أعلن جوليان أسانج أن أول حرب معلومات خطيرة تقوم الآن، حيث أن أرض المعركة هي ويكيليكس، وأنتم الجنود». بالفعل تقوم حرب معلومات تقضّ مضاجع العالم، سببها هذا الموقع الذي فتح طاقة من جهنم على العالم السرّي للسياسة والدبلوماسية في العالم. لا ينام الدبلوماسيون في العالم هذه الأيام نوماً هنيئاً بسبب تسريبات هذا الموقع. لقد عرف السيد جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس كيف يعري الدبلوماسية والإعلام على حد سواء. الآن ليس هناك غرف مغلقة يمارس فيها الدبلوماسيون عادتهم السرية في الهمس والنميمة. ليس هناك مطابخ يتم فيها تجهيز القرارات في غيبة الجماهير، ثم تعلن بلغة راقية ونقية، لا تمت لحقائق ما جرى ما وراء الغرف «المصمّتة». أنهى ويكيليكس عهد الرسائل الدبلوماسية السرية التي يكشف عنها كوثائق بعد ثلاثين عاماً من مضي حادث ما. أصبحت الوئاثق على يد جوليان أسانج (فك الله أسره ونفعنا بتسريباته) تُبث مباشرة على الأسافير فلاش صغير يذيع الآلالف من الوثائق على الملأ فتولول الحكومات هاربة من عريها. انظر ماذا فعل ويكيليكس بأنظمة عربية متآكلة تدفع بالغربيين لاتخاذ مواقف عدائية ضد المنطقة، وضد إخوتهم في الوطن والدين!!. بفضل ويكيليكس ستتغير شكل الدبلوماسية، وربما مهامها، إذ ليس ممكن بعد ما فعله أسانج أن يكون السفير ذلك الشخص الذي تبعثه بلاده للكذب على الآخرين. سيصبح كذب الدبلوماسيين مفضوحاً، وستصبح دائما معلوماتهم عرضة للتسرب، طالما أن هناك مخترقين بارعين لشبكات النت، وطالما كان هناك أناس حريصون على تمليك الحقائق للناس. ليس ممكنا أن يصمت الدبلوماسيون ولا أن تتوقف مؤامراتهم، كما ليس ممكناً عدم تدوين أحاديثهم مع الرؤساء والزعماء، وإرسالها لدولهم. هتك ويكيليكس للعالم السري للدبلوماسية سيتواصل عبر مواقع كثيرة، ليس بالضرورة جوليان أسانج وحده من سيواصل المهمة، ولكن آخرين عبر عشرات الآلاف من المواقع. على الدبلوماسيين اكتشاف طرائق جديدة لإخفاء همسهم ورسائلهم، ولكن مع عالم تربطه شبكة واحدة سيصبح ذلك عسيراً، إن لم يكن مستحيلا. ليست الدبلوماسية وحدها هي التي ستتعرض لفضائح، بل إن فضيحة الإعلام والإعلاميين ستصبح بجلاجل!! لقد اضطرت صحف كبيرة مثل الوشنطون بوست والنيويورك تايمز للتعامل مع وثائق ويكيليكس (التسريب السريع) بعد أن تمنعت في البداية عن أخذ الموقع مأخذ الجد!! من يطلع على الصحافة الأمريكية اليوم يجد صفحات كاملة، وبشكل يومي مخصصة لنشر تسريبات ويكيليكس، مما يعني أن الإعلام الأمريكي أصبح يأكل باطمئنان على موائد ووثائق ليست من صنع يديه. لقد ظلت الصحافة الأمريكية تلهث منذ ووترقيت وحتى التحقيق الأخير للوشنطون بوست (عالم بالغ السرية) تلهث خلف الوثائق والتسريبات في دهاليز الحكومة الأمريكية فلا تظفر إلا بقليل من الصيد، ولكن رجل واحد اسمه جوليان اسانج فعل ما عجزت عنه الصحافة الأمريكية والعالمية رغم ضخامة ميزانياتها. لقد أعطى موقع ويكيليكس الصحافة الاستقصائية مادة غزيرة ما كان يمكن أن تحصل عليها دون التسريبات التي قام بها إلا أن الفضحية التي أصابت هذا النوع من الصحافة هي كشف جوليان عجزها على الملأ في ابتداع وسائل أكثر فعالية لكشف المستور، وهي المهمة الرئيسة التي انتدبت الصحافة الاستقصائية نفسها لها منذ أن بدأت كمخرج من أزمة الصحافة التي تلف عالم اليوم. أما في علمنا العربي فانكشف وهم حرية الإعلام تماماً وهي أصلاً حرية هشة لم يكن أحد يعوّل عليها في مجابهة سلطة ما، أو تعريتها، ولكن ما فُضح كان أكثر عمقا ومأساوياً بشكل مريع. فالإعلام في الغرب استطاع التعامل الحي مع وثائق ويكيليكس من خلال النشر والتفاعل مع ما هو منشور خلال تتبع الصحفيين لما ينشر، ثم تحليل عميق يربط بين المعلومات المسربة وما هو معلن من خلال تصريحات المسئولين. أما في عالمنا العربي فلم تستطع الصحافة العربية نشر الوثائق بشكل نزيه، ولم يستطع مئات الكتاب سوى التهويم في هوامش الوثائق متجاوزين جوهرها وأخطر معلوماتها وهي المعلومات التي شكلت فضيحة عالمية لما كان يسمى بالنظام العربي الرسمي. اتضحت خيبة الأنظمة العربية وخورها أمام الدبلوماسيين الغربيين على تواضع مكانتهم وبؤس أفكارهم وأطروحاتهم. وضح أن أنظمة العرب متآمرة على بعضها، وعلى محيطها الإقليمي، ومستعدة للتنازل عن كل شيء في مقابل الحماية, حماية أنظمتهم المهترئة. عجز الإعلام العربي عن قولة (بِغم) وصمت, صمت القبور.. وويل لإعلام يفضحه الصمت في عالم يضيء فيه جوليان الدهاليز المظلمة، وتنشر الوثائق على الأسافير!!