رقية وراق في وداع الشاعر النور عثمان أبكر صحو الذكرى الصبية! [email protected] ظللت في شغل عن الحفل ،في مبتداه ، بسبب الهواجس حول قيمة هديتي التي أتيت أسعى بها من شمبات الجنوبية ، نحو شمبات الأراضي . ما رددت الهواجس من مشرق حتى باغتتني من مغرب فما أجد سوى الدعاء ، أن ييسر الله القبول لشرائحي فلا تهون على جمع المحتفلين والمحتفلات. عندما رأيت" كرم الله " يأخذ طريقه الى جانب الكيك المنزلي والآخر الذي تعده محلات الحلويات وتلونه وتزينه ، في الأطباق البلاستيكية الصغيرة ، اطمأنت نفسي ، ولكني لم أكن أعلم أن كرم الله الحقيقي كان ينتظرني . كان ذاك الحفل الطفولي هو المرة الأولى والأخيرة ، التي سأرى فيها النور الشعري الذي وجدت دربا صغيرا يربطني به دون وضوح تام لرؤيا من جانبي في ذاك العمر . اطمئنان للمعرفة الوجدانية التي ستأتي بعد ، دفعني لقلاصة أدبية : _ أستاذ النور ، هل يمكن أن تقرأ علينا من شعرك ؟ التفت أبو زميلتي نحو الصوت المنبعث من وسط صفير البالونات الملونة وضحكات الصغار وموسيقى الحفل القائم على سن ورمح في فناء داره . ربما أن أحدا من جمعنا الصغير ما كان يفكر في شعر الكبار وقد انعقدت ألعاب التسلية وانتظم فيها الجميع ولكني لم أعد أفكر سوى في الشعر الذي قرأته عندما أحضرت ( لالا ) ديوان صحو الكلمات المنسية يوما الى المدرسة . استعرت الكتاب ورددته لها في نهاية اليوم الدراسي وظللت أقرأ القصائد بطعم تلك الظهيرة المدرسية في كل مرة طالعتها بعد ذلك . توقف الأديب بعد أن كان في طريقه لتخطي جمعنا ورد بحنان : _ ولكني لو قرأت لكم شعرا فلن تسمعوني ، أنا طويل وانتوا صغار و قصار . جبر الشاعر، فارع القامة ، بخاطر الصبية بالاعتذار المازح ، ثم مضى الى صالون لطيف الاضاءة وجلس مواجها لمجلس زوجته ، أم زميلاتنا . صورة بعيدة في محطات الذاكرة ، تعطي انطباعا محببا عن الزواج والأسرة . فيما بعد ، لم يعد قطار ذكرياتي لفناء الدار الشاعرة محزونا الا بعد صافرة الرحيل الحزينة ، التي زاحمت بثقل الموت صفير بالونات حفل الميلاد الذي شهدته تحت اِشجار اليوسفي الزكية كما شعر أبكر . لقد أبكاني مشهد الوداع الأخير ، وما انفكت الصورتان تصطرعان ، القامة الفارعة ، جابرة الخاطر ، وصورة الجسد المغطى بالأبيض حتى قبيل مواراته الثرى كما رأيتها في مشهد التشييع عبر الشبكة الالكترونية ، تنزلت رحمة الله عليه ، ولتتقبل لالا وايزيس وماجدولينا وأمهن، وعبرهن الوطن البعيد ، عزائي .