كانت الحكومات السابقة، تعمد عند تقديم الميزانيات للبرلمان أو الجمعية التأسيسية أو مجلس الشعب لإجازتها، على إتباع الأسلوب التمويهي إن لم يكن التعجيزي حول الأرقام الفعلية للإيرادات والمنصرفات. وعندما كان القطن والصمغ العربي يشكلان عصب الميزانية، لاحظت أن الإفصاح عن حصيلة إنتاجهما وعائد بيعهما يترجم إلى لغة مبهمة حتى لا يمسك النواب أو المواطنين بأهداب الحقيقة أو ربما لتصعيب الأمر عليهم إن أردوا معرفة الأرقام الحقيقية التي ستكلفهم جهداً هم في غنى عنه0 فمثلاً يقولون بأن إنتاج مشروع الجزيرة كان كذا (قنطار) وأننا سنقوم بتصدير كذا (طن) ونادراً ما يقولون أن سعر (الطن) كذا أو يصرحون به بحساب (الدولار الجمركي) الذي لا يعرفه إلا القلة، كما يقولون أن العائد للخزينة أو المزارع عن (القنطار) كذا (جنيه)0 ولعل هذه الطريقة الحسابية تدخل الفرد في متاهة لا يعرف إزاءها رأسه من قدميه، بل ربما يقوده هذا النمط الحسابي حتى في أيام ثبات سعر الدولار إلى خلاصة تفضي إلى عجز في الميزانية، وهو الحال الدائم، كذا جنيه في حين أن الديون كذا دولار0 ولكي تكون في الصورة - وأنت مواطن عادي - لابد من الانتساب لدرس العصر في الرياضيات ليساعدك ذلك على الفهم السريع لما يجري حولك0 في هذه الأيام وبعد الزيادات الأخيرة للوقود والسكر وما تبعهما من زيادات فرضها كل صاحب سلعة ومركبة على هواه فعادت للبعض بأرباح خرافية، ستكتشف أن البنزين الذي أعلن سعره بالجالون لا زال يباع باللتر وأن الماكينة تشير أمامك إلى أن سعر اللتر واحد جنيه فاصلة تسعة0 ولو أردت التدقيق عليك أن تستدعي معلوماتك، التي خلفتها وراءك عند الدراسة، حول عدد الليترات التي تساوي جالوناً إنجليزياً واحداً0 وبما أن الجالون من المفترض أن يكون سعره ثمانية جنيهات ونصف عليك أن تقسم ذلك على الليترات ليرتاح قلبك0 فلماذا لا يكون السعر المعلن بعد الزيادة باللتر طالما أننا في وقت سابق اتبعنا هذا المعيار وبرمجت ماكينات البيع على أساسه، أو لماذا لا تتم إعادة برمجة الماكينات بالجالون حتى يكون الأمر واضحاً دون لبس0 ولكي يتم تجاوز الأمر فقد ارتضى الناس ثقافة الشراء بالمبلغ بصرف النظر عن الليتر أو الجالون0 وحيث أن الكيلو عاد أو سيعود - عند بيع بعض السلع التي أدمنت الرطل - لكفة الميزان بعد فترة غياب ساد خلالها الرطل ومكوناته الجزئية وأصبح مألوفاً للمشتري الذي لضيق ذات اليد يمكن أن يطلب ربع رطل دون حياء0 لكنه بحساب الكيلو لا يعرف الآن كم جرام عليه أن يطلب خاصة في غياب الأوزان الأقل لان ثقافة الحساب الكسري قد لا يلم بها أغلب البائعين كذلك0 ولعلنا نلاحظ كثيراً، حتى في زمن الرطل، أن تاجر القطاعي لا يملك كل وحدات الأوزان الصغيرة المختومة للتجاوب مع رغبة المشتري، مما يدفع بعض التجار لكي يضعوا على كفة الميزان حجراً مغلفاً بنايلون ويقولون لك بأن هذا يعادل النصف أو الربع أو دونهما فلا تملك إلا التسليم اعتماداً على الثقة العمياء في البائع طالما أنه هو المعني بسورة المطففين في القرآن الكريم0 إن هذا الحال في تقديري يتطلب إلزام تجار القطاعي فوراً بشراء مختلف وحدات الأوزان المختومة بواسطة إدارة المقاييس والموازين درءاً للشك وإعمالاً للمصداقية علماً بأننا في بواكير أعمارنا كنا نشهد حملات تفتيشية للأوزان الشيء الذي أصبح ثقافة بائدة في هذا الزمان0 وطالما أن لكل شيء حساب أو وزن، فلو قيّض لنا أن نبتدع معايير وزينة وقياسية للكلام سنقترح أن يكون الكيلو للكلام الموزون، باعتباره الأقل والموجز والمفيد، على أن يكون معيار الثرثرة الجوفاء والسفسطة هو الجالون0 ومع ذلك آمل أن يكون إفراغ عبوة تانك كاملة كافياً لمن درجوا على الحديث في الفارغ والمليان دون جدوى0 Salah Yousif [[email protected]]