قلت في كلمتي السابقة أن ونجت، حاكم السودان العام بين 1899 و 1907، خواجة رخيص جنس رخصة. حذرنا المؤرخون من كتابه "المهدية والسودان المصري" وكتاب القس أوهروالدر "10 سنوات أسير المتمهدي" بوصفها كتب دعائية نشرها ونجت، رئيس قلم استخبارت الجيش المصري، للترويج لفكرة غزو السودان وتخليصه من حكم الخليفة الباطش. ثم قرأت طرفاً من كتاب" السردار " لمؤرخ "عموم" الحقبة الاستعمارية الضليع مارتن دالي، فوجدت ان الخواجة بتاع رمرمة بشكل. وفي كلمة الاسبوع الماضي رأينا كيف أراد إنتهاز مسألة السودان الشاغلة (دائماً متعودة!) لتسويق كتابه "المهدية" ليلقى قرشين تلاته. حد ماخد منها حاجة؟. ورأينا أن كتابه فشل وقالوا إنه سمج. وعاد ونجت منه بلا خفين. "يجرجر أذيال الخيبة" أوقع. وما لم ينله ونجت بكتابه من المصاريف ناله يكتاب أوهرولدر. وجاءته فرصة الكتاب وهو في حال سأم. فشل كتابه. وكان ينوي الاستقالة من الجيش بعد تعيين كتشنر (الذي لم يتمتع بحب احد) سرداراً للجيش المصري. وفهم الإنجليز ضيق ونجت بذلك ووعدوه بمنصب رفيع في تركيا. ولم يتحقق له ذلك حتى بعد أن اجتاز امتحاناً في اللغة التركية. وهرب في الأثناء أوهرولدر من "ساير-كوبر" المهدية في 1891. وأجرى معه ونجت عدداً من المقابلات وراى في قصتة عن اوضاع المهدية حكاية مثيرة رابحة تعود له بالشهرة والمال. وسعى بين الناشرين يغريهم بالحكاية. فطلبت منه دار ماكميلان فصولاً من الكتاب للضوقة لأنها لن تطبعه لمجرد أنه عن السودان الذي باخ موضوعه. وورفضته ماكميلان. وخاف ونجت من أن يجرى استبعاده من الكتاب فأخذ ترجمة قام بها أحدهم لفصول الكتاب التي وضعها أوهرولدر بالألمانية وحررهها في لغة إنجليزية سليمة. وخشي أن يطبع اوهرولدر النسخة الألمانية فيكون من حق أي ناشر أخذ حق ترجمتها في الإنجليزية بعيداً عن ونجت. واسعفته دار سامسون فطبعت الكتاب في 1892 .وظهر اسم وونجت كمؤلف بحجة أن النسخة الإنجليزية منه قائمة في ذاتها وليست ترجمة للألمانية. ووافت جملة الكتاب الأخيرة بغرض ونجت الاستعماري. ففيها يحث الكتاب أوربا وإنجلترا بالذات بعمل شيء لإنقاذ السودان. حتاما. نجح الكتاب بسرعة ووزع في شهرين ألفي نسخة وصدر في نسخة شعبية في 1893. وحصل ونجت على 323 جنيهاً استرلينياً أتعاب "خمش" هي نصف ماهيته السنوية (720). ما بطال! لم يأت ذكر كتاب سلاطين "السيف والنار" في ما قرأت عند مارتن. وهو كتاب صدر في نفس ملابسات التعبئة ضد حكم الخليفة. ونعوض القاريء عن هذه القصة الكئيبة عن ونجت "عبد اللطيف الجنو وجن المصاريف" بناردة عن أستاذنا عبد الخالق محجوب وسلاطين. كانت أسرة أستاذنا تزوره في معتقله أيام حكم عبود "الأبوي". وكانت تبدي شفقتها لطول اعتقاله ووحشته. وكان يسليها بحكاية سلاطين والخليفة. قال لهم كان سلاطين قد أكثر من الشكوى للخليفة من طول حبسه في ام درمان وعن شوقه للحاجة والحاج والحرمة وكده. وكان الخليفة يهديء من روعه ويقول "patience يا خواجة" أي "صبرك بالله يا خواجة". وكانت تلك تعزية استاذنا لأسرته. والمستفاد من حكاية استاذنا أن الخليفة كان على معرفة مناسبة بالأنجليزية. وطيب حيعيش في تبات ونبات مع الملكة فكتوريا التي عزم على الزواج منها؟ باللوندي: "فكتوريا بجاي ياجنى الباباي". أما ما لم يكن يحسنه الخليفة، في رواية أستاذنا، فهو "زرنجة" الخواجات. أهرولدر هرب. وسلاطين كسح. والتحقيق الذي أمر الخليفة بإجرائه مع عمنا الساير، قمندان السجن المعروف باسمه، لهروب الخواجات لم يفرغ بعد. فلم أجده في دار الوثائق بعد طول بحث. سؤال استعراضي: الخواجات ديل كانوا بيشردو بوين والصرف الصحي كان قطع جمار ساكت!.