ما كنت أتصور أن يأتي ذلك اليوم لتأبين أخ وصديق وزميل عزيز رغم ان الموت حق وينتقي الكرام وكلنا راحلون وقد رحل سيد الأولين والآخرين سيدنا المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام. معرفة امتدت عبر نصف قرن من الزمان ونحن في بداية سلمنا التعليمي تجمعنا الكنبة الواحدة في الفصل لأربعة أعوام وداخليات كرمة النزل الأهلية تضمنا في عنبر واحد. هكذا كانت البداية التي لم تنقطع ولم يعكر صفو هذه العلاقة إلا الرحيل المفاجيء المر الذى عبر عنه أصدقاؤه وما أكثرهم فقد كان حريصاً على تمدد علاقاته شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً فمن أعز أصدقائه الحسن «أدروب» من شرق السودان الذى يلازمه بمكتبه العامر بالشركة السودانية للتأمين واعادة التأمين وكلاهما من مدرسة الفكاهة والمرح وقبله قرنق المحس الذى كتبت عنه حين ودعته الشركة بعد تقاعده وقد توثقت علاقاتهما بدرجة كبيرة. لا يفرق بين الناس لانتماءاتهم العرقية والدينية والحالة الاجتماعية. فكلهم أصدقاء بدرجة واحدة. غازي سليمان المحامي الذى يمر طريقه الى مكتبه وبينهما من الود والوصل والصفات المشتركة فلا تمل لقاءهما. مولانا فتح الرحمن البدوى وهو المعروف بانتقائه الشديد لعلاقاته وجمعتهما الصفات المشتركة «والعادلين» كوبر وعادل عبده وكثيرون من شباب وشيوخ الحركة الاتحادية وقد اتخذوا من مكتبه داراً لاثراء الحوار الجاد والمسئول. أعرفه كما يعرفه الأخ الأكبر الشقيق عزالدين السيد وكذلك الأخ الكريم الشقيق حسن السيد وكل أسرته بل لا أبالغ ان قلت ان معرفتي تفوق معرفتهم جميعاً. اجازاتنا السنوية لقاهرة المعز لم تنقطع الا هذا العام واستضافته بمكتبه العامر حيث أمضيت معه أكثر من سبع سنوات. الشجاعة والكرم صفتان ملازمتان. شجاعة فارس وكرم لا يجاريه سوى حاتم الطائى. يتقدم بخدماته للمحتاجين ويلاحقنا متى لزم الأمر. الهمة في تناول الأمور الاجتماعية والسؤال عن الحال. هاتفه الثابت والمحمول لا يتوقفان طيلة اليوم. طيلة اليوم يستخدمهما لفعل الخيرات. ايمان صادق وأصيل بأنه لن يصيبه الا ما كتب الله فقد تقبل فقده لنعمة البصر بروح عالية يردد بأن الحياة رحلة لابد من نهاية. كنت أرى جمال الدنيا وبهجتها وحلاوتها من سلوكه وتواضعه وحبه للناس. لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس. طلب مني الاخوة بالحديث في التأبين ولكن امتنعت الكلمات وتمردت فعمت عن الحديث. الآن أحاول على تطويع قلمي ليسطر بعض الكلمات ولكني أراه عاجزاً. كل ذلك ليس بغريب على من تربى في كنف أسرة آل قورتي وهي أسرة تعرفها دنقلا والمحس. والدهم من ذلك الجيل الذى تحمل المسئولية باقتدار في بناء المدارس والمستشفيات حرصاً على توفير فرص التعليم التي جنينا ثمارها. ويواصل الأخ الأكبر الأستاذ عزالدين السيد الذى حمل الراية وتصدى للأمانة والمسئولية والرعاية لنا جميعاً في المنطقة فجاءت ثمراته في سلوكنا جميعاً بمواصلة المسيرة. فكان الراحل المقيم حسين السيد أكثرنا همة وعزيمة واصراراً. العزاء كل العزاء للأستاذ عزالدين وحسن وأبناء الراحل المقيم محمد ومحمود وأسرته المكلومة. اللهم ما شهدنا الا بما علمتنا فقد كان مؤمناً صديقاً فتقبله قبولاً حسناً.. «إنا لله وإنا إليه راجعون».. ammar fathi [[email protected]]