أرجو أن أعلق على إجابة للدكتور الشفيع خضر، مسئول العلاقات الخارجية باللجنة المركزية بالحزب الشيوعي، على سؤال عن موقف حزبه من مسألة دارفور في الحديث الصحفي الذي أجراه معه الأستاذ حمزة البلولة بالأحداث (3 مايو 2009 ). وما حشرني هنا أن البلولة استمد سؤاله من كتابي "أصيل الماركسية: المقاومة والنهضة في ممارسة الحزب الشيوعي" (2007 القاهرة). سأل البلولة محرر الأحداث الشفيع عن أن حزبه بحسب كتابي لم يستوعب أزمة دارفور من "ناحية ماركسية الحواكير" وأكتفى بإحالة الأسباب إلى الجنجويد وغيره. فكان رد الشفيع بأن نقدي لتحليلهم لأزمة دارفور "غير صحيح وبه تعسف". وأنهم اعتبروا أساس النزاع المادي من حواكير وغيرها. . اتفقت في الكتاب مع الشفيع أن الحزب في أول بدء النزاع أرجعه إلى أساسه المادي مثل النمو غير المتوازن التاريخي الذي حكم علاقة المركز بالأطراف وعلاقات الأرض في دارفور. وفصَّل الحزب وجوه هذا الأساس في جريدة الميدان (مارس 2003) بقوله إن الصراع في دارفور ليس بين زرقة أفارقة وعرب وحسب وإنما هو وجه من وجوه الأزمة الوطنية. وتبني موقفاً صالحاً حيال الحواكير، وهي النظام المورث للملكية "القبائلية" للأرض في دارفور، قال فيه بضرورة الالتزام بأعرافها المستقرة والكف عن الزعيق بشعارات مثل "الأرض لم يفلحها" التي ستخلخل هذه الأعراف بثمن فادح وبلا نتيجة. ودعا الحزب إلى الالتزام بتوفير سبل الرزق الكريم للبادية العربية وغيرها التي تضررت من نظام الحواكير التليد وهي تصطلي بالجفاف وانكماش المعاش. وبدا لي أن الحزب استمع في هذا الخصوص إلى رأي فرعه بدارفور وظل ينشر بيانات الفرع في تغليب أساس الصراع المادي في جريدة الميدان مراراً وتكراراً. مأخذي الحق على الحزب حيال مسألة دارفور أنه سرعان ما أهمل موالاة خطه عن الأساس المادي لنزاع دارفور ليخوض في بواعثه العرقية مع الخائضين. ولن نعرض هنا لمسألة العلاقة المعقدة بين الأساس المادي وتجليات الثقافة مثل العرق لكن الماركسي ملزم بتقديم الأساس المادي والباقي ملحوق وباب الاجتهاد فيه مفتوح. ومن أدل دلائل إدارة الحزب ظهره لمرتكزه الماركسي هو ترويجه لكتاب الأستاذ سليمان حامد عن أزمة دارفور. فقد أذاعوه في الميدان وطبعوه بالقاهرة في 2005. فاصبح بهذا الجاه خطاً حزبياً مركزياً متبعاً. فأزمة دارفور عند سليمان هي صراع عرب وزرقة. وحكى رواية الصراع كما هي في النص السائد عن عقيدة الحزام العربي الذي أراد المخططون له (الدكتور حسن الترابي وتنظيم قريش والعقيد القذافي والسيد الصادق المهدي وهلمجرا) تهجير القبائل الأفريقية وإحلال العرب مكانهم. وقد أخذت على كتاب سليمان أمرين: أولهما سوء فحصه للوثائق الدارجة عن هذا الحزام العربي وثانيهما أنه انساق وراء المعارضة للانقاذ كيفما اتفق. وهي المعارضة الإثارية. وأفضل من حذر منها أستاذنا عبد الخالق محجوب في "الماركسية وقضايا الثورة السودانية" في تقويمه لمقاومة الحزب لنظام الفريق إبراهيم عبود. فقد وصفها بأنها ضيقة الصدر بالإستبداد ولا تمانع في ذهابه بدون اعتبار لبنياته المادية والطبقية. ولذا كان خلاصنا من مستبد بعد مستبد بمثابة "أعد" ولسه الدورة الخبيثة مدورة. لو قرأ الشفيع كتابي لما نصحنا بأن نبحث متى عالجنا مثل محنة دارفور عن الأبعاد المختلفة للقضية أونستخدم في تحليلها أسلوب التفكيك الذهني النظري أو التركيب وننظر في ارتباطاتها بما حولها ومالآت تطورها. ولابد أن الشفيع نسي أنني ظللت أرتزق من إتباع الخطط التي ذكرها في مباحثي وبتدريسها للنشء الباحث. فكانت كاري وأنا "مثقف عضوي" في الحزب الشيوعي أنشر في "الشيوعي" وغيره. وهي كاري لما عدت للأكاديميات حتى يومنا الراهن. وليقف القاريء الشغوف على جلية أمر كتابي فأنا ميسره إن شاء الله لكل من يبعث لي ببريده الإكتروني. فالكتاب قد صدر في القاهرة ومات ناشره فتفرقت مطبوعاته في الجهات الأربع. ولم يصل منه السودان إلا أقل القليل.