ما أسعد من غطوا ليلة البارحة ليلة الرابع والعشرين من سبتمبر 2010 في سبات عميق ، وما أتعسنا نحن الذين بتنا نضرب أخماساً في أسداس ، إنتظاراً لذلك الحدث الأممي الكبير ، الذي احتشد له كبراء الدنيا ، يحددون فيه مصير بلادنا ، نعم أعاد التاريخة نفسه ، ليذكرنا سوالف الأيام يوم كان منتصرو الحرب الكونية الثانية يرسمون معالم الكرة الأرضية في سايس بيكو ، تلك البقعة التي يجهل جيل حملة السلاح موقعها الجغرافي ، لا لعيب فيهم ولكن للتجهيل الذي أصابهم يوم بدأ التجهيل الجهنمي ، ليذر في البلاد جيشاً من حملة الشهادات الجامعية الذين هم الى الجهالة والانتقام أقرب ! قبل أسبوع مضى ، حط في رحاب الدنيا الجديدة ، في أمريكا ، التي لا أراها بمنظور الأديب سيد قطب الذي انقلب على عقبيه ، يوم عاد منها ليروي قصته مع تلك الدنيا الجديدة التي ابتعث اليها لنيل درجة الماجستير ، مضمناً رؤيته تلك في كتابه ( أمريكا التي رأيت ) ... حط هناك قادة العالم وفي معيتهم قضاياً السودان الشائكة ، الوحدة ، الانفصال ، العصا والجزرة ، قضية السودان في دارفور ، قضية شرق السودان ، قضايا التنمية فيه ، أمور كثيرة نحتاج الى من يساهم في حلها ، البلاد في فراغ ، لا أحد يستطيع تقرير مصير هذا البلد الكبير ، كثر اللغط والمغالطة ، كثر عفن القول ، لا أحد يستمع للآخر ولا أحد يعترف بهذا أوذاك ، انتظرنا رحمة السماء ، وقلنا مراراً أن للبيت رب يحميه ، ورغم قناعتنا بالدعاء الا أننا متيقنون بأن الله لا يقبل دعاء المنافقين ، دعاء الهتافة ، حارقي البخور في بيت السلطان ، الذين جعلوا القرآن عضين ، وللكونين ربين ، أحدهما يعبد في الأرض والآخر في السماء . تنفس الصبح على علاته ، ليحمل خبر بيان الكبار حوالى الخامسة من صباح هذا اليوم ، ليتبارى المحللون ، وأول رد فعل كان لحكومة السودان على لسان أحد دهاقنة النظام ، مهللاً بالخطاب وشاكراً المولى عزَ وجل بأن الخطاب قد خلا من الاشارة الى المحكمة الجنائية .. اذن ظهر المكمون ، وبان ما علق في الصدور ردحاً من الزمان ، واتضح جلياً أن للبلاد همين اثنين ، احدهما المحكمة الجنائية ، بُعبُع الزمان ، تلك المحكمة التي تناقلت الأنباء في أن الكبار كانوا يضعونها ضمن المساومة ، في ظلم فاضح لأهل دارفور ، والهم الآخر هو وحدة البلاد ، وللمعلومية أهل دارفور السلطان يضعون وحدة البلاد في حدقات أعينهم قبل مسألة المحكمة التي بات هي تحصيل حاصل كما يقولون . أما كان من الأجدر التركيز في الوحدة ، والبلاد شتات كل جزء من لحمها أجزاء؟! الجنوبيون ايضاً رحبوا ببيان الكبار، فهم قرأوها قراءة قد تكون أصح من ذلك التخبط الحكومي ، اذ البيان ضمن لهم ضرورة اجراء الاستفتاء في موعده ، وأن يكون سلساً دون حرب ، وبات أمر حسم مصير السودان عند الجنوبيين لا غير ، وان المشورة الشعبية لجبال النوبة آتية لا محالة على الرغم من تهديدات المسيرية باشعال حرب لا تبقي ولا تذر ، فالحرب القبلية غير مقبولة بعد الآن ، وما خفي من الضمانات اكثر ... البيان أشاد بالاستراتيجية الجديدة للحكومة والتي وقفت الحركات المسلحة في دارفور ضدها من قبلُ ، وفي الوقت الذي يشيد فيه العالم بهذه الاستراتيجية ، ترامت الى مسامعنا خبر القرى النموذجية التي قررت الحكومة انشاءها في المحليات الحدودية تليها الأخرى .. لا شك أن انشاء قرى نموذجية في المحليات المدمرة ، هو أمر حيوي نرحب به ، ونؤازره ، فعلى الرغم من أن الحكومة تعتقد أنها نكاية بالعمل المسلح في دارفور ، الا أنه ليس هناك عاقل في دارفور يرفض وضع طوبة واحدة في الجسم الدارفور الذي تم حرقه وكنس معالمه ، اذ أن جزء كبير من الصراع في التفاوض كان عنوانه تنمية دارفور ،،، واذا صدقت الحكومة في هذا تكون قد خطت خطوة قوية الى السلام وأعطت مصداقية لاستراتيجيتها التي لم ترفض حباً للرفض ، ولكن رفضت لأنها فُسرت على أنها احدى حيل الحكومة الكُثر ... اذن لا ضير في أن يصدر بيان الكبار تأييد تلك الاستراتيجية ، ولكن يقع ما لا يحمد عقباه في حالة نكوص الحكومة عن وعدها بهذه القرى النموذجية ... فمرحباً بأية طوبة وبأية محاولة بناء لقرانا المدمرة . البيان أشاد بمنبر الدوحة ، وبجهود دولة قطر الشقيقة ، وبالحث على الاستمرار في انجاح هذا المنبر ، وبدعوة الآخرين في اللحاق به ، واعتقد أن هذا هو مطلبنا نحن في حركة التحرير والعدالة ومازلنا متمسكين بهذا المنبر ، وبحثّ الآخرين على اللحاق بنا .. نعم أنتم كبار، يا من اجتمعتم البارحة في ردهات الأممالمتحدة وأعلموا أن حركة التحرير والعدالة التي انتظرت بصبر متناهِ ، كل هذه الشهور رغم الإيذاء وبذي القول وسلاطة اللسان من هذا وذاك بشموخ ، وكبرياء من يدري ما يفعل ، كانت ولا زالت كبيرة في تعاطيها مع واقع الأحداث ، كبيرة في تصوراتها والا ما اجتمعت ارادة كل هؤلاء القادة الكبار مع توجهات ومرامي حركة التحرير والعدالة ، فبها يستعيد أهل دارفور حقهم المسلوب ، وبها تنعم بلادنا بالاستقرار ، وبها نمسح دموع الأرامل واليتامى والثكالى ممن خلفتهم بطولة حاملي ألوية النضال على مر السنين السبع العجاف . فهاتوا أيديكم وأنسوا أحقادكم الماضية لنبني دارفورنا الحبيبة بعيداً عن الغوغائية وتراشقات الشبكة العنكبوتية التي لولا الحياء لقلنا في مدمني القذف ما لم يقله مالك في الخمر ، ولعدنا عليهم بشرر كالقصر ، كأنه جمالات صُفر . وسبحان الذي جعل الفرقاء الثلاث الحكومة السودانية ، الحركة الشعبية وحركة التحرير والعدالة يجتمعون في حكم واحد يصدره الكبار في بيانهم الذي أثلج الصدور ، وفي هذا نقول وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى . عبد المجيد دوسة المحامي abdel magid dosa [[email protected]]