(هذه كلمة قديمة عن الأستاذ علي محمود حسنين لوضع أمره والشريعة في نصابهما في جو الخلاف الضارب في الجبهة المعارضة العريضة) حاضر السيد علي محمود حسنين المحامي الجالية السودانية في مدينة دنفر الامريكية. واتجه في محاضرته عن مشاكوس الي شيء أوسع مما هو مثار الجدل حول العاصمة. فقد أخذ حسنين علي مشاكوس أنها صفقة اقتسمت بها الحركة والحكومة السودان مناصفة. فقد غنمت الحكومة الشمال وقررت له الشريعة مصدراً للتشريع. بينما غنمت الحركة الجنوب وشرعت له بالأعراف. وقد استصوبت قول علي إن اعراف الجنوب دين أيضاً. وهكذا، في نظر علي، كرست ميشاكوس دولة دينية في شقي القطر لن تصمد طويلاً أمام الاستفتاء. وهذا مخالف عند حسنين لاتفاق أسمرا (1995) الذي بني التشريع علي المواطنة في شرط حرية العقيدة والتدين لكل الديانات في السودان.
ارجو ألا اكون جانبت الصواب إن قلت ان حسنين لا يستمزج جعل الشريعة مصدراً صريحاً لا لقوانين السودان ولا لشماله المسلم. وسأسحب فهمي هذا له إن كنت قد حرفته عن موضعه. فلا أريد لحسنين أن يشقي اكثر مما شقي من جراء سوء الفهم في وقت تلوث الجو السياسي والثقافي بالويل والثبور وعظائم الامور.
استغربت تعصب حسنين هنا لاستبعاده الشريعة كمصدر لقوانين شمال السودان وهو الذي كان دينمو قانون محاربة البغاء لعام 1968 علي أيام نيابته عن دائرة دنقلا عن الحزب الوطني الاتحادي. وجاء القانون استجابة لما ثار من ضيق بالبغاء العلني. ويقف هذا القانون فريداًً في بابه. فمن بين كل التشريعات التي تمسحت بالشريعة كان قانون حسنين وحده الذي اجازه برلمان منتخب في قراءات عديدة. وقد قدم له بمذكرة تفسيرية مخدومة مهنياً بصورة لا فته. وأراد بها حسنين تأسيس قاعدة خلقية شرعية تستبدل القانون الاستعماري الذي شرع للمسلمين في السودان كأمة لا خلاق لها. فخلافاً لشرعنا لم يجرم القانون الإنجليزي في السودان تعاطي الرجل والمراة الغريبين الجنس طالما وافقهما ذلك. وقال أن الانجليز في بلادهم لا يحرمون مثل هذا التعاطي للجنس الا إذا داخله ثمن مقبوض. ولم يكترث الانجليز حتي بتضمين هذا الاحتراز في قانونهم او أنهم لم يجدوا في تطبيق القانون بشدة حتي ازدهرت دور البغاء التي تتستفظعها ذاكرة الجيل في نزاع العاصمة الحالي. وجاءت المذكرة التفسيرية بقواعد اخري نمسك عنها طلباً للاختصار.
كاتب هذه السطور إشتراكي علماني محيسير. وليس لي سابقة حسنين في تحكيم الشريعة. وربما كنت علي الجانب الآخر من سرغام حين كان حسنين يتزل بالشريعة هذا التنزيل المهني الوسيم ويدعو لها بالموعظة الحسنة في مجلس تشريعي بهي بسند الشعب. ولكني لا أمانع الآن ،طلباً للوفاق الذي يظل بجناحيه حتي ذوي العصبية الدينية الكثر، أن تكون الشريعة مصدراً لقوانينا نحن المسلمين طالما سعينا في تنزيلها بمهنية دقيقة وخلال اجتهاد مجلس نيابي منتخب. بل انني اجرؤ واقول إنه حتي الجنوبيين لن يكرهوا من شريعتنا، إذا كان هذا مسارها، سوي باب منها او آخر. فالجنوب امة خلوقة جداً بالمسيحية وكريم معتقداتهم. وما صورتهم كمٌجَان من شاربي المريسة والمشاعية الجنسية الا صورة الافندية الشماليين سفهاء الترم ترم (او مما صنعوه بهم ايام دولتهم بالجنوب). وقد ورثها العلمانيون كخندق اخير للإلحاح علي دعوتهم التي جنوا عليها بالكسل والجهل فتهافتت.
وددت لو ان حسنين استصحب في احاديثه لناشئة الوطن خبرته في الانتفاض للخلق الاسلامي بالشريعة الشجاعة الديمقراطية. فقد ضيق الخناق، وهو قاض ناشيء ، علي عسكر عبود بخصوص فضيحة اخلاقية ففصلوه. ثم تبني قانون محاربة البغاء. إن ذلك من عزم الامور.