لا يساورني أدنى أشك ولو للحظة واحدة في أن د. البوني ود. رسلان أكثر الأقلام حرصاً ورغبة ملحة في أن تزدهر دوماً علاقة السودان ومصر لأسباب عديدة ربما جميعنا يعلمها ؛ كما أن هاني رسلان أكثر الأقلام دفاعاً عن المواقف السودانية ؛ وقد لفتُ النظر إلى هذا في كتاباتي في جريدة الشرق الأوسط في بدايات عقد التسعينات من القرن الماضي يوم كانت تنهال النصال نصل تلو نصل على السودان . لم تكن العاطفة هي التي تملي عليه تلك المواقف بل كان يرى الاشياء بمنظار استراتيجي لعلاقة استراتيجية بين بلدين هما في الأصل توأم ، أما الدكتور عبداللطيف البوني فهو أيضاً أحرص الناس على هذه العلاقة المتميزة ولكنه يتحلى بنوع من الصراحة بناء على ما لديه من معطيات تملي عليه عرض وجهة نظره علّ أهل العقد يتنبهون لها فندرأ المخاطر قبل وقوعها. العلاقة بين مصر والسودان علاقة استراتيجية أزلية فمهما اعتراها من صعود وهبود تظل راسخة ؛ ويجب أن تكون كذلك ، ولترسيخها أكثر لا بد من الحوار لما تكتمه الأنفس ؛ فقد كتب الدكتور هاني مقراً أنه حتى الآن لا يفهم أسباب شعور السودان بالظُلم في تلك الاتفاقية ، وكي يفهم الدكتور هاني هذا الشعور ؛ لا بد من الحوار والصراحة حتى تُنقّى النفوس مما تحمل وتُبطن ولا تُظهر . ربما لا يدرك الدكتور هاني أبعاد وعمق تراجيديا التهجير الذي حدث لأهالي "حلفا دغيم" وما علق بالشخصية النوبية والسودانية عامةً .. وبالطبع ما زالت للتهجير آثاره السالبة والتي تطفو على السطح حالياً سواء في السودان أو مصر والايادي التي تزكي اوارها تحت مسمي الفوضى الخلاقة، وكل هذا يحدث في العلن في عصر الفضائيات والشبكة العنكبوتية ؛ ومعالجة مثل هذا الأمر يحتاج لحوار ونقاش مستفيض من النخب قبل الحكومات . عندما خرج أهالي حلفا دغيم بالمظاهرات في الخرطوم أبّان حكم الرئيس عبود قمعتهم الشرطة السودانية (بالبنبنان) قنابل الغاز المسيل للدموع والضرب بالهراوات والسياط ؛ أنا لا أريد أن أنكأ جرحاً ما زال ينزف في الخفاء ؛ ولكني أدعو إلى أن نفتح حوار صريح بين النخبة هنا وهناك يؤطر إلى علاقات نقية شفافة وأن لا نتجاهل أو نجهل المسببات وحتى لا نكون كمن يدفن رأسه في الرمال ، فالنخبة المثقفة عليها مسئولية تاريخية اجتماعية وسياسية ، فالحوار الهادف والصراحة والشفافية في مثل هذه الأحوال هي التي تعالج الأمور وتصحح المسارات وتُمَتِّن الأواصر. هناك تقصير في الجانبين، فيفترض أن تعالح الأمور بالبحث والحوار وأن لا نلجأ لترك الأمور لعوامل الزمن بحسب أن الزمن كفيل بمعالجتها بالنسيان، الجروح التي تترك للزمن دون معالجات ؛ هي جروح ملؤها القيح ؛ فهل يصح أن نعالج أمورنا على خطورتها وأهميتها بالهروب إلى الأمام؟! إن مسئولية الديبلوماسية الشعبية المتجردة التي تدرك ابعاد المصالح الاستراتيجية للسودان ومصر ؛ إنما تعكس مسئولية الشعوب في بناء مسار حضارتها ، وهذا يحتاج إلى نخب واعية توظف تلك العاطفة التي تربط بين شعبي البلدين إلى هدف استراتيجي أسمى يؤدي الى ترسيخ المصالح المتبادلة بندية في التعامل. إن توظيف الأنظمة في البلدين للديبلوماسية الشعبية يجب أن يكون بعيداً عن مظلة الأحزاب الحاكمة ؛ فالأنظمة إلى زوال مهما طال بقاؤها في سدة الحكم ؛ وتبقى الشعوب تتعاقب أجيالها ، فمسئوليتنا تجاه تلك الأجيال توريثهم علاقة أزلية استراتيجية صحية تبنى على المصالح المشتركة والصراحة في الحوار ولا عيب في أن تتميز تلك العلاقة بعاطفة إنسانية لها جذور وقواسم مشتركة. الخلاف والاختلاف من سمة البشر ولكن الحكمة تكمن في كيفة إدارة الخلاف والاختلاف ؛ تكمن في النوايا الحسنة نحو ايجاد الحلول ، تكمن في الابداع الفكري لايجاد حلول مبتكرة تأخذنا للأمام وليس للخلف. إن كثيراً من الانظمة الحاكمة تتخذ في تاريخها قرارات تؤثر على مسيرة الشعوب دون استقراء للمستقبل والنتائج ربما الكارثية التي تنطوي عليها تلك القرارات والاتفاقات . علينا أن نقرر أن كثير من وسائل الاعلام المختلفة هنا وهناك تجردت من المصلحة العليا الاستراتيجية للبلدين وبدلاً أن توظف طاقاتها لخدمة المصالح العليا المشتركة للشعبين ، انساقت وراء الاثارة الاعلامية والسبق الاعلامي سواء بوعي أو لا وعي تحت شعار حرية الاعلام والتعبير دون أن تدرك الفرق بين الحرية المسئولة والفوضى الخلاقة!!. على النخب في طرفي وادي النيل أن تلتقي لتبحث فيما هو مسكوت عنه والمسكوت عنه دمامل مليئة بالقيح ‘لا بد من تطهيرها حتى تندمل حتى لا تؤدي لبتر الاعضاء معنوياً لا عضوياً!!. abubakr ibrahim [[email protected]]