الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    ألمانيا تدعو لتحرك عاجل: السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية    ميليشيا الدعم السريع ترتكب جريمة جديدة    بعثة الرابطة تودع ابوحمد في طريقها الى السليم    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    شاهد بالفيديو.. شباب سودانيون ينقلون معهم عاداتهم في الأعراس إلى مصر.. عريس سوداني يقوم بجلد أصدقائه على أنغام أغنيات فنانة الحفل ميادة قمر الدين    السعودية..فتح مركز لامتحانات الشهادة السودانية للعام 2025م    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    تقارير: الميليشيا تحشد مقاتلين في تخوم بلدتين    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    مكافحة التهريب بكسلا تضبط 13 ألف حبة مخدرات وذخيرة وسلاح كلاشنكوف    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طريق الخلاص للجاليات من سفارات التمكين .. بقلم: البشرى عبد الحميد
نشر في سودانيل يوم 06 - 06 - 2011


( 10 )
طريق الخلاص للجاليات من سفارات التمكين
دعوة لميثاق عمل لضبط نشاط الجاليات
( 2 )
البشرى عبد الحميد *
Alboushra.com
أدت الهجرة بأشكالها المختلفة إلى تعزيز دور الروابط الإقليمية والأهلية وقيام الجمعيات التي ترجمت إلى منظمات مجتمع مدني تبلورت إلي لجان لجاليات أهلية تؤدي دور الدبلوماسية الشعبية في البلدان المضيفة وتعزز في ذات الوقت من اللحمة الوطنية وربط الخارج بالداخل . ويشير واقع الحال الي انه ما من دولة اجتمع بها عدد من السودانيين مهما قل عددهم إلا وسعوا للبحث عن الارتباط الاجتماعي والرفقة الحسنة بما يحقق تخفيف(ألم البين)وفراق الأهل وآلام الغربة وأوجاعها والتي يتغني بها الفنان الكابلي(والغربة أقسى نضال).
السوداني بطبعه كائن اجتماعي وشديد الإلفة ولهذا حيثما حل خارج الوطن وسع من دائرة ارتباطاته الوطنية العابرة للقبيلة والعشيرة توسيعا لقاعدة العلاقات الاجتماعية ا في محاولة لاستنساخ وطن صغير يجمعه ويحتضنه ويعوضه عن فقده العظيم ، ولهذا كان الاهتمام بتعزيز دورالجاليات التي نشات بشكل عفوي من خلال فكرة الالتفاف حول معاني استنساخ الوطن فيها . ونجد ذلك في نهج من سلفوا وسبقوا بالهجرة هؤلاء الرواد كانوا يجسدون الشخصية السودانية وهم يمدون يد العون لجميع الأعراق ويفتحون قلوبهم لكل الأفكار والمذاهب والمعتقدات ويوظفون معرفتهم بظروف البلدان المضيفة وعلاقاتهم مع أهلها بما يخدم مواطنيهم وتقديم بعض المساعدات والخدمات لكل قادم جديد. ويصح القول أنه في ظل تلك الظروف التاريخية كان يتم إدارة الجاليات بعقلية شيخ القبيلة وهو إرث سوداني صالح لوقته وظرفه فقد ظلت الأعراف السودانية أن تقدم الرجال الذين يتميزون بمعايير معينة ومنها كبر السن والعلم أوالأكثر معرفة بالبلد المضيف. ومهما يكن فإن مهمة الجمعيات في بداية الأمر لم تكن تتطلب تعقيدات ومعايير لاختيار قيادتها اذ انها كانت محصورة في الاهتمام بشئون إدارة الدور المستقبلة للضيوف وتقديم العون والمساعدة لهم والعمل علي حل مشاكل أفراد الجالية .
ومع تزايد الهجرات منذ ما بعد منتصف القرن الماضي واتساع دائرة الهجرة لتشمل المهاجرين قسرا نتيجة للضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتمدد مظلة الهجرة لتغطي مناطق جغرافية لم يعرف اهلها الهجرة السودانية في أوقات سابقة، تعددت أيضا الجمعيات للمهجريين في مناطقهم المختلفة كما برزت أنواع جديدة من منظمات المجتمع المدني المتخصصة التي تعمل في مجالات غير مطروقة كالسياسة والثقافة فضلا عن ما هو اجتماعي ورياضي وغيره . ومع تعدد مؤسسات المجتمع المدني والروابط الإقليمية والمهنية ظلت هذه الأنشطة تستصحب الإرث السوداني الطيب لنشوء الجاليات وتعزز في رأسمال السمعة السودانية وسط البلدان المضيفة وهذا ربط بين الكفاءات والخبرات وسمعة السوداني وربط بين السوداني والأمانة وكل هذا التراكم في السمعة الحسنة انعكس خيرا على الوطن.
ان الفضل في تعزيز هذه الخلفية يعود إلى نهج هذه المنظمات المدنية التي بدأت أنشطتها بفعالية كمنظمات شعبية وديمقراطية قامت علي التراضي وهي تنشر الإلفة والمحبة وتجمع بين أعضائها بمختلف مستوياتهم العلمية وأعراقهم ومشاربهم الفكرية وتوجهاتهم السياسية فيما يفيدهم ويفيد وطنهم . وقد اعتمدت المنظمات المدنية علي مواردها الذاتية في التمويل، مع نظافة في اليد وهذا ما شكل القاعدة الراسخة التي قامت عليها الجاليات وهي تقنن عمل روابطها وتلك المنظمات التابعة لها في إطار النظم واللوائح التي كتبت فيما بعد وحددت بشكل واضح أهداف الجاليات وهياكلها التنظيمية ووسائل عملها والكيفية التي تتم بها إدارتها .
وفي الحقيقة فان ما ادي الي خلق سودان ناجح في المهجر هو توفر الكفاءات والخبرات العالية في مجالات الإدارة والعمل الاجتماعي والرياضي والسياسي ، مكن الجاليات ومؤسساتها الحديثة نسبيا من تجاوز التعقيدات المصاحبة للخروج والتهجير الهائل للسودانين . ومن خلال التقنين والالتزام الصارم بالقوانين واللوائح الحاكمة لإعمال هذه المنظمات تمكنت الجاليات وروافدها من الإسهام في التنمية في الداخل السوداني مع تربية عضويتها على مفاهيم غاية في السمو وفي إطار من المرونة واحترام الرأي والرأي الآخر وهذه المفاهيم مكنت الجاليات من خدمة مصالح الأعضاء وتقديم خدمات جليلة في عدة مناطق من السودان خاصة في مجالات الصحة والتعليم وغيرها وامتد الأمر في بعض الأحيان لدعم أنشطة الدولة نفسها.
وفي بعض التجارب برز نزوع الجاليات السودانية بصورة لافته في محاولاتها غرس القيم السودانية بالزام أبناء السودان بالأمانة والأدب والخلق القويم واحترامهم لقوانين وأنظمة البلدان المضيفة وهو رأس مال هائل جعل السودان والسودانين موضع احترام وتقديرمسئولي ومواطني الدول المضيفة وهذا ما يفسر السماح للسودانين دون غيرهم من الجنسيات بممارسة أنشطتهم المختلفة ، في دول لا تسمح لغيرهم من الجنسيات بممارستها . بل إن الالتزام بالخلق السمح واحترام أنظمة البلدان المضيفة مكن بعض الجاليات السودانية من بناء نسيج (خيري)اتسم بوحدة الهدف وهو فعل الخير لكل الناس والتماسك بتقديم كل عون ومساعدة لأي عضو بل ما أمكن تقديم خدمات جليلة لأي جزء من الوطن في مختلف المجالات وهو اختراق (خيري) لم تتمكن السفارات الرسمية من فعله أو تقديمه.
هذا الإرث الطيب والرأسمال الخيري والدبلوماسية الشعبية التي لا تكلف الدولة السودانية أي (مليم) تم الإجهاز عليها عبر سلسلة من الضربات الممنهجة وتم اجهاضه وللمفارقة والأسف الشديد بتدخل رسمي من الحكومات الشمولية. فالشمولية تفكر في أمنها وتحسب أي صيحة خارج مريديها صيحة عليها ولهذا كشفت دائما عن تدخل سافر في شئون الجاليات، ولهذا يصح القول بان الجاليات تتمتع بصحة وعافية وهي تمارس اعمالها بوضوح وشفافية في العهود الديمقراطية وتصاب بأمراض التفتت والتمزق والشلل عن القيام بدورها في العهود الشمولية وهي تعمل في الظلام وتتجسس مما يفقدها دورها الطليعي والوظيفي . وتعود أولى مظاهر التعدي على الجاليات إلى عهد انقلاب جعفر نميري في مايو 1969م حين شرع الإنقلابيون في استخدام السفارات في مطاردة المعارضين والتجسس عليهم وعلى أنشطتهم واستخدام ضعا ف النفوس في تفتيت وحدة الجاليات بزعم دعمها للمعارضة . اما الموجة التالية لضرب الدبلوماسية الشعبية في مقتل فقد حدث في عهد حكومة الانقاذ وقد عايش معظمنا محاولات تحويل الجالية لذراع للأجهزة الأمنية وهو ما يؤكده الكاتب مهدي إسماعيل من بريتوريا في مقاله المنشور في (سودانايل) تحت عنوان مداخلة حول إشكالية العلاقة بين الجاليات والسفارات وهو يقول (فان الإشكالية في العلاقة بين الجاليات والسفارات لا تاتي إلا في عهود الديكتاتوريات ، وقد بدأت بعهد النميرى البائد ثم استفحلت في عهد الإنقاذ ، وزادت استفحالا بتكاثر أعداد عناصر الأمن بالسفارات وخارجها تحت غطاء الملحقيات وبعض المبعوثين وتدخلهم في شئون الجاليات وأحيانا شئون السفارات ذاتها ، مما خلق صراعا ليس بينهم وبين الجاليات فقط وإنما تحول الأمر أحيانا إلي صراع بين الدبلوماسيين المحترفين والمسئولين الأمنيين ) .
والإشارة والاقتباس هنا للتدليل على وصول التفتيت(الرسمي) للجاليات إلى جنوب أفريقيا البعيدة فقد أصبح تعدي السفارات علي المنظمات الأهلية في هذا العهد الإنقاذي ظاهرة مزعجة ليس للسودانين ولكن حتى للدول المضيفة لهم ، لذا لم يكن من الغريب بالنسبة لي أن اطلع علي عدد لا يستهان بها من المقالات خلال الشهرين الماضيين تتحدث عن الظاهرة وتداعياتها ومن كتاب من مختلف القارات. وأشير إلى ما كتبه الدكتور عبد الله قسم السيد من السويد حين أوضح بجلاء ما ألحقه النظام الإنقاذي من تدمير شامل لسمعة السودان في الداخل والخارج وكيف أن السفارات لم تعد سفارات السودان وشعبه بقدر ما أصبحت (مغارات) لحزب الحكومة وأجهزته، مشبها ما يجري من صرف (لتفرح) الجاليات(وتضحك) فيما يوجب الحزن والبكاء، وأن تلك الاحتفالات التي تعرض في القنوات الرسمية هي في حقيقتها (فرح) بالرقص فوق جماجم الفقراء. وعلى نهج الدكتور قسم السيد كتب الأستاذ عبد الله شريف من فيينا ليؤكد أن مهمة السفارات أن تكون قومية وملك لشعب السودان وأن مهمتها خدمة المواطنين مشيرا أن هناك من يتخذ السفارات مصدر سلطة وثروة متناسيا انه يتبجح بأموال دافع الضرائب السوداني .لا ندري يا أستاذ الشريف إن كان محازيب الإنقاذ يعرفون هذه المعاني أم أنهم يحتاجون لتوعية حتى يتصرفوا مع مواطنيهم بمهنية وإنسانية. أما الأستاذ حامد بشري من كندا فقد أسهب في كيف تحاول السفارات والموالين للنظام داخلها من تحويل المقيمين في الخارج إلي مجرد متلقين للأوامر وكأنهم فاقدي القدرة علي مناقشة القضايا الوطنية اوالمساهمة في حلها وهم يحاولون دمغ كل عمل يخالف توجهم بأنه عمل سياسي مخالف لدورمنظمات المجتمع المدني والجاليات وذلك في الوقت الذي لا ينقطع سعيهم في استغلال الجاليات لدعم الانشطة السياسية للمؤتمر الوطني والحكومة وان كانت غير رشيدة . ومن المؤلم حقا ان تنصرف بعض مؤسسات المجتمع المدني عن القيام بدورها في تحقيق مطالب جماهيرها او ممارسة الضغط اللازم علي الجهات الحكومية للحفاظ علي حقوقهم كمواطنين لتفقد بذلك الدور الاساسي والهدف الرئيسي من تاسيسها ، وياتي ذلك اما من باب عدم معرفة قيادات تلك المنظمات بدورها او من باب الموالاة للنظام اوطمعا في تحقيق مكاسب شخصية من بعض ضعاف النفوس . ان هذه المنظمات يجب ان تعمل كمؤسسات شعبية غير مسيسة يجتمع فيها الموالي والمعارض وتعمل في اطار اهداف واضحة واليات متفق عليها لتحقيق التطور والرفاهية المطلوبة والحفاظ علي مصالح الاعضاء وتحفيف اعلي سقف ممكن في هذا الشان . اما الدكتور ادم خاطر الذي كتب من السعودية في جريدة الخرطوم مقالا الاسبوع الماضي تحت عنوان ( ضرورة ابعاد الجاليات عن الاغراض الحزبية ) فقد أوضح كيف تتجاوز السفارات الاعتراف بالجاليات مهما شكلت من أغلبية شعبية وتتجه نحو الاعتراف بجاليات حزبية لا تملك من الشرعية غير موالاتها للنظام وفصل في موضوع جالية حائل بالمملكة العربية السعودية وموقف سفارة الرياض منها كمثال .
ان ما أشار إليه هؤلاء الكتاب بشان العلاقة بين الجاليات والسفارات يدلل على الاجماع حول ممارسات السفارات في البلدان المختلفة هو اجماع تؤكده حقائق الواقع فقد قامت حكومة الإنقاذ بمحاولات متكررة للسيطرة علي الجاليات من خلال السفارات وهي سياسة توازي وتتناغم مع سياسة التمكين المعلنة في الداخل . وبعد انقلاب الانقاذ مباشرة وفي المرحلة الأولى قامت الحكومة بحل جميع الجاليات وتعيين لجان أسمتها (هيئة المغتربين) وهي تكوين كانت عضويته من الموالين للنظام ، وتركزت مهمة هذه الهيئة في العمل الأمني البحت والذي بدا في حصر المعارضين بالخارج وتصنيفهم ومتابعتهم ومن ثم رفع تقارير للجهات الأمنية . وارتكبت خلال تلك الفترة حماقات ادت الي مصادرة جوازات البعض وعدم تمكن الكثيرين من العودة للوطن ومن عاد لأي سبب وبأي طريق كان مصيره الاعتقال والتعذيب أو أحيانا الاستقطاب ترغيبا وترهيبا . اما في المرحلة التالية فقد بدأت السفارات فيها تنفيذ الخطة (ب) وهو التغلغل في الروابط والجمعيات من خلال عناصر الجبهة الإسلامية ومن انخرط في الحزب الحاكم من أصحاب المصالح ولهذا انشأوا ما سمي بمجلس الجمعيات وهو تكوين تم انتقاء عضويته من خليط من الموالين والمنتفعين بشكل دقيق ومع إسناد المواقع الرئيسية للملتزمين سياسيا وقد عمل هؤلاء بجد ونشاط في هذا المجال . ومن ملامح العمل الأمني في هذه المرحلة العمل علي اختراق الجمعيات الجهوية بصفة خاصة وتقسيمها خدمة لاغراضهم من خلال الترغيب بمنح ميزات ، وكان الهدف دائما توفير الحشد عند زيارة المسئولين أو المناسبات التي تعد لها السفارات ليصب ذلك كله في مصلحة قادة الركب ومسئولي السفارة من باب انهم حققوا اختراقا شعبيا . وهذه المرحلة تعد من اخطر المراحل لأنها أدت إلى أن تنقسم معظم الجمعيات الراسخة ذات التاريخ التليد إلي كيانات متعددة بين معارض ومؤيد لأساليب السفارات ولهذا نجد تراجعا هائلا في تلك الفترة في الخدمات التي كانت تقدمها الجمعيات لعضويتها وللداخل ، بل وساءت العلاقات الاجتماعية بين الأهل وأبناء العمومة وتحولت البيئة السودانية في المهجر إلى ما يشبه جمهورية ألمانيا الشرقية حيث الكل يشك في الجميع. وبعد تفتيت الروابط الإقليمية وتمكن السفارات من إنجاز المهمة جاءت المرحلة الثالثة التي كان عنوانها (استهداف)منظمات المجتمع المدني التي شملت مجالات الرياضة والثقافة والإعلام وحتى التراث والغناء الشعبي ومن يغنون الدوبيت في الصحاري إنها هجمة ومحاولة للسيطرة عليها ولكن الوعي الهائل بين بعض مؤسسات المجتمع المدني حال دون إصابة نجاح يذكر كما في حال الروابط والجمعيات الأهلية. ولهذا فشلت فيها السفارات وأجهزتها الأمنية في تحقيق اغراضها وشجعت الموالين لها إنشاء كيانات موازية وبذات الأسماء مع تحوير طفيف ومع توفير الدعم إعلامي والمادي والمعنوي من السفارات للموالين بينما ظلت أجهزتها تشن حربا شعواء علي من تم تصنيفهم في خانة المعارضين . لقد اتضح لنا بما لايدع مجالا للشك بان بعض الكيانات المستنسخة لا تراعي مصلحة وأن بعض أفرادها ليس لهم وازع خلقي أو ديني أو ضمير بل بعضهم لا يلتزم حتى بأخلاق مهنتة وقد ذهلت من خلال ما توفر لي من معلومات في الاونة الاخيرة من وجود اعضاء مسجلين في جمعيات مهنية ويحملون بطاقاتها مع عدم انتمائهم لتلك المهن لا من باب الدراسة ولا الممارسة ولا الترخيص المطلوب .
من المؤسف أن تتجاوز السفارات مسئولياتها الدبلوماسية وتتجه لمحاربة رعاياها والتدخل السافر في مؤسساتهم الأهلية التي أسسوها من حر مالهم لخدمة أهلهم ووطنهم و والعمل علي استغلال تلك المؤسسات لإغراض التمكين . إن الغرض من وجود البعثات الدبلوماسية هو القيام بتمثيل الدولة وحماية مصالحها والتفاوض باسمها وتعزيز العلاقات الثنائية والتفاوض في القضايا ذات الاهتمام المشترك ومتابعة تطورات الإحداث والأوضاع بشكل عام في الدولة المضيفة . ووفقا لاتفاقية فيينا 1961 والأعراف الدولية في مجال العمل الدبلوماسي فان علي البعثات الدبلوماسية احترام قوانين وأنظمة البلدان المضيفة وعدم إساءة استعمال الأماكن التي تشغلها البعثة وعدم ممارسة أي عمل أو نشاط لا يدخل ضمن التكليف الرسمي للبعثة . ولذا فان تدخل مسئولي وموظفي السفارات في عمل منظمات المجتمع المدني لا يتماشي والقوانين والأعراف الدبلوماسية وتتجاوز الأغراض التي وجدت من اجلها تلك البعثات .
إن طريق الخلاص وعودة الجاليات معافاة كمؤسسات شعبية تقوم بدورها ينطلق الالتزام بالثوابت والقيم الراسخة التي ظلت تلتزم بها الجاليات وتم تقنينها عبر مسيرتها الطويلة مع التزام السفارات من جانبها بما تقتضيه الممارسة الدبلوماسية الرشيدة والمساهمة في معالجة الأوضاع الشاذة التي رسخت لها خلال الأعوام السابقة . ولتحقيق ذلك لا بد التوافق علي ميثاق عمل يضبط نشاط الجاليات ومكوناتها لمصلحة الوطن والمواطن ألخصه في الآتي: -
1 – يجب أن يكون كل سوداني قدوة وخير سفير للوطن من خلال التحلي بالأمانة والصدق والإخلاص والتزام القيم السودانية النبيلة و احترام قوانين وأنظمة وتقاليد وأعراف البلد المضيف .
2 – تحقيق التكافل والتراحم بين أبناء الوطن بما يضمن حماية مصالحهم وخدمتهم إضافة للتعاون من اجل تقديم العون للأهل وللمحتاجين والضعفاء فى السودان .
3 – المساهمة فى تقديم ودعم الخدمات في وطننا الحبيب فى مجالات الصحة والتعليم وكل ما من شانه رفع القدرات الخدمية والتنموية .
4 – البعد عن الصراعات السياسية والجهوية والمناطقية الضيقة فى سبيل خدمة الأهداف الوطنية العليا .
5 - التعاون بين جميع الكيانات المكونة للجاليات بعيدا عن الاستقطاب والمحاور .
6 – السفارات السودانية أينما وجدت عبارة عن بيت السودان وعليها التعامل من هذا المنطلق مع أبناء السودان بمختلف توجهانهم الفكرية والسياسية دون عزل أو إقصاء مع الالتزام بالقوانين والأعراف الدبلوماسية في صلتها مع منظمات المجتمع المدني .
7 – ضرورة الالتزام في العمل الجماعي بأدب الحوار مع احترام الرأي الآخر والتزام رأى الجماعة .
أن استصحاب هذه الثوابت والالتزام الصارم بها وبصفة خاصة ما يتصل بإبعاد منظمات المجتمع المدني عن الصراعات السياسية والاستقطاب والاستقطاب المضاد الذي يشكل اكبر المهددات ستمكنها من تحقيق الأهداف المرجوة. ويظل الأمل معقودا أن تبتعد البعثات الدبلوماسية من التدخل في الشئون الخاصة لهذه المنظمات بل وتشجيعها لتجاوز مرحلة الانشقاقات والتوجه نحو الوحدة والعمل الخيري وبما يحقق خدمة أهداف هذه الروابط الخاصة والعامة والذي لن يتاتي الامن خلال استعادة وجه الجاليات الذي ضاع واستعادة وحدة الصف بل واستعادة الأداء القومي لبعثاتنا الدبلوماسية بتحريرها من التمكينيين .
والله ولي التوفيق .
*مستشار قانوني وكاتب
0
جريدة الخرطوم العدد7696 الاحد 5 يونيو 2011 م الموافق 3 رجب 1432
ELBUSHRA MOHD [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.