منذ أن نال السودان (الاستغلال) - كما ينطق بها غالبية أهل السودان - كان هنالك اتهام لأهل الشمال من أهل الجنوب بممارسة التفرقة العنصرية واستحواذ على مصادر السلطة والمال ..! وتوالت الاتهامات المتبادلة بين الفريقين ولم يسلم أهل الشمال من اتهامات أهل الغرب أيضا . وربما ساعدت الظروف المحيطة والسحنات والانتماءات القبلية في تفشي ذلك الاتهام الذي كبل أيادي الإطراف الساعية لبلوغ غايات التقدم والرقي . وتعثرت مسارات العمل العام وترنحت معدلات النمو الطبيعي في ارض المليون ميل مربع مابين سعي وارتطام في جدر التوهان .. حروب ومعاناة .. ، تشرذم وخلق عداوات - منها المفتعلة ومنها المبررة- وبرزت في الساحات الحوار صور الجهوية والانتماءات القبلية كأنها صور مشينة بغيضة منبوذة. في المقابل أيضا رُسم في الأذهان صورة أخرى متناقضة لما تقدم من الوصف ، شكليه لها إبعادها وزواياها المختلفة تعظم صور القبلية والانتماءات والتفاخر بها. ويسترشد حملة لوائها بأقوال مأثورة وأحاديث وآيات كريمة. وفي وسط هذا التوهان والخلل اللامنطقى استجدت أمور سياسية وثقافية واقتصادية ومفاهيم مغلوطة استطاعت أن تربك المتلقين والمتابعين لمجريات الأمور والإحداث . اهتزت القيّم بعوامل ومسببات منها النفسية ومنها الاقتصادية وأصبح كثير من الإفراد في هذه المجتمعات الغير متكافئة الوسائل والمعطيات مجردة من الفكر والعطاء تلهث وراء المكاسب الوقتية مسلوبي الإرادة وكأنهم مجرد رعية في معية قبطان سفن شراعية خربة قديمة وجدت نفسها في عرض محيط متلاطم في ليلة يسودها الظلام ، وفي مهب ريح صرر تعصف بهم تارة نحو اليمين وتارة أخرى نحو اليسار. ليصبح حال المواطن السودان كحال الرعية في تلك المعية أو كالغريق الذي يبحث عن أدوات نجاة تقذف به إلى أي شاطئ من الشواطئ ليسترجع فيها بعض من أنفاسه المقطوعة وعزيمته الغائبة . حتما عندما تنقشع الأمور ويستبين كل طرف من الأطراف المتنازعة والمتصارعة الطامعة في تقاسم السلطة والثروة ويتقرر مصير أهل الجنوب. وقتها سيكون للشمال شمال، وللجنوب جنوب. وستبقى الخشية والمحاذير باقية فينا ما بقينا. والتوجس سيخيم بيننا ، وعلى هضاب وتلال و مضارب قريبة منا في الشمال الشرقي أو الجنوب الغربي . ولن تسقط معادلة الاتجاهات الجهوية ونعرات التقاسم طالما بقي على شطر المشطور شاطر.. وسيظل للجنوب جنوب وللشمال شمال .