يحكى أنه في قديم الزمان و سالف العصر و الأوان إختلفت إمرأتان حول طفل و أدعت كلُّ واحدةٍ منهما أنه طفلها، و كان من عجيب الصدف أن ذلك الطفل كان اسمه "السودان". إحتدم الخلاف بين الإمرأتين فتسابَّتا و تشابكتا بالأيدي و تراكلتا و استخدمتا سلاح معط الشعر و العض بالأسنان، و الطفل المسكين حيران "يكفكف دمعته" ينظر إليهما في حسرة و أسى يدري و لا يدري علاما تنتطحان. لم تكتف بذلك الإمرأتان فأندفعتا نحو الطفل تجريان و طفقتا تشدانه و تتجاذبان واحدة عن يمينه و الأخرى عن شماله حتى كاد الطفل أن يتمزق و أن تملأ أشلاؤه، بعد بكائه و صراخه، المكان. كان الناس يمرون بالإمرأتين مرور الكرام و لم يخطر ببال أي منهم أن يسعى لفضِّ الخلاف بينهما و لو بالكلام و لسان حال جميعهم يقول "بلا لمه بلا سودان" فقد فقدوا و أُفقِدوا الشعور والإهتمام. اقترب من حلبة الصراع شيخٌ عجوز همام لم يهن عليه حال الغلام و قال للمتشاجرتين، "لماذا لا تحتكمان للسلطان؟". إزاء ذلك لم يكن أمامها إلا الإذعان و توجهتا نحو قصر "المرجان" حيث يسكن السلطان الذي سارت بعدله و حكمته الركبان و الذي لم يكن يحول بينه و بين الرعية تاجٌ أو صولجان. أمام السلطان لم تحسن الإمراتان الأدب أو تراعيا السلوك و الإتزان و أخذتا تتدافعان و للطفل المسكين بلا شفقة أو رحمة تجران. و حتى يحكم السلطان لها بالطفل، علا صوت كلٍ منهما و تطاولت باللسان بدلاً عن توظيف الحجة و البيان. رفع السلطان يده .. فساد الصمت و ران .. و همس شيئاً في أذن حاجبه الذي غادر مُسرعاً المكان. لم تمض برهة أو إثنتان حتى قدم إلى البلاط سيَّاف القصر "صمصمان" و وقف كالطود منتصباً يتطاير من عينيه الشرر و ينبعث الدخان و ترتع فرائصه كالجان، و في يده سيف مهول له بريق شديد و لمعان. بهدوء شديد وجَّه السلطان كلامه للإمراتين اللتين وقفتا ترتجفان و قال لهما: "طالما كلُّ منكما تدعي أن "السودان" طفلها فسوف أقسمه إلى ........" و قبل أن يكمل حديثه صرخت إحداهما و اللوعة ملء صوتها، "لا يا سيدي السلطان ....أستحلفك لا تفعل .... إنه طفلها، لتأخذه" و خرَّت أمامه إلى الأذقان. فنظر السلطان إلى المرأة التي صرخت و جثت أمامه و قال لها بصوت خالط الحزمَ فيه الحنان، "إن الطفل طفلك"، و أمر الحاحب بدفعه لها ليكون في حضنها في الصون و الأمان. و رمق الأخرى الغارقة في الخزي و الخذلان، و ابتدرها و هو غضبان، "استغفري لذنبك و ألعني الشيطان". حجوة نهديها للمعارضة و الحكومة و نسألهما، أليس فيكما من هو مثل تلك المرأة التي كانت مستعدة لأن تتخلى عن فلذة كبدها "السودان"، و لو إلى حينٍ، ضناً به على الهلاك و .......التقسيم..... "تاني كمان"؟؟ ألم تعد في السودان للشعب قيمة أو رأي و سلطان؟ ألم يعد فيه رجل حكيم هميم ليس هو مع هذه المرأة "المُعَارضة" و لا مع تلك "الحكومة" يؤلف بين قلبيهما و يقنعهما بالحسنى بأن ترعيا الطفل و تحسنا تربيته سوياً حتى أذا ما كبر و شبَّ عن الطوق صار ملء العين و كان بهما براً حفيا؟ أجزمُ، لو كان السودان، الوطن و ليس الطفل، رجلاً لهاجر من كثر ما احتمل و لأغترب و "طشَّ" و ترك تلك البقعة بما فيها للسودانيين و قياداتهم .......... الأسطورية! ثم ..... أمع كل الذي نسمع و نشاهد حتى في أحرج و أحلك لحظة من تاريخ أمتنا.... نتطاول و نلوم "باقان أموم" حينما قال، "عما قريب ننفك من وسخ الخرطوم"؟ أمع كل الذي نسمع و نشاهد الآن لا نزال نرى أننا "خير أمةٍ أُخرجت للناس" و أنه من "عندِنا" كان الحكيم "لقمان"؟ *****