقت "المدرعات" مباني الجامعة الأم عصر الحادي عشر من مارس."وزير الداخلية " آنذاك أمام البوابة الرئيسة للجامعة. الأغنية الشعبية التي مجّدت الحكم تقول في أحد مقاطعها "الجّيش للوطن نحو التقدم سار ....الرجّعية حالِف يعَدِّما الآثار " . الجامعة على وشك أن تُقتحم . معظم فصائل اليسار الطلابي خارج الجامعة ، البقية داخلها . صاحب العنوان ،أعلى المقال، كان من أعلام المشاركين ، يحمل عصا غليظة خلف أحد مداخل الجامعة ، الجميع في الإنتظار. تعالت الهتافات ... نطوي صفحة الماضي ونختم.