2-2 [email protected] يقول شاعرنا في مسداره المفازة والذي بلغت رباعياته سبع وثلاثون رباعية وهو عبارة عن وصفه لرحلة الحب التي قام بها من منطقة المفازة قاصداً مشروع البانقير بنواحي مدينة عطبرة وكان ذلك في العام 1927م يقول: قُود الخَبْ واسرِعْ ليْ جَرايدَكْ فَرِّقْ وين الخلَّ يَا تيسْ جَمْ قَفَاكَ مزَرِّقْ عَبلوجَ الرَّوىَ العَنَفَنْ جَداولُو الجِرِّقْ إِتْ مِيَبِسَكْ وانا جَوفي زَادو تِحِرِّقْ ومن أروع الصور التي عبر فيها الشاعر عن سرعة جمله وحبه الذي أصابه كما يصيب المرض القلب ولا يشفى إلا بالوصال الحميم في ذات المسدار قوله:- ضِرْعَاتَكْ مِتِلْ مَكَنَ النَصارى العَبَّ دَوماتَكْ بَشيشِنْ فَوق مَحادرَك كَبَّ المرَض اللصَابني وفي فُؤادي إتربَّى غَير كُزَيمْ بَراطمَ اللَّينَه ما بِنطَبَّ ولعل أشهر مسادير شاعرنا أحمد عوض الكريم هو مسدار "رفاعة" ، وهو يحكي قصة رحلته من رفاعة قاصداً محبوبته ومعشوقته المفضلة "مستورات" التي أشتهرت باسم ظهرب، وقد حوى أربع وأربعين رباعية ابتدرها بالمربع التالي:- رُفَاعَه الرُبَّه قَافَاهَا البَليبْ طَربَانْ وناطحَ المِنو مَيثَاق قَلبي مُو خَربَانْ فوسيب السواقي البيْ اللَّدَوبْ شَربَانْ بُلودو بَعيدَه فَوقْ في بَادية العُربَانْ ****** وفي حوالي عام 1958م أنشأ شاعرنا مسداره "الرسالة" الذي بلغت رباعيته ثماني وخمسين رباعية، وهو يحكي قصة رحلته من العديد إلى القضارف ينشد وصال الجارية "الرسالة" ونختار منه الرباعية التالية:- جِيتْ للكُبري زَيْ تَور الوِحَيشْ الوَلَّى دَايرْ بالسَّحِي الفرَمْ الكَبِدْ تِتْسَلَّى وَصْفَ المحيُو زَيْ قَمرَ السِبوعْ بِتْجَلَّى رِدْفاً عَالي صَدراً شَابْ ودِيساً تَلَّ وعندما قطع الشاعر بجمله خور العطاش قال:- قَطَعْ خور العُطَاشْ شَبَّ الدَمَوكْ واتْقَافَفْ قَنَبْ جِلدو مِنْ حِس الشَقَيقْ إِترَافَفْ الخَلَّ المَعَرَصْ كَفُو هَا البِتْخَافَفْ لَتيباً سَيلُو يِدلِجْ يَا النَهار ما تجَافَفْ ويقول شاعرنا لجمله وقد أدرك أن بينه وبين الحبيبة خلاءات وعرة:- بَينَكْ وبَينْ العِندو فَوقْنَا حِقُوقْ جَاك صَياً مِفَاسِحْ وفوقْ وَطاتو شِقوقْ عليْ سُكر نَباتاً في العِلبْ مَدْقُوقْ قَماري الجَالسه خَليتِنْ يسوَّنْ قَوقْ وتفرعت أشعار شاعرنا أحمد عوض الكريم في غير المسادير إلى أقانيم أخرى متعددة، وسنأخذ منها بكائياته وغزلياته، وإن جاءت بكائياته في قصائد طويلة وغزلياته في رباعيات متفرقة، فقد رثى شاعرنا الشيخ حمد محمد عوض الكريم أبو سن ناظر الشكرية بمنطقة القضارف والبطانة عام 1940م بقصيدة بلغت ثلاث عشرة رباعية، كما رثى الشيخ محمد حمد أبو سن ناظر الشكرية في قصيدة تكونت من خمس عشرة رباعية، كما رثى شيخ العرب الشيخ محمد أحمد عبد الله أبو سن الشهير بود حلمي ناظر الشكرية برفاعة الذي توفي في عام 1986م في قصيدة حملت أربع عشرة رباعية، وجاء رثاؤه للأديب الوزير عمر الحاج موسى في قصيدة حملت أربع عشرة رباعية أيضاً، وكل هذه المراثي وردت كاملة في كتاب وصف الطبيعة والمراثي في بادية البطانة للأستاذ الأديب الباحث حسن سليمان محمد ود دوقة، وعند دراستنا لهذه المراثي اتضح لنا أن جلها اهتم بجانب الحكمة عن طريق التحدث عن الدنيا وصروفها وفلسفة البقاء والفناء، كما غلب عليها التأبين وهو مدح المتوفي وذكر مآثره والثناء عليه، ولم تحمل حرارة الحزن والتوجع، وإن رأينا ذلك في بعض الرباعيات التي وردت في مرثية الراحل عمر الحاج موسى كقوله:- يا رَبْ يَا سلامْ مِن هَادِي مِيتةَ الفَجْعَّه كانْ صَاحِبنا وازدادَتْ عَلينا الوَجعَّه كان موعِدنا في الخرطوم نَسوِّي الرَجعَّه نجلس بي إرتياح متونسينْ لا الهَجعَّه وقوله:- وقتَ الرادِي قَال الراحلَه البِتشِيلْ السَما واللَّرض ضَاقَتْ علي بالحَيلْ طَلبت مِن الكَريم الله العظيم وجَليلْ يِعيشْ السيد إسماعيل ويَجْبرَ الحَيلْ وقوله:- مُحامينا العَظيم الفِي بَلدنا رَقيبنَا فَرم الكَبِد حُزناً على المِقْدِرْ شَيبنَا بالصبرَ الجَميلْ رَبَّ القيامَه يَصيبنَا في الخلاهُو يِلهب في ضَميرنا لَهيبنَا
أما غزلياته فقد بلغ بها شاعرنا شأواً بعيداً ومرتقىً صعباً في الإبداع، سواء تلك التي وردت في ثلاثية الدوبيت الخالدة، أو في الوصف أو النسيب أو الوجدانيات، ولنره الآن وهو يصف الجَمال في مربعيه التاليين، ويقول في أولهما:- عُنقِكْ بَاهي جَديه وفي البُطانه شُروفِكْ عَقلِك وَفرو شَاكرِكْ في خدم مَعروفِكْ وصفِكْ يا التَملي مِن البُلومِكْ خَوفِكْ شَتله تموحي كَاضَّه القَيفْ ونَاهره سُرُوفِكْ ويقول في ثانيهما:- يا نَومي اللَبيتْ للعينْ تَعودْ وتمِيلْ عَسَفِكْ مِني مُرناعاً ظَريفْ وجَمِيلْ قَامتو رَبيعه خَدُو أَسيل وطَرفوا كَحيلْ يِموح مِتاكي مِن أَردافو يِمشي وَحِيلْ ومن وجدانياته مربع رائع قاله وهو طاعن في السن، وقد حمله من الحنين ما حمله بعد أن أعادت العشق لذاكرته وقلبه أنسية في مثال الظباء المارحات والمهر الراقصات. يقول:- سَبَبْ قَلبي الرَجَعْ للغَي بَعد مَا بَقَّنْ عِيونا وجِيدا دَرعَات اللَرايلَ الشَقَّنْ المُهر الصَهلْ سِمعَ النقاقِير دَقَّنْ يَقصِر مِن جَمالو التَابره أُم لَهايباً بقَّنْ وفي وصفه الممزوج بوجدانياته يقول في روعة آسرة:- عَاشِقي العُمرو بيْ قَولْ القَبيح ما اتلَسَّنْ فِيهو مَحاسن القَبْلَ اللتَيمه اتمسَّنْ قَرنو البيْ الفِلير والصَندليه إِتعسَّنْ نَشيقِنْ مَنع قِلبي المريض يتحسَّنْ وفي مربوقة رائعة يقول وقد أعادت القماري بهديلها الشجي إلى فؤاده أشواقاً وتباريح:- البَارِح سِويجعاتْ الفِروع إتنادَّنْ خَلَّنْ عَيني والنوم اللذيذْ إتعادَّنْ جَابن لي سُهاد حسسِي البِحس بي زادَّنْ سِهرنْ وأَسهَرَنْ عَاشق أُم ضَفايرنْ قَادَّنْ ****** جَحيمْ جَمرَ الغَرام الفِي الجِسم وَقَادَّنْ بيْ سَببو الطِعون ليْ صَدري عُقبَانْ عَادَّنْ بَعد مَاليلي هَجعْ وفي النِياح إتفادَّن ضمن بصري البِلجْلِجْ لَيهو ما في رُقَادَّنْ ****** قَريبْ الفَجري هَجَسَنْ وقَنَبنْ يتهَادَّنْ قَامنْ تَاني سِمعَنْ بُلبُلاً غَرَادَّنْ غرَزَنْ فيَّ جروحاً مِنَهِنْ سُقَادَّنْ يَبرَنْ في الضَحى ويَمسَنْ عَشيه جُدادَّن ومن غزليات شاعرنا التي برزت في إطار ثلاثية الدوبيت الخالدة قوله:- يا قُمري الفُروع دَوِّرْ العَليهو غُنَانَا دَايرينْ لِيمو كَان الرَّبْ يِتمُو مُنَانَا عَليْ جِريعاتْ العَسل اللذيذْ في شنَانَا رَسَنَكْ حَرَّ وغُردَكْ جَالْ وسَرجَّكْ نَانَا وكثيراً ما ورد اسم (ظهرب) في شعر أحمد عوض الكريم الغزلي، فقد جمع بينهما هوىً وعشق عنيف، وتعتبر ظهرب من أهم معشوقاته إن لم تكن أهمهن على الإطلاق، وهاهي تبين لنا في المربع التالي كضلع ثالث في ثلاثية الدوبيت الخالدة. (الشاعر و الحبيبة والمطايا) يقول:- مَلاعِبْ ظَهْرَبْ أَلفِي قَلبي رَيدها اتمكَّنْ إِتصَوَّرْ خَيالي ومُقلتي إنعَكنْ شَمِّر يا عقيدْ عُنقَ الرواينَ الجَكَّنْ قَبَّالْ سبعَه وَدِّيني أُمْ دُروعاً شَكَّنْ وظلت ظهرب في وجدان شاعرنا إلى آخر العمر، فعندما ذكره الناس بظهرب عندما شاخت وأضعفها المرض، قام إلى ذكر محاسنها وهو يقول إن هذه المرأة ذات الوجه الوضئ كريمة تكسو العراة وتكرم المحتاجين، وذلك من خلال مربع مؤثر يقول فيه:- قُبَالْ أُمْ قُدودْ فُرَيقْهَا يبقَى عَنَايَا أَخَيرْ الذِّكْرَى مَالاَ النَاسْ يِذكروا نَسَايَا ظَهْرَبْ نَاشْغَه فَوقْ أَبْ دَومةً تَرَّايَه وَجِهَّا مِرَايَّه ضَابحَه كُبَاشَه كَاسْيَه عَرَايَا ويُعد شاعرنا أَحمد عوض الكريم أبو سن من شعراء الدوبيت المكثرين في قوله، وهي أشعار سيجدها المتلقي في مظانها وفي صدور الرواة الثقاة، ونعجز عن إبرازها أو التمثيل لها جميعاً في ما حددناه من مساحة لهذا الشاعر العظيم في هذا المقال، خاصة مساجلاته وما صاحبها من طرائف ولطائف، وشاعرنا بحاجة إلى سفر ضخم ليحوط أشعاره وحياته، وما ذكرناه لا يعدو أن يكون إشارات تقود من يرغب للتوغل في دراسة هذا الشاعر والإحاطة بمحطات حياته وشعره الجزل. وعندما أحس شاعرنا بدنو أجله قال رباعية هي آخر ما قاله من شعر، تقول:- كَمْ للهِ ضُقنَا شَيومْ ولِيمْ جِنْيَاتْ ورَاكبِينْ فَوقْ قَوَارحاً لاَيصَه في الشَايَاتْ أَصلُو الدُنيا مَهما تَبلُغْ الغَايَات أَيامَ المَرضْ والموتْ أكيدْ جَايَاتْ وبالفعل توفي شاعرنا في عام 1987م تاركاً خلفه تراثاً شعرياً نادراً يعيد دائماً لشعر الدوبيت أصالته ورونقه وفنه العالي، وما من شك أن شاعرنا الراحل كان من أقوى الحلقات في سلسلة الدوبيت السوداني منذ بروز الحاردلو. ونختم حديثنا عن شاعرنا الراحل بمربعات ثلاثة ابتدر بها الأستاذ الأديب الشاعر الراحل حسان أبو عاقلة قصيدته في رثاء شاعرنا أحمد عوض الكريم أبو سن أسماها "دمعة على الشاعر (أحمد عوض الكريم)" (أبو بياكي) تقول المربعات:- مِنْ أَرضَ البُطانَه سِمِعْنَا خَبَراً شُومْ كالصَاقعَه إِنْفَجَرْ في البَادَيه والخَرطُومْ رَحلْ العَندليبْ الشَاعِرَ المَعلُومْ وَدْ سلفاقْ سَليل نَاس أَب عَلي وكَاكُومْ ****** مِنْ أَرضَ البُطَانَه سِمِعْنَا خَبَراً حَارْ أَبْكى رُفاعَه طَافْ بالبَاديَه والأَمصَارْ رَحلْ الشَاعِر النِحرِيرْ خَلِيفةْ الحَارْ خَلى القَافيَه تَنْدُبْ واللبيبْ مُحتَارْ ****** مِنْ أَرضَ البُطَانَه أَتَانَا خَبَراً شَينْ خلَّى السَاحَه خَاليه والشِعْرِ مِسْكِينْ رَحلْ الشَاعِر المَعرُوفْ قَمَرْ دَورَينْ الدوبَاي ورَاهو اللَيله أَمسى حَزِينْ رحم الله شاعرنا الفذ أحمد عوض الكريم أبو سن بقدر ما أثرى وجداننا وأنار عقولنا.