تمهيد خلال يومين متتاليين في شهر مارس الجاري وقعت حركة العدل والمساواة وثيقتين مع حركة التحرير والعدالة بالدوحة ومع حركة تحرير السودان جناح مناوي بكمبالا وهو أمر ظلت حركة العدل والمساواة ترفضه باستمرار حيث لم تكف يوماً عن توضيح أنها ضد التنسيق أو الوحدة مع أي حركة وأنها الحركة الوحيدة على الساحة العسكرية والسياسية في دارفور، بل وذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك حين اشتطت ورفضت الجلوس للتفاوض مع الحكومة في حضور أي حركة أخرى. هذا الإقصاء لم تسلم منه حركة تحرير السودان أيضاً حينما حاولت الجماهيرية الليبية دمج حركتي العدل والمساواة وحركة تحرير السودان عام 2005م بمساعدة مخابرات إحدى دول الجوار بشرق البلاد فرفض عبد الواحد ومناوي مثلما رفض خليل إبراهيم الإندماج أو حتى التنسيق وظلت الحكومة في أبوجا تفاوض وفدين حتى انسحب وفد العدل والمساواة تاركاً وفد حركة تحرير السودان الذي تشظى قبل المفاوضات إلى جناحي عبد الواحد ومناوي. إذن ما الذي جعل الكل يسارع للتنسيق وتوحيد المواقف إن لم يكن الإندماج وفي هذا الوقت بالذات؟ (smc) تحاول البحث عن إجابة لهذا التساؤل بقراء الوثيقتين وبقراءة الظروف التي تم فيها توقيع هذه الوثائق.. ضعف عسكري بعد طرد قوات العدل والمساواة من تشاد في العام 2010م وبقاء رئيسها د. خليل قيد الإقامة الجبرية في كنف المخابرات الليبية ضعفت قوات العدل والمساواة حتى ذهب آدم بخيت وإبراهيم الماظ للبحث عن مأوى للقوات في جنوب السودان وكثرت الخلافات بين ممثل القائد العام علي وافي والقادة الآخرين ومؤخراً خلال الخمسة أشهر الماضية كثفت الحكومة من ملاحقتها لقوات العدل والمساواة في مختلف نواحي دارفور على خلفية الاعتداءات التي نفذتها الحركة للحصول على الغذاء والإمداد اللوجستي مثل اعتراضها لطوف تجاري بين نيالا والضعين في ديسمبر 2010م. وتسبب وجود المتمردين في جنوب السودان في تدهور علاقة الحركة الشعبية بالمؤتمر الوطني وبحكومة الخرطوم على حد سواء لدرجة طالب فيها الفريق عطا مدير جهاز الأمن من الحركة الشعبية تسليم أحمد بخيت لأن إيوائه يعتبر عمل عدائي، وفي وقت لاحق تمكنت القوات الحكومية من أسر إبراهيم الماظ ومعه بعض قادة العدل والمساواة في منطقة جبل مون بغرب دارفور وهو الأمر الذي فضح تورط المؤتمر الشعبي من ناحية ومن ناحية أخرى كشفت الوثائق التي ضبطت بحوزة المجموعة مدى ضعف وتفكك القيادات الميدانية لحركة العدل والمساواة. لم تعان العدل والمساواة وحدها من الضعف العسكري بل أن مناوي نفسه عاني من الضعف العسكري بعد أن تشرذمت قواته جزء مع الترتيبات الأمنية وجزء قيد الإقامة الجبرية بإشراف الجيش الشعبي في جنوب السودان وجزء ثالث بقيادة آدم صالح ينفذ عمليات عسكرية في خور أبشي بجنوب دارفور وشنقل طوباي ونقيعة وجخارة بشمال دارفور حيث تم حرق القرى وتهجير السكان المدنيين وضرب البنى التحتية من مضخات مياه وغيره لأن هؤلاء المدنيين رفضوا تأييد التمرد أو تقديم العون والمأوى للمتمردين وهما أمران فقدهما التمرد بعد توقيع اتفاق أبوجا وظهور الحركات بشكلها الحقيقي بعد أن فقدت الزخم الثوري فكرهها المواطنون وفقدت السند الشعبي الذي كانت تجده من بعض القرى والإدارات الأهلية. هذا الضعف العسكري أجبر مناوي وخليل على التنسيق على مستوى الميدان حيث قال مناوي في اتصال هاتفي من جوبا في يناير الماضي: (نعم قوات العدل والمساواة اشتركت معنا في ضرب نقيعة بشمال دارفور وكلنا أخوة في الميدان) وهذه مقولة غريبة بعض الشيء .. خاصة أن قوات العدل والمساواة هي التي ضربت قوات مناوي في مهاجرية عام 2009م وأخذت الأسلحة منه عنوة وحاولت الاعتداء على قوات تتبع له بشمال دارفور حتى اضطر للسفر والمكوث في أبو قمرة لحماية قواته؟ لكن اليوم الواقع مختلف فالعدل والمساواة مثلها مثل مناوي تئن تحت وطأة الفشل العسكري وفقدان السند الداخلي والخارجي وتعاني من اختلاف القادة ولهذا يضطر كل طرف للاستناد على الآخر ربما لتأجيل السقوط والانهيار. وذات الضعف تعاني منه حركة التحرير والعدالة التي ليس لها من قوات سوى متحرك يقوده علي كاربينو وهو مرتزق ربما يحول وجهه عنهم إلى اتجاه آخر إن وجد من يؤمن له قوته ودعم قواته فقد كان من أبرز قادة مناوي ثم ذهب إلى جناح الوحدة وعاد ليحترف النهب المسلح في طريق الجنينةزالنجي قبل أن يقدم نفسه ليعمل تحت إمرة التحرير والعدالة. فشل سياسي وصف مناوي بأنه فاشل سياسياً وأنه كان يمكن أن يمسك بكافة خيوط اللعبة السياسية في دارفور ولكنه أصغى لأشخاص منهم علي ترايو وعبد العزيز سام وجمعة حقار ومحمدين بشر فأضاعوه حتى أصبح يتسول المأوى والدعم من الحركة الشعبية لتحرير السودان. هذا الفشل السياسي عانت منه أيضاً حركة العدل والمساواة والتي كانت أول من ذهب ليفاوض الحكومة في الدوحة ولكنها ذهبت مزهوة بعد حوالي العام على دخولها أم درمان وأثناء اقتحامها لعرين مناوي في مهاجرية فرفضت التوقيع سوى على إعلان حسن النوايا في أول جلسة وكان د. خليل متغطرساً في تعامله مع د. نافع بحسب شهود عيان أثناء المفاوضات وقد بذلت الوساطة مجهوداً كبيراً حتى وقعت العدل والمساواة على اتفاق إطاري مع الحكومة ولم تلبث أن فقدت النصير التشادي وحطمتها الضربات العسكرية الموجعة والخلافات الداخلية. أما حركة التحرير والعدالة فحظها في السياسة ليس أفضل من حظوظ الحركات التي ذكرنا فقد تبرم المجتمع الدولي من عدم وصولها لاتفاق سلام مع الحكومة التي سحبت وفدها وأعلنت انتهاء التفاوض احتجاجاً على إطالة أمد المنبر ولكنها لم تغلق الباب نهائياً بل تركته مفتوحاً على الوساطة التي لم تزل تقدم رؤية تلو الأخرى لتعلق عليها الحكومة وتبدي رأيها بينما المجتمع الدولي يشكو تعنت الحركات وبطء الوصول لاتفاق وهو الأمر الذي شكل أزمة سياسية ودبلوماسية لحركة التحرير والعدالة التي ذهبت لتوقع مع حركة العدل والمساواة مثلما وقع مناوي في محاولة للنهوض السياسي وبداية دور جديد. لغة الوثائق لم تكن الوثائق المبرمة بين حركة العدل والمساواة مع حركة التحرير والعدالة يوم 21 مارس ومع مني أركو مناوي يوم 22 مارس واحدة. فقد تم تسمية الاتفاق بين مناوي وخليل ب(بيان مشترك) وقيل إن ذلك خطوة في طريق الوحدة الكاملة وهي وحدة كان يرفضها خليل مثلما يرفضها مناوي الذي رفض حتى مجرد التنسيق مع مكونات السلام الأخرى مثل المهندس مادبو والمهندس أبو القاسم أحمد أبو القاسم ولكنه ذهب ليتفق مع خليل إبراهيم .. وقد جاء البيان شبيهاً ببيانات الأممالمتحدة التي تكثر فيها عبارات مثل (إذ تشير) و(إذ تعيد) و(إذ تكرر) وهو أمر يعرف المقربون من الحركة أنه إحدى الأشياء التي يولع بها المحامي عبد العزيز عثمان سام الذي رافق مناوي إلى جوبا وأول إشارة جاءت في البيان هي توحيد جهود المقاومة في دارفور. من ناحية ثانية يوضح البيان أن مناوي ومن معه تركوا مباديء حركة تحرير السودان إلى غير رجعة وتبنوا أفكار حركة العدل والمساواة بدلاً عن منفستو حركة تحرير السودان حيث نادوا بدستور جديد وحكومة انتقالية وتوحيد المهمشين في كل بقاع السودان وتحالف بين حركات المقاومة في دارفور وبين القوى السياسية والمدنية والمهنية وهذه بالضبط هي رؤى العدل والمساواة والمؤتمر الشعبي وليست رؤى عبد الواحد ومناوي وغيرهم من مؤسسي حركة التحرير. أما الاتفاق مع التحرير والعدالة فقد سمي ب(ميثاق تنسيق متقدم) وهو مثله مثل سابقه أشار إلى الأمل في أن يفضي ذلك إلى وحدة كاملة وأن تشتمل كل قوى المقاومة المعنية وهذا أيضاً يؤكد طغيان رؤية العدل والمساواة على رؤية التحرير والعدالة. ويؤكد المراقبون أن مثل هذه الخطوة تخصم من رصيد حركة التحرير والعدالة السياسي الذي حققته أولاً بوحدتها وثانياً بقطعها شوطاً متقدماً في الحوار والتفاوض (وميثاق التنسيق المتقدم) ترك خمسة أشياء مفتوحة للنقاش وهي: التفاوض، الإعلام، المحور السياسي، المحور الميداني، الآليات والوسائل. وعلى عكس الاتفاق مع مناوي جاء الاتفاق مع د. التجاني السيسي مقتضباً وخالياً من اللغة القانونية تقريباً فهو اتفاق سياسي بحت. استشراف المستقبل بالتأكيد أن العدل والمساواة تسعى لإعادة إنتاج ما فشلت في تحقيقه في لندن عبر الجبهة العريضة مع علي محمود حسنين ضد الحكومة ومن المتوقع أن ينضم إلى هذه الجبهة عبد الواحد نور الموجود حالياً في كمبالا بحسب تصريح لدكتور الريح محمود جمعة نائب مناوي والملاحظ أن كل الأطراف تعاني انعدام القوى الميدانية تقريباً وتعاني الفشل السياسي وتسعى للاستناد على بعضها البعض وذلك قبل مواجهة المجتمع الدولي في المؤتمر الذي أعلنته الوساطة يوم 18 أبريل 2011م فهل ستنجح في ذلك أم ستفلح الحكومة في فضح اهتراء موقفها أمام كل العالم .. هذا ما ستسفر عنه الأيام.