الجيش الكويتي: الصواريخ الباليستية العابرة فوق البلاد في نطاقات جوية مرتفعة جداً ولا تشكل أي تهديد    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    المريخ فِي نَواكْشوط (يَبْقَى لحِينَ السَّدَاد)    اردول: افتتاح مكتب ولاية الخرطوم بضاحية شرق النيل    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    المريخ يكرم القائم بالأعمال و شخصيات ومؤسسات موريتانية تقديرًا لحسن الضيافة    خطوة مثيرة لمصابي ميليشيا الدعم السريع    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    برمجة دوري ربك بعد الفصل في الشكاوي    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    مجلس إدارة جديد لنادي الرابطة كوستي    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تخطف الأضواء بإطلالة مميزة مع والدتها    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تخطف الأضواء بإطلالة مميزة مع والدتها    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    وصول 335 من المبعدين لدنقلا جراء أحداث منطقة المثلث الحدودية    ترامب يبلغ نتنياهو باحتمال انضمام أمريكا إلى العملية العسكرية ضد إيران    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    كيف أدخلت إسرائيل المسيرات إلى قلب إيران؟    خلال ساعات.. مهمة منتظرة لمدرب المريخ    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    تنفيذ حكم إعدام في السعودية يثير جدلاً واسعًا    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    معركة جديدة بين ليفربول وبايرن بسبب صلاح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    علامات خفية لنقص المغنيسيوم.. لا تتجاهلها    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بروتوكولات ملالى ايران .. بقلم: علاء الدين حمدى
نشر في سودانيل يوم 25 - 04 - 2009

(4) العلاقات السورية الايرانية
ليس بوسعنا الحديث عن " حزب الله اللبنانى " دون أن نعرج أولا ، فى عجالة ، على العلاقات " السورية الايرانية " التى تُعتبر التحالف الاستراتيجى العربى الوحيد مع الثورة الايرانية منذ بدايتها ، والذى نشأ كنتيجة طبيعية للعداء المذهبى بين " العراق " ، ذى الأغلبية الشيعية الذى تحكمه الأقلية السُنِّية القوية متمثلة فى الرئيسين " أحمد حسن البكر " ثم " صدام حسين " منذ سبيعينيات القرن الماضى وحتى سقوط بغداد 2003 ، وبين " سوريا " ، ذات الأغلبية السُنِّية ، حوالى 70% من عدد السكان ، التى تحكمها الأقلية الشيعية القوية منذ انقلاب لؤى الأتاسى عام 1963 ، الذى أتى بحزب البعث الى السلطة ، مرورا بانقلاب نور الدين الأتاسى عام 1966 ، ثم سبيعينيات القرن الماضى وحتى الآن متمثلة فى الرئيسين " الأسد " المنتميين الى المذهب " الشيعى العلوى النصيرى " ، نسبة الى " محمد بن نصير البصرى النميري " الذي عاصر " الحسن العسكرى " ، الإمام الحادي عشر للشيعة الاثنى عشرية ، وزعم أنه ورث مرجعيته بعد غياب ابنه " محمد المهدى " الإمام الثاني عشر ( 847 م ) أو امام الشيعة الغائب ، وهو موضوع أخر ليس هنا مجال الخوض فيه .
الشاهد أن هذا التحالف ظهرت فعالياته فى التأييد السورى المطلق للايرانيين فى حربهم ضد العراق ( 1980 1988 ) واستمر حتى فقد أهميته الاستراتيجية بسقوط النظام العراقى فى 2003 كما يرى " إدوارد لاتووك " الباحث بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية فى مقال له بعنوان " الحليفيين " نشر فى جريدة The wall street journal فى يناير 2007 ، أو كما يقول " عبد الحليم خدام " ، رُكن النظام السورى سابقا والمعارض حاليا ، فى حديثه لجريدة المستقبل اللبنانية 8 فبراير 2007 ( في الماضي كان هناك تحالف إستراتيجي وكان لسوريا مصالح ولإيران مصالح وكانت نقطة الالتقاء الأساسية لهذا التحالف هى وجود صدام حسين لكن الأمور تحولت بعد ذلك نتيجة غياب نقطة الالتقاء الأساسية وضعف سوريا التي لم يعد لديها أي إستراتيجية ) .
الا أننى أختلف مع الرأيين السابقين ، حيث أتصور أن غياب نقطة الالتقاء الأساسية هذه التى أشار اليها " خدام " والتى وضع غيابها نهاية للعداء المذهبى بين النظامين العراقى والسورى بالفعل ، هو نفسه الذى يدفع بالطرفين السورى والايرانى الى التمسك باطار التحالف بينهما بصورة أكبر ولأسباب أكثر الحاحا تتفق ومقتضيات الوضع الاقليمى الجديد بعد سقوط بغداد ، وان اختلفت التفاصيل أو ، الخبايا ، طبقا لمصالح كل طرف منهما !
فالسوريون بعد تدهور علاقاتهم مع العرب عموما خاصة مصر والسعودية نتيجة تحالفهم مع النظام الايرانى ، وهو التحالف الذى انعكست أثاره بعد سقوط بغداد على الوضع المتردى فى لبنان وصراعات فتح وحماس ، أى شرق الأمن القومى المصرى ، فانهم ، أى السوريين ، يحرصون بشدة على بقاءه لعدة أسباب أهمها فى رأيى :
أولا : حماية أمنهم الاقليمى المهدد شرقا من الوجود الأمريكى فى العراق ، كما بين الأستاذ " خالد الحروب " فى بحثه القيم ( تداعيات الغزو الأميركي للعراق على خريطة القوى بالمنطقة ) الذى نشرته مجلة شؤون عربية العدد 113 عام 2003، وجنوبا ، ليس من اسرائيل ولكن بكل أسف من لبنان ، الشقيق ، الذي تخشى سوريا الرسمية أن يستكمل اكتساب التأييد والدعم العربى ، والغربى أيضا ، ليصبح شوكة فى جانبها ، خاصة وقد اضطرت الى سحب جيشها منه في مارس 2005 واتهامها بتدبير اغتيال رفيق الحريري وعدد من الشخصيات اللبنانية الأخرى .
ثانيا : رغبة مؤسسة النظام السورى " العلوى " فى دعم نفسها داخليا فى مواجهة الأغلبية السُنّية وعلى رأسها جماعات السلفيين والاخوان المسلمين ، الذين تختلف أهدافهم على الأرض عن أهداف زملائهم فى مصر ، لذلك سمح النظام السورى للايرانيين بتأسيس حوزات ، مدارس دينية ، شيعية كنوع من الترسيخ للدور الايرانى وتمكينه من نشر مذهبه على المستوى الشعبى ، وهو ما سيصب لصالح مؤسسة النظام السورى كنظام " شيعى " فى النهاية سواء بقى تحالفهم مع الايرانيين مستقبلا أو نُقِض تحت أى ظروف ، وهو ما دفع بالرئيس الإيرانى " أحمدي نجاد " للتصريح لجريدة السفير اللبنانية يناير 2007 مبررا بقاء هذا التحالف قائلا ( إن أمن سوريا هو أمن إيران ) ، وكأن " فوبيا الأمن " انتقلت عدواها من اسرائيل الى سوريا ، ركن العروبة الحصين ، بعد أن تشابهت ظروف العزلة عن المحيط الاقليمى ، مع فارق التشبيه والدوافع .
أما الايرانيون ، وعلى حد تحليلى أيضا ، فربما هم الأكثر حرصا على استمرار هذا التحالف ولكن لأسباب أخرى تختلف عن " حدوتة " الأمن الواحد التى يرددها " نجاد " ، وتحديدا للدور الحيوى الذى يقوم به النظام السورى فى احتواء ، أو قمع ، الأغلبية الُسّنية السورية التى تعتبر ، بعد سقوط بغداد ، حائط الصد الوحيد الباقى والقَوىِّ الذى يقف كحجر ، بل جبل ، عثرة يعرقل مشروع الهلال الشيعى الكبير ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فان تخلى الايرانيين عن سوريا الرسمية فى هذا التوقيت سيدفعها فورا لتحسين علاقاتها مع العرب ، وكلهم دون استثناء من السُنَة نُظما أو شعوبا ، وكذلك توقيع معاهدة سلام مع اسرائيل ، وهو ما يعنى فى الحالتين خروج سوريا من دائرة النفوذ الايرانى ومنعها لمصالحه الاستراتيجية التى تمر خلالها بصفتها جزء أساسى من مشروعه " الخمينى " المأمول .
هذا الحرص الايرانى على استمرار " احتواء " الحليف السورى من المفيد جدا أن نقرأه بعيون الايرانيين أو بمخاوفهم ونواياهم ، من عدة نقاط يأتى على رأسها :
أولا : نظرة " الاستراتيجية الأمريكية الاسرائيلية " للنظام السورى وامكانية تقبلها له كنظام يمكن الوثوق به ودعمه والتعامل معه مستقبلا .
ثانيا : أطر الصراع داخل مؤسسة النظام السورى وتداعياتها ، سلبا أو ايجابا ، على مستقبل العلاقات الاقليمية سواء مع ايران ، أو لبنان وبقية العرب ، أو اسرائيل ، وخاصة فى ظل التقارب التركى السورى مؤخرا .
ثالثا : مستقبل " حزب الله " ، كذراع اقليمى للايرانيين ، اذا خرجت سوريا ، جسر الربط الوحيد مع الحزب ، عن دائرة نفوذهم ، وبالتالى سيخسر الايرانيون ورقة ضغط قوية على اسرائيل والأمريكيين فى " مناورات الذئاب " .
رابعا: تأييد السوريين لترسيخ دور سياسى " لحزب الله " على الساحة اللبنانية ذات التوازنات السياسية المعقدة ، وما اذا كان هذا التأييد هو الوجه الرئيسى للتحالف مع الايرانيين ، أو كان الهدف منه اضعاف السُنّة فى لبنان وتقليص نفوذهم لصالح " حزب الله " ، الشيعى خاصة بعد اغتيال الحريرى ، وبالتالى اضعاف شوكة الأغلبية السُنّية السورية حتى يستتب الأمر للنظام " العلّوى " السورى حاليا أو مستقبلا ، وهو الأمر المفيد لايران فى الحالتين على أى حال .
خامسا : موقف " تركيا " الباحثة عن دور اقليمى يتناسب مع نفوذها وامكانياتها ويقنع الاتحاد الأوروبى فى نفس الوقت بقبول انضمامها لعضويته اذا استطاعت اثبات أنها لاعب أساسى فى المنطقة يستطيع بنفوذه اضافة فوائد كثيرة للاتحاد ، وبالتالى كان توسطها لتحقيق تقارب " سورى اسرائيلى " دفع بالرئيس بشار أن يعرض فض تحالفه مع ايران مقابل حل عادل للمشكلة " السورية الاسرائيلية " يضمنه الأمريكيون ! رغم أنه لم يوضح منظوره أو مفهومه لهذا الحل العادل أومستقبل الجولان المحتلة ! وان كان اشترط دورا واسعا لنفوذ النظام السورى فى لبنان كأساس للدخول فى مفاوضات مع بقية الأطراف المعنية ، رغبة منه ، حسب تحليلى ، فى دعم مصيره كنظام شيعى وسط بحيرة اقليمية تموج بالمسلمين السُنّة ، أو ليكون هذا النفوذ ورقة ضغط عكسية على الملالى فى ايران لصالح أطراف أخرى !! وتأكيدا لجدية العرض ، أطلق الرئيس بشار تصريحات " مغازلة " عبر فيها عن عدم اهتمامه من الناحية العسكرية بأي حرب مستقبلية ضد إيران أو حزب الله !
سادسا : علم الايرانيين أن إسرائيل , رغم تعاونها القوى معهم منذ الثورة ، فانها لن تسمح لنفوذهم بتعدى حدود معينة ضدها أمام العرب السُنّة قبل الشيعة ، وهو أحد الأسباب " السياسية " التى دفعت اسرائيل الى الانسحاب المفاجىء من جنوب لبنان عام 2000 مفضلة أن تبدو فى صورة " المهزوم " مقابل تجريد حزب الله من شرعيته الشعبية كتنظيم مقاومة يحظى باعجاب الشارع العربى الذى لم يهتم بتبعيته للنفوذ الايرانى ، على حد رأى دكتور " تريتا بارسي" فى كتابه " التحالف الغادر: التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران وأمريكا " الذى تعرضت له فى الجزء الثالث من السلسلة .
سابعا : عرقلة أى اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل قبل الاتفاق مع الأمريكيين أولا على الاطار الخاص بدور ايران الاقليمى ونفوذها فى الخليج ، وكذلك عرقلة أى محاولة تقارب بين سوريا والعرب خاصة مصر ، بالتأكيد لعلمهم أن المحور " السورى المصرى " القوى هو الملجأ والحصن فى كل المحن والكوارث التى مرت بهذه الأمة ، وأن العرب بخير ما التقت القاهرة ودمشق ، هكذا أثبت التاريخ قديمه وحديثه بدروسه التى استوعبها الايرانيون جيدا بينما تفرغنا نحن لتكرار كل أخطائنا التاريخية دون أن نتعلم أو نفهم !
هذا من ناحية قراءة الايرانيين لاستمرار احتواء الحليف السورى ، أما الأمريكيون ، وبعد سقوط بغداد ، فقد قرروا اغراء السوريين لفض التحالف اضعافا لموقف ايران ، كما ذكرت آنفا ، ليس تمهيدا لضربها الذى لن يمنعه بقاء هذا التحالف بأى حال ، ولكن حرقا لأوراقها وتقليما لأظافرها قبل عقد صفقة سياسية مرتقبة للتعاون بين المشروعين الايرانى والأمريكى الاسرائيلى ، يرجح أن تتم بعد استقرار الادارة الأمريكية الجديدة اذا استطاع الجميع أن يتوصلوا لحل مرضى حول مطالب ايران المتشددة للهيمنة الاقليمية ومنحها اليد العليا في الخليج مع اعتراف أميركي صريح بها كقوة أساسية فى المنطقة ، الأمر الذى رفضه الأمريكيون من قبل ، ولكننى أتصور أن هذه المفاوضات ستشهد تنازلات كثيرة سيقدمها الامريكيون اذا حصلوا على تعهدات ايرانية قوية تضمن عدم العبث بامدادات بترول الخليج مستقبلا ، وعدم تكرار تجربة " محمد مصدق " الذى أمم البترول الايرانى 1951 وعزل الشاه " محمد رضا بهلوى " وأجبره على مغادرة البلاد للمرة الأولى قبل أن يعود اليها من جديد بتدبير المخابرات الأمريكية والبريطانية ، أو تجربة " الملك فيصل " فى حرب اكتوبر ، أو تجربة الرئيس " صدام حسين " التى عجلت بنهايته بعد قطعه البترول العراقى عن أمريكا لمدة شهر كامل تضامنا مع انتفاضة الأقصى سبتمبر 2000 فى الوقت الذى قام فيه " الأشقاء العرب " بتعويض حصة العراق المقطوعة حتى لا يتضرر " الأشقاء الأمريكان " أو تعانى " كلابهم " من قلة التدفئة فى برد أمريكا القارص !
هذه التنازلات سيضطر الأمريكيون اليها ، وربما لأكثر منها ، ليمكنهم ابرام الصفقة مع ايران مقابل " بيع " أو التخلى عن كل حلفائهم فى الخليج ، وذلك ببساطة لأنهم يعلمون أن سيطرة ايران الملالى على بترول ضفتى الخليج مسألة وقت ليس الا ، خاصة فى ظل وجود منابعه على الضفتين وسط كثافة سكانية " شيعية " كبيرة ومتزايدة ، وعلمهم كذلك أنه ليس باستطاعتهم ابقاء قواعدهم فى الخليج الى يوم القيامة لذلك كانت رغبة الغرب عموما فى تعيين حارس قوى لمصالحه فى الخليج يناسب مرحلة " الشرق الأوسط الجديد " يكون له دور محدد ومرسوم بدقة متناهية لا يناسب اسرائيل ولا يُوثَق فى اسناده الى أى دولة عربية مهما كانت قوتها كما ذكرت فى الجزء الثالث من السلسلة ، وهنا تجدر الاشارة الى أن أهداف السياسة الأمريكية ، كدولة مؤسسات حقيقية لا شك فى ذلك ، لا تتغير مع وصول الديمقراطيين أو الجمهوريين الى الحكم ، لأن ما يختلف بين الفريقين هو طريقة الوصول الى الهدف الثابت ، أشبه بمن يسلك الطريق الصحراوى للوصول الى مدينة الاسكندرية مثلا بينما يفضل غيره الطريق الزراعى ، ولكن فى النهاية محطة الوصول تبقى واحدة رغم اختلاف الطرق المؤدية اليها ، أو كما يقول المثل الرومانى القديم " كل الطرق تؤدى الى روما " !
اذا نصل الى أن هذا الحرص السورى الايرانى على بقاء صيغة مشتركة للتحالف بينهما ، بعد سقوط بغداد ، يستطيع كل طرف من خلالها استغلال الآخر كورقة ضغط على المحور " الاسرائيلى الأمريكى " للحصول على مكاسب محددة فى أى مفاوضات محتملة ، دفع بالطرفين الى توقيع اتفاقية للدفاع المشترك فى منتصف يونيو 2006 ، اطلق عليها " اتفاق تعاون عسكرى " ونشرت تفاصيلها فى صحيفة الحياة اللندنية عدد 16 يونيو 2006 ، وايا كان الاسم ، فان حرية كل دولة فى البحث عن مصالحها وحقها فى ابرام التحالفات مع الغير لا يتفق مطلقا ، فى رأيى ، مع التصور المفترض للعلاقات بين دول " الوطن العربى " مهما استبدلوه بمصطلح " الشرق الأوسط الكبير " حيث ستبقى وحدة المصير شئنا أم أبينا ، دون ارتداء مسوح القومية العربية حتى لا نُغضِب معتنقى " العولمة " وأشياعهم ، لذلك فالاتفاقية ، من حيث المبدأ ، تعد اختراقا مباشرا للأمن القومى العربى لصالح الايرانيين ، ومخالفة صريحة من النظام السورى لاتفاقية الدفاع المشترك العربية الموقعة فى ابريل 1950 فى عهد الرئيس السورى " هاشم الأتاسى " حتى ولو لم يكن لها أهمية أو جدوى تذكر على الأرض أو فى الواقع !
الغريب أن توقيع هذه الاتفاقية لم يسبب ازعاجا للاسرائيليين رغم الحرب المعلنة مع سوريا منذ احتلال هضبة الجولان بعد هزيمة الخامس من يونيو 1967 وحتى الآن ! كذلك لم يظهر الأمريكيون أى درجة من القلق ! رغم أن الاتفاقية تعنى صراحة اعلان سوريا الحرب عليهم اذا تعرضوا لايران بضربة عسكرية ! وذلك لأن الفريقيين ، المعنيين مباشرة بنتائج الاتفاقية ، يعلمان جيدا أنها اتفاقية مسرحية تنحصر نتائجها على مستوى المناورات السياسية فقط ولا يمكن استراتيجيا استخدامها بمفهومها العسكرى مطلقا فى ظل وجود العراق ، خارج الاتفاقية ، وكونه فاصلا جغرافيا يمنع انتقال أى دعم " لوجيستى " برا أو جوا بين طرفيها ، اضافة الى وقوعه حاليا ، ولأجل طويل غير مسمى ، تحت سيطرة الأمريكيين المفترض أن الاتفاقية موقعة للتعاون ضدهم فى المقام الأول ! كذلك فان الفريقين يعلمان أن لكل من سوريا وايران آلياتهما العسكرية القوية التى بوسع أيهما استخدامها منفردة وبكفاءة تامة وموجعة دون احتياج لتوقيع اتفاق تعاون عسكرى مع الطرف الآخر أوتلقى دعمه ، سواء ايران فى ظل تطويرها لصواريخ الردع الباليستية عابرة القارات أو الصاروخ " سجيل " الذى أعلن عنه فى 12 نوفمبر 2008 والذى يصل مداه الى 2000 كيلو متر والذى صاحبه تصريح " حنجورى " للرئيس " نجاد " عن استعداد ايران " لسحق " كل من يعرقل تقدمها العلمى ! ، أو سوريا فى ظل امتلاكها للصواريخ الكورية التى تصل الى أى نقطة داخل اسرائيل ، وصواريخ سكود الروسية مدى 500 و700 كيلومتر ، وصواريخ أرض - أرض ، اسكندر- إي ، أس 300 المضادة للطائرات ، اضافة الى الصناعة العسكرية السورية ، المحمودة ، التى نجحت بالتعاون مع ايران وكوريا الشمالية فى تجميع صواريخ سكود وتصنيع صواريخ أخرى بتصميم سوري هى التى يدعم بها السوريون حزب الله ، هذا باب الصواريخ فقط خلاف المدرعات والمدفعية والطيران !
اذا فالهدف من الاتفاقية ، بايجاز ، ليس التعاون العسكرى فى حالات الحروب وانما هو ، فى رأيى ، هدف سياسى ذو شقين ، الأول : استغلال الآخر كورقة ضغط تدعم موقفه فى أى مفاوضات مرتقبة كما قلنا ، والثانى : تحسبا لفشل المفاوضات وما سيعقبها من تغير المصالح وتَعرُضّ نظام الملالى لضربة عسكرية أمريكية ، حيث سيقع تنفيذ شق الاتفاق العسكرى من الاتفاقية على كاهل السوريين وحدهم عن طريق الضغط على اسرائيل سواء بتصعيد الموقف على هضبة الجولان أو تحريك ميليشيات " حزب الله " لتكرار تجربته فى " استدراج " اسرائيل لضرب لبنان فى منتصف يوليو 2006 كما سنعرض اليه بالتفصيل لاحقا ! هذا بافتراض اتخاذ قرار بضرب ايران ، وهو ما أظنه لن يحدث .
أيضا أتصور أن اتفاقية التعاون العسكرى هذه كان من شروطها " الأدبية " عدم توريط ايران أو استدراجها للمشاركة فى أى عمل عسكرى سورى فى الجولان أو ضد مصالح الأمريكيين عموما ، أو حتى دعم سوريا فى حالة تعرضها لاعتداء أمريكى أو اسرائيلى ، وهو ما اتضح فى الموقف السورى ، واحتجاجه " المهذب " ، الذى رأيناه مرتين ، اختباريتين ، الأولى بعد تعرضه لأكثر من غارة طيران اسرائيلية ، والثانية بعد الغارة الأمريكية الأخيرة على عمال البناء المدنيين دون أن يطلب السوريون من " الحليف الايرانى " موقفا أقوى من الاستنكار حتى ولو بمجرد التلويح بتفعيل الاتفاقية ، مكتفين بمجرد التحذير من " العواقب الوخيمة " اذا تكررت الاعتداءات ، التى تتكرر بالفعل !
اذا فالأمر ليس الا مجرد " ضحك على الذقون " أو " تبويس لحى " كما يقول أهلنا فى الشام ، وتنافس اقليمى " اسرائيلى أمريكى ايرانى " سيعقبه اتفاق تعاونى يحكم " لجام " عدو مشترك هو العرب عموما سُنّة أو شيعة أو مسيحيين ، تحت زعم معاهدات السلام وما سيليها من أمن ورخاء وبهللة واسترخاء ، أو تحت زعم أوهام النصرة الإيرانية لقضايا العروبة والاسلام عن طريق استخدام الخطاب الدينى المؤثر الذى يعتبر الباب الملكى للعبور الى قلوب شعوبنا العربية البسيطة ، وللحديث بقية ان أراد الله تعالى , ثم أذن مضيفونا ، وكان فى العمر بقية .
ضمير مستتر :
يقول تعالى : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }
آل عمران173
علاء الدين حمدى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.