يشهد الاقتصاد السوداني اليوم اتجاهات مؤلمة نتيجة لسياسات التقشف التي قامت بفرضها الحكومة على المواطنين.وسياسة التقشف هذه اتبعت في العديد من الدول على إثر الأزمة الاقتصادية العالمية ، إلا أن أهميتها بالنسبة لبقية الدول أنها تعتبرها ضرورة اقتصادية تُطبّق على قطاعات الدولة دون استثناء . كما يتم تطبيقها بحذر تفادياً لردود أفعال المواطنين ويؤكَد على أنها ضرورة لأجل مسمى وليس فرضاً للتشفي. بالإضافة إلى أن هذه السياسة تبرز أهميتها عالمياً لأنه يتم اتباعها بالشكل الذي ينبيء بإعادة الموازين التجارية العالمية إلى نصابها . فيتم تصحيح الديون التي تتسبب في مضاعفة الأسعار في البلد المعيّن ، ويتقلص فائض الصرف الحكومي البذخي وهو ما تنوي فعله حكومة السودان – إن صحّ الخبر- بتقليص عدد الوزارات الاتحادية بدمج بعض الوزارات وإلغاء أخرى، وتقليص عدد وزراء الدولة من نحو أربعين إلى عدد محدود ، ومراجعة شاملة في المؤسسات والهيئات العامة، وما يترتب على ذلك من تخفيض لكافة منصرفاتهم والأعباء التي يرهقون بها كاهل الخزينة العامة. قد يكون هذا الخبر مفرحاً بعض الشيء لو بدت تتكشف بشائره ، إلا أن ما كشفته الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس عن حملة استبدال الأوزان وتوحيد نظم القياس بعث شيئاً من حتى الدهشة المرسومة أبداً على وجوه المستهلكين المتلقين للقرارات الفوقية دون إشراكهم فيها ، أو حتى على أقل تقدير القيام باستطلاع رأيهم لمعرفة اتجاهاتهم وميولهم نحو هذه الأوزان المقررة. هذا النظام الذي سيعمل على إلغاء التعامل بالأوزان القديمة وإبدالها بالأوزان الجديدة ليكون الكيلو جرام هو معيار الوزن الجديد في السودان تمشياً ومواكبة للتطور العالمي – على حسب تعبير البيان – يفتح الباب أمام تساؤلات كبيرة أولها : هل اقتصرت مواكبة العالم على اتباع النظام المتري فقط أم أن هناك أشياء كثيرة تخلفنا فيها عن العالم ، فمثلاً حين اختبرنا في ميزان الشفافية جاء ترتيبنا في ذيل القائمة الدولية . ولا نريد أن ننكأ جراحاً وننبش مساويء أبت الستر أو البرء منها، إلا أن السؤال الملّح هنا هو أيهما يجب أن يتوفر أولاً الرخاء في الموارد وتوفير ضروريات الحياة الكريمة أم وسائل قياسها ووزنها. صدق بيان هيئة المواصفات والمقاييس في أن النظام المتري يمتاز بالدقة وسهولة التعامل ،لأن هذا النظام المسمى بالنظام العالمي للوحدات والذي يتسم بالبساطة وعدم التعقيد من أكثر وحدات القياس انتشاراً في العالم. أما وقد جافت البيان الدقة في موضع آخر وهو أنه "سيمكن المواطن من الشراء على قدر حاجته وظروفه المادية" ، وبالتأكيد فلن يفعل وذلك لأن الكيلو جرام أكبر من الرطل ، وبالطريقة الحسابية البسيطة : 1 كيلوجرام =2.24 رطل. وفي استطلاع أجرته صحيفة "آخر لحظة" يوم 16 من شهر يناير الجاري مع عدد من التجار والمواطنين ، أجمع التجار على أن هذا التغيير إلى الكيلو سيكون في مصلحتهم ولكنه سيكون عبئاً كبيراً على المواطنين ، لأنه سيؤجج من نار الأسعار المشتعلة أصلاً .وفي حين لم يرحب المواطنون بهذا التغيير ، فإن ياسر ميرغني ، الأمين العام لحماية المستهلك حينما سألته "آخر لحظة" عما إذا كان هذا التغيير سيعود على المواطن بزيادة التسعيرة ، قال: إن المواطن لن يقف يوماً من شراء شيء ازدادت قيمته ! وعلامة التعجب هنا من الصحيفة ولكني عوضاً عن ذلك عقدت حاجباي دهشة مما أجاب به الشخص المسئول عن حمايتنا كمستهلكين . وعلى عكس ما قال به البيان وما صرّح به الأمين العام للمواصفات والمقاييس فإن المواطن لم يغلبه من قبل أن يشتري على حسب مقدرته حتى لو كان المكيال ملعقة ، والشاهد أن كثيراً من السلع مثل البهارات والكريمات تُباع بهذا المكيال الذي اخترعته ذهنية السودانيين لمجاراة ظروف الغلاء ، إلى أن يفتح الله عليهم وبعدها سترى الحكومة لو عملت على الوفرة لوزنا لأنفسنا بالقنطار. عن صحيفة "الأحداث" moaney [[email protected]]