بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    علماء يكشفون سبب فيضانات الإمارات وسلطنة عمان    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إحتمالات السلام فى أبيى ... اعداد : حسين جبريل القونى
نشر في سودانيل يوم 09 - 10 - 2010


بسم الله الرحمن الرحيم
Hussgoni@ hotmail .com
مقدمة:
فجأة تصدر ملف ابيي الاحداث في السودان خلال اليومين الماضيين بعد ان تعذر على الشريكين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني التوصل لأتفاق حول مسالة ترسيم حدود ابيي والاستفتاء فيها, وفي محاولة لايجاد مخرج من المشكلة تقدم المؤتمر الوطني بمقترح بجعل منطقة ابيي منطقة تكامل اقتصادي(تتبع للدولتين اذا حصل انفصال) بادارة مشتركة من القبيلتين ولكن رفضت الحركة الشعبية المقترح جملة وتفصيلا وهو مقترح يحمل في طياته العديد من التساؤلات التي تنتظر الإجابة .. وعلى ضوء ذلك تقدمت الحكومة الامريكية بمقترح لتنمية منطقة المسيرية مع حوافز اخرى مقابل السماح باجراء الاستفتاء دون مشاركة المسيرية فيه الا ان هذا المقترح قد وجد رفضا شديدا من المؤتمر الوطني والمسيرية معا.
وعلى صعيد آخر جدد المؤتمر الوطني رفضه للمقترح الامريكي بشأن ابيي حيث اعلن في فاتحة اجتماعات اديس ابابا حول ابيي المنعقدة في يوم الاثنين الموافق الرابع من اكتوبر 2010 ان قضية اشراك المسيرية في تصويت الاستفتاء في ابيي خط احمر هذا وقد شاركت قبيلة المسيرية لاول مرة في مفاوضات ملف ابيي في هذه الاجتماعات بوفد مكون من 22 عضوا من القيادات الاهلية والاعيان في مقابل 6 من سلاطين الدينكا نقوك. هذا وقد دخلت المباحثات بين الشريكين في قضية ابيي نفقا مظلما وطريقا مسدودا بعد تمسك كل طرف برؤيته حول ملف استفتاء ابيي. وفيما رفضت الحركة اي اتجاه لإشراك قبيلة المسيرية في الاستفتاء تمسك المؤتمر الوطني بضرورة اشراكهم رافضا اي حلول وسط وبناء على ذلك تقدم الوسيط الامريكي بجملة حوافز للطرفين حيث كانت حوافز المسيرية للتراجع قليلا عن ما اسماه بالاراء المتشدده تتمثل في تقديم مبالغ ضخمة للتنمية في مناطقهم واستمرار اعطاء المسيرية نصيبهم في البترول في ابيي حتى ولو تمت تبعيتها للجنوب عقب الاستفتاء مع الاتفاق بضمانات دولية للسماح للمسيرية بالدخول جنوبا حال الانفصال, ولكن اعلنت قبيلة المسيرية رفضها لأي حافز يترتب عليه التنازل عن حقها في التصويت في استفتاء ابيي بل انها هددت بان استبعادها من التصويت ستترتب عليه اثار لا تحمد عقباها مؤكده ان اي حل لمشكلة ابيي لا تكون المسيرية طرفا فيه لن يجد طريقه للتنفيذ.
ترى ماذا يحمل هذا التصعيد لقضية ابيي من مفاجآت في المستقبل؟ وهل هنالك من مهددات أمنية يمكن ان تساعد على إشعال الفتيل؟ وهل هنالك في نهاية النفق اي أمل لاعادة النسيج الاجتماعي في المنطقة وتحقيق التعايش القبلي فيها كما كان في السابق؟ هذا هو ما سيتم تسليط الضوء عليه في ما يلي:
السودان هو اكبر بلد افريقى من حيث المساحة ( واحد مليون ميل مربع ) ويتمتع بامكانيات وموارد طبيعية كثيرة ممثلة فى الثروة الحيوانية والزراعية والغابيه والبترولية والجيلوجيه والمائيه والبشرية وغيرها . كما أن له موقعاً استراتيجياً فى وسط افريقيا بين الدول العربية فى الشمال والدول الافريقية فى الجنوب وله منافذ بحريه للعالم الخارجى عن طريق البحر الاحمر فضلاً عن جريان نهر النيل فيه من الجنوب للشمال .. كل هذ المزايا جعلته محطاً للأنظار ومسرحاً للأطماع السياسيه والاقتصادية المحليه والاقليميه والدوليه . لعل قضية ابيى أحد مشاهدها .
قضية أبيى .. قضية متشابكة الجوانب .. متعددة الاطراف واللاعبين لكل منهم مصالحه واهدافه وأجندته . والكل يسعى لحل المشكلة على طريقته وهواه وهو الامر الذى أدى الى تعقيد المشكلة وصعوبة حلها حلاً توافقياً يرضى كل الاطراف .
إن قضية أبيى فى حقيقتها قضية حدود أداريه محليه بولاية جنوب كردفان ولكنها بسبب المطامع والاجندات المتقاطعة محلياً واقليمياً ودولياً اصبحت قضية دوليه تتداول حولها المنظمات والمؤسسات السياسية والعدلية الاقليمية والعالمية وكذلك الدول العظمى والاقليمية . كل ذلك بسبب ضعف الارادة السياسية السودانية .
قضية أبيى ليست قضية قبلية بين قبيلتى المسيرية والدنيكا نقوك كما يصورها البعض ولكنها قضية قومية لها خطورتها على مستقبل السودان والسلام فيه. هذه القضية القومية صادفت تعتيماً اعلامياً واضحاً ، فضلاً عن انها لم تجد حظها من الاهتمام القومى والسياسى والحزبى ومن أجهزة الأعلام ومنظمات المجتمع المدنى وأهل الرأى والحكمة ونخب القبيلتين ، عكس قضية اوكامبو ( المحكمة الجنائية الدولية ) التى وجدت زخماً إعلامياً ملحوظاً فتجاوب معها الشعب السودانى وشعوب وحكومات الدول الصديقة كما عكست ذلك القنوات التلفزيونية والفضائيه وأجهزة الأعلام الاخرى .
قضية أبيى فوق هذا وذاك قضية سياسيه ذات مراسيم وقرارات فوقيه بين شريكى اتفاقيه السلام الشامل فى السودان المؤتمر الوطنى والحركة الشعبيه لتحرير السودان .
لم تشرك قبيلة المسيرية فى أى مرحلة من مراحل التفاوض أو الاتفاق بشأن قضية أبيى ، لا فيما يتعلق ببرتوكول أبيى او خارطة طريق أبيى . هذا هو ما أكده المؤتمر العام للمسيريه الذى أنعقد فى قرية الستيب فى 5/ اكتوبر 2009م ، أما دينكا نقوك فكانوا قد فوضوا الحركة الشعبيه للتفاوض باسمهم . وكما هو معلوم فان بعض قيادات دينكا نقوك يمثلون حالياً مركز قوه فى الحركة الشعبيه لتحرير السودان وهو الامر الذى أعطى بعداً اضافياً لقضية أبيى حيث أن إنضمام أبيى للجنوب سيعزز من استمرار بقاء قيادات دينكا نقوك فى قيادة الحركه الشعبيه .
قبيلتا الدينكا والمسيريه قبيلتان رعويتان تعيشان فى تخلف اجتماعى واقتصادى فى ظل غياب الخدمات الاساسيه . ظلتا تمتهنان رعى الابقار وتزرعان المحاصيل الزراعيه والخضروات فى فصل الخريف بغرض الاستهلاك الذاتى المحلى . كما ظلت القبيلتان تنعمان بسلام ووئام وتصاهر وتمازج عرقى وقبلى حيث تعايشا متجاورين منذ قدومهما للمنطقة وحتى الان توثقت خلال هذه الفترة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بينهما وذلك رغم اختلاف الدين والعرق والثقافه . ويمكن القول بصفه عامه انه لم تسجل حوادث كبيرة بين القبيلتين خارج إطار الصراع التقليدى الذى كان يحل وفقاً للاعراف القبليه المتفق عليها . الجدير بالذكر أن الاحتكاكات المسلحه التى حدثت بين القبيلتين مؤخراً كانت أحداثاً سياسيه سببها إنضمام بعض أبناء دينكا نقوك للحرب الاهليه مع انانيا (1) و (2) وكذلك حركة تحرير السودان حيث أزهقت الاوراح البريئة وجرح البعض وضاعت الممتلكات وتشرد الكثيرون .
تقع منطقة أبيى ، الغنية بالبترول المتنازع عليها ، فى الركن الجنوبى الغربى لولاية جنوب كردفان ، وحسب قرار هيئة االتحكيم الدوليه تحدها من الناحية الجنوبيه ولايتا بحر الغزال وأعالى النيل ، وغرباً ولاية جنوب دارفور وشمالآً خط عرض 1010 شمالاً وشرقاً تمتد حتى خط طول 2900 مع خط عرض 1010 شمالاً . ومساحتها الكليه أفل من تلك التى جاء بها تقرير الخبراء كما ان هذه الحدود تختلف عن الحدود التى حددها تقرير الخبراء فى الناحيتين الشمالية والشرقيه . اما حسب الوثائق المقدمه من الحكومه لخبراء مفوضية حدود أبيى وكذلك لهيئة التحكيم الدوليه ، فأن منطقة أبيى تقع جنوب بحر العرب تحدها جنوباً ولاية بحر الغزال وغرباَ ولاية جنوب دارفور وشمالاً وشرقاً بحر العرب ( حدود عام 1956م عند استقلال السودان ) .
فذلكة تاريخية :-
شهد عام 1905 م ضم المنطقة التى تسكنها مشيخات دينكا نقوك فى مديرية بحر الغزال الى مديرية كردفان ( فى شمال السودان ) وذلك فى أجراء أدارى عادى بينما يرى حسين جلال الدين في ورقة كتبها حول قضية ابيي أن الدينكا تم ترحيلهم الى منطقة ابيي بكردفان بعد تعرضهم لغارات وليس هنالك اراضي ضمت الى كردفان.
وفى وقت لاحق اعطى المستعمر الخيار لدينكا نقوك مرتين للانضمام للجنوب ولكنهم رفضوه . كانت المرة الاخيره فى عام 1953 فى عهد زعيمهم دينج مجوك الذى آثر البقاء فى الشمال حيث يعيش فى سلام ووئام مع المسيرية ذلك لان أنضمامهم للجنوب ربما يسيئ للعلاقات بين القبيلتين ، فضلاً عن ان بقاءهم يعنى أنتماءهم للثقافه العربيه الاسلاميه مما يميزهم ويرفع من مكانتهم كما يرى البعض.
كان ضم منطقة ابيى الى جنوب السودان واحداً من الموضوعات التى نوقشت فى مفاوضات السلام التى عقدت فى اديس أبابا عام 1972م ، بينما شهد يوم 20 يوليو 2002م فى ميشاكوس بكينيا توقيع الاتفاقيه الاطاريه لوقف الحرب فى جنوب السودان بين حكومة السودان والحركة الشعبيه لتحرير السودان ، وقد نصت فيما نصت هذه الاتفاقيه على تحديد حدود الشمال والجنوب وفقاً لحدود عام 1956م ( تاريخ الاستقلال ) . ولكن بضغوط قوية من جهات خارجيه أقحمت قضية أبيى فى المفاوضات لاحقاً وتم توقيع اتفاقيه حسم نزاع أبيى (بروتوكول أبيى ) فى نيفاشا فى 26 مايو 2004م وفى ذلك تعارض مع اتفاقيه مشاكوس لان أبيى تقع جغرافياً فى شمال السودان . هذا وقد عرفت اتفاقية نيفاشا أبيى على أنها : منطقة مشيخات دينكا نقوك التسعه التى حولت من بحر الغزال الى كردفان فى عام 1905م . وعلى صعيد آخرا فقد اعطت الاتفاقيه سكان أبيى ( دون مناطق السودان الشمالية ) وبالتزامن مع استفتاء جنوب السودان حق الاستفتاء حول الاحتفاظ بوضع أبيى الادارى الخاص فى الشمال بتبعيته لرئاسة الجمهورية او أن تكون أبيى جزءاً من بحر الغزال . الجدير بالذكر انه لم يتم تعريف أو تحديد الذين يحق لهم الاستفتاء . وليس واضحاً هل للمسيريه المستقرين وكذلك الرحل الذين يقضون 7-8 شهور فى العام فى منطقة أبيى - هل لهم حق الاستفتاء أم لا . وقد ترك ذلك ليتم تحديده بواسطة لجنة الاستفتاء بعد تكوينها ، وهو الامر الذى ينذر بخلافات وتعقيدات كبيره . هذا وحسب اتفاقيه نيفاشا فان سكان أبيى هم اعضاء مجتمع دينكا نقوك والسودانيون الاخرون المقيمون فى المنطقة .
تم فى 17/12/2004م ، أى بعد حوالى سبعة اشهر من تاريخ توقيع بروتوكول أبيى - تم تعديل البرتوكول باضافة ملحق له تحت مسمى " التفاهم حول مفوضية حدود أبيى ، ربما تكون الحادثة الاولى من نوعها فى تاريخ الاتفاقيات الدوليه يتم فيها تعديل اتفاقيه دوليه ، تم بموجبه تعديل المادة (5-1 ) ليتيح الفرصة لخمسة خبراء اجانب من أمريكا وبريطانيا ودول الايقاد ليكونوا اعضاء فى المفوضية بدلاً عن الخبراء السودانيين . وقد أفرز هذا التعديل تعقيدات جديده لملف أبيى .
رغم ان المسيريه والدينكا ظلا متعايشين شريكين فى منطقة أبيى يقتسمان الارض ويعيشان أوضاعاً متماثله ، الا انه يلاحظ أن بروتوكول أبيى قد انحاز تماماً لدينكا نقوك وتجاهل المسيريه الرحل الذين يقضون فترة 7-8 شهر فى المنطقة سنوياً ، ولم يعاملهم نفس المعامله مثلاً فقد منحت منطقة أبيى وضعاً ادارياً خاصاً يتبع لرئاسة الجمهوريه ، وأصبح دينكا نقوك مواطنين فى ولايتى جنوب كردفان وبحر الغزال معاً ، ومنهم - إلا واحداً - تم تشكيل المجلس التنفيذى للمنطقة واعضائه ، وأيضاً خصص لهم صندوق لاعادة التوطين والبناء والتنمية فى منطقة أبيى تقوم الحكومة القومية بدعمه . يضاف الى ذلك ان سكان أبيى ممثلين فى مجتمع دينكا نقوك والسودانيين الاخرين المقيمين فى المنطقة لهم حق الاستفتاء ( بينما يصر دينكا نقوك على أنه لاحق للمسيريه فى الاستفتاء ) . وعلى صعيد اخر نجد ان البرتوكول قد منح المسيرية وغيرها من البدو الرحل حق الاحتفاظ بحقوقهم التقليديه برعى ما شيتهم والتحرك عبر منطقة أبيى ولكن لم يتم تحديد الآلية التى يمكن عبرها ضمان الاحتفاظ بحقوقهم التقليديه . يضاف الى ذلك فقد منح البروتوكول كلاً من المسيرية ودينكا نقوك ما نسبته (2% ) من صافى عائدات البترول فى منطقة أبيى . اما تقرير الخبراء فقد منح دينكا نقوك اراضى واسعه من اراضى المسيريه .
أعطى قرار هيئة التحكيم الدوليه جل مناطق أنتاج البترول للشمال واعطى المراعى وموارد المياه فى الرقبه الزرقاء وبحر العرب للدينكا وقد قبل بهذا القرار كل من الحكومه والحركه الشعبيه ودينكا نقوك بينما رفضته المسيريه . وكما هو معلوم فان قرار هيئة التحكيم ملزم وهو يحمل ثقلاُ ودعماً دولياً لم يتوفر لتقرير الخبراء ، ويتطلب تنفيذ هذا القرار إعمال الحكمه والعقل والمرونه وذلك تجنباً للاثار السالبة .
خلافاً لما نص عليه بروتوكول أبيى من ان تقدم مفوضية حدود أبيى تقريرها النهائى لرئاسة الجمهوريه ، قام خبراء المفوضية ، برئاسة السفير الامريكى السابق فى السودان ، وبدون مشاركة بقية اعضاء المفوضية الممثلين للحركة والحكومة ، بتقديم تقريرهم باسم المفوضية الى رئاسة الجمهورية . وقد خلص الخبراء فى تقريرهم الى أنهم قد عجزوا عن تحديد المنطقة التى حولت من بحر الغزال الى كردفان فى عام 1905م ( حسب التفويض الممنوح لهم ) ، وذلك كما قالوا بسبب عدم توفر خريطة توضح المنطقة المعنيه بالتحديد واوضحوا أنهم لذلك أجتهدوا فى وضع خارطة بديلة توضح حدود دينكا نقوك حيث يتواجدون فى عام 2005م .هذا وقد رفضت الحكومه وكذلك المسيرية تقرير الخبراء لما اعتبراه تجاوزاً للصلاحيات والتفويض فيما قبلته الحركه الشعبيه لتحرير السودان ودينكا نقوك .
• لحسم الخلاف حول تقرير الخبراء لجأ شريكا الحكم ( الحركه الشعبيه والحكومه ) الى (المحكمة الدولية الدائمة للتحكيم) لتحديد ما إذا كان الخبراء قد تجاوزوا صلاحياتهم أم لا . وفى حالة تجاوز الصلاحيات كان على هيئة التحكيم أن تحدد حدود المنطقة ( أبيى ) على ضوء مداولات الطرفين . وبالفعل فقد أصدرت هيئة التحكيم الدوليه قرارها فى 22/يوليو /2009م حيث قضت بأن الخبراء قد تجاوزوا صلاحياتهم فى بعض الحالات وأصابوا فى أخرى . كما قضت بتعديل خارطة حدود أبيى التى جاءت فى تقرير الخبراء وتقليل مساحتها الكليه . هذا وكان الدكتور عون الخصاونه ، أحد أعضاء هيئة التحكيم الدوليه ، وعضو محكمة العدل الدوليه قد سجل رأياً مخالفاً لرأى هيئة التحكيم ، موضحاً أن رأى الاغلبية غير مقنع وملىء بالتناقضات وأن هيئة التحكيم حاولت الوصول لحل وسط وهو يرى ان هذا ليس من عمل المحاكم مشيراً الى انهم لم يصلوا لحل وسط لقبيلتى الدينكا والمسيريه وانما للحكومة والحركه الشعبيه .واضاف القاضى الخصاونه أن رأى المحكمة وقرارها هو الذى سينفذ ولكن لربما هذا الرأى يؤجج النيران حيث سيعتبر بعض المسيريه أن التحكيم كان ، ظالماً . واضاف القاضى الخصاونه أن المحكمة ضيعت فرصة ذهبيه للمساعدة فى إحلال السلام وأن الحل الوسط لم يأخذ فى الأعتبار حقوق المسيرية مشيراً إلى أنه إذا صارت الحدود دوليه ستؤدى إلى حرمانهم من " حقوق الرعى التى تقوم عليها حياتهم منذ قرنين من الزمان . وأكد القاضى الخصاونه أن حقوق أساسيه للدينكا وثانونية للمسيرية " هذا غير موجود فى القانون ولا الأعراف القبليه وأشار الى أن المسيريه بذلك سيكونون سكاناً من الدرجة الثانية .
يلاحظ المراقب أن هيئة التحكيم الدوليه قد فضلت أن تعتمد الحل ( القبلى ) وليس (المنطقى ) الذى انتهجته لجنة الخبراء فيما رأى القاضى الخصاونه أنه كان من الاجدر إما الابقاء على قرار الخبراء أو إعتباره متجازواً الصلاحيات على ان تقوم المحكمة عندها بتحديد الحدود وفقاً لمرافعات الطرفين .
أسباب رفض المسيرية لتقرير الخبراء وقرار هيئة التحكيم الدوليه :-
رفضت قبيلة المسيرية قبول تقرير الخبراء وكذلك قرار هيئة التحكيم الدوليه وذلك للاسباب التاليه :-
1- منطقة أبيى هى أرض جدودهم ولابد من البقاء فيها أحياءً او امواتاً وتلك قيمة أجتماعيه متوارثه .
2- عدم وجود آليه لضمان كفالة حقوق المسيرية فى المنطقة كالمعهود تاريخياً وبصورة قاطعة لا تتأثر بالوحده أو الانفصال .
3- الأرتباط بالمنطقة تفرضه طبيعة حياة الترحال والحياة الأقتصادية ولذلك فإنهم يعتبرون ان المسألة بالنسبة لهم مسألة حياة او موت .
4- يعتبر المسيرية أنه ليست بينهم وأشقائهم دينكا نقوك مشكلة ، وإنما المشكلة هى بين الحكومه والحركه الشعبيه فى أمر سياسى المسيرية ليست طرفاً فيه خاصة وأنه لم يتم إشراكها فى مفاوضات واتفاقيات نيفاشا وخارطة طريق أبيى فى أى مرحلة من مراحلها .
5- أبناء المسيرية الذين شاركوا فى بعض مراحل المفاوضات كانوا يراعون مصلحة المؤتمر الوطنى وليس مصلحة المسيرية ذلك لأن أختيارهم لم يتم بواسطة القبيلة .
6- يعتقد المسيرية أن شريكى الحكم المؤتمر الوطنى والحركه الشعبية لا تحركهما دوافع حل المشكلة وإلا لكانت هناك مساعى صادقه لرأب الصدع وحركة جادة لخلق تنمية مستدامة تحقق الاستقرار وتقلل فرص النزاع والاقتتال .
7- يؤكد المسيرية أنهم لم يرتكبوا جرماً يعاقبون عليه بحرمانهم من حقوقهم التاريخيه وأرضهم المعطاءه .
8- يرى المسيرية أن حرمانهم من الأرض التى يعيشون فيها ( 7-8 ) شهور فى العام يعنى أن لا وطن للرحل وهو أمر يتعارض مع القوانين الدوليه وحقوق الانسان والدستور.
مظاهر خطورة الاوضاع بالمنطقة :-
اعتقد البعض أن هيئة التحكيم الدوليه قد جاءت بالبلسم الشافى لحل المشكلة ، بينما يرى آخرون ان الهدوء السائد حالياً هو هدوء محفوف بالحذر ، وأن الاوضاع الامنيه يمكن أن تتفجر فى المنطقة بلا موعد محدد. فيما يلى نوجز بعض مظاهر خطورة الاوضاع فى المنطقة وأسبابها :-
هنالك أجيال من شباب المسيرية تربوا على الحرب والبندقيه فى وجه التمرد فى الجنوب منذ سبعينات القرن الماضى .. هؤلاء يعيشون الآن فى فقر مدقع بعد توقف الحرب .. ذلك لانهم بلا تعليم وبلا عمل او مهنه او حرفه وبلا دخل فى منطقة تعانى من غياب الخدمات الاسياسيه .. بعض هؤلاء الشباب شاركوا سابقاً فى الحركات المسلحة المناهضة للحكومة فى المنطقة مطالبين بالتنمية وداعين لكسر احتكار الوظائف بشركات البترول فى المنطقة للوافدين اليها من خارجها .. وبعض آخر إنضم للحركات المتمرده فى دارفور .. هؤلاء جميعهم وغيرهم يمثلون خميرة عكننه للامن فى المنطقة خاصة مع إنتشار السلاح فى أياديهم . كما انهم يمكن أن يكونوا رصيداً إحتياطياً لحركات التمرد فى دارفور .. لاحتوائهم لا بد من الالتفات لقضاياهم .
بعد صدور قرار هيئة التحكيم حول أبيى ، انعقد مؤتمر عام للمسيرية بقرية الستيب شمال أبيى ، لم تشارك فيه السلطات المحليه او المركزيه ، رغم علمها ، كما لم يشارك فيه إلا القليل من النخب المتعلمة من أبناء القبيله فى الخرطوم .. كان مؤتمراً غاضباً أساءوا فيه معامله بعض كبار قياداتهم بمنعهم من الحديث فى المنصة ووصفوهم بالتخاذل فى مناصرة قضايا القبيلة . وقد اكد المؤتمر على عمق العلاقات مع دينكا نقوك ، وعلى أن المسيريه لم يفوضوا أحداً للتحدث باسمهم فى أى مرحلة من مراحل مفاوضات واتفاقيات بروتوكول أبيى أو خارطة طريق أبيى و أنهم لذلك - ولأسباب أخرى – يرفضون قرار التحكيم . وقد أكد المؤتمرون أيضاً أنهم يحملون المؤتمر الوطنى والحركه الشعبيه أية خسائر فى الارواح والممتلكات فى الماضى وفى المستقبل ... لعل ما جرى فى هذا المؤتمر يؤكد أن القيادات الاهلية والشعبيه ونخب القبيله الآن لم تعد تتمتع بالاحترام والتقدير والمصداقيه من القبيله كما فى الماضى ، الأمر الذى يجعل من السيطرة على أى أختلالات أمنيه قد تحدث أمراً صعباً ، خاصة مع غياب قيادة موحدة لقبيلة المسيرية .
إن إتساع الرقعة الجغرافيه لمنطقة أبيى من ناحيه وقلة عدد سكانها لعدم وجود قرى كثيرة منتشرة فيها من ناحية اخرى ، فضلآ عن التحرك الدائم للرحل فى الصيف بحثاً عن الماء والكلأ وعدم كفاية النقاط الأمنيه ، قد يجعل المنطقة حبلى بالاختلالات الأمنيه الفرديه والجماعيه فى شكل عصابات للسرقه أو غيرها ، خاصة فى ظل غياب سلطة الادارة الاهليه التى تساعد على التعرف على الجناه فى أقصر وقت . هذا الوضع اذا ما اصبح حقيقه سيزيد الأمور تعقيداً .
لم تتحرك السلطات المختصة ولا منظمات المجتمع المدنى أو قيادات المنطقة للقيام بحملات إعلاميه مكثفه لشرح بروتوكول أبيى او خارطة طريق أبيى أو قرار هيئة التحكيم الدوليه ليتسنى للمواطنين الوقوف على حقائق الأمور والتعامل بفهم وعقلانيه ومسئولية بعيداً عن الأوهام والانطباعات السالبة والمفاهيم الخاطئة . هذا الوضع جعل فهم المواطن فى المنطقة للنزاع وما يحيط به فى ظل المعلومات المتناثرة والمتناقضه التى يعتمد عليها مشكلة فى حد ذاتها . ذلك لأن قضية أبيى قضية حساسة لمجتمع متخلف أجتماعياً وأقتصادياً وتسيطر عليه القبليه والعصبيه . هذا ويعتقد أن أى نشاط إعلامى فى الأتجاه الصحيح يمكن أن يساعد فى التخفيف من حدة المشكله وربما يساعد أيضاً فى إيجاد حلول توفيقيه ترضى الأطراف المعنيه .
إن الاحباط واليأس عند المسيريه بسبب عدم وضوح الرؤيا حول مستقبل قضية أبيى وإنعكاساتها على مستقبل التعايش بينهم ودينكا نقوك فى حالة الوحدة أو الانفصال ، من ناحية وعدم وجود خطوات جادة لرتق النسيج الاجتماعى واستمرار التعايش السلمى فى المنطقة من ناحية أخرى ، فضلآً عن الإحساس بالظلم والغبن الناتج عن غياب التنمية وعدم توفر الخدمات الاساسيه ، رغماً عن الاستثمارات البتروليه الضخمة فى المنطقة ورغماً عن عظم الدور الذى لعبته قبيلة المسيرية فى الذود عن حياض الوطن وأمنه ، كل هذه الأمور مجتمعة وغيرها يمكن أن تجعل الأمور مفتوحة على كل الأحتمالات إذا لم يتم تدارك الموقف .
أصدرت هيئة التحكيم الدوليه – ضمن قرارتها – أن لا تمس الحقوق التقليديه للمسيرية والقبائل الأخرى فى المنطقة كما وردت فى بروتوكول أبيى ، إلا أن المسيرية ترى أنه لا توجد آليه أو ضمانات فيما يتعلق بحقوقها فى المنطقة خاصة إذا أنضمت المنطقة لبحر الغزال او اذا انفصل الجنوب عن الشمال . ان غياب الرؤيا حول هذه الضمانات يمكن ان يكون سبباً قوياً لتطرف المسيرية والتشدد فى موقفهم من قرار هيئة التحكيم الدوليه وعدم الاعتراف به أو الألتزام به أو تنفيذه . وفى هذا الإطار فقد اشيع أن بعض قيادات المسيرية قد صرحوا بأنهم لن يتحملوا مسئولية أمن موظفى المساحه الذين ينتدبون لترسيم حدود أبيى بل أنهم يرفضون السماح لهم بالعمل فى المنطقة .
منح بروتوكول ابيي البدو الرحل حق الاحتفاظ بحقوقهم التقليدية برعي ماشيتهم والتحرك عبر منطقة ابيي وهنا يقول المسيرية أن الحقوق التقليدية لهم في المنطقة لم تكن وقفا على رعي الماشية فقط انما هنالك حقوق اخرى تاريخية وتقليدية منها تملك الاراضي والزراعة والصيد والتجارة التقليدية وتجارة المواشي وتجارة الخشب والحطب والفحم وانتاج الصمغ وعسل النحل وجمع المنتجات الخلوية مثل اللالوب والعرديب وغيرهما وصيد الاسماك وانتاج جلود الابقار والحيوانات والزواحف الخلوية وغيرها وهو في مجمله نشاط اقتصادي واسع خلال فترة بقاء المسيرية في منطقة ابيي ومصدر دخل مقدر لعديد من اسر المسيرية في تلك المنطقة.
أما موضوع أستفتاء منطقة أبيى بالتزامن مع استفتاء الجنوب ، فهو الأخر يشكل قنبله موقوته ، إذ أن حرمان المسيرية الذين يقضون حوالى 7-8 شهور سنوياً فى منطقة بحر العرب من حق الأستفتاء ، ينطوى على مخاطر كبيره منها أحتمال قيام المسيرية بعرقلة عملية الاستفتاء ومنها إحتمال المواجهات المسلحة مع السلطات الرسميه أو مع القوات الدوليه أو قوات الحركه الشعبيه . وعندها ستكون الخسائر فى الأرواح والممتلكات أمراً لا مناص منه . الجدير بالذكر أن رئيس الجمهوريه كان قد صرح عقب قرار المحكمه الدوليه بان المسيريه لهم كامل الحق فى الأستفتاء باعتبارهم مكون أساسى من مجتمع أبيى بينما صرحت بعض قيادات دينكا نقوك بأن حق الاستفتاء للدينكا فقط .
بما أن حكم هيئة التحكيم الدوليه قد أقر بأن الخبراء قد تجاوزوا صلاحياتهم فى بعض الحالات ، وحيث أن قرار هيئة التحكيم كان فى مجمله وفى حقيقته حل توفيقى بين الحكومة والحركه الشعبيه وليس بين دينكا نقوك والمسيريه ، وأنه لم يأخذ فى الأعتبار مداولات الطرفين شريكى نيفاشا ولم يحدد حدود أبيى وفقاً لما قدم من وثائق ومستندات ، فإن هذا القرار قد أعتبره أغلب المسيريه انه ظالم ( حسبما توقع ذلك القاضى عون الخصاونه ) بينما أعتبره آخرون انه يفتقد الموضوعيه والمهنيه مما اضر كثيراً بقوته وبضرورة إحترامه ، وهم لذلك يرون أن ذلك يقدح فى نزاهة المحكمين وحيادهم . وهو الأمر الذى يرون أنه ينطبق أيضاً على تقرير الخبراء . لعله من هنا جاء رفض المسيرية لقرار هيئة التحكيم الدوليه ورفضهم لترسيم المنطقة . ويبدو أن هذا الرفض قد استند أيضاً على ما أثاره القاضى عون الخصاونه حول قرار هيئة التحكيم حول أبيى . ومن الواضح هنا ان تطبيق قرار هيئة التحكيم المتعلق بترسيم الحدود يعنى المواجهه بين السلطات الرسميه المنوط بها تنفيذ القرار وبين المسيرية اذا لم تسودالحكمه وتبصر عواقب الأمور .
شهدت منطقة أبيى العديد من المواجهات العسكريه وعمليات النهب والسلب والسرقه فى الأعوام الأخيرة ، فضلآ عن أن هناك نذر مواجهات أخرى بسبب قرار التحكيم . لذلك فان التكهنات تشير الى احتمالات استمرار النزوح من المنطقة الى مناطق أكثر أمناً فى الشمال والجنوب على السواء ، كما تشير فى احسن الافتراضات ، الى تاخير العوده الطوعيه للاجئين للمنطقة .
وعلى صعيد آخر فإن المواجهات العسكريه وكذلك عمليات النهب والسلب التى حدثت فضلاً عن تدهور صحة البيئة نتيجة للنشاط البترولى فى المنطقة – قد أدت الى فقدان العديد من الأرواح والممتلكات وخاصة الأبقار ، مما نتج عنه إفقار العديد من الأسر من الرحل والمستقرين دون أن يجدوا أى تعويض . هذه الاوضاع اذا ما زادت رقعتها وتأثيرها ربما دفعت البعض للتعبير عن سوء الاوضاع بالطريقة التى يرونها مناسبه ، وربما دفعت البعض الاخر لإحتراف أو اللجوء للنهب والسلب المسلح وهو الأمر الذى يهدد أمن وسلامة المواطنين ويهدد الاوضاع الأمنيه فى المنطقة ويحول دون أحداث التنمية الأقتصاديه والأجتماعيه فيها والى هروب الأستثمارات منها .
تنتشر فى أوساط المسيرية شائعة مفادها أن قبائل الجوار التوج والنوير قد اكدت انها لن تقبل بغير المسيريه ، التى تربطها بها تحالفات واتفاقيات واعراف ، جاراً لها ، وأنها لذلك لن تعترف بدينكا نقوك جيراناً لها ، وهذه الشائعة - ان صحت - من شانها تفعيل التحالفات القبليه القائمة بين هذه القبائل والمسيريه للوقوف فى وجه دينكا نقوك وهذا وضع – إن حدث – سيزيد الأمورر تعقيداً .
تضافرت عدة عوامل وظروف ضد المسيريه ودينكا نقوك معاً ، جعلت منهما مسرحاً لاحقاً لزرع الفتنه وبذر الخلافات والشقاق بينهما وكانا هما الضحيه لم يستخلصا منها العبر والدروس بعد ولكن متانة وعمق العلاقات التاريخيه بينهما قد حالت دون وقوع أضرار كبيره وحدَت من الآثار السالبة على المنطقة . ولعل من بين العوامل التى اضرت بالمسيرية والدينكا معاً هو استمرار جعلهما معاً وقوداً للحرب بين الشمال والجنوب فى السابق . فالحكومه أعتبرت هذه الحرب حرباً دينيه مقدسه قابلتها حملات أعلاميه مكثفه ودعم لوجستى ومعنوى قوى بواسطة الكنائس الغربيه للحركه الشعبيه ضد عرب المسيريه اتهمتهم من خلالها بالاتجار فى الرق بثاً لروح الشقاق والبغضاء بين القبيلتين . يضاف الى ذلك انتشار الجهل والتخلف الاقتصادى رغم الاستثمارات البتروليه الضخمه فى المنطقة مما ادى الى الإحساس بالغبن والظلم وإذكاء روح القبليه . ولعل تصحيح هذه الصور يحتاج الى جهود مخلصه وصادقه ووقت ليس بالقصير .
يشكو المسيريه من تهميش الحكومه القوميه لهم وعدم مشورتهم فى القضايا والاتفاقيات التى تخص منطقتهم . فهم يقولون أنه الى جانب غياب التنميه والخدمات الأساسيه بالمنطقة رغماُ عن الأستثمارات البتروليه الضخمه وكذلك رغماً عن نصيبهم فى عائدات البترول منذ عام 2005م الذى نص عليه بروتوكول أبيى واتفاقية السلام الشامل ، فإن الحكومه لم تشركهم أو تشاورهم فى أى مرحله من مراحل المفاوضات حول ملف أبيى ، بل عتمت على الأمر ولم تقم بالنشاط الأعلامى اللازم . كما يقولون أنه لم يتم إطلاعهم على حيثيات حكم هيئة التحكيم الدوليه وما يترتب عليه وما يلزمهم القيام به ويضيفون أنهم تركوا فريسة للاجتهادات والافتراضات والتخيلات ... إضافة الى ذلك فإن المسيرية يشكون من تقصير مجالس المحليات ومجلس تشريعى الولاية والمجلس الوطنى وحكومة الولاية فى تجاهلهم لقضية أبيى وعدم التداول حولها رغم اهميتها . وهم لذلك يحملون المسئولية والتقصير لممثلى المنطقة وقياداتها فى تلك المؤسسات . هذا الوضع يتوقع أن يؤدى الى المنافسة الحادة بين هؤلاء القادة الحاليين بالمنطقة واولئك المتطلعين الى تولى القيادة مستقبلاً . وسيؤدى هذا الى الاستقطاب بالمنطقة والى تأجيج نار العصبيه والقبليه والتشرذم والتحزب خاصة مع قرب موعد الانتخابات المحليه والعامه . ولعل المستجدات فى المنطقة ستكون لها افرازاتها ونتائجها .
ما زالت ديار المسيريه بما فى ذلك منطقة أبيى تعانى من نقص الخدمات الأساسيه ولم يتغير فيها الحال كثيراً بعد دخول الاستثمارات البتروليه فيها بل ولم يجد المسيريه والدينكا معاً اثراً واضحاً لنصيبهما من عائدات البترول فى المنطقة الذى نصَ عليه بروتوكول أبيى وكذلك اتفاقية السلام الشامل فى عام 2005م بل ويقول المسيرية أنه لم يشفع لهم انهم منذ الاستقلال فى عام 1956م م كانوا هم حماة الوطن وأمنه فى وجه التمرد فى جنوب البلاد حيث فقدوا الأرواح والممتلكات . ويضيفون أنه لم يشفع لهم أن ولايتهم (السابقة ) غرب كردفان قد ذوبت مهراً لاتفاقيه السلام الشامل .. هذا ويؤكد المسيريه أنه قد حيل دون وحدة قياداتهم فى الأداره الأهليه بزيادة عددهم ، فضلاً عن اضعاف اداراتهم الأهليه واهمالها رغم اهميتها فى حفظ الأمن ورتق النسيج الاجتماعى والقبلى وكذلك دعم الأداره المحليه بل ويشتكى المسيريه من أن كل توصيات المؤتمرات والدراسات التى تمت فى المنطقة كان نصيبها الاهمال والوضع على الرفوف بدلاً من وضعها موضع التنفيذ والاهتمام بها . هذه العوامل مجتمعه اعطت الأحساس بأن المركز ليس حريصاً على تنمية المنطقة او انسانها .. هذا الوضع اذا لم يتغير فإنه سيضاعف الاحساس بالظلم والغبن ويمكن أن يستغله البعض للتعبير عنه باسلوب أو بأخر .
بعد قرار هيئة التحكيم الدوليه حول أبيى والتزام حكومة الوحدة الوطنيه والحركه الشعبيه بتنفيذ قرار التحكيم ، أبدى العديد من قيادات المسيرية استياءهم وعدم رضائهم من تعامل حكومة الوحدة الوطنيه مع القرار وإهمالهم للمسيريه كانهم غير موجودين وكأنهم ليسوا جزءاً من المشكلة وتساءل آخرون لماذا لم تفكر حكومة الوحدة الوطنيه فى استرضاء المسيرية مقابل مطالبتهم بالتنازل عن أرضهم التى أخذت منهم تنفيذاً لقرار هيئة التحكيم وهنا كأن يتم الشروع فى او تنفيذ بعض مشروعات التنميه المستدامه فى المنطقة .هم يشيرون الى أن المستاجر حين يطلب منه مالك الارض أو العقار او غيره الاخلاء فإنه عادة ما يتم تسوية الأمر بتعويض ما لصالح المستاجر نظير االاخلاء وإرجاع الشىء المستاجر لمالكه ولذلك فهم هنا يتسأءلون كيف يكون المقابل كان المطلوب منه الأخلاء أو التنازل عن الملكيه هو صاحب أرض متوارثه من الجدود وصاحب اغلبيه فى المنطقة .
ويقول بعض المسيريه أن تعرضهم للظلم والأجحاف فى حقهم قد اعترف به غيرهم . ويضربون مثلآ على ذلك بما جاء فى العمود المقروء " بعد .. ومسافة " بجريدة آخر لحظه بتاريخ 3/ يناير 2010م الذى يكتبه الاستاذ مصطفى ابو العزائم رئيس التحرير . وقد رأينا أن ننقل للقارئء جزءاً منه فيما يلى وقد كان بعنوان :- والمسيريه إذا غضبوا .. "
" المسيريه " قبيلة مقاتلة .. فرسانها أعاصير موت لخصمهم ، وهم اما على ظهور الخيل ، او يعملون على اسراجها ، ومساحات وجودهم الجغرافى كبيرة وممتدة ، تتجاوز الحدود الاداريه ، لتخلق حداً إجتماعياً يرتبط بحلهم وترحالهم .. وهم أهل كرم ونخوه وشجاعه ، ما فى ذلك شك ، وخصمهم فى الحرب ليس أكثر من شقى صادف نكير ، او كما نقول فى أدبنا الشعبى ، ولا يخاصمون الا اذا شعروا بالظلم او التجاوز ، لذلك لم يدهش أحد عندما غضبوا غضبة ( مسيرية ) صرفه ، احتجاحاً على قانون استفتاء أبيى الذى أجازه البرلمان مؤخراً ، ويطالب قادة المسيرية بأعادة القانون الى المجلس الوطنى ، مع التشديد على ضرورة اشراكهم فى صياغته ، لانهم يعتقدون أن المؤتمر الوطنى والحركه الشعبيه قد قاما بصياعة القانون خارج البرلمان ، دون مشورة القبيلة ، متمسكين بان المادة (24) سلبت حقهم ، لأنها ذكرت " دينكا نقوك " دونهم ، وهم أصحاب الأرض والأغلبيه فى المنطقة "..
اعتاد رعاة المسيرية قضاء فترة الصيف في المناطق حول بحر العرب بولاية جنوب كردفان حيث الماء والكلأ ولكنهم في السنوات الاخيرة كثيرا ما يتوغلون بابقارهم من اجل المراعي والمياه في ولايتي الوحده وواراب بجنوب البلاد عبر المسارات والمحاور التي تحددها السلطات المختصة في هذه الولايات وذلك مقابل دفع رسوم محدده على كل رأس للموسم الواحد وذلك اضافة للرسوم التي يقومون بدفعها لسلطات ولاية جنوب كردفان وقد شكا المسيرية من هذه الازدواجية في الرسوم التي يدفعونها في شمال وجنوب البلاد دون ان يحصلوا على خدمات في مقابلها.. ولعله من المتفق عليه انه في غياب مؤتمرات رسمية يشارك فيها ولاة الولايات التي يتنقل فيها المسيرية وايضا بقية المسؤولين الرسميين في المحليات وادارية ابيي وامراء وسلاطين القبائل المختلفة وغيرهم في المنطقة للاتفاق على اسس للتعايش بين القبائل في المنطقة في اطار نظم وقوانين متفق عليها بالتراضي فان احتمالات المواجهات الفردية والجماعية امر وارد ولا احد يستطيع ان يتكهن بنتائجها.
يقوم بعض عناصر من الجيش الشعبي ربما في اطار عدم انضباط بعض منسوبيه وربما لاسباب اخرى بالاستيلاء على بعض المواشي من المسيرية الامر الذي يثير حفيظة المسيرية فيهرعون لاسترداد مواشيهم وهنا يحدث صدام مسلح بين الطرفين تكون نتيجته خسائر في الارواح والممتلكات الامر الذي يضاعف من المرارات والكراهية والاحقاد وقد يتطور الوضع الى الاخذ بالثأر مستخدمين في ذلك الاسلحة الثقيلة الامر الذي يضاعف من حجم الخسائر المادية والبشرية ويعمق الخلافات والاحقاد ولعله من الملاحظ هنا ان كل المواجهات في المنطقة خلال السنوات الاخيرة كانت تتم بين المسيرية من جانب وبين قوات الحركه الشعبية من جانب اخر وليست بين المسيرية ودينكا نقوك او غيرها من قبائل الدينكا الاخرى ولعل هذا الوضع يشير الى أن تفلتات منسوبي الحركه الشعبية يمكن ان تؤدي الى صراع مسلح في المنطقة والى خسائر في الارواح والممتلكات وتزيد الامور تعقيدا خاصة اذا تدخلت الحكومة لحماية المسيرية اما اذا انفصل الجنوب عن الشمال واستمرت هذه المواجهات فان النتائج النهائية ستكون وخيمة على كافة الاطراف ذات العلاقة.
أبدي عدد من عقلاء المسيرية وقياداتها قلقهم من أن يؤدي فرض قيود وشروط في اماكن المرعى والمياه من جانب السلطات المختصة في الولايات المجاورة لولاية جنوب كردفان الى حدوث تفلتات امنية وبالتالي الى تهديد امن وسلامة المواطنين الامر الذي قد يؤدي في خاتمة المطاف الى اغلاق الطرق المؤدية الى الجنوب كرد فعل كيدي وربما ينتج عن ذلك التصرف اغلاق طريقي الميرم - اويل وكيلك – بانتيو بالاضافة لخط سكه حديد بابنوسة - واو (الذي تم افتتاحه مؤخرا) في وجه المعاملات التجارية والاجتماعية ولعله من الواضح هنا ضرورة التدخل الحكومي وتحقيق الانضباط خاصة في قوات الحركة الشعبية وذلك درءا للتعقيدات الامنية والاقتصادية والسياسية التي قد تنجم من ذلك كما حدث في السابق عند قفل طريق الميرم – واو.
لقد سبق ان اغلق المسيرية طريق الميرم - واو وقد تسبب ذلك في حرمان بعض الولايات الجنوبية المجاورة لمناطق المسيرية من انسياب البضائع اليها من الشمال وقد نتج من ذلك العديد من المشاكل في تلك الولايات اما الان والبلاد على اعتاب الانتخابات القومية ومن بعدها الاستفتاء على وحدة البلاد فلا بد ان يعمل الكل لجعل الوحده –فيما تبقى من زمن – جاذبة بما في ذلك عدم السماح بتكرار عملية قفل الطرق البرية المؤدية للجنوب او اغلاق طريق سكة حديد بابنوسه – واو. وكما هو معروف فان اغلاق الطرق المؤدية الى الجنوب سيحول دون التبادل التجاري بين شمال البلاد وجنوبها وسيؤثر سلبا على حركة النقل والتنقل في المنطقة مما سينتج عنه مشاكل معيشية واقتصادية وسياسية ستكون لها اثارها السالبة على النواحي الامنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية مجتمعة.
ان قضية ابيي من القضايا القومية الكبرى ويتطلب حلها سرعة الحركة مع التحلي بالوطنية الصادقة والمسؤلية السياسية. ولذلك فان تعمد اهمالها او عدم السعي لعلاجها قوميا في الوقت المناسب سيجعلها قنبلة موقوتة قد تقضي على الاخضر واليابس عند اشتعالها ولذلك ليس من الحكمة في شيئ الانتظار حتى تتفاقم المشاكل وتشتعل النيران الحارقة ليتحرك المسؤلون لاطفائها بعد فوات الاوان..
مستقبل السلام والتعايش القبلى فى منطقة أبيى :-
بالرغم من تأثر متانة العلاقات التاريخيه بين القبيلتين سلباً بسبب بعض العوامل خلال الفترة الماضيه ، إلا أن المناخ الإجتماعى والأوضاع بصفة عامه ما زالت ً مواتيه لرتق النسيج الاجتماعى وإعادة الثقة المتبادلة بين القبيلتين الى سابق عهدها ، وترميم التعايش القبلى السلمى فى المنطقة وذلك بعيداً عن التدخلات السياسيه لشريكى اتفاقية السلام الشامل المؤتمر الوطنى والحركه الشعبيه لتحرير السودان .
ومما لا شك فيه أن إعادة المياه الى مجاريها يتطلب جهداً صادقاً ومثابرة وصبراً من جهات الاختصاص والمهتمين بالتعايش السلمى والسلام فى المنطقة . كما يتطلب تحديد ووضع البرامج والخطط الكفيلة باعادة الأمور الى سابق عهدها موضع التنفيذ فى اقصر وقت ممكن ، مع الاخذ فى الاعتبار أن التعايش السلمى بين المسيرية والدينكا هدف استراتيجى يحقق لهما السلام والتنمية الاقتصادية والاجتماعية فى المنطقة بغض النظر عن بقاء السودان موحدا او اذا انفصل الجنوب عن الشمال فى المستقبل .
إن مستقبل السلام والتعايش القبلى فى منطقة أبيى مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطبيق اتفاقية السلام الشامل – وعلى وجه الخصوص ما يتعلق ببرتوكول أبيى وكذلك بتطبيق قرار هيئة التحكيم الدوليه حول أبيى وبخاصة الشق المتعلق بمنح المسيرية الحق فى الاحتفاظ بحقوقهم التقليدية فى الرعى والتحرك عبر منطقة أبيى ، فضلاً عن الاتفاق على آليه فعاله لتنفيذ ذلك .
لقد أصبح قرار هيئة التحكيم الدوليه قراراً ملزماً للحكومة وللحركه الشعبيه حسبما صرحا بذلك وفوق ذلك فإنه قرار يحمل ثقلاً ودعماً دولياً . وقد نصَ هذا القرار – فيما نصَ -على حق المسيرية فى الاحتفاظ بحقوقهم التقليدية فى الرعى والتحرك عبر منطقة أبيى الجدير بالذكر أن هذا النص هو نفسه الذى ورد فى بروتوكول أبيى وفى تقرير الخبراء وفى اتفاقية السلام الشامل وفى دستور السودان الحالى .
مما تقدم ، واذا ما تم الاتفاق على بروتوكول يكفل حقوق المسيرية التقليدية فى منطقة أبيى كالمعهود تاريخياً وبصوره قاطعة لا تتأثر بالوحدة او الانفصال ، واذا ما صدقت النوايا وسادت روح الحكمه والعقل ، فإن السلام والتعايش القبلى لابد قادم فالمنطقة وصفتها اتفاقية السلام الشامل بانها جسر السلام بين الشمال والجنوب ، فضلاً عن أن القبيلتين لهما مصالح مترابطه ومصير مشترك ، تربطهما علاقات اجتماعيه واقتصادية تاريخيه ممتدة عبر الزمان ، زاد من قوتها ومتانتها الانصهار والتمازج والتواصل حتى صارت به مثلاً للتعايش القبلى فى السودان .. اذن المطلوب لتحقيق التعايش فى المنطقة هو التحرك العاجل على المستوى السياسى والرسمى والقبلى والشعبى لوضع الامور فى نصابها .
التوصيات :-
التوصيات والمقترحات التاليه ، اذا ما اخذ بها وتم وضعها موضع التنفيذ ، يمكن أن تؤدى الى تحقيق السلام والاستقرار والتعايش المنشود بين المسيرية والدينكا :-
1- الاسراع فى اقامة مؤتمر قومى يهدف الى وضع وتأكيد أسس التعايش بين الدينكا والمسيرية والى وضع بروتوكول يكفل حقوق المسيرية فى المنطقة كالمعهود تاريخياً وبصورة قاطعة لا تتاثر بالوحدة او الانفصال . على أن يضمن هذا البروتوكول كواحد من ملحقات فتوى محكمة التحكيم الدولية.
2- انشاء السدود والحفائر على اسس علميه منعاً للاحتكاك بسبب الماء .
3- انشاء قرى نموذجيه متكاملة تتوفر فيها الخدمات اللازمة لتشجيع الرحل على الاستقرار.
4- وضع خطط وبرامج متكاملة لتنمية المنطقة توفر البنيات التحتيه وتشجع استقرار الرحل وتكون محفزة للاستثمار الزراعى والحيوانى والحرفى والصناعى .
5- الإستفادة من نصيب القبيلتين من عائدات البترول حسب اتفاقية السلام الشامل وبروتوكول أبيى فى اعداد الدراسات الاستراتيجيه والقطاعيه لتنمية المنطقة تنمية متكاملة شاملة .
6- الاهتمام بالادارة الاهلية وتوفير معينات العمل لها وجعلها مواكبه للمستجدات لتضطلع بدورها الادارى والأمنى وفى رتق النسيج القبلى .
7- تكوين مجلس للسلام والمصالحة لتحقيق السلام والتعايش بين القبيلتين .
8- احياء التحالفات والاعراف القبلية وجعلها مواكبة للمستجدات .
9- نشر المزيد من مراكز الشرطة والقضاء فى المنطقة لاثبات الوجود الحكومى ولحسم التفلتات الامنيه وتحقيق الأمن والاستقرار .
10- معالجة مشكلة انتشار السلاح فى المنطقة .
11- وضع حد لظاهرة القتل العمد وشبه العمد واخذ الثار حتى لا تهدد أمن المنطقة ونسيجها الاجتماعى وعدم مساندة الذين يستبيحون دماء الأبرياء وممتلكاتهم وتقديمهم للعدالة .
12- العمل على دمج المجندين السابقين وتاهيلهم وتدريبهم وتوفير سبل العيش الكريم لهم حتى لا يكونوا خميرة عكننه للأمن فى المنطقة مستقبلآ .
13- الاعتذار المتبادل عن احداث الماضى وما حدث من غير ارادة الجميع .
14- دعم وتشجيع العوده الطوعيه للنازحين .
15- تشجيع ودعم المنظمات الطوعيه المحليه مثل منظمة القونى الخيريه وغيرها لنشر ثقافة السلام والتعايش فى المنطقة .
16- الاهتمام بالاعلام لنشر ثقافة السلام والتعايش القبلى .
17- الاهتمام بالارشاد الدينى لايقاظ الوازع الدينى والاخلاقى فى المنطقة .
18- تعويض المتضررين من الاحداث فى المنطقة وإعادة ما دمرته الحرب .
19- استقطاب الدعم والتمويل الخارجى لتنمية المنطقة وتحقيق السلام والاستقرار فيها .
20- إتخاذ خطوات وإجراءات أحترازية امنيه لمنع الإحتكاك خلال مسار الرحل من وإلى المصايف التقليدية .
21- قيام المسئولين فى المركز والولاية والقيادات الشعبية بزيارات رسميه متكرره للمنطقة لمتابعة التطورات فيها والعمل على تهدئة الخواطر .
22- تضافر جهود القيادات الرسميه والشعبيه والنخب المتعلمة من القبيلتين للمساهمه فى نشر ثقافة السلام والتعايش السلمى دون عزل .
23- الاستفادة من أبناء المنطقة المؤهلين بمختلف تخصصاتهم وقدراتهم وعلاقاتهم العامه فى اعداد الدراسات الاستراتيجيه والقطاعيه وغيرها فى استقطاب الدعم والتمويل اللازم للمنطقة وذلك دعماً للسلطات المختصة .
24- العمل لايجاد آليه مناسبه لأعادة الثقه المتبادله بين نخب قبيلتى المسيرية والدينكا مثال ذلك عقد ندوات وورش عمل مشتركه وتبادل الزيارات الاجتماعيه والوديه وغيرها .
قائمة المصادر :-
1. الصحف اليوميه : الرأى العام ، آخر لحظه ، الأنتباهة ، اخبار اليوم .
2. ورقة : مستقبل التعايش السلمى فى أبيى بعد التحكيم بلاهاى لمعدها لواء مهندس ( م ) عبدالرحمن ارباب قدمها فى المنتدى الشهرى ( اكتوبر 2009م ) لمركز البحوث والدراسات السودانية بجامعة الزعيم الازهرى .
3. وثائق حكومة السودان المقدمه للجنة الخبراء حول ملف أبيى .
4. وثائق حكومة السودان المقدمه لهيئة التحكيم الدوليه حول قضية أبيى .
5. رؤيه لحل قضية أبيى : قدمها حسين القونى – فى ورشة باشراف مركز دراسات المستقبل – الخرطوم .
6. تقرير خبراء مفوضيه حدود أبيى .
7. قرار هيئة التحكيم الدوليه حول أبيى .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.