ما أصعب على الإنسان عندما يسحب عينيه حين يقرر الرحيل من مكان الى آخر، وما أقسى اللحظات على البعض عندما تطفئ الشمس نورها وهم يعلمون أنها لن تعود في الصباح الباكر!! فما بالكم كيف يكون حجم اللوعة والحرقة ومقدار الجزع والحسرة عندما ترحل أمام المرء شخصية استثنائية وملهمة في ومضة خاطفة الى دار الخلود!!.. كم هو صعب ومؤلم أن أكتب عن حبيب.. ولورد.. وفخيم ينتمي الى شجرة آل قورتي النظيفة ذات العماد.. هو الفقيد الغالي حسين السيد الذي اختفى عن عالمنا كما تذهب الغيمة لينهد ركن متين من الرجاء والعشم. القلم لا يطاوعني والخواطر تتسربل في الأيادي حيث نزل علينا فراقه الأليم كالصاعقة المدوية والزلزال الذي لا يوصف وقد امتدت جحافل الحزن والأسى والحسرات الى أهله وأحبابه وعشيرته ومنسوبي الحركة الاتحادية وعارفي فضله من الفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات. كان الفقيد حسين السيد خليطاً من النخبوية والشعبوية بين وريث النظارة والحكم وصاحب الوجاهة وبين البسيط الملتصق بعامة الناس على مختلف مشاربهم وبين الجالس على الكرسي الوثير والزاهد فيه وقد كان يولي الصفة الثانية حيزاً واسعاً واهتماماً واقعياً على حساب الصفة الأولى. شيء نادر وميكانيزيا سحرية تدفعه نحو معالجة مشاكل الخلق دون سابق معرفة وقدرة هائلة كانت تحركه لمتابعة ظلامات المغلوبين بلا كلل وملل حتى يعيد اليهم البسمة والفرح. تآلف مع قضايا المقهورين والمساكين الى درجات العشق، لا يتخلص من أعبائها مهما كلفته ولا يتحاشها مهما تعقدت دون أن يتأفف ويتضايق!! كان حسين السيد يكِنُّ إعزازاً خاصاً لمنطقة المحس انطلاقاً من الولاء الصادق لأرض الأجداد ومراتع الطفولة والصبا، فالحكمة النبوية تصدع: «خيركم.. خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله».. لذلك كان يهتم بأحوال المواطنين والأهل في جزيرة بدين وكرمة وسمت والبرقيق ودلقو ومقاصر وكجبار وما جاورهم، علاوةً على مشاركته في بناء المدارس والمستشفيات وإرسال المعينات للنهضة الزراعية. أما على صعيد الحركة الاتحادية فقد لمست قدرته على البناء والتنظيم وتطوير الأفكار، فقد استطاع حسين السيد تحويل منطقة الخرطوم في الاتحادي الأصل الى خلية نحل تنضح بالفوران والنشاط الدافق وبوتقة سامقة ترتكز على الشفافية والبراعة وعنصر المبادرة حتى طارت بفضله الى الثريا مقارنةً بالمناطق الأخرى في الحزب على مستوى السودان. ومازال الكثيرون يتذكرون كيف اتَّسم لقاؤه مع مولانا محمد عثمان الميرغني بالصراحة والوضوح ووضعه النقاط على الحروف تأسيساً على لوزام النصيحة الخالصة والشجاعة النادرة الموجودة في كنانته!! كان الجميع على مستوى الأهل والأصدقاء والحزب يذهبون الى مكتب الفقيد بالشركة السودانية للتأمين وإعادة التأمين كأولوية وكانوا يجدونه هاشاً باشاً يكرم ضيوفه قبل أن يجلسوا على الأرائك. والقائمة هنا تطول لا تتسع لذكر جميع الأسماء وقد كان مجلسه واحة ظليلة وملتقًى ثابتاً لقضاء الحوائج والحديث عن هموم الوطن وقضايا السياسة والمجتمع. كان الفقيد حسين السيد لا يمكن إخضاعه إلا بكلمة حنان؛ فقد كان قوياً كالجبل الأشم ومقاتلاً كالأسد الهصور، لكنه كان نقياً مثل النبع في جزيرة بدين وعريقاً أصيلاً مثل بعانخي. وقد كان حضوره يجمع الاتحاديين والنوبيين وقد فرقهم الآن غيابه؛ فقد كان يستظلون بفيئه مثل شجرة المحنَّة؛ فقد كانت حسين السيد إسطورة من الفخامة وملحمة من الترفُّع. رحم الله الراحل الكبير حسين السيد رحمة واسعة بقدر ما قدم لأهله ووطنه. والعزاء للأسدين: عز الدين السيد وحسن السيد؛ فقد استمد الفقيد من أخويه، عز الدين السيد وحسن السيد، خصال الشهامة والنبل والأناقة والأخلاق الحميدة. والعزاء لزوجته المكلومة نادية وأبنائه محمد ومحمود وكريماته نسرين وشيرين ونهاد اللائي ترجمن سلوك الفقيد في العفة والطهارة. والعزاء موصول للفارس سيف عبد المطلب وللأستاذين فتحي شيلا وفتح الرحمن البدوي والدكتور أبو الحسن فرح وكمال ناصر وبدر الدين محمد خير وعادل كوبر وياسين عمر حمزة وهاشم عبد الجليل ومحمد خير محجوب والدكتورة شذى عثمان عمر والخليفة أحمد عبد الله والمحامي غازي سليمان وأحمد أبكر ونصر الدين فقيري وعثمان إدريس، والعزاء لجميع أصدقائه وأهله وأحبابه. اللهم تقبَّل عبدك حسين السيد في علِّيين وأسكنه في مقعد صدق فهو سليل الأوس والخزرج وحَمَلة القرآن الذين نشروا شريعتك البيضاء السمحة. وأشهد أنك الواحد القوي والغفار والديَّان ولا حولَ ولا قوة إلا بك.. وداعاً يا لورد.. وداعاً يا فخيم.