واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    عيساوي: البيضة والحجر    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    ماذا قال دكتور جبريل إبراهيم عن مشاركته في مؤتمر مجموعة بنك التنمية الإسلامي بالرياض؟    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    الصليب الأحمر الدولي يعلن مقتل اثنين من سائقيه وإصابة ثلاثة من موظفيه في السودان    انجاز حققته السباحة السودانية فى البطولة الافريقية للكبار فى انغولا – صور    والي الخرطوم يصدر أمر طواريء رقم (2) بتكوين الخلية الامنية    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالفيديو.. في مشهد خطف القلوب.. سيارة المواصلات الشهيرة في أم درمان (مريم الشجاعة) تباشر عملها وسط زفة كبيرة واحتفالات من المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليبيا , القذافي و الوهم .. بقلم: شوقي بدري
نشر في سودانيل يوم 16 - 05 - 2011

في الحرب العالمية الثانية , شاركت قوة دفاع السودان في تحرير ليبيا من الاستعمار الايطالي . و كان حال الليبيين بائساً . و انعدمت عندهم المدارس و المستشفيات و ابسط مظاهر المدنية . و كان الصاغ الشاعر محمود ابوبكر من الذين شاركوا في تلك الحرب . و هو شاعر النشيد الوطني صه يا كنار و ضع يمينك في يدي . و هي رد على صديقه عقيل احمد عقيل الذي يلقبه بالكنار . و كان عقيل يعترض على انضمام الشاعر للجيش و ذهابه للحرب في ليبيا . كما ذكر الاخ ميرغني حسن علي في كتابه شخصيات عامة من الموردة , فأن الشاعر محمود ابوبكر كان يسكن في منزل هو من أجمل منازل الموردة ( مشيد بالطوب الاحمر و الحجارة ) و اشجار باسقة من تمرهندي و لبخ و دوم , تطل من فوق السور لتعانق الشارع و هو يطل على خور ابوعنجة .
والد الصاغ هو المأمور ابوبكر و الشاعر و والده قد حظوا بالتعليم الجيد . و كان السودان وقتها منارة للتعليم , يأتي الناس من السعودية و اليمن و حضرموت و عدن و الصومال و اريتريا و اثيوبيا و جبوتي للدراسة . كما كان المبعوثون يرسلوا من دول الخليج و من اقاصي الدنيا للتدريب على أعمال البريد و البرق و الاطفائية و التمريض و لمعاهد التعليم و معهد الادارة , الخ ... و أحس محمود ابوبكر بأن هنالك فرق شاسع بين السودان و ليبيا . فرثى لحالهم , و قال في قصيدة عن ليبيا:
كأني بالزمان و قد تراءي و انشأ بينهم رجل فتياً
ليرفع راية و يعزوا مجداً و تخضر الوهاد به ملياً
ليغمر قاحل الصحراء نورا و يروي جدبها خصباً و رياً
و قد القيت هذه القصيدة في حفل . و بعد انتهاء الحفل سخر البعض من أن هذا شئ بعيد نسبة لوضع الليبيين . فأرتجل الشاعر محمود ابوبكر بيتا وهو :
و من قسمت له الايام حظاً يجد في البئر ان هبط الثريا
لقد اتى القذافي مدعوماً بالمخابرات الامريكية . كما اتى عبد الناصر كذلك مدعوما بالمخابرات الامريكية . و لم تكن المخابرات الامريكية تريد أن يواصل الملك السنوسي حكم ليبيا . و كانت شركات النفظ تريد تحديث ليبيا , حتى تسرع النهم الاستهلاكي عند الشعب الليبي .
الذين ذهبوا الى ليبيا في السبعينات كانوا يعجبون للتخلف الفكري و التعليمي عند الليبيين . و تدفق السودانيين في ليبيا بحثاً عن عمل , لأن الاغلبية العظمى عند الشعب الليبي كانت امية . الأخوة السني و بشير المتواجدان الان في اسكندنافيا كان لهم مكتب ترجمة في ليبيا . و لأن احدهم لم يكن ملماً باللغة الانجليزية ألماماً كبيراً , فلقد سألت عن نوع الترجمة التي كانا يؤديانها . و عرفت انهم كانا يترجمان من الليبية الى العربية الفصحى . و كان لأحدهم دراية باللهجة الليبية لأنه عاش وسط الليبيين . و كان يشرح للآخر ما هو المطلوب , فيدبجا العرضحالات و يملآن الاستمارات و الطلبات .
كما اراد القيصر بيتر الاكبر أن يلحق الروس بركب الحضارة . حاول القذافي و الحق يقال , في ان يلحق الليبيين بركب الحضارة . و القيصر أتى بالمسرح و الاوبرا و الباليه الى الروس , و أتى بالممثلين و المعلمين من فرنسا . و حاول أن يعطى الروس كثيراً من الاباء و العزة , و أن يبعدهم من الخشونة و الجلافة التي كانت طابعهم . و الملاحظ اليوم أن في جاكتات الرجال توجد بعض الازرار التي ليست عندها دور . و القيصر أمر بوضع الازرار في نهاية اكمام السترات العسكرية , حتى لا يمسح جنرالاتهم فمهم بأكمام ستراتهم بعد الأكل و الشرب , و يحرجونه أمام ضيوفه الاجانب . و تقلص عدد الازرار الى ثلاثة أو اربعة .
لقد حاول القذافي ان يطور الليبيين في لحظة . و كثيراً ما كان يوبخ اعضاء حكومته و برلمانه بالمفتوح و حتى امام الأعلام . و كان يظن أن احسن طريقة لتطوير الشعب الليبيي , هو أحساسهم بأنهم شعب مختار . و دغدقة الشعور الوطني هي من أسهل الاشياء , و يمكن اثارة النعرات القومية بسهولة . و صدق الشعب الليبي بأنهم شئ خاص جداً جداً . و بأنهم من المفروض بأن يسيطروا على العالم , ناسين أن أهل السكن العشوائي في القاهرة يزيدون على عدد الليبيين . ما يواجهه القذافي اليوم هو ما يمكن ان يقال عنه و انقلب السحر على الساحر . فليبيا من قديم الزمان تمزقها العنصرية و الشوفينية . فالشعب الليبي في الحقيقة هو شعب امازيقي مثله مثل التوانسة و الجزائريين و المغاربة . و بعضهم قد احتضن الثقافة العربية و بدأ يحسب نفسه خيراً من الآخرين . و المنطقة الجنوبية من ليبيا التي تجاور شاد و النيجر , سكانها من السود . و هؤلاء من وجدوا فرصة للعمل في الجيش الليبي . و الجيش عادةً مجال عمل مناسب للأقليات . و الآن عندما يثور الليبيون ضد القذافي , فالسبب الرئيسي هو ما اقنعهم زعيمهم بانهم خير امة اخرجت للناس , لا يمكن ان ينقادوا كالخراف . و لكن الليبين اندفعوا خلف القذافي في حروب شاد و حاربوا حتى يوغندا بجانب عايدا امين . و تدخلوا في كل كبيرة و صغيرة في العالم , حتى في حروب نيكاراقوا في لاتين اميريكا.
لقد وجد السودانيين كثيراً من الاحتقار و الأهانة في ليبيا . و حتى قديماً كانت الشرطة توقف السودانيين و تتحرش بهم , و قد تنزع اموالهم . و كان صاحب التاكسي الذي يمشي طراحة أو مشاركة , يطالب السوداني بدفع دينار كامل و هو قيمة المشوار للجميع . لأن الشرطي قد يوقف السيارة و يؤخر الركاب , للتحقيق مع السوداني . و كان الليبيون يقولون عن السوداني بالمفتوح زغرلو , و تعني الصرصار . و لقد اعتدت الشرطة على السودانيين و لاحقتهم و ضربتهم و قتلتهم حتى امام السفارة السودانية . و لم تحرك سفارة الانقاذ ساكناً . و كانت الشرطة تقول للسودانيين ما معناه ( حكومتكم موافقة ) .
تؤام الروح بله رحمة الله عليه , عمل في ليبيا في بنغازي . ذكر لي أن احد الليبيين كان يتكلم مع احد السودانيين و هو من ابناء الشايقية , وهو بناء و بكل بساطة نعته بكلمة ( يا عبد ) . و تصادف وجود احد ابناء النوير , فسأل النويراوي الشايقي ساخراً ( الليبي دا قال ليك شنو ) . و الرد كان ( دا عربي مجنون ساكت ) فضحك النويراوي و قال ساخراً ( في بلد دا كلنا عبيد ) .
الاخ احمد القاضي من أروع السودانيين الذين قابلت , و والذي كان يسكن في القاهرة و يكتب في جريدة الخرطوم , ثم انتقل الى كندا . حكى لي , ان احد السودانيين كان يشتري من تاجر ليبي بأستمرار و يدفع ليه كالعادة في نهاية الشهر . فتأخر في الدفع , فذهب معتذراً لصاحب المتجر الذي تقبل الأمر بأريحية . فقال السوداني و الله انت انسان جيد . ثم حاول ان يعبر عن امتنانه و قال لليبي و الله انت سوداني . فأنتفض الليبي غاضباً و قال انا لست بعبد انا لست بسوداني و اضاف انا ليبي حر .
أحد المهندسين السودانيين كان يدير مؤسسة حكومية , و الغفير كان يتغيب كثيراً بالرغم من تحذير المدير السوداني . فقام السوداني بطرده من الخدمة . فأتت قوة من الشرطة و اخذوا المدير السوداني و القو به في السجن . و لم يطلقوا سراحة الا بعد وساطات . و ضابط الشرطة يقول له : كم عدد الليبيين ؟ ان تعدادنا لا يزين عن الاثنين او الثلاثة مليون , فهل تريد أن تطرده لكي توظف سودانيا في مكانه . هذا ليبي و هذه بلده , يأتي و يذهب كما يشاء .
الاخ الوجيه معتصم قرشي , الذي استمتع بالتعليم و التربية و الاسرة الرائعة في السودان و الأهل و العشيرة و الاناقة و الوسامة , ذهب الى ليبيا , و حكي لي انه عندما كان يسوق عربة كان احد الليبيين يزعق و يبدوا غاضباً . فلحقة في الاشارة الضوئية و فتح النافذة و سأله ماذا قلت ؟ فقال له الليبي بكل بجاحة ( قلت لك انت عبد يا عبد ) و بصق في اتجاهه . هذا قليل مما كان يواجهه السودانيون من شعب اغلبة غير متعلم , عرضه القذافي لعملية غسيل مخ , و بأنه شئ خاص .
عندما اختطف القذافي طائرة الخطوط الجوية البريطانية بتواطؤ مع المخابرات البريطانية والأمريكية , أعدم بابكر النور و فاروق حمدنا , الله بأوامر من السادات . الذي وعد الروس بأنه سيتدخل و يتوسط عند نميري . ألمنا غاية الألم أن يصير مصيرنا في يد القذافي . و كنا مجموعة من الشباب في العشرينات , و أعتبرنا أن الامر حقارة و استحقار . و كنا مجموعة من سبعة من الشباب , و أقتحمنا السفارة الليبية و أخذنا بثأرنا من الليبيين في سفارة كوبنهاجن . و لم يخيفنا بأن السفارات عادةً تكون مسموح لها بحيازة اسلحة نارية . و الشباب هم وداعة عثمان رحمة الله عليه , و الطبيب سري محمد علي , حمزة محمد مالك , شوقي بدري , حسن العريبي , محمد عبد الرحمن ابو القاسم , والريح صديق البلولة رحمة الله عليه . و أذكر بأنني قد استفردت بالسفير الليبي , هذا التصرف من جانبي ادينه انا الآن . و لكن وقتها كنا نعتبر الأمر اساءة قومية و تدخل في شأننا . و لأكثر من نصف ساعة عرضت السفير لكل انواع الضرب و الأهانة , الى ان صار يحبو و يقول بأنه على استعداد ان يبوس جزمتي و أنني سيده . و لكن بعد اعتقالنا و تحويلنا للسجن العمومي في , أتى مصحوباً بالشرطة الدنماركية , و قام بشتمي , فهجمت عليه فأختبأ مذعوراً خلف البوليس الدنماركي الذي كان يضحك .
بعد هذه الحادثة , أحس القذافي بأنه قد اشترى العبيد السودانيين . و عندما لم يخضع له النميري خضوعاً كاملاً , ناصبه العداء بالمفتوح . و كطفل سخيف طالب النميري بأن يرد له المال الذي دفعه . و كان ما سمي بمال الكرامة , و دفع الشعب السوداني ذلك المال متبرعاً . القذافي و الليبيون يظنون أنه يمكن شراء كل شئ و كل انسان بالمال . و أذكر في سنة 1985 ايام مؤتمر السلام في كوبنهاجن ان قالت الاخت الاستاذة محاسن كزام , و التي كانت تدرس اطفال القذافي و تسكن معهم ,أن القذافي أتى في احد الايام و هو في حالة اندهاش . و قال أنه اول مرة رفض شخص ان يستلم منه فلوس بالرغم من الحاح القذافي . و الجميع كانوا يحضرون و يتوقعون العطايا في نهاية الزيارة .
الشخص الذي كان رفض هذا المال هو رحمة الله عليه الدكتور عزالدين علي عامر , و حتى عندما قال ليه القذافي هذا المال للحزب الشيوعي , قال له الدكتور عز الدين ( انا ليس لدي تخويل من حزبي بأن استلم فلوس ) .
بعد فترة قصيرة من مال الكرامة , تواجد بعض السودانيين في منزل رئيس اليمن الجنوبية علي ناصر . و كان للرئيس على ناصر الذي كان موالياً للمعسكر الاشتراكي فيلا في حي ديفتسي في براغ ,عاصمة تشيلوفاكيا . و هذا ليس بعيداً من شارع لينين الضخم الذي يؤدي الى المطار الجديد . ذكر الرئيس على ناصر على الحضور, بأنه عندما كان يقف مع الرئيس القذافي و مجموعة من الرؤساء و الملوك العرب ظهر النميري على رأس السلم نازلاً في الجامعة العربية . فقال القذافي بكل صفاقة بأنه سيذهب لأنه لا يريد ان يقابل العبد السوداني . كان من الحضور في تلك المناسبة المناضل حسن قسم السيد , الذي قال غاضباً للرئيس على ناصر و بقية الحضور الذين كانوا يضحكون , بأنه لا يقبل أن يوصف أي سوداني بالعبد . فأعتذر الرئيس على ناصر بأنه لا يقصد شيئاً و بأنه يروى الحادثة فقط . أليس من المضحك المبكي أن الرؤساء العرب الذين ساندهم النميري في كل قضاياهم , بل لقد غير علم السودان الذي صممته فنانة سودانية و اختير ديمقراطياً حتى يشابه الأعلام العربية . كما قام بأخراج ياسر عرفات من الاردن بعد مذابح ايلول الاسود , و اصطياد الفلسطينيين في الاردن . و الآن عندما بدأ القذافي في شتم الملوك و الرؤساء العرب , صاروا يتحدثون عنه كمجنون , و لكن عندما يصف رئيس دولة بأنه (عب) لا يحركون ساكناً .
الاخ الدكتور محمد خليفة و هو من قريبة الجملاب بالقرب من مدينة نعيمة على النيل الابيض , و هو من الحسانية , ذكر لي ان قريبته في ليبيا و هي طبيبة , قد وجهت لها دعوة بواسطة فراشة في المستشفى لحضور عرس ليبي . فأرادت أن تكرم الفراشة الليبية بمشاركتها و معها طبيبة سودانية اخرى . الا ان سيدة في الستين من عمرها ما ان شاهدتهم على بوابة الدار , حتى قامت بطردهم من الباب و عايرتهم بلونهم ( عبيد ) و أشارت لعطرهم السوداني بأنه غير زين . من أسوأ الاشياء هو عندما تجتمع العنجهية مع الجهل . و خاصة عندما يغذيها زعيم مجنون مثل القذافي .
في السبعينات كان اكبر تدفق للسودانيين على اسكندنافيا . و كان 7 الى 8 بالمئة من سكان السويد من أصل فنلدني . هذا قبل أن ينتعش الاقتصاد الفنلندي و يعود الفنلديين الى بلدهم . و الفنلديون بالرغم من انهم اكثر شعوب العالم الذين توجد بينهم كمية كبيرة من الشقر و الشقراوات , الا أن لغتهم و ثقافتهم مختلفة من كل المجموعة الأوربية . و اللغة الوحيدة التي تشابه لغتهم هي اللغة المجرية . الا أن ما بين الفلنديين و السويديين ما صنع الحداد . و السويد قد احتلت فنلندا لفترة طويلة . و لا تزال فنلندا تستخدم لغتين رئيستين هما اللغة الفنلدنية و اللغة السويدية . و الفنلنديون و اليابانيون اكثر بشر تقوعاً وأبتعاداً عن الآخرين . و لهذا كان الفتيات الفنلنديات يفضلن الاجانب على الشباب السويدي .
كان كثير من الشباب السوداني مرتبط بفنلنديات . الاخ قيلي و هو من رفاعة كان متزوجاً من فنلندية . و قيلي كان من خريجي جامعة الخرطوم . و كان يتكلم عدة لغات . و كان مشهوداً له بالذكاء و التحصيل العلمي . و لم يكن له أي نشاط سياسي . و كان اهتمامه منحصراً حول اسرته و علاقاته الحميمة مع السودانيين , و كان شاباً اجتماعياً مرحاً . و صار قيلي موظفاً في السفارة الليبية . ثم انتقل الى هليسنكي عاصمة فينلنده , لأن زوجته فنلندية . و كعاة الليبيين و العرب في سفاراتهم , فأنهم عندما يوظفون سودانياً يتركون له كل اعباء السفارة . و يكون ( الخيل في القلب و الشكر لي حماد ).
في تلك الايام توفى دبلوماسي شاب ليبي في حادث سير . و ترك رفاقه الدبلوماسيون الليبيون كل عبء ارساله الى ليبيا للأخ قيلي . و حتى شحن اغراضه و أرسال زوجته الى ليبيا . و لقد وقف معها قيلي و زوجته و اعطوها كل وقتهم و جهدهم كعادة السودانيين . و لم يهتم الليبيون . و ذهبت الليبية الى ليبيا ثم عادت مرة اخرى الى فنلنده. فأحس الليبيين بأنه من الممكن ان تكون لها علاقة حميمة مع الاخ قيلي . و هذه فضيحة بالنسبة لهم .
بالرغم من أن الاخ قيلي كان يعتبر ابيضاني أو حلبي , الا ان الليبيين لم يقبلوا ان السيدة ابنة الشرفاء و الاحرار الليبيين يمكن ان يكون لديها صلة بالعبد السوداني و أسرته . فأوعزوا للأخ قيلي بأنه يمكن ان يشارك في ترجمة الكتاب الاخضر و سيكون له عائد مالي و أدبي . و بعثوا به الى ليبيا . و كانت اسرته في وداعه في المطار . و أنقطعت اخباره الى اليوم . زوجة قيلي حاولت بكل الطرق الممكنة , و كزوجة و أم , اتصلت بالرئيس الفنلندي . و ذهبت الى رئيس الوزراء السويدي اولف بالما و هو شخصية عالمية و له تأثير على مستشار النمساء برونو كرايسكي و مستشار المانيا فيلي براند , الذان كانوا يتكلما السويدية بطلاقة لأنهم قضيا سنين الحرب في السويد و كانوا من تلاميذ الزعيم الاشتراكي تاقا ايرلاندر . و لم تفلح جهود هؤلاء الرؤساء أو المنظمات العالمية . و هذا يذكر الانسان بزعيم الشيعة الامام الصدر الذي اختفى كذلك في ليبيا .
يبدو ان العالم قد سمح للقذافي ان يهرج , و ان يسب و يشتم , و يصف الجميع بما يريد . و لكن العالم قد تعب اخيراً و قرر أن يؤدب الطفل المشاغب . و لقد كتبنا و تحدثنا عن المجنون القذافي . و كنا نستغرب كيف يسمح لهذا الشخص بأن يتدخل في الشأن السوداني . و ليكن هذا درساً لنا . حتى لا نلعب دور الانسان الساذج الطيب الذي يسمح للآخرين بأن يتطفلوا على مصيرنا . أو ان نتعامل معهم بأريحية . و لهذا تحتل مصر حلايب و تقتل جنودنا . و يتصرف الاخرون معنا و كأننا مولد و سيده غايب .
لماذا يدافع رؤساء أوربيون عن حقوق مواطن سوداني , لم يرتكب أي جرم في ليبيا . و كيف يعدم بابكر النور , و فاروق حمدنا الله بتهمة في بلد كانا على بعد آلاف الكيلومترات و في غارة اخرى . و هذا بعد ان يكون هو ضحية لعملية اختطاف و قرصنة عالمية . و من المؤلم ان من كان على رأس الدولة السودانية صار موظفاً رسمياً و يمثل اللجان الشعبية و الجماهيرية في السودان .
التحية ع. س. شوقي بدري
Shawgi Badri [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.