كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    شاهد بالفيديو.. شباب سودانيون ينقلون معهم عاداتهم في الأعراس إلى مصر.. عريس سوداني يقوم بجلد أصدقائه على أنغام أغنيات فنانة الحفل ميادة قمر الدين    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالفيديو.. جنود بالدعم السريع قاموا بقتل زوجة قائد ميداني يتبع لهم و"شفشفوا" أثاث منزله الذي قام بسرقته قبل أن يهلك    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    السودان يردّ على جامعة الدول العربية    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    البرهان يزور تركيا بدعوة من أردوغان    المريخ يحقق الرمونتادا أمام موسانزي ويتقدم في الترتيب    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    تقارير: الميليشيا تحشد مقاتلين في تخوم بلدتين    جنوب إفريقيا ومصر يحققان الفوز    مجلس التسيير يجتمع أمس ويصدر عددا من القرارات    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    سيدة الأعمال رانيا الخضر تجبر بخاطر المعلم الذي تعرض للإهانة من طالبه وتقدم له "عُمرة" هدية شاملة التكاليف (امتناناً لدورك المشهود واعتذارا نيابة عنا جميعا)    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    مكافحة التهريب بكسلا تضبط 13 ألف حبة مخدرات وذخيرة وسلاح كلاشنكوف    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بروتوكولات ملالى ايران .. بقلم: علاء الدين حمدى
نشر في سودانيل يوم 25 - 04 - 2009

(4) العلاقات السورية الايرانية
ليس بوسعنا الحديث عن " حزب الله اللبنانى " دون أن نعرج أولا ، فى عجالة ، على العلاقات " السورية الايرانية " التى تُعتبر التحالف الاستراتيجى العربى الوحيد مع الثورة الايرانية منذ بدايتها ، والذى نشأ كنتيجة طبيعية للعداء المذهبى بين " العراق " ، ذى الأغلبية الشيعية الذى تحكمه الأقلية السُنِّية القوية متمثلة فى الرئيسين " أحمد حسن البكر " ثم " صدام حسين " منذ سبيعينيات القرن الماضى وحتى سقوط بغداد 2003 ، وبين " سوريا " ، ذات الأغلبية السُنِّية ، حوالى 70% من عدد السكان ، التى تحكمها الأقلية الشيعية القوية منذ انقلاب لؤى الأتاسى عام 1963 ، الذى أتى بحزب البعث الى السلطة ، مرورا بانقلاب نور الدين الأتاسى عام 1966 ، ثم سبيعينيات القرن الماضى وحتى الآن متمثلة فى الرئيسين " الأسد " المنتميين الى المذهب " الشيعى العلوى النصيرى " ، نسبة الى " محمد بن نصير البصرى النميري " الذي عاصر " الحسن العسكرى " ، الإمام الحادي عشر للشيعة الاثنى عشرية ، وزعم أنه ورث مرجعيته بعد غياب ابنه " محمد المهدى " الإمام الثاني عشر ( 847 م ) أو امام الشيعة الغائب ، وهو موضوع أخر ليس هنا مجال الخوض فيه .
الشاهد أن هذا التحالف ظهرت فعالياته فى التأييد السورى المطلق للايرانيين فى حربهم ضد العراق ( 1980 1988 ) واستمر حتى فقد أهميته الاستراتيجية بسقوط النظام العراقى فى 2003 كما يرى " إدوارد لاتووك " الباحث بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية فى مقال له بعنوان " الحليفيين " نشر فى جريدة The wall street journal فى يناير 2007 ، أو كما يقول " عبد الحليم خدام " ، رُكن النظام السورى سابقا والمعارض حاليا ، فى حديثه لجريدة المستقبل اللبنانية 8 فبراير 2007 ( في الماضي كان هناك تحالف إستراتيجي وكان لسوريا مصالح ولإيران مصالح وكانت نقطة الالتقاء الأساسية لهذا التحالف هى وجود صدام حسين لكن الأمور تحولت بعد ذلك نتيجة غياب نقطة الالتقاء الأساسية وضعف سوريا التي لم يعد لديها أي إستراتيجية ) .
الا أننى أختلف مع الرأيين السابقين ، حيث أتصور أن غياب نقطة الالتقاء الأساسية هذه التى أشار اليها " خدام " والتى وضع غيابها نهاية للعداء المذهبى بين النظامين العراقى والسورى بالفعل ، هو نفسه الذى يدفع بالطرفين السورى والايرانى الى التمسك باطار التحالف بينهما بصورة أكبر ولأسباب أكثر الحاحا تتفق ومقتضيات الوضع الاقليمى الجديد بعد سقوط بغداد ، وان اختلفت التفاصيل أو ، الخبايا ، طبقا لمصالح كل طرف منهما !
فالسوريون بعد تدهور علاقاتهم مع العرب عموما خاصة مصر والسعودية نتيجة تحالفهم مع النظام الايرانى ، وهو التحالف الذى انعكست أثاره بعد سقوط بغداد على الوضع المتردى فى لبنان وصراعات فتح وحماس ، أى شرق الأمن القومى المصرى ، فانهم ، أى السوريين ، يحرصون بشدة على بقاءه لعدة أسباب أهمها فى رأيى :
أولا : حماية أمنهم الاقليمى المهدد شرقا من الوجود الأمريكى فى العراق ، كما بين الأستاذ " خالد الحروب " فى بحثه القيم ( تداعيات الغزو الأميركي للعراق على خريطة القوى بالمنطقة ) الذى نشرته مجلة شؤون عربية العدد 113 عام 2003، وجنوبا ، ليس من اسرائيل ولكن بكل أسف من لبنان ، الشقيق ، الذي تخشى سوريا الرسمية أن يستكمل اكتساب التأييد والدعم العربى ، والغربى أيضا ، ليصبح شوكة فى جانبها ، خاصة وقد اضطرت الى سحب جيشها منه في مارس 2005 واتهامها بتدبير اغتيال رفيق الحريري وعدد من الشخصيات اللبنانية الأخرى .
ثانيا : رغبة مؤسسة النظام السورى " العلوى " فى دعم نفسها داخليا فى مواجهة الأغلبية السُنّية وعلى رأسها جماعات السلفيين والاخوان المسلمين ، الذين تختلف أهدافهم على الأرض عن أهداف زملائهم فى مصر ، لذلك سمح النظام السورى للايرانيين بتأسيس حوزات ، مدارس دينية ، شيعية كنوع من الترسيخ للدور الايرانى وتمكينه من نشر مذهبه على المستوى الشعبى ، وهو ما سيصب لصالح مؤسسة النظام السورى كنظام " شيعى " فى النهاية سواء بقى تحالفهم مع الايرانيين مستقبلا أو نُقِض تحت أى ظروف ، وهو ما دفع بالرئيس الإيرانى " أحمدي نجاد " للتصريح لجريدة السفير اللبنانية يناير 2007 مبررا بقاء هذا التحالف قائلا ( إن أمن سوريا هو أمن إيران ) ، وكأن " فوبيا الأمن " انتقلت عدواها من اسرائيل الى سوريا ، ركن العروبة الحصين ، بعد أن تشابهت ظروف العزلة عن المحيط الاقليمى ، مع فارق التشبيه والدوافع .
أما الايرانيون ، وعلى حد تحليلى أيضا ، فربما هم الأكثر حرصا على استمرار هذا التحالف ولكن لأسباب أخرى تختلف عن " حدوتة " الأمن الواحد التى يرددها " نجاد " ، وتحديدا للدور الحيوى الذى يقوم به النظام السورى فى احتواء ، أو قمع ، الأغلبية الُسّنية السورية التى تعتبر ، بعد سقوط بغداد ، حائط الصد الوحيد الباقى والقَوىِّ الذى يقف كحجر ، بل جبل ، عثرة يعرقل مشروع الهلال الشيعى الكبير ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فان تخلى الايرانيين عن سوريا الرسمية فى هذا التوقيت سيدفعها فورا لتحسين علاقاتها مع العرب ، وكلهم دون استثناء من السُنَة نُظما أو شعوبا ، وكذلك توقيع معاهدة سلام مع اسرائيل ، وهو ما يعنى فى الحالتين خروج سوريا من دائرة النفوذ الايرانى ومنعها لمصالحه الاستراتيجية التى تمر خلالها بصفتها جزء أساسى من مشروعه " الخمينى " المأمول .
هذا الحرص الايرانى على استمرار " احتواء " الحليف السورى من المفيد جدا أن نقرأه بعيون الايرانيين أو بمخاوفهم ونواياهم ، من عدة نقاط يأتى على رأسها :
أولا : نظرة " الاستراتيجية الأمريكية الاسرائيلية " للنظام السورى وامكانية تقبلها له كنظام يمكن الوثوق به ودعمه والتعامل معه مستقبلا .
ثانيا : أطر الصراع داخل مؤسسة النظام السورى وتداعياتها ، سلبا أو ايجابا ، على مستقبل العلاقات الاقليمية سواء مع ايران ، أو لبنان وبقية العرب ، أو اسرائيل ، وخاصة فى ظل التقارب التركى السورى مؤخرا .
ثالثا : مستقبل " حزب الله " ، كذراع اقليمى للايرانيين ، اذا خرجت سوريا ، جسر الربط الوحيد مع الحزب ، عن دائرة نفوذهم ، وبالتالى سيخسر الايرانيون ورقة ضغط قوية على اسرائيل والأمريكيين فى " مناورات الذئاب " .
رابعا: تأييد السوريين لترسيخ دور سياسى " لحزب الله " على الساحة اللبنانية ذات التوازنات السياسية المعقدة ، وما اذا كان هذا التأييد هو الوجه الرئيسى للتحالف مع الايرانيين ، أو كان الهدف منه اضعاف السُنّة فى لبنان وتقليص نفوذهم لصالح " حزب الله " ، الشيعى خاصة بعد اغتيال الحريرى ، وبالتالى اضعاف شوكة الأغلبية السُنّية السورية حتى يستتب الأمر للنظام " العلّوى " السورى حاليا أو مستقبلا ، وهو الأمر المفيد لايران فى الحالتين على أى حال .
خامسا : موقف " تركيا " الباحثة عن دور اقليمى يتناسب مع نفوذها وامكانياتها ويقنع الاتحاد الأوروبى فى نفس الوقت بقبول انضمامها لعضويته اذا استطاعت اثبات أنها لاعب أساسى فى المنطقة يستطيع بنفوذه اضافة فوائد كثيرة للاتحاد ، وبالتالى كان توسطها لتحقيق تقارب " سورى اسرائيلى " دفع بالرئيس بشار أن يعرض فض تحالفه مع ايران مقابل حل عادل للمشكلة " السورية الاسرائيلية " يضمنه الأمريكيون ! رغم أنه لم يوضح منظوره أو مفهومه لهذا الحل العادل أومستقبل الجولان المحتلة ! وان كان اشترط دورا واسعا لنفوذ النظام السورى فى لبنان كأساس للدخول فى مفاوضات مع بقية الأطراف المعنية ، رغبة منه ، حسب تحليلى ، فى دعم مصيره كنظام شيعى وسط بحيرة اقليمية تموج بالمسلمين السُنّة ، أو ليكون هذا النفوذ ورقة ضغط عكسية على الملالى فى ايران لصالح أطراف أخرى !! وتأكيدا لجدية العرض ، أطلق الرئيس بشار تصريحات " مغازلة " عبر فيها عن عدم اهتمامه من الناحية العسكرية بأي حرب مستقبلية ضد إيران أو حزب الله !
سادسا : علم الايرانيين أن إسرائيل , رغم تعاونها القوى معهم منذ الثورة ، فانها لن تسمح لنفوذهم بتعدى حدود معينة ضدها أمام العرب السُنّة قبل الشيعة ، وهو أحد الأسباب " السياسية " التى دفعت اسرائيل الى الانسحاب المفاجىء من جنوب لبنان عام 2000 مفضلة أن تبدو فى صورة " المهزوم " مقابل تجريد حزب الله من شرعيته الشعبية كتنظيم مقاومة يحظى باعجاب الشارع العربى الذى لم يهتم بتبعيته للنفوذ الايرانى ، على حد رأى دكتور " تريتا بارسي" فى كتابه " التحالف الغادر: التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران وأمريكا " الذى تعرضت له فى الجزء الثالث من السلسلة .
سابعا : عرقلة أى اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل قبل الاتفاق مع الأمريكيين أولا على الاطار الخاص بدور ايران الاقليمى ونفوذها فى الخليج ، وكذلك عرقلة أى محاولة تقارب بين سوريا والعرب خاصة مصر ، بالتأكيد لعلمهم أن المحور " السورى المصرى " القوى هو الملجأ والحصن فى كل المحن والكوارث التى مرت بهذه الأمة ، وأن العرب بخير ما التقت القاهرة ودمشق ، هكذا أثبت التاريخ قديمه وحديثه بدروسه التى استوعبها الايرانيون جيدا بينما تفرغنا نحن لتكرار كل أخطائنا التاريخية دون أن نتعلم أو نفهم !
هذا من ناحية قراءة الايرانيين لاستمرار احتواء الحليف السورى ، أما الأمريكيون ، وبعد سقوط بغداد ، فقد قرروا اغراء السوريين لفض التحالف اضعافا لموقف ايران ، كما ذكرت آنفا ، ليس تمهيدا لضربها الذى لن يمنعه بقاء هذا التحالف بأى حال ، ولكن حرقا لأوراقها وتقليما لأظافرها قبل عقد صفقة سياسية مرتقبة للتعاون بين المشروعين الايرانى والأمريكى الاسرائيلى ، يرجح أن تتم بعد استقرار الادارة الأمريكية الجديدة اذا استطاع الجميع أن يتوصلوا لحل مرضى حول مطالب ايران المتشددة للهيمنة الاقليمية ومنحها اليد العليا في الخليج مع اعتراف أميركي صريح بها كقوة أساسية فى المنطقة ، الأمر الذى رفضه الأمريكيون من قبل ، ولكننى أتصور أن هذه المفاوضات ستشهد تنازلات كثيرة سيقدمها الامريكيون اذا حصلوا على تعهدات ايرانية قوية تضمن عدم العبث بامدادات بترول الخليج مستقبلا ، وعدم تكرار تجربة " محمد مصدق " الذى أمم البترول الايرانى 1951 وعزل الشاه " محمد رضا بهلوى " وأجبره على مغادرة البلاد للمرة الأولى قبل أن يعود اليها من جديد بتدبير المخابرات الأمريكية والبريطانية ، أو تجربة " الملك فيصل " فى حرب اكتوبر ، أو تجربة الرئيس " صدام حسين " التى عجلت بنهايته بعد قطعه البترول العراقى عن أمريكا لمدة شهر كامل تضامنا مع انتفاضة الأقصى سبتمبر 2000 فى الوقت الذى قام فيه " الأشقاء العرب " بتعويض حصة العراق المقطوعة حتى لا يتضرر " الأشقاء الأمريكان " أو تعانى " كلابهم " من قلة التدفئة فى برد أمريكا القارص !
هذه التنازلات سيضطر الأمريكيون اليها ، وربما لأكثر منها ، ليمكنهم ابرام الصفقة مع ايران مقابل " بيع " أو التخلى عن كل حلفائهم فى الخليج ، وذلك ببساطة لأنهم يعلمون أن سيطرة ايران الملالى على بترول ضفتى الخليج مسألة وقت ليس الا ، خاصة فى ظل وجود منابعه على الضفتين وسط كثافة سكانية " شيعية " كبيرة ومتزايدة ، وعلمهم كذلك أنه ليس باستطاعتهم ابقاء قواعدهم فى الخليج الى يوم القيامة لذلك كانت رغبة الغرب عموما فى تعيين حارس قوى لمصالحه فى الخليج يناسب مرحلة " الشرق الأوسط الجديد " يكون له دور محدد ومرسوم بدقة متناهية لا يناسب اسرائيل ولا يُوثَق فى اسناده الى أى دولة عربية مهما كانت قوتها كما ذكرت فى الجزء الثالث من السلسلة ، وهنا تجدر الاشارة الى أن أهداف السياسة الأمريكية ، كدولة مؤسسات حقيقية لا شك فى ذلك ، لا تتغير مع وصول الديمقراطيين أو الجمهوريين الى الحكم ، لأن ما يختلف بين الفريقين هو طريقة الوصول الى الهدف الثابت ، أشبه بمن يسلك الطريق الصحراوى للوصول الى مدينة الاسكندرية مثلا بينما يفضل غيره الطريق الزراعى ، ولكن فى النهاية محطة الوصول تبقى واحدة رغم اختلاف الطرق المؤدية اليها ، أو كما يقول المثل الرومانى القديم " كل الطرق تؤدى الى روما " !
اذا نصل الى أن هذا الحرص السورى الايرانى على بقاء صيغة مشتركة للتحالف بينهما ، بعد سقوط بغداد ، يستطيع كل طرف من خلالها استغلال الآخر كورقة ضغط على المحور " الاسرائيلى الأمريكى " للحصول على مكاسب محددة فى أى مفاوضات محتملة ، دفع بالطرفين الى توقيع اتفاقية للدفاع المشترك فى منتصف يونيو 2006 ، اطلق عليها " اتفاق تعاون عسكرى " ونشرت تفاصيلها فى صحيفة الحياة اللندنية عدد 16 يونيو 2006 ، وايا كان الاسم ، فان حرية كل دولة فى البحث عن مصالحها وحقها فى ابرام التحالفات مع الغير لا يتفق مطلقا ، فى رأيى ، مع التصور المفترض للعلاقات بين دول " الوطن العربى " مهما استبدلوه بمصطلح " الشرق الأوسط الكبير " حيث ستبقى وحدة المصير شئنا أم أبينا ، دون ارتداء مسوح القومية العربية حتى لا نُغضِب معتنقى " العولمة " وأشياعهم ، لذلك فالاتفاقية ، من حيث المبدأ ، تعد اختراقا مباشرا للأمن القومى العربى لصالح الايرانيين ، ومخالفة صريحة من النظام السورى لاتفاقية الدفاع المشترك العربية الموقعة فى ابريل 1950 فى عهد الرئيس السورى " هاشم الأتاسى " حتى ولو لم يكن لها أهمية أو جدوى تذكر على الأرض أو فى الواقع !
الغريب أن توقيع هذه الاتفاقية لم يسبب ازعاجا للاسرائيليين رغم الحرب المعلنة مع سوريا منذ احتلال هضبة الجولان بعد هزيمة الخامس من يونيو 1967 وحتى الآن ! كذلك لم يظهر الأمريكيون أى درجة من القلق ! رغم أن الاتفاقية تعنى صراحة اعلان سوريا الحرب عليهم اذا تعرضوا لايران بضربة عسكرية ! وذلك لأن الفريقيين ، المعنيين مباشرة بنتائج الاتفاقية ، يعلمان جيدا أنها اتفاقية مسرحية تنحصر نتائجها على مستوى المناورات السياسية فقط ولا يمكن استراتيجيا استخدامها بمفهومها العسكرى مطلقا فى ظل وجود العراق ، خارج الاتفاقية ، وكونه فاصلا جغرافيا يمنع انتقال أى دعم " لوجيستى " برا أو جوا بين طرفيها ، اضافة الى وقوعه حاليا ، ولأجل طويل غير مسمى ، تحت سيطرة الأمريكيين المفترض أن الاتفاقية موقعة للتعاون ضدهم فى المقام الأول ! كذلك فان الفريقين يعلمان أن لكل من سوريا وايران آلياتهما العسكرية القوية التى بوسع أيهما استخدامها منفردة وبكفاءة تامة وموجعة دون احتياج لتوقيع اتفاق تعاون عسكرى مع الطرف الآخر أوتلقى دعمه ، سواء ايران فى ظل تطويرها لصواريخ الردع الباليستية عابرة القارات أو الصاروخ " سجيل " الذى أعلن عنه فى 12 نوفمبر 2008 والذى يصل مداه الى 2000 كيلو متر والذى صاحبه تصريح " حنجورى " للرئيس " نجاد " عن استعداد ايران " لسحق " كل من يعرقل تقدمها العلمى ! ، أو سوريا فى ظل امتلاكها للصواريخ الكورية التى تصل الى أى نقطة داخل اسرائيل ، وصواريخ سكود الروسية مدى 500 و700 كيلومتر ، وصواريخ أرض - أرض ، اسكندر- إي ، أس 300 المضادة للطائرات ، اضافة الى الصناعة العسكرية السورية ، المحمودة ، التى نجحت بالتعاون مع ايران وكوريا الشمالية فى تجميع صواريخ سكود وتصنيع صواريخ أخرى بتصميم سوري هى التى يدعم بها السوريون حزب الله ، هذا باب الصواريخ فقط خلاف المدرعات والمدفعية والطيران !
اذا فالهدف من الاتفاقية ، بايجاز ، ليس التعاون العسكرى فى حالات الحروب وانما هو ، فى رأيى ، هدف سياسى ذو شقين ، الأول : استغلال الآخر كورقة ضغط تدعم موقفه فى أى مفاوضات مرتقبة كما قلنا ، والثانى : تحسبا لفشل المفاوضات وما سيعقبها من تغير المصالح وتَعرُضّ نظام الملالى لضربة عسكرية أمريكية ، حيث سيقع تنفيذ شق الاتفاق العسكرى من الاتفاقية على كاهل السوريين وحدهم عن طريق الضغط على اسرائيل سواء بتصعيد الموقف على هضبة الجولان أو تحريك ميليشيات " حزب الله " لتكرار تجربته فى " استدراج " اسرائيل لضرب لبنان فى منتصف يوليو 2006 كما سنعرض اليه بالتفصيل لاحقا ! هذا بافتراض اتخاذ قرار بضرب ايران ، وهو ما أظنه لن يحدث .
أيضا أتصور أن اتفاقية التعاون العسكرى هذه كان من شروطها " الأدبية " عدم توريط ايران أو استدراجها للمشاركة فى أى عمل عسكرى سورى فى الجولان أو ضد مصالح الأمريكيين عموما ، أو حتى دعم سوريا فى حالة تعرضها لاعتداء أمريكى أو اسرائيلى ، وهو ما اتضح فى الموقف السورى ، واحتجاجه " المهذب " ، الذى رأيناه مرتين ، اختباريتين ، الأولى بعد تعرضه لأكثر من غارة طيران اسرائيلية ، والثانية بعد الغارة الأمريكية الأخيرة على عمال البناء المدنيين دون أن يطلب السوريون من " الحليف الايرانى " موقفا أقوى من الاستنكار حتى ولو بمجرد التلويح بتفعيل الاتفاقية ، مكتفين بمجرد التحذير من " العواقب الوخيمة " اذا تكررت الاعتداءات ، التى تتكرر بالفعل !
اذا فالأمر ليس الا مجرد " ضحك على الذقون " أو " تبويس لحى " كما يقول أهلنا فى الشام ، وتنافس اقليمى " اسرائيلى أمريكى ايرانى " سيعقبه اتفاق تعاونى يحكم " لجام " عدو مشترك هو العرب عموما سُنّة أو شيعة أو مسيحيين ، تحت زعم معاهدات السلام وما سيليها من أمن ورخاء وبهللة واسترخاء ، أو تحت زعم أوهام النصرة الإيرانية لقضايا العروبة والاسلام عن طريق استخدام الخطاب الدينى المؤثر الذى يعتبر الباب الملكى للعبور الى قلوب شعوبنا العربية البسيطة ، وللحديث بقية ان أراد الله تعالى , ثم أذن مضيفونا ، وكان فى العمر بقية .
ضمير مستتر :
يقول تعالى : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }
آل عمران173
علاء الدين حمدى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.