بعد ان انتفض الشعب التونسي ضد الحكم الديكتاتوري للرئس السابق بن علي، وبشكل سريع اذهل كافة المراقبين و المحللين السياسيين، فإن السؤال المُلحّ الآن لدي كافة المعنيين بالشأن السوداني يبقى وببساطه شديده: متى يأتي الدور علي النظام السوداني؟ السؤال بالطبع ليس "هل" وإنما "متى" لأن طبيعة النظام الحاكم منذ نشأته وحتى هذه اللحظه لا تترك لدي المراقب اي مجال للتفاؤل بشأن امكانية التداول السلمي للسلطه في السودان ، كما ان تاريخ الشعب السوداني في التعامل مع النظم الديكتاتوريه ينبئ بأن المسأله هي مسألة وقت اكثر من كونها مسأله امكانيه. السؤال بالطبع له وجاهته بغض النظر عما حدث في تونس الشقيقه، و بغضّ النظر عن تاريخ السودانيين في التعامل مع امثال بن علي ، حيث ان مقومات الانتفاضه الجماهيريه موجوده في السودان منذ زمن ليس بالقصير. فلننظر للمشهد العام في السودان بقليل من التفصيل وسنرى ان الحديث عن انتفاضه جماهيريه ليس مجرد امنيات لدى البعض ممن قام بينهم وبين النظام ما صنع الحدّاد، ولكنه امر في غاية الجديّه، ولعله الآن اصبح قريب الحدوث بفعل تأثير الدومينو الشهير. في السودان الآن حكم مستبد لا يعترف بالديموقراطيه ولا حقوق الإنسان، النظام الحاكم يستند في بقائه في السلطه علي جهاز امن قمعي عُرف عنه اعتقال و تعذيب المعارضين بل و تصفيتهم اذا استلزم الامر. هذا من ناحيه، ومن الناحيه الاخري نجد ان الشعب بمجمله يعاني من ازمه اقتصاديه طاحنه تتمثل ابرز مظاهرها في غلاء الاسعار بصوره حاده تجعل غالبية السلع الاساسيه (ناهيك عن الكماليه) خارج قدرة المواطن العادي، بالإضافه الي البطاله الكبيره المستشريه خصوصاً في اوساط الشباب و الخريجين الجامعيين الذين هم رأس المال لأي امه تطمح للتنميه الاقتصاديه و الازدهار. بالإضافه الى ما سبق فإن النظام الحاكم يعاني من عزله دوليه و يواجه تمرداً مسلحاً من بعض اطياف المعارضه الداخليه (في الغرب تحديداً) وتهديداً متزايداً بالعصيان و التمرد المسلح من الاقاليم الاخري (الشرق و الوسط). زد علي ذلك العواقب الوخيمه على الاقتصاد من جراء إستقلال الجنوب و تحويل غالبية عائدات النفط الى الدوله الجديده، مما يهدد النظام بالإفلاس الفعلي، بالإضافه الى الإفلاس الأخلاقي المزمن الذي يعاني منه. النظام الحاكم استند حتى الآن على نظرية "ذهب المعز و سيفه" في البقاء على سدّة السلطه، بادئاً في اول ايامه بالسيف ومع مرور الايام انتقل الي مرحله شراء الذمم مع بقاء العنف وسيله فعّاله لقمع المعارضين متى استلزم الامر. كما ان النظام لم يتردد في التضحيه بجزء عزيز من تراب الوطن (الجنوب) في سبيل الانفراد بحكم الجزء الباقي بدون شريك او تضييق من المجتمع الدولي، ففي رأيي الشخصي كان السماح بحق تقرير المصير للإخوه في الجنوب صفقه الغرض منها ان يضمن النظام اولاً بقاءه و ثانياً الانفراد بالسلطه في مأمن من العقوبات الدوليه ضد النظام و "او" رئيسه. فإذا اخذنا كل ما سبق بعين الاعتبار، ونظرنا الى الشعب السوداني لنجد ان معظمه يقع تحت خط الفقر بسبب سياسات النظام الاقتصاديه الفاشله، مع ما يستتبع ذلك من فساد اخلاقي ومؤسساتي مع انسداد في الافق امام المواطنين، اذا نظرنا الى كل ذلك لأدركنا يقيناً ان النظام الحاكم في السودان حالياً هو نظام فاشل بكل المقاييس، وأن السودان اصبح في ظله نموذجاً نادراً للفشل في الحكم. السؤال الملحّ هو: لماذا لم ينتفض الشعب ضد هذا النظام حتى الآن؟ السؤال الاهم هو: ماذا يتطلب الامر ليصحوا الشعب من غفوته و ينتفض؟ ليست الانتفاضات جديده على الشعب السوداني، كما ان القمع وحده لا يكفي للسيطره على الشعوب (كما رأينا في تونس)، وأكاد اجزم ان غياب البديل ليس هو ما يحول بين السودان وبين التغيير كما يقول البعض، ففي رأي ان الشعب السوداني وان كان صبوراً (او لا مُبالي حالياً) سينتفض حتماً ضد الحكم القائم. كل ما يلزم هو عود ثقاب، بوعزيز اخر او قرشي جديد، ولا اظن النظام سيبخل على الشعب بكليهما، النظام علي درجه من الغباء بحيث ان قادته يستفزون الشعب ليل نهار ولا ينظر اي منهم حوله ليتعظ من بن علي (او صدام او تشاوشيسكو او غيرهم).. التصريحات الاخيره من قاده النظام بخصوص طبيعه الدوله في الشمال بعد الانفصال في ما يخص تطبيق الشريعه ، و طريقة التعامل مع الاحزاب المعارضه او الاجراءات الاقتصاديه الاخيره، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك ان النظام ماض في غيّه ولن يردعه الا موقف شعبيّ حازم، وهذا برأيي لن يتأخر كثيراً. النظام الحاكم يستند في طغيانه علي حقيقتين، اولاهما ان الشعب منهك (وهذه حقيقه) والثانيه ان الآله القمعيه تعمل بكفاءه (وهذه ايضاً حقيقه)، لكن التاريخ القريب و البعيد يعلمنا ان الشعوب تضعف ولكنها لا تموت، وهذه اهم الحقائق. الجوع و القمع لم يمنعا الثوره الفرنسيه او الإيرانيه، والشعب السوداني حالياً يعيش فوق برميل من البارود كما كنت تعيش تلك الشعوب، لا ينقصه سوى عود ثقاب، فقط عود ثقاب صغير يشعل ثورة طال انتظارها وحان موعدها. يكفي ان يكسر احدهم حاجز الخوف و يتبعه الاخرون، يكفي ان يرتكب احد ازلام النظام خطأً صغيراً يفجر به بركان الغضب في صدور الجماهير، او كما في القصه الشهيره، يكفي ان يصيح طفل صغير قائلاً "الملك عريان" فيتجرّأ الناس على قول الحقيقه دون خوف.. عندها فقط يتبين لطاغية السودان واعوانه حجم الغضب و الكره الذي يعتمل في صدور الملايين تجاههم، كما تبين ذلك لطاغية تونس بن علي واعوانه، عندها "سيرى الذين ظلموا ايّ منقلبٍ ينقلبون". في الاجابه علي السؤال في بداية المقال "متى يأتي الدور على هؤلاء ؟" اقول: لست ادري تحديداً متى، لكن في يقيني ان الامر لن يطول. A J [[email protected]]