[email protected] لا تنظر خلفك بغضب .... بين الاسم (الكريستياني) و اسم القبيلة المحلي نزاع قارّتين ، استقر علي نفسٍ واحدة ، هو أنت "وولتر" . (1) جمعتنا معاً غرفة سكنٍ طلابي واحدة، أيام ما كان يسمي ببحبوحة الدراسة الجامعية، سلسلة من الخدمات المجانية ، بسطة وسِعة في الرزق ، وفي كل شئ . نحن الاستثناء الوحيد في هذه المعمورة ....الماضي عندنا هو الأفضل ! (2) الزمان:خريف ( 1970 ) بعد أشهر من ( معركة الجزيرة أبا ) المشهورة ، وبعد أكثر من عام على ولادة ( مايو69 ) :- إخوة السلاح علي الطاولة . كأس السُلطة الأول. لَسعة في اللسان. لَسعتان... المذاق حامض، ثم أخذت الجميع سكرة السلطان ، جبروته وحلاوته. دمه الأحمر القاني و راياته البيضاء . ملمس حر يره الناعم يغري ،و أشواكه تَقتل.. إن أفسحت بينك و بين ما يجري في ذلك الزمان ، مسافة تكفي للهرب، و جعَلت أمامك حاجزاً زجاجياً سميكاً ، بل مصفحاً ..يسمح بالمشاهدة و يحمي من الراجمات ، لكنت قد جنبت نفسك ما تكره...أيمكن لنعالك أن تطأ الأرض الرّخوة و لا تترك أثر ؟ تصطرع المبادئ كيفما اتفق، إلا أن لغة الحوار تفصل بين بعضها البعض ....بضع قرون. الحديث الهادي ،و من ثم لغة العصِي. (3) المكان: جامعة الخرطوم ، مجّمع داخليات ( البركس ) داخلية (كردفان ) : المبني من طابقين. صف من الغرُف يميناً و يساراً ،و في المؤخرة حزمة من دورات المياه و المغاسل.. خُصصت حينها لطلاب السنة الأولي الجدد ، من البنين .. الغرفة التي أسلفنا ذكرها في الطابق الأول . قليلة الرفاه بمقاييس تلك الأيام. أياً كان نصيبك ، إن صعدت الدرج للسكن ، فقد كُتبت عليك بعض المشقة........ زحام..ضجيج ، و ندرة مياه . السباق يبدأ منذ الفجر لتستمتع بحمام الصباح ،و إنها لمتعة : ... تفرد الماء غزيراً علي جسدك . لا يهمك من يأتي بعدك . لم نكن نعرف حصتنا من الماء ، لا ادخار و لا تقسيط . هيكلة المخزون و تقسيمه علي الأنفس ،كان بعيداً كل البعد.. نحن أشباه رعاة ، لا نقيم للضبط وزناً .. لدينا الأرض مد الأفق .. نيلنا الأطول ، يتلوى من باطن إفريقيا إلى الأبيض المتوسط. (4) تفتح باب الغرفة . خزانات الملابس الضيقة ، ثم تعبر خطوتين و تنتصف لديك الغرفة .علي يسارك ( دبُل دكر ) : أنا في المرقد العلوي و ( سايمون ) في المرقد الأسفل .علي يمينك ( دبُل دكر ) آخر ، ( وولتر ) في الأسفل و (حسن بدري) في الأعلى : الرفِعة لمكان النوم وليست لصاحبه .. من يسكن أولاً يختار الأسفل . الكُل يتسابق إلي أسفل سافلين .. الغرفة حافلة بالغنى و التنوع البيئي و الاجتماعي و اللُغوي و التشكيلي. اثنان من وسط السودان : أنا و ( حسن بدري ) ...هندسة العمارة وكلية العلوم . الآخران من الجنوب... كلية الاقتصاد : ثراء هو يا تُرى أم لعنة تاريخية !... اللغة الإنجليزية كانت على ( صفيحٍ ساخن ) . اختلطت لَكنة أواسط السودان بجنوبه .. إن كنت من ( ويلز ) أو ( كورن وول ) فستشهد ترفيهاً مجانياً لبعض الوقت . لن تبتئس ، فاللغة وما عليها من أتراح أفضل نسبياً ، رغم خلوها من الزينة الطبيعية والترتيب و البهرج . إنها اللغة السائدة في الغرفة ، الخروج عليها يدخلك في دائرة الشك و الريبة : فضل الجميع حسم الأمر لصالح اللُغة الهجين ،وتمكنت هي أن تحيا مع كثير من الشدة والعنت .. (5) أفتح عينيَ بعد غفوة قصيرة منذ حمام الصباح الباكر .. ( وولتر ) يلف ربطة العُنق علي قميص أزرقٍ سماوي .. الجاكيت صوف إنجليزي ( كاروهات ) . الجسد فارع الطول وممتلئ : فصّل ( وولتر ) نفسه على الجاكيت ..( البرافان ) مميّز ،كذلك ( سايمون ) ذات الهندمة و التفاصيل .. ( إنجليز من أصلٍ نِيلي ) كما يردد أحد الأصدقاء.. أنا و ( حسن بدري ) نرتدي كما يقال في العاميُة (أي كلام) .. (حسن بدري ) كان نجم الغرفة بلا منازع : اجتماعي النزعة .. فضولي ، و علي طريقته الفكهة يترجم من و إلى العربية الدارجة .. نظرات الشك تحوم حوله ، يغمغم بصوتٍ مسموع ، حتى تتقاطع خطوط التماس الخطر .. ( حسن ) أنت تسخر منا .. لا يا ( وولتر ) إنت قلت مَرَة تقصُد ( وَنص ) ، و هي تعني عندنا ( ووُمان )..! أنت تكذب.. أتدخل مدّعياً الحَيدَة : غرائب النطق تدخلنا في الفكاهة... الفكاهة عندكم انتم فقط ( هُواي؟ ) (6) عندما تستطيل نافذة التفصيل تبدأ الأزمة . اخترت لنفسي الردود المقتضبة ، و حصدت آخر المطاف أنني شاب طيب كما يقول ( وولتر ) ، أما حسن فهو مخادع ، لا يترك سانحةً إلاّ و يتهّكم علينا نحن أبناء الجنوب .. هوَ ... ( تيبكال شمالي ) . تلك هي الخُلاصة ذات مساء دبّ نشاط في الغُرفة اكتمل طاقمها : ( وولتر ) و ( سايمون ) كانا معي في رحلة استكشاف لمعالم العاصمة ، هكذا تحدث ( حسن بدري ) ،ثم فَصلَ و أسهب :.......... هنا رئاسة البريد ، حيث تتم فلتره الرسائل ، إن كان لأحدكما من تُراسله ، فإن رسائلها تعبر هذا النظام الدقيق ، من المركز إلى الأفرع ، قبل الاستمتاع أخيراً بالقراءة ... هذا هو بنك السودان ،مستودع المال....مع مبني وزارة المالية هنالك يتحكمان في الجباية و الصرف .. من تضيق به الحاجة ، فالطريق يصل من البوابة الرئيسة للداخليات عبر شارع الجامعة إلي مركز المال ، تقضي حاجته.. هذا هو القصر الجمهوري يا ( وولتر ) .. ربما بعد زمان تأتي هنا لتؤدي القَسم أمام الرئاسة !)...ثم يضحك .. ( حسن بدري ) كدليل سياحي لا يجد استحسانا من ( وولتر ) . ( سايمون ) هادئ الطباع .. تقبل اللسعات و السخرية التي تخللت الرحلة ، علي أنها جزء من ثمن المعرفة . (7) ( وولتر ) و ( سايمون ) قضيا عدة سنوات في جامعة ( ماكرري ) بكمبالا ، قبل التحاقهما بجامعة الخرطوم في أولي اقتصاد .. كان القبول للجامعة عزيزاً تلك الأيام . (8) نوم القيلّولة ، بعد وجبة الغداء ، هو كالسباحة في مسبحٍ ضحل .. هو للصّحو اقرب. يتميّز لدينا بتنوع بيئي واجتماعيٍ فريد : أنا و(حسن بدري ) ننام بجلباب أواسط السودان الأبيض ، يُغطي كل الجسد إلا القليل ، أما ( وولتر) و ( سايمون ) : (مايوه) أسود لكل منهما ... الضروري قبل الانفلات الكامل .. اختلاف العادات وتنوع البيئة تلك قَطَعت الأرجل ( الشمالية ) عن زيارتنا داخل الغُرفة . هؤلاء عراة.. لا أبداً.. أحلف ؟ ما تَحلف ساكِت.. تزورنا أنت في غرفنا أي وقت تشاء ، أما نحنُ بصراحة ...لن َنزورك .