ظلت الجالية السودانية على الدوام تقدم النموذج المثالي للتفاني والكدح والانضباط في كل دول المهجر والمنافي التي دفعت إليها نسبة لانعدام فرصة العيش الكريم في بلادها إضافة إلى الكبت السياسي والقهر أو الالتجاء من جراء الحروب التي انتظمت جنوب البلاد شرقها وغربها . دول الجوار النفطية كان لها النصيب الأوفر من المهاجرين السودانيين خصوصا ليبيا التي يربطها جوار جغرافي وحدود برية مع السودان. لقد تدفق السودانيون إلى ليبيا لعقود بكل الوسائل الممكنة من مركبات, على الدواب أو حتى راجلين وقد وارت رمال الصحراء الكبرى جثث الكثير ممن يتوهون منهم فيقضون بفعل العطش. معظم أولئك من أبناء إقليم دارفور المتاخم لليبيا وشمال كردفان, دفعتهم ظروف التخلف وانعدام الفرص في وطنهم فهاجروا في شكل أفواج كبيرة. ازدادت موجات الهجر الهجرة تلك بفعل الجفاف والتصحر الذي قضى على القطعان وأجدب الزرع في ثمانينات القرن المنصرم. بالإضافة لأبناء دارفور وكردفان هنالك وجود مقدر أيضا لكل ابناء السودان ومن كل أجزاءه , وقد كسبوا بمجملهم ثقة الشعب الليبي وهم الأقرب له من عدة نواحي دون كل الجاليات. بالإضافة للسودانيين سهلت ليبيا والدخول والإقامة لكل الأفارقة والعرب في سلوك متفرد بالنسبة لدولة نفطية. لقد عانت الجالية السودانية بليبيا الإهمال المتعمد من قبل كل الحكومات المتعاقبة فلم تقدم لهم أي عناية فيما يختص بشروط استخدامهم أو تحويلات مخصصاتهم فكان الفقد مزدوج لهم وللوطن . أما في حياتهم الروتينية اليومية فكثيرا ما يتعرض رعايا السودان للظلم على مرأى ومسمع البعثة الدبلوماسية السودانية فلا تحرك ساكنا مما يدفع بنا لطرح السؤال الأساسي عن جوهر مهمة البعثة الدبلوماسية السودانية... أليس هو الرعايا في المقام الأول ومصالحهم؟ اللحظات الأسوأ في حياة الجالية السودانية بليبيا هي لحظات تذبذب العلاقات السياسية بين البلدين إذ دائما ما تكون الجالية هي كبش الفداء فيكون المهاجرين السودانيون عرضة لحملات الترحيل ألقسري والمضايقات والسجون, كل ذلك يتم دون أن تحرك البعثة الدبلوماسية ساكنا لأن معظم المهاجرون أصلا من دارفور وكردفان – أو بمعنى آخر مواطنو الدرجة الثانية . أما اليوم فقد بلغت مأساة الجالية ذروتها إذ انتظمت الجماهيرية تظاهرات هي جزء من ثقافة عامة انتظمت الإقليم برمته فعصفت بالنظام التونسي ومن بعده المصري وانتقلت العدوى لليبيا. النظام الليبي بطش بالتظاهرات بشكل غير مسبوق وترددت اتهامات عن استخدام النظام الليبي لمرتزقة سمر اللون من دول افريقية. الخارجية السودانية تلقفت الخبر وسوقته بشكل ينم عن انعدام للأخلاق وينم كذلك عن كيد كبير لأهل دارفور الذين يشكلون معظم أفراد الجالية السودانية بليبيا وتكون بذلك قد وضعت ليس فقط أهل دارفور, بل كل السودانيين والأفارقة المتواجدين بليبيا على شفا الجحيم وحكمت عليهم بالهلاك. الحكومة السودانية وخارجيتها متمثلين في السفارة السودانية بطرابلس وقنصلياتها في المدن المختلفة يعلمون جيدا, قبل غيرهم, التركيبة السكانية لليبيا التي تحتوي على نسبة كبيرة تشبه سحنتهم سحنة السودانيين إضافة إلى سكان ليبيا العائدين من المهجر, أولئك يشكلون عصب القوات المسلحة الليبية وتوكل إليهم بأوامرها كيف ما تشاء وأين ما تشاء , أما حديث الخارجية عن وجود سودانيين أو أهل دارفور على وجه التحديد كمرتزقة تقمع تظاهرات الشعب الليبي فذلك هو المكر وانعدام الأخلاق بعينه . الدول المتحضرة قامت, وتتدارس التدابير, لإجلاء رعاياها والمحافظة على سلامة مواطنيها المتواجدين داخل الأراضي الليبية فماذا فعلت حكومتنا غير أنها أعطت الإشارة لقتل أبنائها ؟ أبناء السودان اليوم يعيشون الرعب في المدن الليبية, لا يستطيعون حتى مجرد الخروج من منازلهم أو شراء الغذاء موصومون بأنهم مرتزقة وقد أكدت ذلك الحكومة السودانية بدلا من إرسال الطائرات والسفن لإجلائهم... فأين الأخلاق وأين الواجب؟؟؟