[email protected] لقد كان الأديب السفير جمال محمد إبراهيم دقيقاً عندما نقل إلينا القلق الذي يفيض من وجه الصادق حمد الحلال وقال:( إنه قلق الفنان الذي ترهقه إلى جانب الحساسية المفرطة، المعاناة التي يكابدها في بيئة تترصد الأصول و الأنساب ترصداً مهلكاً).ورغم ذلك لم يوهن حب شاعرنا الصادق ود آمنة لأرض البطانة، ومن مظاهر هذا الحب وصفه البديع لطبيعتها، ولنره الآن وهو يصفها عندما جاد عليها المطر الذي أحال حزنها إلى سرور، وأشجارها المصفرة إلى خضرة زاهية، وأضرعة نوقها العجاف اليابسة إلى وعاءٍ يمتلئ بالحليب. يقول: العَجَمِيه مِنْ بَحرَ المُحِيط إِنْجَرَّتْ وَدورَينْ السِيولْ مَانْعَه النِعَمْ مَا فَرَّتْ بُطانةَ أَبْ سِنْ طَوَتْ تَوبْ الحُزُنْ وانسَرَّتْ والبِلْ حَاشَنْ الكِترَه وعجوفِنْ دَرَّتْ وفي مربع آخر يحمل أنشودة المطر في روعة يفسدها التعليق يقول: الضَحَوي الرَزَمْ جَابْ الدَلَيجْ مِن غَادِي فَايضاً عَزقَ العُقدَه ومطيمرَ الهَادِي أَسقي البَحَري مِن لَيلو وبَنَات الوَادِي يمشي كسِيدَه لا عِندَ العُلُو المِسَادِي ولم يعرف عن ود آمنة شعر الهجاء، وإن اشتهرت له قصيدة هجائية في قالب فكاهي تحمل صوراً كاريكتيرية طريفة قالها عندما فرت جماعة من الفضالة من أمام ثور هاج، بعد أن عقروا ذنبه وهو مقيد فطاردهم رغم ذلك، فدارت القصيدة حول هذا الفرار، نختار منها الرباعيات التالية: التَورْ وَدْ دَهِيسْ أَصلُوا الكُتَالْ مُو هَمُو لكِن عَيبو وَاحده كُراعو ما بِتلَمُو شَوَّشْ وشَال فِيهم ضَنبو يَلبَخْ دَمُو سَووا السَامي الله وبالصَقَيعه إِنخمُو ..! ****** الله يِقِدَّكْ القَايلينْ قَبُل عَقَروكْ مَبسوطينْ وهُنْ الفصْدَه ما فَصَدَوكْ ناسْ صِديق يِزازُو ومِنْ بَعيدْ بَاروكْ يَعْتِر ويِنْسَنِد لامِن وَقع في الشوكْ ..! ****** جَابْ سَلبُو الكَتِيرْ واتشَمَّرْ الجَزَارْ كَانْ قُبَالُو ضَابِحْ أَولاد أَبوهو كُتارْ مُو قَايلْ العِجِل وَلداً بِجِيبْ التَارْ خَلِصْ دَيَنكْ إِتْ ما بتَعرِفْ الموت حَارْ ****** مَبسوطْ الفَضُل صَابِقْ جَماعَةْ دَورُو عَضَّه الجِبَّه بيْ سنُونُو ومَرَقْ مِنْ تَورُو الصِديق تَراهُو وَلداً سَرِيعْ في فَورُو وَدْ خَيرْ طَفَّرْ الحَوشْ الكَبيرْ بيْ حُورُو ..! والقصيدة تطول، يمكن الرجوع إليها كاملة بسفر الدكتور أحمد إبراهيم أبو سن "تاريخ الشكرية ونماذج من شعر البطانة. ومن أشعاره الحوارية والتي يمكن إدراجها ضمن طائفة شعر الفكاهة والذي أجاده شاعرنا قصيدته الطويلة التي جاءت حوارية بين مزارع و غنامي(راعي الأغنام) نقتطف منها مايلي: المزارع: صايم طول نهارك تطوي في الحنتوت فوق كيله و ربع لامن خريفك يفوت جربانك كرتب و في الصرار بتصوت يوم يا صاحبي ، بتنقدك دبيبة تموت الغنامي: بالكوريك تسدد ، منبلي و حرقان واقف طول نهارك و القمح غرقان لميت الطلب ، جيت لام سراب شرقان إت ساعة الخلاص من العجم عرقان المزارع: مكاوش في القشوش القفرة و المتلية من حر الصقط كرعيك شقوقهن مية عرفناك في الجلب بتجمع المالية يا جان الغنم ، وين الزكاة الفرضية الغنامي: الليل و النهار راكب الحمار ما بلين تجمع في ام سراب متل الجمل متطين آلآم الفلس ، فوقك مؤثر بين من حش النجيل، ضهرك عضامو تزين المزارع: لبس عالي و مرق من بيتي زولا شاهر فوق العسنة و البكارة ، ماني مساهر الليل كلو تطرد في الحمير و تناهر عيب دقني إن لبس في عمرو هدمًا طاهر الغنامي: إتناشر شهر فوق أم سراب مسجون موية الترعة سوتلك تلاتة بطون طباك الفلس ، تسأل تقول مجنون أنا خايفك تموت من القطن مديون؟ المزارع : القش إتملا و اتواقفنلو شروفهن راعيهم متقز منهن ما بشوفهن لاوي رقبتو في لوحة يمينو خروفهن أماتو الكبار يجابدن في صوفهن من هذه الصور الكاريكاتورية نخرج إلى أشعار المدح عند الصادق، وقد كان صادقاً بالفعل وهو يمدح صديقه الشريف إبراهيم يوسف الهندي الذي كان يغذي صداقتهما بالهدايا والمودة . يقول عنه: تَلاتَه في الخَصَايلْ مِنْ رَفيقي بُعَادْ الخَوف والبُخُل وطَمَعَ النَفِسْ في الزَادْ دَا بتعَرفُو يا البِتَقضِي كَلْ أَغرَاضْ ضَبحْ أُماتْ سَرِي ودَفعَ النَقِي أَبْ عُقَادْ ويقول عن ممدوحه أيضاً: ليْ زَمَناً عَدِيدْ سَرجِي وفُراشِي مَدَمَّرْ نَفَضُو المَانحدَبْ فَوقْ الْمضَارِي وكَمَّرْ وَدْ العِندو فَاني الدُنيا مَا بِتْعَمَّرْ أَداني المِتِل وَدَ الرُطَانه الجَمَّرْ وقد بلغ الصادق شأواً بعيداً في الإبداع وهويمدح ذات الممدوح عندما قال: خَلِيفةْ يوسِف أَبْ نَظراً بِزِيل الهَمْ أَجوَاداً هَمِيمْ وَدْ أَب عَطَاياً خَمْ ضَبَّاح الجَزُر وكتَ الخُلوق تِتْلَمْ بالليلْ والنْهَارْ سِكِينو تَرْعَفْ دَمْ وقد عالج الصادق شعر الرثاء الذي يجيئ أحياناً مدحاً للمتوفي أو ما يعرف بالتأبين، وقد وقعنا على رباعية بديعة يرثي فيها الشيخ محمد حمد أبو سن يقول فيها تأبيناً خالطه التوجع وقد برزت على الوجه التالي:- يا تَوب العَرايا الهَمُو مِن البَرَدْ يا حَوضْ العَطِيش وَينَ الضَمَايَا بْتَرَدْ الموتْ يا عظيمْ حَقاً مُؤجلْ فَرْضْ هَجِيمتَكْ تَفْلَخَ الصَخرَه وتهِزَ الأَرضْ وكما ذكرنا فإن شاعرنا يلجأ إلى مشائخه دائماً، فهو تلميذ صوفي ملتزم، وقد رأيناه وهو يخاطب شيخه ليجعل أيامه سعيدة من خلال مربع ساحر يستعصي فهمه على الكثيرين وبه من الروعة ما به. يقول:- يا شَيخَ الطَريق العَليكَ الطُرْقْ حُظُوظ أَيامنا ما تَبقى شُوماً بُرْقْ الوَتِيش البِجِيبَنُو التُعول الزُرْقْ شُفتو اللَيله في خَدْ أُم بَراطمَ المِلاقطَه الحُرْقْ ولم يكن غريباً أن يلجأ أهل البادية لمشائخهم ويلوذون بهم في كل أمر دهاهم أو عندما تستعصي عليهم أمانيهم وتعاندهم، وحدث أن سافر شاعرنا من جبال السبعة إلى الشيخ الفاضل راجل الطندبة بريفي رفاعة، طالباً منه الدعاء ليرزقه الله بالولد، فقد كان شاعرنا يعاني من العقم، وعندما وقف بباب الشيخ أخذ يقول:- جِيتَكْ مِنْ جُبالَ السَبعَه ضَيف وحُوارْ شفِيع الأُمه مَا قَال كُرِمُوا الشُعَارْ ما تَرفعِ يَداك للواحدَ القَهارْ قَليت الأَدب شَيخنا العُقٌرْ مُو حَارْ ****** لا بَخَجَلْ ولا بَحَسِبْ ولا بَضَارَى ويا بسَه قَصَبتي عَادمَه الخِلفَه والشوبَارَه بي جَاه جَدَك وحَسَنْ الظَهَرْ في بَارَه سَوْلي طَرشَ أَبوكَ بالدُكَّرِي أَب نُقَارَه ****** تلفونَكْ ضَرَبْ عَمَّ الصُبُحْ والغَرْبْ والسَيفْ السَنِين مَا بالِي مِنَ الضَرْبْ يا بحرَ المُحيط وَدْ البِزِيلُو الكَرْبْ بَدُور مِنَكْ وَريثْ مَالي وخَبيرَ الدَّرْبْ ****** سَأَلتَكْ بالنَبي وصاحبَ الجَلاله العَادِلْ أَسكِتْ خَشمِي لا تخَليني أكَتِّر أَجَادِلْ بَدُور مِن يَداك وَلدينْ وأَفرحْ أَقادِلْ أَسميهم بَراي عَبد الرحيم والفاضِلْ ورغم مأساة شاعرنا وما ظل يعانيه من أحاسيس مرة بسبب العقم، إلا أنه ظل شاعراً غَزِلاً، وله في الغزل شؤون وشجون وفنون. ولعل مساجلاته الغزلية الخطيرة مع الشاعر ود شوراني حملت جماليات وإبداعات فذة، وارتبطت بروح المنافسة الشرسة. البَارِحْ عَليْ جَمْرَ الصَنَوبْ بَتعَرَّكْ لامِن كَوكَبَ اللَيل المِقَابِلْ وَرَّكْ ضَاع صَبري وعلي حَسساً قَديمْ إتحرَّكْ مِن عانسَ جَدِي النقعْ أُم عَسِيناً فَرَّكْ وما بال هذا الليل يقض منام شاعرنا وما بال عشقه يجلب إليه تباريح تستشعرها كبده: اللَيلْ تِلتُو رَوَّحْ ونَجْمُو مَيَّل غَرْبْ وانَا فَوقْ سَاقِي لامتَينْ يا مُزِيل الكَرْبْ حَسَسْ المَاهُو مَاسْكَه التِيهَه فَاكْ الدَّرْبْ جَابْ ليْ عِلَةْ الكَبدَه البِتَضْرُبْ ضَرْبْ ومن مربعاته الغزلية التي أثارت إعجاب الشعراء قبل المتلقين، ذلك المربع الذي يقول فيه: جُزَيعي وعدمْ صَبري وزَلازلِي وخَوفِي مِن سَراجَةْ الدَعجا الوَضِيبا مِفَوفِي الخَلاني مِن الغَيرا كِتِرْ عَوفِي رَيدْهَا وعُشْقَهَا البَّنَا فِي مَداينْ جَوفِي وتفرد شاعرنا في وصف الجمال والحسان تفرداً بيناً، وله فيه إشارات ذكية تحتوشها سباكة جيدة، وتبرزها المفردات الفخيمة والرنين العالي. يقول:- شَرقَانْ في جَمالِك وعَجَزْنِي أَوصَافِكْ وفِيك خِلَقاً تَمَتَّعْ كُلَّ رَاوياً شَافِكْ الفارسَ الابِس دِرعَ الدِوَيدي بِخَافِكْ عينيكْ عَينْ جَدِي ودوفةَ أُم لَببْ في اردافِكْ ومن رباعيات ود آمنة التي أجاد فيها الوصف الذي خالله بوجدانياته الآسرة المربعان التاليان اللذان نختتم بهما نماذجنا من أشعاره، يقول في أولهما:- أَسْهَامِكْ دُقاق مَاكِي الغَليدَه الفحلَه وشُعاعِكْ صَافي كالقمرْ المِنازِلْ زُحْلَه عَليكْ طوَّلْ نَويحِي وصَحَتِي المِنْحَلَه سَالباني وبراكْ ليَّ الأُنسْ ما بِحْلى ويقول في ثانيهما: أَسهامِكْ دُقاق يَا سَمْحَةْ الخَدَّادْ وسَالبانِي وعَليْ مَرَضاً مُطَوِّلْ عادْ البِتقَمِحي البيْ شُروكو والقَصَّادْ تَاتِي المَشيه تِلِّي الفَوقْ خواصرِكْ هَادْ وفي ختام حديثنا عن الصادق لا بد من إثبات حقيقة مهمة يتميز بها هذا الشاعر دون كافة الشعراء، وهي أن مستوى إنتاجه الفني لم يتدنَ أبداً إلى أقل من مستوى الروعة والإبداع، على الرغم من أنه شاعر مكثر. وقد أسفت كثيراً أن مثل هذا الشاعر لم يضم إنتاجه ديوان شعري رغم ثراء أشعاره ومكانته المتقدمة بين الشعراء، ولا يكفي أن تتناثر بعض أشعاره هنا وهناك في بعض المصادر أو أن يتداولها شفاهياً بعض الرواة، إنما يجب الحفاظ على هذا الإرث الشعري البديع بطريقة أفضل، ورجائي أن يقوم الباحثون الأكفاء والرواة الثقاة مقام ما تمناه شاعرنا من أبناء فيجمعون شعره في ديوان محقق ومشروح ليتنسم الكل عبيره ويشتم أريجه، وهذا واجب يحتمه الوفاء لهذا الرجل الذي أثرى وجداننا وأنار عقولنا وشرح صدورنا.