مرة أخرى: عن قيام الانتخابات في دارفور أصالة عن الولاية تعليق على كلمة للدكتور حسن دوسة الدكتور عبد الله علي إبراهيم مرشح رئاسة الجمهورية [email protected] كتب لي الأستاذ نجيب عبد الرحمن معلقاً على كلمتى عن ضرورة قيام الانتخابات في دارفور بصورة ذكية حتى لا يتذرع متذرع بتأجيلها بسبب انفراط حبل الأمن في أجزاء منها. وكانت حجتي أن الانتخابات الدرافورية ليست "تمومة جرتق" للانتخابات العامة التي ستقوم "ودارفور ملحوقة". فالانتخابات في الولاية مقبض على حل أزمتها هي نفسها. وقد ننزع فتيلة النار فيها متى جرت بطريقة مبتكرة تستوعب خصائص زعزعة الإقليم المعروفة. والشرط في ذلك استنهاض حوار دارفوري جد مع فعاليات الولاية جمعاء بصورة تؤمن صورة من صور الإجماع لإجراء هذه الانتخابات. ووضح لي أن نجيباً لايتفق معي في دعوتي لانتخابات دارفورية مفصلة على واقع الإقليم الديمغرافي والسياسي. فقد بعث لي بمقال للدكتور حسن دوسة عنوانه "الانتخابات الحرة النزيهة مصيدة". والجواب من عنوانه. وقال إنه ميال إلى وجهة نظر دوسة. لنجيب رأيه ولي رأيي. ولكن ما استرعى انتباهي أن كلمة دوسة، التي جاء بها رداً على دعوتي لقيام انتخابات دارفور، اعترضت على قيام الانتخابات في كل السودان لأسباب أحسن عرضها دوسة على أنها مما أصبح معروفاً للجميع. بل انتهى دوسة إلى ما تواضعت عليه بعض أحزابنا من ضرورة قيام حكومة انتقالية تضبط الانتخابات فلا يتطفل عليها المؤتمر الوطني الحاكم فتصبح مصيدة. ويعني بذلك أن يضفي فوزه (مدججاً بالموارد والنفوذ والسيطرة على مخارج الإعلام ومداخله) بها على الأحزاب شرعية لم تقع له في الماضي. ومع تعميم دوسة عن وجوب مقاطعة الانتخابات في سائر القطر بسبب قيامها في ظل تفوق المؤتمر الوطني مادة وإعلاماً إلا انني (وقد اقتصرت على الدعوة إلى قيامها في دارفور برغم كل شيء) سأعقب إجمالاً على بعض ما جاء في مرافعته للمقاطعة. وأرجو ان لا يفسر أحدكم حماستي لقيام الانتخابات القادمة بأنه ثقة مني أنها ستكون انتخابات حرة مائة في المائة أو دون ذلك كثيراً. فلم تبلغ بي الغفلة هذا المبلغ. فتزوير الانتخابات حتى في افضل النظم جزء من لعبة الانتخابات ناهيك في بلد كبلدنا. يكفي أن لريئسه لعشرين عاماً سببه القوي ليبقى على سدة الرئاسة ليسوقه دليلاً على حسن ظن السودانيين به وليكذب قوماً بورا. فأنا لا أرهن موقفي من قيام الانتخابات بنزاهة المؤتمر الوطني في إدارتها. فأنا أفصل بين لزوم ان تقوم هذه الانتخابات كسكة غير اللاعب في المأزق السوداني وبين مصائرها من حيث التزوير. فهي عندي مناسبة سنحت في عشرين عام لتسترد قوى الأمة المدنية الحية صوتها السياسي الدستوري الذي تكالب عليه حملة البندقية من كل شاكلة فجعلوها فراجة. ولا يصح أن نستدعي هذه القوى لمسرح السياسة ونحن أسرى وصايتنا عليها مثل ترويعها بإفساد الحكومة للانتخابات. فهذه القوى طاقة ستتجلى في مقاومة الغش الإنتخابي كما تتجلي في الإدلاء بصوتها في الانتخابات بحكمة عشرين عاماً من التغييب والتهميش والإرزاء. فتجارب الإنتخابات مثل التي نحن بصددها قد برهنت أن حركة هذه القوى نافذة شديدة . فحركة المؤتمرات في أفريقيا في التسعينات تناسلت من انتخابات ظن بعض دكتاتوري القارة بأن وسعهم إجرائها بغير طائل شعبي. ومن جهة أخرى وقع التغيير لصالح الديمقراطية الحقة في انتخابات 2000 في الصرب والثورة البرتقالية في أوكراينا وثورة الورد في جورجيا في ملابسات احتجاج الجماهير على تزييف إرادتها. كما اصبحت الانتخابات المزورة سبباً لتصاعد الاحتجاج وشدة تأسيسه في كل من زمبابوى وكينيا. ولن يكون السودان بتقاليده في الديمقراطية الشعبية نشازاً. لقد كسبت الإنقاذ دائماً من تهويل خصومها لقدراتها. بل من اختراع مكامن قوة لها أو حيلة لم يقم عليها برهان. فهم يرونها مزور أدمن تزوير الانتخابات مع أنه لم تقم في عهدها انتخابات مستحقة الاسم أو التزوير. بل فقدت الإنقاذ انتخابات اتحادات طلابية عديدة منها جامعة الخرطوم وفرجت عن كربتها الخائبة بحوادث عنف لم تكسب منها خيراً. وإذا فازت به في دورة انتخابه الجديدة فلا تلومنها. فقوى المعارضة لم تفعل ب "سيطرتها" عليها شيئاً مذكورا لدورة انتخابية كاملة. Use it or lose it وربما كانت حالة انتخابات نقابة المحامين قريبة من معنى التزييف الإنقاذي. ولكن عيب المعارضين للنقابة الحاكمة ردوم. وقد كتبت عنه مراراً. فالمعارضة تتقى الانقاذ وتترك لها درب المؤسسات الشعبية عديل كدي.فالصحافيون الديمقراطيون مثلاً دأبوا على تكوين منظماتهم الموازية للنقابة ولم يتواضعوا بعد على خوض غمار معركة الانتخابات في النقابة. ليه ما عارف. مطلب دوسة بقيام حكومة انتقالية قبل إجراء الانتخابات مشروع جداً. ولكننى لاحظت أنه بتركيزه الشديد على سوءات الإنقاذ العديدة لم يعتبر بصورة موزونة أننا ربما كنا نعيش في ظل حكومة انتقالية مما سمح به ظرف عسكرة السياسة السودانية التي جعلت بيض الصحائف ترجح على سودها. فنحن لم نعد نحكم بالإنقاذ وحدها منذ 2005 بل بحكومة للوحدة الوطنية. فلا يتعللن أحد بأن الإنقاذ هي الشريك الطاغي. فالحركة الشعبية برهنت أن بوسعها إيقاف الإنقاذ عند حدها متى شاءت وبانت أسنانها خلال أزمة التشكيل الوزاري المعروفة. بل وجدنا أن بعض مواقف الحركة متطابقة مع الإنقاذ من جهة التحول الديمقراطي. فيكفي اتضاح أن قانون الصحافة المعيب الحالي مما اتفقت فيه الحركة مع المؤتمر بينما يعلو صوت نواب الحركة في نقده. وقد لانعدو الحق إن قلنا أن بعض المعارضين قد فهموا أنهم طرف لا مهرب لهم منه في حكومة قومية من نوع ما بواقع اتفاقات القاهرة والشرق وأبوجا .فحتى الحزب الشيوعي رفض سحب نوابه من المجلس الوطني مما يؤمي بأنهم يرون لوجودهم بالحكومة نفعاً ما.