محمد وداعة: الجنجويدي التشادى .. الأمين الدودو خاطري    شركة توزيع الكهرباء تعتذر عن القطوعات وتناشد بالترشيد    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    بايدن يعين"ليز جراندي" مبعوثة للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    دبابيس ودالشريف    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الناظر يوسف نقور رمز الحب والاخاء
نشر في سودانيل يوم 06 - 05 - 2009

الادارة الأهلية أو الزعامة القبلية كان يرأسها خير رجال السودان ، وان كان هنالك بعض التجاوزات الأخ الناظر يوسف نقور جوك ناظر عموم قبائل شمال أعالى النيل يمثل الوجه المشرق من الادارة .
كما أورد الوالد ابراهيم بدرى- وهو دينكاوى بالانتساب والزواج - فى المحفوظات السودانية ، فان دينكا الشمال عرفوا بالدينكا أبلنق وبالواك والدينجول. ويعرفون أيضا بدينكا بادانق . وابراهيم بدرى أول من وضع أسس وقواعد لغة الدينكا . وكان صديقا لصيقا بالوالد نقور جوك . ومثل الاثنان تعاونا جيدا لخدمة مواطنى الرنك ، جلهاك ، ملوث وما حولهم . أحدهم كادارى فى نهاية الثلاثينات وبداية الأربعينات ، والآخر عمدة .
الناظر يوسف نقور ولد كما أظن فى بداية الثلاثينات . وهذه الفترة التى تدفق فيها كثير من الغرباء الى المنطقة . جزء منهم بعض القبائل الشمالية مثل السليم الذين أتوا بحثا عن الماء والكلأ . وقبائل الفلاتة أمبرروا وبعض أهل نيجريا وغرب السودان ، وهؤلاء حضروا للعمل كحدادين وحمالين فى شحن الشاحنات ونقل البضائع فى موانىء البواخر النيلية . وكثير من الجلابة أو التجار . وبعضهم أسس مزارع مثل مزرعة مقرة جنوب القيقر والتى يمتلكها الوالد محمد عبدالله عبدالسلام أكبر تجار الجنوب قديما . وكان كثير من التجار الشماليين يعملون تحت رخصته . وهو كذلك صديق حميم للوالد نقور جوك .
فى أيام الحرب العاليمة الثانية تدفق السلاح وبعض النشاطات الاجرامية مثل التهريب والاتجار بالمؤن التموينية ، والتلاعب ببضائع التموين بما عرف بتجارة ( البرشوت ) . ولقد تصدى لهذه التجارة الوالد نقور جوك والوالد ابراهيم بدرى كادارى . واحتاج الأمر الى نفى مجموعات معينة ، واستبدال بعض السكان خوفا على الاستقرار. وللتصدى للصيد الجائر وقطع الأشجار بدون تصريح . وعدم مراعاة احترام الدينكا للبيئة والحياة الطبيعية .
وبما أن منطقة الأبلنق تعتبر برزخا بين جنوب النيل الأزرق وجبال النوبة وغرب السودان وتمثل منطقة عبور بين الجنوب والشمال لامتدادها كابهام داخل الأراضى الشمالية ، فان ايجاد المعادلة الصحيحة كان من أصعب الأشياء التى واجهها الوالد نقور جوك الذى كان عمدة فى منطقة جلهاك . وحمل بعد اللواء الناظر يوسف نقور .
وفى بداية الخمسينات ونهاية الحرب وتعطش أوروبا للقطن وارتفاع أسعاره ، صارت البنوك تسكب المال فى جيوب المستثمرين لزراعة القطن فى مشاريع دائمة الرى ومشاريع مطرية . وامتدت المشاريع من دبة الفخار فى آخر نقطة شمال أعالى النيل الى جنوب ملوث وخور عدار .
وهنا حدثت بعض التجاوزات والتغول على حقوق الدينكا . وصارت كل الأراضى حول النيل مزارع للقطن شملت مئات اللآف من الأفدنة ، مثل مشروع طيبة وبركة العجب والقيقر وأبوخضرة والرنك وغيرها . حتى مشروع جودة الذى ارتبط بمأساة المزارعين يمتد جزء كبير منه داخل حدود أعالى النيل .
واستخدمت الأراضى البعيدة من النيل فى مشاريع ضخمة لانتاج الذرة ، مثل أم دلوس ، والطيارة ، والعدالة ، وذهبت المراعى خارج القيقر فى قوز فاميه لزراعة الفول السودانى . ولسوء الحظ كان الدينكا يتفرجون . والآخرون يصيرون أغنياء . ورجع السلاح النارى ، والصيد الجائر . وصارت تجارة لحم وجلد فرس البحر تجارة رائجة .
من الذين تصدوا للتجاوزات والادارة المتساهلة أو الغير منضبطة كان الأخ يوسف نقور جوك . فهو حفيد المحارب العظيم جوك . ووجد المتغولون دعما من الناظر وقتها العم لول . وعندما لم يستجب الأخ يوسف نقور للترغيب والتهديد ، وضعه الناظر لول فى السجن . ولكن السجن لم يجعله ينكسر أو يتراجع . ولحسن الحظ كان الأخ محمد صالح عبداللطيف وقيع الله متعه الله بالصحة مفتشا فى الرنك . ومحمد صالح متزوج من آمال ابراهيم بدرى ، وهى وشقيقها الشنقيطى ابراهيم بدرى مولودون فى الرنك وفى عمر فقوق نقور شقيق الناظر طيب الله ثراه . وقام محمد صالح بالوقوف مع ابن صديق صهره ابراهيم بدرى نسبة لمعرفته باحترام ابراهيم بدرى لأسرة نقور جوك .
حتى عندما كنا فى مدرسة ملكال الأميرية كنت أسمع كثير من القصص عن الأخ يوسف نقور والعم نقور جوك من تجار أعالى النيل . ومن الأخ أجوت ألونج أكول وهو من ملوث . وعبدالله خيرى مدير بنك البركة الحالى بالخرطوم وهو من سكان ملوث . والأخ محمد يوسف ( طونجن) ، وتعنى ( جنى جداد) نسبة لعيونه المميزة . وهو شقيق الأخت العزيزة ربيعة زوجة الناظر يوسف نقور . وكل ما أسمعه عن يوسف كان جميلا . ووصف الناظر بالشجاعة والكرم والحكمة واحترام الآخرين . وكل هذا لمسته عندما ذهبت لقضاء الاجازة مع شقيقى فقوق نقور جوك طيب الله ثراه ، الذى كان بمثابة الشقيق وولى الأمر، والزميل فى مدرسة ملكال الوسطى والأحفاد الثانوية أمدرمان .
من أكثر القصص المشوقة كانت قصة الفيل الذى أتى الى جلهاك فى الخمسينات . وخوفا من أن يتعدى الفيل على السكان واجهه الدينكا بالحراب . واول رمح أصاب الفيل كان رمح الأخ يوسف نقور الذى تقدم حتى صار قريبا من الفيل مخاطرا بحياته حتى يطارده الفيل بعيدا عن القرية . و فى الستينات كانت جمجمة الفيل وبعض عظامه لا تزال بالقرب من الخور فى جلهاك .
ودخول الأفيال فى القرى والمدن كان يسبب الكوارث . فلقد دخل أربعة من الأفيال مدينة ملكال فى الخمسينات وأشاعوا الهلع والاضطراب الى أن تمكنت السلطات بقتل أحدهم أمام منزل المدير ، وقتل الثانى وهو فى طريقه الى السوق . وهرب الأثنان الآخران عن طريق النيل . ولكن فى ملكال كان هنالك البوليس والجيش والسجون ، وفى جلهاك لم يكن هنالك سلاح نارى ، بل شجاعة الناظر يوسف نقور والدينكا .
اعجاب الناس بالناظر يوسف نقور وحبهم واحترامهم له أحسست به عن قرب عندما كنت أركب حماره خارج جلهاك فى أبريل 1963، والشقيق فقوق نقور يركب حمارا آخر . وكان الجميع من بقارة ، وفلاتة ، وامبرروا ، وبرون يهرعون لتحيتى ويستفسرون عن حالى . وكنت أجد الأمر غريبا الى أن تذكرت أنى أركب حمار العمدة .
وبما أننى كنت أسكن فى خلوة العمدة المعدة للضيوف ، فكنت أشارك السكن بعض العابرين . وكلهم كانوا يشيدون بالعمدة يوسف نقور . وكنت أقضى بعض الوقت مع تجار جلهاك والخياطين فى السوق . وكنت أجد معاملة خاصة جدا لأننى صديق فقوق نقور وضيف العمدة .
من الأشياء التى أذكرها غداء يوم الجمعة فى حوش العمدة . وأذكر الأخ يوسف نقور جالسا على كرسى القماش . والناس تأكل فى مجموعات . والآن أتذكر أننى لم أشاهد العمدة يأكل أبدا . كان يقف على أكل الآخرين وراحتهم . ويستمع الى شكاوى الناس ، ولا يتكلم الا قليلا . حتى مظهره يجبرك على أن تحترمه . وهذه الصفة يشاركه فيها الشقيق (مصطفى) أو فقوق نقور . فحتى فى مدرسة الأحفاد الثانوية حيث كان أغلب الطلبة يحسبون أنهم شيىء خاص ، الا أن الجميع ينحنون احتراما وتقديرا لفقوق نقور . الذى كان متدينا ، لا يهاتر ولا يغضب ، ولا تفارق الابتسامة شفتيه .
وعندما كان فقوق نقور يسكن فى العباسية بميدان الربيع عند قريبه العم عبدالرحمن عثمان ، كان يجد الاحترام والود من كل أبناء العباسية الذين اشتهروا بالتطاول وشدة البأس . خاصة فى تمارين وماتشات الكورة .
أجمل شهادة غير مشروخة سمعتها عن الناظر فى جلهاك كانت من فتاة جميلة من فتيات الفلاتة أمبرروا . فلقد أراد فقوق نقور أن يعطينى هدية تذكرنى بجلهاك . وجلهاك اشتهرت وقتها بالسمن البلدى الذى تنتجه القبائل الرحل . وعندما عرفت بائعة السمن أننى ضيف العمدة يوسف نقور أشادت بالعمدة وأخلاقه وكرمه ومعاملته الجيدة للجميع . وبما أن أربعة زجاجات من السمن البلدى لا تملأ الجالون ، فلقد تكرمت بملأ الجالون . وهذا يعنى زجاجة كاملة كاكرام لضيف العمدة .
قد يحسب البعض أن مهمة العمدة أو الناظر مهمة تشريفية لا تعنى سوى الغنى والتسلط على العباد . ولكن للعظماء مثل يوسف نقور ، تعنى هذه المهمة كثير من الألم والتضحية والاجتهاد فى البعد عن هوى النفس وعدم التحيز ، خاصة والمنطقة قد صارت تعج بكل الأجناس . وأذكر قضية قد تكون بسيطة ولكن بعض شباب الدينكا أبلنق تعدوا على بعض أبقار التجار وقطعوا أذنابها . وأذكر أن المذنبين قد أجبروا على دفع غرامة . كما سمعت من الأخ أجوت ألونق أكول .
وبعض الوافدين الى المنطقة لم يكونوا يحترمون تقاليد الدينكا وطريقة حياتهم . وكنت أرى الألم والدهشة فى وجه الدينكا عندما يقفز البقارة على ظهور ثيرانهم . وهذه اساءة لا تغتفر بالنسبة للدينكا ، لأن الدينكاوى يتغنى ويفتخر بثوره . وفى بعض الأحيان - كما فى ملكال - كان البوليس يطلب من البقارة عدم اختراق وسط المدينة بابقارهم وثيرانهم التى يمتطونها . وكانوا يرفضون ويهددون البوليس .
مثلا الاسم دينكا أعطاه الشماليون للدينكا . فالأبلنق يقسمون نفسهم الى عدة أقسام كما ذكر ابراهيم بدرى فى المذكرات .
أبلنق وتعنى احضار النبق ، وهذا جزء من الجيش كان يتأخر وعند السؤال يقولون ذهبنا لاحضار النبق .
وباوم وتعنى نهب .
أكون وتعنى الفيل ( صائدى الأفيال)
بالواك وتعنى أترك الغزال
أقر وتعنى البقرة بقرون الى أسفل
أبويا وتعنى الغبار
نيل وتعنى ثعبان الأصلة
قامينى وتعنى أعطى قائدا
قيونق وتعنى يعانق الماشية .
كلمة دينكا أتت من (ناس دينق كاك) ، وهو أحد زعماء الدينكا القدامى . ولا أدرى اذا كان هو دينق كاك والد الناظر لول أم دينق كاك آخر . ومثلا مدينة ملوط والتى صارت مركز لأكبر مشروع لزيت الخروع يعرفها الأبلنق بملوث ، والرنك هى أرنق التى سميت على الزعيم أرنق . وارنق هو أحد الملائكة التى يتوسط بواسطتهم الى الخالق نياليك كما أورد ابراهيم بدرى ، ومنهم قرنق ، دينق ، نقور ، ارنق .
أذكر أننى سألت الصديق محمد فضل تيه رحمة الله عليه والمعروف (بكاريل) وهو ابن جزار فى القيقر . وكانت له حواشات قطن وعيش . لماذا لا يوظف الدينكا فى الحواشات ؟ وكان رده أن الدينكا طولى القامة ويدهم تقيلة ، لا يجيدون جنى القطن . ولكن لماذا لم يصر الدينكا ملاّكا للمشاريع التى أقيمت فى بلادهم ؟ . مثل هذه الأسئلة وايجاد المعادلة الصحيحة كان هذا ما يحاول الأخ الكريم يوسف نقور أن يجده عندما كان عمدة . ثم صار ناظرا بجدارة . فهو انسان عفيف لا يتعدى على حق الآخرين . ويقدم احترامه للجميع ، ويمارس ضبط النفس والتواضع الشديد . لم يتهيب أن يقف أمام تغول الناظر لول . وواجه فيلا هدد قريته بالسلاح الأبيض . ويحمل لهذا وشما فى أعلى ساعده الأيمن . من المؤلم أن أمثال الوالد نقور جوك ، ويوسف نقور جوك ، والشقيق فقوق نقور جوك رحمة الله عليه ، يمثلون الجيل الأخير من الرجال العظام . أما نحن الذين أتينا بعدهم ، فلقد فشلنا أن نكون سودانيين فى عظمتهم .
من الذين كانوا يكنون حبا عظيما واحتراما للناظر يوسف نقور ، والوالد نقور جوك ، محمد عبدالله عبدالسلام . وهو جعلى من أمدرمان ومن أسرة المقبول العوض عمدة أمدرمان . ولقد أتى الى أعالى النيل وهو صبى صغير . وكان مرجعا فى لغة الدينكا . يعرف كل اللهجات ويحتكمون اليه عندما يختلفون فى اللغة . كان دائم الاشادة بالناظر يوسف نقور وكل آل نقور .
فى رحلة صيد شمال ملوث ، أتى أحد صبيان الدينكا جاريا لكى يعلمنا بأن فديت فى الحلة .وهذا اسم محمد عبدالله الدينكاوى. وكان هنالك فى مهمة مصالحة . و كنت فى رفقة كمال ابراهيم بدرى ، والأخ محمد الحسن باشمفتش مشروع بركة العجب الزراعى ، وعبدالله الياس باشكاتب المشروع ، وأحمد المصطفى المقاول فى الرنك ومنزله الكبير فى منتصف ميدان الرنك الرئيسى . ولم أكن أظن أن محمد عبدالله ، والذى هو زوج خالتى ، يعرف أننى فى أعالى النيل . ودهشت عندما عرفت أنه كان يعرف ، ويعرف أننى كنت فى جلهاك . وأشاد بالأخ يوسف نقور . وكان يقول لى سعيدا أن صداقتى مع فقوق نقور امتداد لصداقة والدى مع الوالد نقور جوك . وأشاد المقاول أحمد المصطفى المعروف بأبى نادر بالأخ يوسف نقور وآل نقور . وهذه الاشادة سمعتها كذلك فى قرية فلّوج على خور عدار بواسطة التاجر صغيرون شقيق محمد عبدالله عبدالسلام .
ونحن خارج البلدة كانت أشجار الدوم قد طرحت ثمارها كالعادة فى الفترة قبل الخريف . فبدأنا بأكل الدوم . فذكر العم محمد عبدالله أن تلك المنطقة كانت تعج بالأفيال عندما كان شابا . وأن أحد الرباطاب حضر بتصريح من المدير فى ملكال للاستفادة من أشجار الدوم والدليب المتساقطة . الا أن ابراهيم بدرى مزّق التصريح قائلا ( بتاخدوا التصاريح بالشجر الميت ، لكن بتقطعوا الشجر الواقف ) . وعندما قال الرباطابى أنا من أهلك ، كان رد ابراهيم بدرى ( أهلى الدينكا ديل ) . الشجر ده بياكل منو الفيل ، وبياكلوا منو الناس ، وبيسكن فيهو الطير ، وبقيل تحتو الصيد . وذكر العم محمد عبدالله أن صديقه نقور جوك كان مهتما جدا بالبيئة. وقد سار فى طريقه الناظر يوسف نقور متعه الله بالصحة . وكثيرا ما أنادى ابنى فقوق بالاسم المثلث ، فقوق نقور جوك ، لأن هذا يربط ثلاثة رجال عظام ، ويذكرنى برجل عظيم رابع هو الناظر يوسف نقور جوك .
ملحوظة
لكم أتمنى أن يكتب الأخ وزميل الدراسة فى ملكال السفير على حمد ابراهيم عن المنطقة وعن آل نقور . وهو الذى ذكرنى باسم ابوب ياو وتعنى الرجل الكبير الثرى وهذا لقب العم محمد عبد الله عبد السلام وكان الدينكا يذكرونه فى اغانيهم كرمز للالتحام والتلاقى الشمالى الجنوبى . فهو من سكان شمال أعالى النيل . وهو كذلك السبب فى أننى عاودت الكتابة بعد انقطاع ربع قرن عندما قام بنشر خطاب أرسلته له اثر موضوع نشره هو فى جريدة الخرطوم ردا على موضوعه عن أعالى النيل . له التحية والاحترام .
التحية
شوقى
مداخله الابن ابو العز وهو ابن ادارى زراعى
الوالد الاستاذ شوقي بدري
تحياتي لك موصولة وانت تمهد الطريق لكي نذرف الدموع فرحا وتفاعلا مع كتاباتك التي اعادت إلينا ايام جميلة خلت.....وحلقت بأرواحنا في سماوات القيقر (اسكندرية السودان ) كما سماها احد الكتاب بجريدة الخرطوم) و مقرة وجناين العم محمد عبد الله عبد السلام (فديت) وإن شئت فقل (أبوب داو)
أبوب داو:
وهو الأسم الذي يشتهر به أكبر تجار جنوب البلاد، العم محمد عبد الله عبد السلام، صاحب مشروع مقرة وجنينة مقرة التي تنتج الذ انواع المنقة الهندية والتي تصدر إلى خارج البلاد، كنا ونحن صغار ننتظر موسم الصيف بصبر نافذ، ومن اواسط شهر ابريل نبدأ رحلة الاستمتاع بمنقة جنينة مقرة ذات الرائحة العجيبة.. منقة من غير الياف كالتي تنتجها جنينة القيقر والتي يمتلكها عمنا حسن داود والتي كنا نقضي بها عطلة نهاية الاسبوع وهي يوم الاحد.....
كان أيوب داو من اكبر التجار في الجنوب، وكنا حتى وقت ليس بالبعيد نلعب بهياكل عرباته في مقرة، كمية من الهياكل الجيدة لعربات صالون، ومقطورات كان يستعملها العم محمد عبد الله في ترحاله، مقطورة النوم لم يستعملها احد قبله ولا بعده بالمنطقة، وكانت عندما تأتي البواخر من كوستى قاصدة جوبا تتوقف بميناء القيقر الطبيعي ولا تتحرك حتى يأتي العم محمد عبد الله عبد السلام في مقطورته التي يقطرها احد جراراته، ولا تتحرك الباخرة حتى يأذن لها، ورغم ذلك كان كل شيء يسير بانتظام ودقة متناهية من حيث المواعيد في الوصول....
ولدت ونشأت بالقيقر..... ما احلاها بلدة، وما أطعمها نغمة...وما ألذها وألذ طيب أهلها وجنائنها و.......
بلدة صغيرة في حجمها ..كبيرة فيما تحمله بداخلها، ولست ادري اهي قرية كبيرة ام مدنية صغيرة، وكان اقطابها واعيانها، محمد عبد الله عبد السلام، حسين داود، ابراهيم مالك، عبد العزيز حسين اغا،حسين الأمين، حسن الأمين، عثمان شبيكه، الطيب داود، محمد احمد سعد(الوالد)، عثمان بخيت، السر عبد الرحمن، عمر حسن (نائب الدائرة) الزمالي دقشين(نائب الدائرة الذي خلف عمر حسن ، وعمر حسن هو ابن عمنا حسن عمر من اكبر الشخصيات التي تتحلي بكاريزمة لا مثيل لها في المنطقة، لم اتمكن من معاصرته ، فقد توفي وانا لم ابلغ عاما واحدا بعد، وهو عمي، وسمعنا كثيرا عن الحكاوي عنه وهو صاحب كبري حسن عمر والذي يقع بين القيقر وبركة العجب، اتذكر ذلك الكوبري جيدا وانا اقطعه بواسطة العربة اللاندروفر بصحبة الوالد الذي كان يدير مشروع طيبة الذي هو ملك ابن عمه بشرى محمد عمر وفي نفس الوقت زوج اختيه ام سلمي وزينب، وهو من اوائل الاداريين بجنوب البلاد.... اضافة إلى كثير من المعلمين والمفتشين الذين كانوا يأتون في مهمات رسمية بطبيعة عملهم إلى المنطقة.
..العم الناظر يوسف نقور أو يوسف عبد العاطي
...احدى زوجاته هي خالتي اخت والدتي بنت خالتها، وهي آخر زوجاته، أنجبت منه اثنان هما فردوس وهي متزوجة الآن بكندا، وعبد الحاكم وهو الآن بالرنك، له كمية من الأولاد والبنات، أكبرهم سنا هو عبد العاطي يوسف نقور أو (جوك) وهو احد مذيعي إذاعة الحركة الشعبية، قتل في الجنوب، وله ايضا محمد صالح، وهو المعتمد السابق لمحلية الرنك، وحسن يوسف نقور مستشار بسفارة السودان بيوغندا، وعلى الكرار وهو فني عيون وحسين وآخرين....آخر زيارة قمت بها للناظر يوسف نقور كانت قبل عشرة أشهر في الرنك بصحبة ابنه حسن صديقي وزميلي في المدرسة( تلقيت تعليمي الثانوي بالرنك الثانوية وكنت اسكن في منزل الناظر يوسف نقور الذي هو منزل خالتي)....قبلها قمت بزيارته في جلهاك، واكثر ما استمتعنا به في زيارتنا تلك التحلية بعد الفطور والتي صنعت من دقيق الذرة واللبن والسمن والسكر، كان معي صديقي جلال، والعميد محمد شول.، واستمتعنا بتحليلات العم (فال) وهو العمدة هناك.......
العم شوقي:
والله لو مكثنت اياما واياما لن استطيع ان اسطر ما يجول بخاطري من ذكريات منطقة شمال اعالي النيل، لك الشكر على هذه السياحة.
.........................................................
العزيز ابو العز شكراً لقد اعدتنى الى اعالى النيل .
من اصدقائى فى القيقر كان محمد فضل تيه ( كاريل ) والده كان جزاراً فى القيقر مات وهو فى العشرينات . سكن معنا فى العباسيه فى امدرمان وكان نقاشاً . مات وهو فى باخره المحلى بعد ان ودعنى فى امدرمان فى مايو 1964 . ظهره كان ممتلئاً برصاص خرطوش التاجر سويرس القبطى الذى كان يطلق الرصاص فى حفل زواج فى القيقر , وقطعت نفس الطلقه يد الاخ المساح وهو يبشر ويده اليسرى ملتفه حول كاريل .
سويرس كان كثير الشرب . والحفره الكبيره التى يأخذ منها اهل القيقر التراب للبناء جنوب بركه العجب عرفت بحفرة سويرس لانه فى سنه 62 وقع فيها بالجيب , وعندما هرعوا الى اخراجه كان يجلس خارج الحفره ويواصل الشرب .
الوالد محمد عبد الله عبد السلام كان يضرب به المثل فى الكرم . كان يكرم كل ركاب الباخره . منزله فى ملكال المواجه لنادى المدينه كان من افخر المنازل فى حى الجلابه . كنت اسكن فيه مع الخال اسماعيل خليل شريكه . وعندما حضر الرئيس اسماعيل الازهرى وكان ضيفاً على محمد البشير أقيم السوق الخيرى فى منزل محمد عبد الله عبد السلام لاتساعه .
اول من ادخل الشاحنات القندرانى الى الجنوب كان محمد عبد الله عبد السلام . كانت له مجموعه من القندرانيات ( او ام ) يسوقهم محمد يسن الدنقلاوى واخيه من امه عوض الذى صار سواقاً للبص السريع ومحمد عثمان . واسلو الاثيوبى وعثمان الارترى . كنت اقضى الاجازه المدرسيه على ظهر القندرانى مع محمد يسن وننطلق الى الحدود الاثيوبيه والناصر واكوبو والبيبور وفشلا وانا فى الثالثه عشر من عمرى , تعلمت الكثير من محمد يسن جزاه الله خير كان رجلاً فاضلاً .
اسماعيل كان من اولاد مقره وزميلنا فى مدرسه ملكال يحفظ كثير من المنلوجات ويشارك فى ليالى السمر والجعلى كذلك كان زميلنا والده مدير جنينه مقره . وكانت له مزرعه صغيره للدواجن شاهدت فيها اكبر ديك فى العالم .
عبد المنعم ابن محمد عبد الله عبد السلام الاكبر كان يدير اعمال والده فى ملوط بالرغم من انه كان من خريجى وادى سيدنا . بابكر صار حفار آبار وعمل فى اليمن . عمر كان ضابطاً مشهوراً وكان على رأس المخابرات العسكريه وعمل لفتره فى دبى . عثمان محمد عبد الله عبد السلام سكن فى فورت وورث فى تكساس . رجاء تزوجت الدكتور المعز مالك وهم بالسعوديه الآن احلام تزوجت الدكتور بشرى وهو صاحب صيدليه المغتربين . نعمات تزوجت حامد منقوشى زميل شقيقها بابكر مهندس حفر آبار . انعام تزوجت النعيم وهو ابن خال مأمون عوض ابو زيد .
العم محمد عبد الله عبد السلام توفى فى امدرمان سنه 1999 ولقد ذكرت لى الاخت ربيعه يوسف زوجه الناظر فى محادثه تلفونيه بأنها قد زهبت لزيارته فى امدرمان قبل شهور من موته وكان حاضر البديهه وحكى لها عن ذكرياته مع والدها العم يوسف الذى اتذكره من ملوط بجلبابه النظيف وعمته الانيقه وكلامه العذب رحمه الله عليهم .
محمد عبد الله توفى وهو فقير فى ماله الا انه كان اسماً كبيراً ارتبط باعالى النيل وكان جزاءً مهماً فى تطور المنطقه وتماسكها .
لك التحيه والموده
شوقى ....
..................................................
الاستاذ الوالد شوقي بدري
ربنا يديك العافيه
دائما ما تسوقنا إلى الأشياء الجميلة المرتبطة بوجداننا، نحسها ونستشعرها كأنما هي حادثة الآن...
الخواجة سويرس كما كنا نطلق عليه ونحن صغار، ولم ندرك الفرق بين الخواجات والأقباط إلا بعد أن كبرنا، كان صاحب البار الوحيد بالقيقر، له بعض مشاريع الزراعة الآلية، قيل لنا - والعهدة على الراوي- عندما كان يذهب الى مشاريعه في بداية موسم الزراعة وكما جرت العادة هناك يقوم بذبح خروف كرامة، قيل انه كان يغسل (ام فتفت) بالبيرة، بالطبع ما بيرة باردة لأن المنطقة لم تكن بها كهرباء وكان الاعتماد على الثلاجات التي تشتغل بواسطة الجاز الأبيض.....
للخواجة سويرس مجموعة من الأبناء والبنات، رياض، هلال، مجاهد، كمال، عفاف وبقية البنات لم اتذكر اسمائهن، كمال تزوج من نقادة بجنوب مصر، وهي المرة الأولى التي عرفنا فيها ارتباط سويرس بمصر،وهو الآن متواجد بالرنك، وهو اصغر الأبناء ، كان دائما يعتمد على قوته العضلية في حل اي شيء يعترض طريقة، كان مولع بالأدوات الكهربائية، والكهرباء واي شيء في الدنيا لا بد له من ادخال يده فيه وعندما تصعب عليه الأشياء يلجأ لمنطق القوة، رغم ذلك كان به جبن كبير تجاه المشاكل والضرب والركل، تعلم صيانة الراديوهات ، ثم التلفزيونات، والمواتر، ومولدات الكهرباء....
عبد المنعم محمد عبد الله عبد السلام، في آخر مرة التقيته كان في نهاية الثمانينات، كنت طالبا بالجامعة، جاء الى القيقر في محاولة لاحياء جنينة والده بقرب مقرة والتي كنا نسميها جنينة مقرة حتى يتسنى لنا فرزها عن جنينة القيقر أو جناين ابراهيم مالك وهو والد الزهاوي ابراهيم مالك وزير الاعلام....أذكر عبد المنعم تماما وبالذات نظارته العريضة....جنينة مقرة كان بها اميز انواع المانجو التي عرفتها، في الثمانينات وفي هجوم للجراد الذي بات بها ليلة واحدة اصبحت في صبيحة اليوم الثاني عبارة عن حطب جاف، كانت تلك نهاية جنينة مقرة الحبيبة...
وقد ذكرت اسماعيل من مقرة، ولست ادري هل هو اسماعيل محمد بخيت لاعب فريق المريخ في الستينات والفريق القومي السوداني؟.. اعتقدت ذلك....وهو الآن بالخرطوم بنادي المريخ....
الجعلي حسب فهمي هو ابن عبد الماجد... له ابن ضابط بالشرطة ولكن تقريبا انزل الصالح العام.....
يالها من ذكريات ويام جميلة .. لك الشكر على هذه النفحات التي جددت فينا أشياء كنا نعتقد باندثارها....


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.