الجيش يوضح بشأن حادثة بورتسودان    "ميتا" تهدد بوقف خدمات فيسبوك وإنستغرام في أكبر دولة إفريقية    بورتسودان وأهلها والمطار بخير    المريخ في لقاء الثأر أمام إنتر نواكشوط    قباني يقود المقدمة الحمراء    المريخ يفتقد خدمات الثنائي أمام الانتر    مليشيا الدعم السريع هي مليشيا إرهابية من أعلى قيادتها حتى آخر جندي    ضربات جوية ليلية مباغتة على مطار نيالا وأهداف أخرى داخل المدينة    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خواطر عابرة: حرائق الحرية في البيت العربي .. بقلم: عبد المنعم محمد علي- الدوحة
نشر في سودانيل يوم 16 - 03 - 2011


17 يناير 2011
بن علي مذعوراً كفأر،،،، على متن التونسية
كيف لا نفرح مع تونس،،،،،،
كيف لا نشرق فرحاً بالوقفة التونسية ،،،
شرفتنا تونس،،،،،، شرفتنا جميعاً نحن كل شعوب الغابة والصحراء،،،،،
"برافو" أبناء تونس،،،، فعلوها في النهاية: أركبوا "بن علي" التونسية إلى المصير المحتوم الذي كان بانتظاره طويلاً،،،
ولاذ كهنة بلاطه بالجبال،،، بالحدود،،، بحثاً عن منفى،،، عن مهرب.
وسيفر الآخرون من "أبناء على" الكثر في عالمنا،،،،،
سيفرون جميعاً إلى مصائرهم الأخيرة تباعاً،،،
واحداً بعد الآخر،،،،،
لن يبقى منهم أحد،،،،،
وإن توهموا أنهم باقون: "ما في حد يقدر يشيلني"،،،،،، رحمك الله مشيرنا الحبيب جعفر في مقامك الذي أنت فيه بجوار الملك الديان،،،،،
"شالوهم" أيها العزيز جعفر،،،،،، حتى الصنم الكبير الزين بن علي،،،،، لابد أنك ستعرفه حين يقدم عليكم قريباً بذات الوجه المتورم كدمل،،،،، ونفس العيون التي تجمعت فيها خسة الدنيا،،، ونذالة سرّاق خبز الشعب.
ما أتعسها "جمهورياتنا الديمقراطية"،،،،
ويا لبؤس نصيبها من خيرات القرن الحادي والعشرين،،،،،
لا زلنا في المحطة التي غادرتها شعوب الأرض قبل عشرة قرون،،،،
يحكمنا رؤساء مخلدون بعصابات من هوانمهم،،، وعشيقاتهم،،، وأصهارهم،،، وأنسبائهم،،، وأصدقائهم من رفاق الصبا،،، ورفاق الكأس،،،،،،،،،، يتصدقون فيها بالوزارات والولايات والإقطاعيات،،،، هبات لذوي القربى،،،،، وللأذكياء الأنذال،،،،،
وحين يزف رحيلهم، يتأكدون أولاً أن ولاية العهد قد عقدت لأشد أبنائهم شراسة،،،،،، ضماناً لبقاء الملك الذي اكتسبوه "زندية" في ذراريهم المباركة.
الفئران المذعورة لا تكاد تصدق وهي ترى بأعينها غضبة أبناء الشعب الذين توهموا أنهم لا يغضبون،،،، ولا يتذمرون،،،،،، ولا ينتفضون،،،،
يا لغضبة الجوعى،،،،،،،، ويا لثأر المقهورين المكلومين حين يبلغ الظلم حده،،،، وحين يصيح القضاء كوني،،،،،،،،،،،،
فكانت في تونس ملحمة.
البركان التونسي،،،،، موعظة مجسّدة،،،، ناطقة،،،، لكل "أبناء على" الكثر في العالم العربي والجوار الأفريقي ليتحسسوا مقاعدهم،،،
الحريق التونسي سيعم البلاد شرقاً وغرباً،،،،، و"أبناء علي" في عالمنا الآن أمامهم خياران:
انتظار الطوفان والموت غرقاً،،،، أو الفرار إلى ملاذ آمن ذليل في نيبال أو غينيا الجديدة أو حتى تورا بورا ،،،،
أو تفادي المصير المخزي بابتدار التغيير،،، وردّ الأمر إلى الشعب ليقرر بنفسه ما يشاء بملئ إرادته وحريته،،،، وكامل مسئوليته عن قراره،،، وعن مصيره،،،،
دون وصاية،،،،،،،،،،،،،،،
كفانا ما لقينا من وصاية الفراعين الصغار الذين قالوا لنا كسلفهم القديم:
"ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد".
كيف لا نشرق فرحاً بالوقفة التونسية المذهلة،،،،،،
نعم تأخروا كثيراً في الانتفاضة على الصنم،،،،
على الوجه المتورم كدمل،،،،،
والعيون التي تقطر خسة،،،،،
وعلى عصابته،،، وأصهاره،،،،، وأبناء عمومته،،،، وبطانته من رجال حزبه الذين استباحوا مقدرات الأمة،،،، واستحلوا حقوقها ،،،، وولغوا في دمها،،،،
لكن فعلتها الجسارة التونسية في النهاية،،،،
أحرق التونسيون سفينة الخوف،،،،،، واندفعوا كما الموت الزؤام على قصور وهياكل كهنة النظام،،،،،
أقسموا : الحياة،،،، الكرامة،،، أو الموت،،،،
" فاستجاب القدر"،،،،
و"انكسر القيد"،،،،،
و"انجلى الليل".
___________________________________________
1 فبراير 2011
ثم تكلمت مصر
ويا "لهوي" عندما تتكلم مصر،،،،،،،،،،،،،،
صمتت ستين سنة،،، ثم فتحت مصر فمها بالكلام فأسمعت المشرقين،،،،،
الذين لا يعرفون مصر،،، ولا يعرفون المصريين هم فقط الذين تفاجأوا بصوت مصر.
وحين تتحدث الكنانة ينصت الجميع،،،،،
أنصتت واشنطون،،،،
وجلست أمام الشاشات مذعورة باريس ولندن وموسكو،،،، وبورصة نيويورك،،، وبان كي مون ومجلس أمنه.
لعلم الله بجبروت شعب مصر، لم يحكم الكنانة إلا بالفراعين،،،،
يذهب فرعون،،، فيأتي على إثره نمروذ،،،
ويهلك الحاكم بأمر الله،،، فيجيء محمد علي باشا،،،،،
ويرحل الفراعين الكبار،،، فيجيء على إثرهم السادات،،،
ويتبعه حسني،،،
ثم بأتي من بعدهما الطوفان.
وحينما تنفتح حناجر أبناء الكنانة يتطاير الشرر شمالاً وجنوباً،،، وشرقاً وغرباً،،،،،،، فيشتعل الكوكب من قلبه إلى ألاسكا،،، وإلى المحيط المتجمد في جنوبه،،،،،
فارتعدت فرائص ليبرمان،،، وتيبّست رقبة رئيسه نتنياهو،،،
وسهرت الخرطوم من ذعرها حتى الصباح،،،
وانخلعت أفئدة الفئران المتفرعنة في طرابلس الغرب،،،
والرباط،،، ودمشق،،،، وغينيا الاستوائية،،،، وبيونغ يانغ.
أين الملجأ من "زعيق" مصر؟؟؟
وكيف المنجا؟؟؟
لا عاصم اليوم من أمر الله.
14 فبراير 2011
أم الزلازل التي دكت عرش آخر الفراعين
كانت مصر جاهزة بعد أن عبأت شرايينها بالبارود عندما وصلتها الشرارة من تونس،،،،،
فكان الانفجار الكبير (Big Bang) مثل ذلك الذي تمخض عنه الكون وتشكلت من غباره النجوم والكواكب،،،،،
فرحل آخر الفراعين.
أقول آخرهم، لأن مصر حظرت تصنيع الأصنام،،،، وجففت العروق المغذية لخلايا التفرعن.
اكتشف شباب مصر إكسير التغيير: الخروج بصدور عارية للشارع والهتاف في وجه الطاغية "ارحل،،، ارحل" ،،،،،، فيسجيب القدر،،،، ويهرب الفرعون مذعوراً غير مصدّق.
ما جرى في ميدان التحرير خلال الثمانية عشر يوماً الماضية كانت ملحمة عزّ مثيلها في كتب الأساطير والملاحم،،،،
الذين لا يعلمون مصر وإنسانها قالوا في بدايتها أنها "هوشة" لن تنفك أن تتبخًر مع أول قنبلة مسيّلة للدموع أو صوت طلقة في الهواء،،، لكن جسارة شباب مصر فاجأت الذين لا يعلمون صلابة شعب عجمته المعارك والملاحم ،،،،، وعزيمة أمة أدركت لحد اليقين منذ سبع ألف سنة أن الشرف التليد لا يسلم "حتى يراق على جوانبه الدم".
الشابات والشباب الذين خرجوا بعمر الزهور آلافاً وملايين واحتلوا الساحات،،،، ورتبوا للبقاء هناك في العراء لشهر،،، شهرين،،، وثلاثة،،، وسنة،،،، حتى رحيل الطاغية.
لا يحمل أحدهم سيفاً ولا خنجراً ولا رصاصة،،،، مجرد صدور عارية مفعمة بالعزيمة،،، والإيمان بالقضية،،،
سلمية،،،، أعلنوها منذ البداية،،، لا تخريب،،، لا كسر،،، لا ضرب،،،، لا عنف،،،،،،،،
ليست سلمية فقط،،،، بل تولى الشباب حراسة منشآت بلدهم من أيدي اللصوص والبلطجية الذين أطلقهم كهنة عرش الفرعون لإفساد نقاء الثورة.
ذهل الأصدقاء الذين ظنوه شعباً أدمن الإذعان للملوك والفراعنة،،،،،
كما ذهل الأغراب الذين لم يعرفوا كفاحاً لشباب العروبة والإسلام إلا في قنبلة مفخخة،،، أو ناسفة توزع الموت العبثي،،،
لثمانية عشر يوماً سهر الشعب ونام ،،، وهتف وزمجر،،، وغنّى وأنشد،،، وصلى وكبر،،،، في الفضاء في زمهرير الشتاء،،،
فزلزلت أرض الكنانة بأم الزلازل،،،،
فدكّت أعمدة القهر،،،،
وأشرقت على الدنيا من جديد،،،، شمس مصر.
لماذا لا تجلس الشعوب كالتلاميذ وتتعلم فنون الجسارة،،، وأخلاق الثورة،،، على يد المعلّم الخبير: شباب مصر؟
22 فبراير 2011
من يبكي على معمّر؟
لا أعرف سوى قلة ممن قد يسترخصون دموعهم حزناً على رحيل العقيد القذافي ونظام حكمه.
ولكن، في المقابل، أعرف الملايين الذين سيتنفسون الصعداء حول العالم، بدءً من أبناء شعبه داخل ليبيا وفي المنافي، وكافة جيرانه، وغير جيرانه، من العرب والأفارقة، وانتهاءً بدولة مثل الفلبين في أقصى الشرق.
قطعاً، فإن رجالاً مثل برلسكوني إيطاليا، ومتمردون مثل حركات دارفور ومنظمات مثل مورو في الفلبين، سيفتقدون ملايينه، وسيحرمون من ملاذه الآمن في "المثابة" الليبية .
وآخرون مثل شافيز فنزويلا وأحمدي نجاد إيران سيحزنون على خسارة لاعب أساسي في نادي الخارجين على النظام الدولي والناموس الكوني.
لم يترك الرجل أصدقاء كثيرين يفتقدونه إذا غاب، أو يبكون عليه إذا رحل.
ينتمي العقيد معمر القذافي، الذي دخل عهده ذمة التاريخ واقعاً، إلى طائفة من حكام وزعماء العالم الثالث ممن يمكن أن نطلق عليهم اسم "الحكام/الزعماء المهرجين". يتميز هؤلاء الحكام إلى جانب غرابة أطوارهم وسلطاتهم السياسية المطلقة (لتي يشترك فيها معهم بقية الحكام غير المهرجين)، باستخدام مفرط ومخل للسلطات والصلاحيات والحصانة التي يوفرها لهم الجلوس على قمة الدولة بما يجعلهم في بؤرة الأضواء وصدارة وسائل الإعلام بصفة دائمة.
تضم تلك القائمة فيما تضم، عيدي أمين من يوغندا، وبوكاسا من أفريقيا الوسطى، وصدام حسين من العراق، وشافيز من فنزويلا، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط من لبنان.
لكن العقيد معمر يأتي في مقدمة القائمة دون منازع في القدرة على صناعة الغرائب السياسية والاجتماعية والثقافية.
فإذا لم يجد ما يضع به اسمه على أسنة أقلام الصحافيين وألسن المذيعين، يلبس العقيد زيه البدوي ويحمل خيمته إلى بلد أوربي لينصبه في ساحة بارزة لا تخفى على الأعين.
وإذا لم يجد موضوعاً "حادقاً" في السياسة يلفت به انتباه الآخرين إليه، تجرّأ على الدين أو تطاول على الثقافة أو سخر من التاريخ، يستل منها مادة تضمن له الحضور على الصفحات الأولى من الصحف، ليرقص طرباً من سكره.
ظل ملك ملوك أفريقيا والزعيم التاريخي الخالد للجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى على هذا الحال في حكم بلده لمدى اثنتين وأربعين سنة. يذهب بشعبه شرقاً، ثم يرتد فجأة من منتصف الطريق ويسوقهم غرباً، يفتح كتاب العروبة، ثم يقفله إذا ملّه، ويضعه في التنّور طعماً للنار. ويكتب الكتاب الأخضر ويرفعه في موضع واحد مع المصحف، ويأمر رعيته البحث عن الهدى في آياته وسوره.
ثم لما أصابه الضجر من كل ذلك، كتب القصيدة الأفريقانية، واشتري القارة السوداء بحر دراهم النفط الليبي. وبعزق من "كيس" الدنانير البترولية على من شاء، وحرم منها من شاء، فنصبته أفريقيا ملكاً لملوكها على عرش من الغبار والريح الاستوائي.
واحترف العقيد ضمن هواياته العديدة، صناعة الأعداء والأصدقاء والحلفاء ثم إعادة تصنيعهم بالمعكوس.
كان يستهويه بصفة خاصة التلهي بتدبير الانقلابات ضد الحكومات العربية والأفريقية الشقيقة وغير الشقيقة، ورعاية الحركات والتنظيمات الساعية لإسقاط حكومات بلادها.
وخلال رحلته الطويلة من قيادته التاريخية، كانت آبار البترول على الدوام بقراً حلوباً لا تجف ضروعها في ضخ ما يكفي من العملات الخضراء لتمويل كافة هواياته وأهوائه.
واصل العقيد الملتاث الشموخ بأنفه، والسخرية من الآخرين، والاستهزاء بضعف عقولهم وجهلهم وكسلهم.
لم ينظر ملك الملوك لأسفل قط، ولو نظر لرأى "اعوجاج رقبته". لكنه ظل كجمل الصحراء لا ينظر إلا لفوق ليضحك على اعوجاج رقاب الآخرين.
ولو نظر دون أن يشمخ بأنفه للسماء لقرأ ما كتبه بشأنه بعض الحكماء: "ملتاث، مشوّش الفكر، مريض بداء العظمة وعقدة النقص في وقت واحد".
في الزمن القذافي، أصبح اسم ليبيا عمر المختار يثير الضحك كلما ذكر في محفل.
في زمن أبو المهندس سيف الإسلام، توهّم العالم أن الشعب الليبي، قاهر الطليان، قد تحوّل إلى أيقونة للاستكانة والخنوع والتدجين.
ثم سقط الثور الأفريقي الهائج أخيراً من فرط سكرته. سقط بعد أن كسر خلال "برطعاته" على مدى أربعة عقود كل ما وصلت إليه أرجله الخرقاء من الخزف الصيني.
من سيبكي على العقيد معمر يا إلهي؟
أسفي على ملك ملوكنا، تركه الجميع فريسة لشعبه الذي لن يقبل فيه أقل من وضعه على "الخازوق التركي".
23 فبراير 2011
الهذيان الأخير للعقيد
أوصي الذين لم يستمعوا لخطاب العقيد الأخير أن يبحثوا عنه في اليو تيوب أو غيره، فهو فيلم يلخص لك العقيد معمّر في خمسن دقيقة فقط.
الأحداث الأخيرة في ليبيا دفعت الملايين حول العالم للاهتمام بالاستماع إلى خطاب معمر الأخير، ولابد أنها هي المرة الأولى التي يشارك فيها الملايين من شعوب بلدان العالم أبناء الشعب الليبي في مشاهدة إحدى أروع مسرحيات العقيد، هي الأخيرة أيضاً.
فشكراً لانتفاضة الليبيين التي أتاحت للعالم مشاهدة ملك ملوك أفريقيا والاستماع إليه لحظة قدومه من خيمة صديقه جنكيز خان في البراري المنغولية. كانت فرصة لن تتكرر لمشاهدة حية لقائد يتحدث من القرن الثاني عشر.
كنت استمع إليه أولاً من راديو السيارة، وحين توقفت لصلاة العشاء، ألح عليّ بناتي أن لا أطفئ جهاز الراديو. قلن بصوت واحد "خلينا نتسلى بكلام قذافى". وأقسم غير حانث أنهن كن يقصدن فعلياً التسلي بما يقوله العقيد. حتى أصغرهن ذات التسع سنوات قالت بصوتها المبحوح من بين ضحكاتها الماسخة: "هه هه هه هه باللهي في واحد بيقول لنفسو أنا مجد ليبيا أنا مجد العرب أنا مجد أفريقيا".
بعد أن أعدت الاستماع للخطاب بالصوت والصورة اكتشفت مقدار صلابة هؤلاء الليبيين. لابد أن صحراءهم القاسية قد أمدّتهم، إضافة إلى صلابة الجسد وجسارة القلب، بقدرة هائلة على كتم الضحك. أي شعب آخر بخلاف الليبي لكان مات ثلاثة أرباعه من تمزق الحنجرة وتلف الرئة من فرط القهقهة.
ضحكت ولم أستطع إلجام ضحكي طوال هذيان العقيد بالرغم من صور الفظائع التي كنت أشاهدها قبيل ذلك في انتفاضة الشرق الليبي. لا أحد يملك موهبة إضحاك الثكلى، الذي يقال في المثل، سوى العقيد معمر.
حتى التهديدات المتشنجة التي كان يطلقها العقيد معمر في ثنايا هذيانه لم تفلح في قتل الكوميديا التي كان يصنعها بنفسه، بصورته، ولباسه، ومفردات لغته، وفمه الذي ينفث الكلمات المتقطعة لأعلى كفوهة دبابة موجهة نحو السماء، ورأسه المتشامخ الملفوف لنصف وجهه داخل لفافة الدمّور التي كان يعتمرها.
قطعاً هي ملهاته الأخيرة.
هذيانه التراجيكوميدي "الماستر بيس" الذي يتجاوز كل ما عداه من إبداعاته السابقة على مدار اثنتين وأربعين سنة.
أقول هي ملهاته المأساوية الأخيرة لأنه مات، والموتى فيما يعهده الناس لا يعودون للمسرح أبداً.
قطعاً سيصدر حول العالم جبل من الأدبيات والدراسات والقصص والأساطير والتحليلات النفسية والاجتماعية والسياسية حول شخصية معمر وعهده ورجاله وحارساته.
لم أقرأ في التاريخ القديم أو الحديث وصفاً لأي قائد أو رجل عادي يقارب مواصفات ملك ملوك أفريقيا،،،،،،،،
مبدعة ليبيا هذه،،،،،،،، ومبدعة صحراؤنا الكبرى،،،،،،،، ومبدعة حواء التي أنجبت معمر لوحة سريالية لم تخطر حتى على قلب سلفادور دالي.
24 فبراير 2011
هرمنا،،،، هرمنا
توجعني لحد البكاء كلمات ذلك الشيخ التونسي ومنظره وهو يمسح بشعر رأسه الأشيب مردداً بصدق وفرح ممزوج بوجع السنين: هرمنا ،،، هرمنا،،، هرمنا،،، في قناة الجزيرة،،،، لا أمل سماعه كلما تكرر عرضه،،،،،،،،،،،،،
لابد أنه أحد المعارضين القدامى القادمين من المنفى عقب نجاح الثورة التونسية،،،،، من جيل المستيري.
وغداً أو بعد غد بإذن الله نسمع نشيج الليبيين العائدين من منافيهم بشوق،،،،،،،،،
ويحهم،،،، ماذا فعلوا بأبناء الوطن؟
_______________________________________
1 مارس 2011
حرائق الحرية: من أين جاءت الشرارة؟
لا تحتاج خواطري هذه الأيام أن تمتح من آبار الذاكرة القصية،،،،،
الأحداث التي تموج من حولنا في الحاضر الماثل كافية لإشغال الفكر وإلهاب الخاطر،،،،
لا تملك خواطري أن تحلق بعيداً عن حرائق الحرية التي تجتاح "الغابة" و "الصحراء" في جوارنا،،، على بعد خطوتين من عتبة دارنا.
كنت أتساءل مع الناس،،، كل الناس،،، المذهولين: من أين جاءت الشرارة؟
حرائق الحرية التي تأكل جوانب الخيمة العربية،،، وتتصاعد أدخنتها من قمة القطية الأفريقية،،، من أين جاءتها الشرارة؟
في كتاب المطالعة بالصف الثاني من المرحلة الأولية، كان التاجر الطماع يتساءل مذهولاً غير مصدّق بعد أن أتت النار على دكانه: يا ترى من أين جاءت الشرارة؟.
أجاب عليه الراوي بأنها جاءت من قلوب المساكين التي أحرقها بنار جشعه.
حرائق الحرية التي اجتاحت عروش الطغيان بطول العالم العربي ولسانه الممتد لشمال القارة السمراء،،،، هل نحتاج معها أن نسأل كما التاجر الطماع: ترى من أين جاءت الشرارة التي أشعلت الحرائق في هذه الأنظمة التي طلت لعقود كما لو كانت نظماً مقاومة للحريق؟
بادرني كهل سوري يعمل رئيساً لعمال الصيانة بالبنك دون مقدمات: "هذا الذي جرى في تونس ومصر، من أين تظن جاءهم هذا الزلزال؟
سأل الكهل الشامي وأجاب بنفسه: من عفن حكامهم.
لو وجّهت السؤال نفسه لأي خبير إستراتيجي أو محلل سياسي ضليع لأجاب عليك بلغة ممشوقة ومنطق علمي مبهّر بتوابل علوم السياسة والاجتماع،،،، وللف ودار وأطنب، دون أن يزيد شيئاً يذكر على ما قاله رئيس العمال بأبروله الأزرق المضمخ بروائح الجير والأصباغ ولغته المباشرة التي لا تعرف التزويق كسبب للحرائق التي اندلعت مؤخراً في جوانب البيت العربي: عفن الحكام،،،،، موت نظم الحكم بفعل الهرم،،،، وتصاعد الروائح المنتنة من جثثها المتحللة التي لم تجد من يدفنها لحظة موتها.
2 مارس 2011
رحم الثورة الفتية
أعظم مظاهر الثورات التي تجتاح أقطار العالم العربي اليوم هو أن شعلتها ووقودها الشباب اللامنتمي،،،، المتجاوز لأطر الحزبية،،،، المتحرر من ربقة الأحزاب ومن وصاية زعمائها القابضين بالعشرة على مقاعد الرئاسة.
وأطرف مظاهرها: اضطرار الأحزاب للهاث في عدوها المستميت للحاق بقطار الثورة السريع،،، الكاسح.
أعلم أن أيادي الميكافيلية الماكرة لا تلبث أن تقطف من الثمار أكثر مما تقطف أيادي الثوار البيضاء النقية،،،،،
ولكننا نعول دوماً على رحم الثورة،،،،،
فالثورة أم ولود،،،،،
فبينما يبيض الساسة المتكلسون بالاثنين والثلاثة،،، تنجب الثورة الفتية،،، التي وقودها الشابات والشباب،،، كل حين ملايين الطيور الزغب من نسلها المبارك،،،
فأي الفريقين أجدر بوراثة الأرض؟
A. Munim Moh. Ali [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.