مرتزقة أجانب يرجح أنهم من دولة كولومبيا يقاتلون إلى جانب المليشيا المملوكة لأسرة دقلو الإرهابية    بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    إتحاد الكرة يحتفل بختام الموسم الرياضي بالقضارف    دقلو أبو بريص    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    أكثر من 80 "مرتزقا" كولومبيا قاتلوا مع مليشيا الدعم السريع خلال هجومها على الفاشر    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفردة التي توهت أساطين الانقاذ وفتقت بطن السودان ... بقلم: محمد علي طه الملك
نشر في سودانيل يوم 17 - 12 - 2010

إن مفردة الاستفتاء كمصطلح سياسي قانوني، اعتمدته الدساتير وأقرته الوثائق الدولية ، كوسيلة من الوسائل التي تتبعها الشعوب لاختيار حكامها أو إجازة دساتيرها وقراراتها المصيرية ، بذات القدر أجازت المواثيق الدولية حق تقرير المصير للشعوب بحسبانها الأصل والأساس في بنيان الدول .
لعل الدعوة بحق تقرير المصير لمواطني جنوب السودان ، بدأت سيرتها التأريخية منذ مؤتمر المائدة المستديرة بُعيد استقلال السودان أو قبله ، غير إن إقراره والموافقة علية من قبل قطاعات سياسية واسعة ، كان لمؤتمر القضايا المصيرية بأسمرا – يونيو 1995 قصب السبق في حق المبادءة والموافقة علية ، ثم التقطه أهل الانقاذ بعد انقلابهم على النظام الديمقراطي ، على الرغم من أن حجة الحركة الاسلامية ودافعها للاستيلاء على السلطة قبل ذلك ، كان خشيتها من التقارب الذي أحدثه اتفاق السلام 1988(المرغني قرنق ) الذي وجد قبولا في نهاية المطاف من القوي السياسية بمعزل عنهم ، خاصة بعد أن أولته الحكومة الديموقراطية آنذاك اهتمامها وشرعت في دراسة الوسائل الكفيلة بوضعه موضع التنفيذ ( إتفاق القصر ابريل 1989).
جاء في ديباجة مؤتمر القضايا المصيرية ما نصه:
)( انطلاقا من مبادئ واهداف التجمع الوطني الديمقراطي المعلنة وتتويجا لنضال شعبنا المتواصل ضد الدكتاتوريات المتعاقبة واستلهاما لتجاربه في تحقيق ودعم الوحدة الوطنية.
وايمانا منه بتوحيد دعائم نظام ديمقراطي جديد قائم على التعددية السياسية واحترام حقوق الانسان قرر المؤتمر : -
1. تأكيد مبدأ حق تقرير المصير كحق اصيل واساسي وديمقراطي للشعوب.
2. الاعتراف بان ممارسة حق تقرير المصير توفر حلا لانهاء الحرب الاهلية الدائرة، وتسهل استعادة وترسيخ الديمقراطية والسلام والتنمية.
3. ان يمارس هذا الحق في مناخ من الشرعية والديمقراطية وتحت اشراف اقليمي ودولي.
4. ان المناطق المتأثرة بالحرب هي جنوب السودان ومنطقة ابيي وجبال النوبة وجبال الانقسنا.
5. ان مواطني جنوب السودان ( بحدوده المعتمدة في 1 يناير 1956 ) لهم الحق في ممارسة حق تقرير المصير قبيل نهاية الفترة الانتقالية.
6. ان يتم استطلاع رأى سكان ابيي حول رغبتهم في الاستمرار في اطار الترتيبات الادارية داخل جنوب كردفان او الانضمام لبحر الغزال عبر استفتاء يتم خلال الفترة الانتقالية. واذا ما أكد الاستفتاء أن رغبة الاغلبية من مواطني منطقة ابيي هي الانضمام لبحر الغزال فانه يصبح من حقهم ممارسة حق تقرير المصير كجزء من مواطني جنوب السودان.
7. فيما يخص مواطني جبال النوبة وجبال الانقسنا، يؤكد على المعالجة السياسية الهادفة الى ازالة كافة المظالم القائمة في هاتين المنطقتين على ان تنفذ تلك المعالجة الحكومة الانتقالية، ويستتبع ذلك اجزاء استفتاء يتم عبره التأكد من المستقبل السياسي والاداري خلال الفترة الانتقالية.
8. 8- تأكيد التزامه بتحقيق السلام العادل والديمقراطي والوحدة القائمة على الارادة الحرة للشعب السوداني وحل النزاع المسلح الحالي بالوسائل السلمية من خلال تسوية عادلة وناجزة. وفي هذا الصدد يؤكد قبوله لاعلان المبادئ الذي اقرته مجموعة دول الايقاد ويرى في هذا الاعلان اساسا عمليا ومعقولا لتحقيق السلام الدائم والعادل.
9. تأكيد ان السلام الحقيقى في السودان يستحيل رؤيته في اطار مشكلة الجنوب وانما من خلال ادراك الجذور القومية للمشكلة.
10. التأمين على ان قضايا السودان الوطنية لا يمكن حلها الا عبر طريق حوار صريح، جاد ومستمر بين كل المجموعات الوطنية السودانية وعلى ان طبيعة وتاريخ النزاع السودانى قد برهن على ان السلام العادل والاستقرار في البلاد لا يمكن تحقيقهما عن طريق حل عسكري.
11. واكد المؤتمر ان على قوى التجمع الوطني الديمقراطي ان تعمل بجدية من اجل اتخاذ موقف موحد من الخيارين اللذين سيطرحان على الاستفتاء.
في المقابل احتوى بروتكول مشاكس 2002 بين الحركة الشعبية وحكومة الانقاذ ، الشروط الرئيسة التي اعتمدها اتفاق السلام الشامل فيما يتعلق بحق تقرير المصير، وجاءت بنوده كما يلي :
(( البند 1-3 شعب جنوب السودان له حق تقرير المصير وذلك – ضمن امور أخرى – عن طريق استفتاء لتحديد وضعهم المستقبلي.

البند 1- 4- 5 السعي لتحقيق الحكم الراشد والخضوع للمساءلة والشفافية والديموقراطية وسيادة القانون على كافة اصعدة الحكم لتحقيق السلام الدائم .
البند 1-5-5 تخطيط وتنفيذ اتفاقية السلام بغية جعل وحدة السودا ن خيارا جذابا وبصفة خاصة لشعب جنوب السودان.
البند 5-1-5 اقامة نظام ديموقراطي للحكم يأخذ ي الحسبان التنوع الثقافي والعرقي والديني والجنس واللغة والمساواة بين الجنسين لدى شعب السودان.))
غير أن هذا التوافق الاقراري حول حق تقرير المصير بين نص مؤتمر القضايا المصيرية واتفاق السلام ، لا يعني بأي حال تطابقهما وقع الحافر على الحافر ، فالفروق لا تتوقف عند حد ترتيب الافكار واختلاف سياقها ، بل تتعداه لاضافات لا تحتويها مقررات مؤتمر القضايا المصيرية ، على سبيل المثال : عرفت مقررات مؤتمر القضايا المصيرية في البند الخامس المكون البشري للجنوب بعبارة ( مواطني الجنوب ) بينما استخدمت اتفاقية السلام في تعريفها للمكون البشري عبارة ( شعب الجنوب – انظر بند 1-3) واستنادا على التعريفات القانونية المستقرة دوليا فإن فرق التعريف شاسع بين المسميين ، ولعل (الدكتور عمر عبد العزيز ) نوه لذلك الخلل المفاهيمي في مقال نشرته صحيفة الاهرام اليوم الالكترونية ، قائلا : ((... وأشارت ( يعني اتفاقية السلام ) الى مواطني جنوب السودان بشعب جنوب السودان ، علما بأن كلمة شعب هي إحدي اضلاع المثلث المكون للدولة في التعريف القانوني.)) انتهى.
لقد منحت اتفاقية السلام صفة الشعب للمكون البشري في الجنوب ، وقدمت بذلك اقرارا مجانيا ينفي عنهم صفة المواطنة ، ويكفل لهم كافة الحقوق المقررة للشعوب في المواثيق الدولية.
جاء في البند الثالث من بنود حق تقرير المصير المعلن عنه في مؤتمر القضايا المصيرية ، أن هذا الحق يمارس في مناخ من الشرعية والديموقراطية ، هذا المناخ الذي اشترطه المؤتمرون لم يكن ممكنا على الانقاذيين ذكرة في بروتكول مشاكس لشيء معلوم في نفوسنا جميعا وليس نفس يعقوب وحدها ، غير أن الحركة الشعبية – ولها الفضل في ذلك – قبلت التنويه اليه ولو بعبارات ذات طابع عمومي فضفاض مثل ( تحقبق الحكم الراشد – بند 1-4-5 واقامة نظام ديموقراطي بند 515 ) قبلتهما الانقاذ على استحياء ، ولا اغمط الحق عن القوى التي تحالفت مع الانقاذ وشكلت حكومة الوحدة الوطنية ، فيما تعلق بسعيها لتضمين ذلك في الدستور الانتقالي تحت مسمى ( التحول الديموقراطي ) ، قبلته الانقاذ على مضض وعينها على تصميم صناديق الاقتراع بحيث لا تسع سواها.
إضافات أخرى نصت عليها اتفاقية السلام الشامل ، تمثلت في تحديد الفترة الزمنية للمرحلة الانتقالية ، واشتراط إتمام العملية السلمية بطريقة تجعل الوحدة جذابة ، و أن تبق القوانين الشرعية سارية في مكانها في الشمال ولا يتم تطبيقها على غير المسلم .
ولعلي لا اتجاوز إطار المنطق المقبول المقروء مع واقع ايديولوجية الحركة الاسلامية ، اذا ما قلت بنفس مطمئنة إن الاحتفاظ بقوانين الشريعة سارية في الشمال ، كانت وراء دافع الحركة الاسلامية للانقلاب ، بغية تعطيل مضي القوي السياسية قدما في إجراءات وضع ( إتفاق المرغني قرنق ) موضع التنفيذ ، خاصة بعد أن حوى الاتفاق نصا يقضي بتجميد الحدود الشرعية لحين انعقاد المؤتمر الدستوري ، ولعل ما يجعل لاتفاق ( المرغني قرنق ) علو كعب على مثيلاته اللاحقة، إشتراطه للمؤتمر الدستوري كمرجعية لوضع الحلول النهائية لمجمل الازمة ، دون ذكر لحق تقرير المصير لمواطني جنوب السودان ، ويلاحظ أن مؤتمر القضايا المصيرية على الرغم من مجيئه بعد زوال نظام الحكم الديموقراطي ، عضدد من ضرورة أن يستوفي الجنوبيون حقهم في تقرير مصيرهم في ظل مناخ شرعي وديموقراطي ، مؤكدين التزامهم بتحقيق السلام العادل والديمقراطي والوحدة القائمة على الإرادة الحرة للشعب السوداني ، وأن تعمل قوى التجمع الوطني بجدية من اجل اتخاذ موقف موحد من الخيارين اللذين سيطرحان على الاستفتاء ( بند 8 و 11) ، ان اتخاذ موقف موحد سواء كان الخيار وحدة أم انفصال لا يعني سوى أن يكون الخيار مجمع عليه من فبل القوى السياسية التى سوف يفرزها مناخ الشرعية والديموقراطية على السواء في الشمال و الجنوب ، هذا الطرح الواضح أشير إليه في المادة 215 من الدستور الانتقالي بسياق مختلف ، حيث قيد التصويت بنص صريح يقضي بخيار تأكيد وحدة السودان باستدامة نظام الحكم الذي أرسته اتفاقية السلام والدستور، أو اختيار الانفصال ، ولعله المرة الأولى بين سائر الاتفاقات التي ابرمت أن يأتي النص مشتملا على مفردة ( الانفصال ) صريحة هكذا كخيار لتقرير المصير ، وقد شرح الخبير الدولي الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه ، في مقال له منشور بصحيفة سودانيل الالكترونية بتاريخ 12 الجاري ، مفردة الانفصال مبينا أثرها القانوني وفقا لمبادئ القانون الدولي والمواثيق الدولية ، وما استنبطه الشراح واسسوا عليه ما اصطلح على تسميته ( حق الانفصال العلاجي ) وكتب قائلا :
((... سبق لنا القول ان حق تقرير المصير ثابت بالنسبة للشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية أو غير ذلك من أشكال السيطرة الأجنبية أو الاحتلال الأجنبي. ولكن بعض الشراح إستنبطوا من الفقرة 7 من المبدأ 5 من إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون وفقاً لميثاق الأمم المتحدة الذي أصدرته الجمعية العامة للامم المتحدة في 24 اكتوبر 1970 (القرار 2625 الدورة 25) شرطاً وقائياً Safeguard Clause أو شرط استثناء Saving Clause وأسسوا عليه حق انفصال علاجي .Remedial Secession
تنص الفقرة 7 من الاعلان على أنه
«لا يجوز أن يؤول شيء مما ورد في الفقرات السابقة على أنه يرخص بأي عمل أو يشجع على أي عمل من شأنه أن يمزق أو يخل جزئياً أو كلياً بالسلامة الاقليمية أو الوحدة السياسية للدول المستقلة ذات السيادة التي تلتزم في تصرفاتها مبدأ تساوي الشعوب في حقوقها وحقها في تقرير مصيرها بنفسها الموضح أعلاه والتي لها بالتالي حكومة تمثل شعب الاقليم كله دون تمييز بسبب العنصر او العقيدة أو اللون». وقد تأكدت هذه الفقرة في إعلان وبرنامج عمل فيينا الذي صدر عن المؤتمر الدولي لحقوق الانسان الذي عقد في فيينا في يونيو 1993.
تبين لنا من تفسير الشراح للفقرة 7 من إعلان مبادئ القانون الدولي والفقرة المماثلة لها في اعلان فيينا ما يلي:
- إن حق تقرير المصير في الدول المستقلة ينجز من خلال إعمال مبدأ تقرير المصير الداخلي وذلك بمشاركة كل السكان في حكومة الدولة على المستويين القومي والاقليمي على أساس المساواة ودون تمييز من أي نوع.
- إن الدولة التي تنجز تقرير المصير الداخلي لكل شعبها تستحق بمقتضى القانون الدولي حماية سلامتها الاقليمية.
- إن حق تقرير المصير الخارجي في شكل انفصال علاجي قد ينشأ في الحالات القصوي لصالح مجموعة حيل بينها وبين حق تقرير المصير الداخلي، ويكون ذلك مثلاً بالانتهاك الجسيم لحقوقها وحرياتها الأساسية، وحرمانها من المشاركة في اتخاذ القرار على المستوى القومي وفي الأمور التي تخصها، وغياب أي احتمال للتسوية في اطار نظام الدولة القائم.)) انتهى.
لقد قيد الدستور خيار المقترعين في الاستفتاء بتأكيد وحدة السودان باستدامة نظام الحكم الذي أرسته اتفاقية السلام والدستور، أو الانفصال ، بمعنى قبول الوحدة في ظل استدامة نظام الحكم القائم بما خصته اتفاقية السلام من مميزات للشريكين ، وهذا الشرط إذاما تمعناه وفق ما أسفر عنه اتفاق تقسيم الثروة ، لا يبدوا جذابا لخيار الوحدة بالنسبة لشعب الجنوب على وجه الخصوص.
فالمعيار المبهم الذي نصت عليه إتفاقية السلام في البند 1-5-5 بأن يتم تخطيط وتنفيد اتفاقية السلام بطريقة تجعل وحدة السودان خيارا جذابا لشعب الجنوب على وجه الخصوص ، ترك خيار الوحدة حبلا على غارب الحركة الشعبية ، لقد كتب الدكتور عمر عبد العزيز في المقال المشار اليه بعالية مفندا معيارية عبارة (الوحدة الجاذبة ) قائلا:
(( .... في الأصل معيار كلمة ((جاذبة )) لتحقيق الوحدة معيار لا قياس له ولا تعريف يمكن الاتفاق حوله ، فهو معيار تنعدم فيه الصفات الموضوعية وتتجلى فيه الصفات الشخصية ، لأن الاتفاقية لم تحدد الصفات ولا المعايير لجاذبية الوحدة )) صحيفة الاهرام اليوم الالكترونية.
مع اتفاقي على صحة ما جاء بعالية ، غير إن إتفاقية السلام قيدت خيار الوحدة باستدامة نظام الحكم وفق الشروط الموقع عليها في اتفاقية السلام والدستور ، فوجدت الحركة في معيار الوحدة الجاذبة ( نفاجا ) تفلت من خلاله عن التزامها بخيار الوحدة المشروطة باستدامة الحال على ما علية ، ولما استشعرت الإنقاذ بذلك ، هوت تقرع الطبول و وتؤذن بين من حرمتهم الإتفاقية حق التصويت وعدتهم في مصاف القصر في تقرير مصير بلادهم ، أن حي على الوحدة ، فصدق من وصف تحركها الأخير ب (علوق الشدة ) .
لقد طافت بالخوطر ظنون حول احتمالات اختراقات خارجية ، ولعلكم استمعتم للبرنامج الذي بثته قناة الجزيرة في الأيام المنصرمة ، حيث و ردت فيه إشارات واضحة لمثل ذلك الاختراق ، ولكن ما سكت عنه رواد البرنامج هو احتمال تساوي نصيب الشريكين في ذلك الاختراق المفترض ، أو انصراف نواياهم الحقيقة سرا نحو الانفصال ، هذه الفرضية يشد حبال مصداقيتها احداث تتابعت وتلاحق زمانها ، منها الانشقاق في صفوف الحركة الإسلامية وما تبعها من إنجاز لاتفاق السلام ، فقدت على إثره الحركة الشعبية قائدها وحادي ركب مشروعها السياسي لسودان موحد جديد قبل أن يجف مداد توقيعه على الاتفاقية.
إن سيرة التراخي المتعمّد والصراع بين شريكي الحكم طوال الفترة الانتقالية ، وفشلهما في تذويب المستعصيات في مسيرتيهما ، واستماتة حداة الانقاذ على ابقاء كل الخيوط بين أيديهم بمعزل عن بقية القوي السياسية والمدنية ، كل ذلك يشير من طرف لاحتمالات صحة ذلك الافتراض سواء كانا مدركين له أم لا ، اذ بدى جليا الآن أن القول بأن الانفصال كان غاية أهداف اتفاقية السلام لم يعد ضربا من الوهم ، كيفما شدّت الانقاذ لحاف فشلها ليحتوي الكل ، وارجحنت طبول نفيرها للوحدة بين الشماليين.
لقد نبهت مجموعة انترناشنال كرايسز لما يعتور مسار السلام من عقبات ، بعد مضي عام فقط من وضع الاتفاق موضع التنفيذ بين الشركين ، جاء في تقريرها المنشور بموقعها الالكتروني مايلي :
مارس 2006 International Crisis Group Africa
(( بعد مضي أكثر من عام على توقيع اتفاق السلام الشامل في السودان، أصبحت تبدو عليه علامات الإجهاد. فبينما أنهى الاتفاق إحدى أطول الحروب الأهلية وأكثرها دموية في أفريقيا، فإنه كان اتفاقا بين طرفين فقط، الحركة الشعبية/الجيش الشعبي لتحرير السودان وحزب المؤتمر الوطني الحاكم، وظل يفتقر إلى وجود تأييد واسع على نطاق البلد، وخاصة في الشمال. والمعادلة الحالية للسلام في السودان معادلة تبعث على القلق: فحزب المؤتمر الوطني لديه القدرة على التنفيذ ولكنه يفتقر إلى الإرادة السياسية، بينما يوجد لدى الحركة الشعبية الالتزام ولكنها ضعيفة وغير منظمة. وهناك خطر حقيقي من تجدد الصراع في المستقبل ما لم يبدأ حزب المؤتمر الوطني في تنفيذ الاتفاق بحسن نية، وتصبح الحركة الشعبية شريكا أقوى وأكثر فعالية في التنفيذ. والمجتمع الدولي الذي تخلى إلى حد كبير عن العمل والالتزام السياسي الذي كان بالغ الأهمية في التوصل إلى اتفاق السلام في المقام الأول، يجب عليه أن ينخرط بقوة في العملية من جديد لضمان النجاح في تنفيذ الاتفاق.
وظلت عملية التنفيذ تمثل معركة شاقة، حيث يستغل حزب المؤتمر الوطني الثغرات الموجودة في اتفاق السلام الشامل وضعف شريكه الأصغر، الحركة الشعبية، لتأخير وإعاقة العملية. فبعد موت رئيس الحركة الشعبية د. جون قرنق في يوليو/تموز 2005، أصبحت رؤية الحركة عشواء، وتخلى حزب المؤتمر الوطني عن استراتيجيته القائمة على أساس شراكة سياسية مع الحركة الشعبية. ويتضح بصورة متزايدة أنه لم يتغير هذا الحال قريبا، فسيكون من المرجح أن تؤدي كل الطرق السلمية إلى الأمام في السودان – التنفيذ الكامل لاتفاق السلام، والحل السياسي الشامل للصراعين الدائرين في دارفور وفي الشرق – إلى تغيير النظام في نهاية الأمر وإسقاط حزب المؤتمر الوطني إما عن طريق انتخابات حرة ونزيهة، أو ببساطة عن طريق انتزاع سيطرته على هياكل الحكومة لمصلحة أقلية من الناس.
ويحاول حزب المؤتمر الوطني، تحت الضغط المتزايد، استعمال الحيلة مع كل هذه التحديات لضمان بقائه السياسي. وقد نجح إلى حد كبير في صد المجتمع الدولي عن دارفور بتيسيره تزايد الفوضى على أرض الواقع وتشجيع الانقسامات بين المتمردين. وهو يحقق احتواء مماثلا للمجتمع الدولي بشأن اتفاق السلام الشامل بتنفيذه على نحو انتقائي بعض عناصر الاتفاق دون السماح بأي إضعاف لقبضته على السلطة أو أي تغيير في الطريقة التي يحكم بها البلد. غير أن هذه الاستراتيجيات غير قابلة للدوام. ويجب على حزب المؤتمر الوطني أن يبدأ في تنفيذ الاتفاق بحسن نية للمساعدة على ضمان مستقبله السياسي في سودان يسوده السلام وذلك بجعل الشراكة خيارا جذابا للحركة الشعبية، والوحدة خيارا جذابا للسودانيين الجنوبيين.
تواجه الحركة الشعبية لتحرير السودان تحديات هائلة تضعف بصورة شديدة قدرتها على العمل كشريك فعال في الحكومة. فالحركة الشعبية تواجه مهمتين متزامنتين: بوصفها الطرف الرئيسي في حكومة الحكم الذاتي الجديدة في جنوب السودان، وبوصفها الشريك الممثل للأقلية في حكومة الوحدة الوطنية الجديدة [1] . وإذ تعاني الحركة الشعبية من الانقسامات والتناقضات الداخلية، وليست لديها هياكل حزبية تنظيمية عاملة أو آليات لصنع القرار في الحزب منذ منتصف يوليو/تموز 2005 وحتى أواخر فبراير/شباط 2006، أصبحت مغلوبة على أمرها تماما حتى الآن، غير قادرة على تحدي حزب المؤتمر الوطني بنحاح أو استمرار فيما يتعلق بمعظم المسائل المتصلة بالتنفيذ. وهذا أظهر ما يكون في الخرطوم، حيث أن الحركة الشعبية ذات الأقلية لا تسيطر إلا على حفنة من المناصب الوزارية أو مناصب وزراء الدولة، فضلا عن منصب النائب الأول للرئيس، ولكن ليس لديها حتى الآن أي أعضاء استوعبوا في الخدمة المدنية القومية أو المؤسسات الوطنية الأخرى. ونتيجة لذلك ظلت تخسر معركة شاقة لتنفيذ اتفاق السلام الشامل والبدء في تغيير سياسات حكومة لا تزال تواجه حربين أهليتين جاريتين في الشرق والغرب. )) انتهى .
فلو كانت إرادة الشريكين جادة ومعمورة بالثقة نحو تقرير الوحدة ، لأولوا عنايتهما لما نبه إليه المراقبون من خلل ، ولعملوا على تجاوزه ، و لمضت علاقة الشراكة بينهما سلسة خلال الفترة الانتقالية التى اعقبت الاتفاق ، فكيف لمن اتفقوا أن تتباين إرادتهم في إدارة الشراكة ، مالم تكن تلك الإرادة معيبة وتستبطن غير ما أبدته من موافقة علنية !
لقد نوه التقرير بصريح العبارة لموطن الضعف في موقف الحركة الشعبية ، ومعلوم أن الفعاليات السياسية المعارضة مدّت يدها وتنادت لتلبية دعوة الحركة ، ودعمتها بمقررات وتوصيات إعلان جوبا للحوار والاجماع الوطني ، الذي شدّ من ظهر الحركة حتى بدى عضدها مفتولا أمام الانفاذ ، غير أنها أي ( الحركة ) غلّبت مصلحتها الآنية الضيقة على سواها ، واهملت التماهي مع سند كان يمكنه أن يحول مجرى التاريخ المعاش ، ولات ثمة ندامة بعد فوات الأوان ، حبث خلصت معادلة الوحدة في اتفاقية السلام الشامل الى:
* أن يضمن الانقاذيون قوانين الشريعة سارية في الشمال فاومأت لهم الحركة بالموافقة مبتسمة .
* وأن تضمن الحركة حقها في أن تكون الوحدة جاذبة للجنوبيين فاومأت لها الانقاذ بالموافقة مبتسمة .
لتصبح ( الوحدة الجاذبة ) في نهاية الفترة الانتقالية المفردة التي توّهت أساطين الانقاذ ، وفتقت بطن السودان وبعثرت كيانه الاجتماعي ، وابكت أهله .
قيل في المثل : الحبل بنقطع بكان رقيق .
محمد على الملك _
خبير قانوني
هولندا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.