الطيب مصطفى [email protected] عندما أكتب عن الحركة الشعبية فإنهم يقولون إن شهادتي مجروحة رغم أني لا أتحدث أو أكتب إلا بالوثائق وأعلم عاقبة شهادة الزور المحرَّمة شرعًا... لكن ماذا تقول الحركة عن شهادة مسانديهم وداعميهم ومحرضيهم وأولياء نعمتهم... أليست هذه بمثابة الشاهد من أهلها؟! بل ماذا تقول عن شهادة قياداتها والنافذين فيها؟! إقرأوا معي هذا الخبر الذي لم تنفرد به (الانتباهة) وإنما نُشر في عدد من الصحف... فقد قال جون هولمز وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية بالأممالمتحدة إن الأوضاع الإنسانية بمناطق النزاع الذي يجتاح جنوب السودان سيئة للغاية وحذَّر من حرب جديدة في جنوب السودان وعبَّر الرجل عن قلقه من المنازعات القبلية التي (سقط من جرائها المئات أو ربما آلاف القتلى) على حد تعبيره وقال إن (حجم النزاع وعدد القتلى وحجم الدمار يثير القلق فعلاً) وأعرب عن قلقه أيضًا بشأن مصير النازحين نتيجة هذه الاشتباكات والذين قدر عددهم في ولاية جونقلي لوحدها بعشرين ألف نازح. دعونا من كلام (الخواجة) هولمز الذي ربما تشتبه الحركة الشعبية أو تشك في أنه التحق بمنبر السلام العادل خاصة بعد أن تحوَّل إلى حزب سياسي لكن ماذا عن حاكم ولاية جونقلي كوال منيانق المنتمي للحركة الشعبية والذي اعترف بأن الصراع القبلي في الولاية أدى إلى مقتل أكثر من ألفي شخص خلال الثلاثة أشهر الماضية ونزوح أكثر من 23 ألف شخص في مناطق أكوبو والبيبور بالولاية!! بربكم هل كان معدل القتل بهذه الصورة قبل توقيع اتفاقية نيفاشا التي أناخت الحركة بموجبها بكلكلها على جنوب السودان وشعبه الغلبان؟! ما حدث في جونقلي يتكرر بصور متفاوتة في كل ولايات جنوب السودان تقريبًا... إنها مذابح التوتسي والهوتو التي هزَّت الضمير العالمي في رواندا تعود من جديد بشكل أكثر دموية وبشاعة في جنوب السودان تحت حكم الحركة الشعبية التي (يبشِّرنا) باقانها وعرمانها صباح مساء بأنها قادمة لحكم السودان الشمالي لتغدق عليه من خيراتها التي نراها مجسَّدة في جنوب السودان منذ أن وطئت بحذائها على رقاب شعبه المسكين الذي أخذ ينزح مجددًا إلى الشمال حيث الجلابة الذين اكتشف شعب الجنوب بعد فوات الأوان أنهم (أناس طيبون) كما نقلت صحافتهم الجنوبية على لسان بعض ضحايا قهر الحركة الشعبية وجيشها التتاري المغولي!! رغم ذلك يصرح جيمس واني رئيس المجلس التشريعي لجنوب السودان بأن الحركة الشعبية ستكتسح الانتخابات القادمة وينشط ياسر عرمان في قطاع الشمال ويتحدث عن أن الحركة ستشرع في حملتها الانتخابية في الشمال خلال الشهر القادم بدلاً من وقف نزيف الدم وشلالاته في الجنوب الذي تولوا أمره على حين غفلة من الزمان!! في نفس اليوم الذي نُشرت فيه اعترافات والي جونقلي وتصريحات مسؤول الأممالمتحدة جون هولمز (9/5/2009م) يأتينا خبر آخر عن مذبحة أخرى في منطقة أخرى هي محافظة نهر السوباط بولاية أعالي النيل التي شهدت مقتل 59 شخصًا وجرح 65 آخرين في قرية توركينج ويقول الخبر إن الهجوم نفَّذته مجموعة تتبع لقبيلة اللاونوير ونُهبت أعداد كبيرة من الأبقار وأُغلق طريق الناصر ملكال. ثم أحيلكم إلى خبر آخر ورد في نفس اليوم من منطقة أخرى يقول إن هنرى دينقا المستشار بولاية الاستوائية الوسطى عقد مؤتمرًا للسلام والمصالحة بين قبيلتي المنداري والباري في مدينة جوبا بعد أن فتكت النزاعات بين القبيلتين بأعداد كبيرة من القتلى والجرحى وأرجو ألا تصدقوا أن هذه المؤتمرات والمصالحات تمثل نهاية المطاف بالنسبة لتلك النزاعات فسرعان ما يتجدَّد الصراع قبل أن يجف الحبر الذي تُكتب به تلك المصالحات وقد تجدَّدت بالفعل حيث تدور رحى الحرب الطاحنة بين القبيلتين هذه الأيام تحت سمع وبصر الحركة الشعبية اللاهية العابثة التي دمرت جنوب السودان وتسعى لتدمير الشمال! في نفس اليوم خبر آخر عن طلاب الطب بجامعة جوبا الذين أُغلقت جامعتهم عقب تظاهرة قام بها عدد من طلاب السنة الثانية الذين طالبوا بسد النقص في الأساتذة والمساعدين وفنيي المعامل والقاعات والمعامل. هل تذكرون مطالبة اتحاد طلاب جامعة جوبا عندما كانت تقيم في الخرطوم (الكدرو) والذي كانت تسيطر عليه الحركة الشعبية... مطالبته بتعجيل نقل الجامعة إلى جوبا؟! لا أشك والله اليوم في أنهم يعضُّون أصابع الندم ويذرفون الدموع على تلك الأيام الجميلة التي كانت فيها الجامعة هي الثالثة على مستوى السودان من حيث الدرجات المؤهِّلة للقبول فيها... أما اليوم فقد أضحت خرابًا ينعق فيها البوم والغربان!! إنها بداية اشتعال الثورة على الحركة الشعبية التي فشلت في توفير الأمن لمواطني جنوب السودان بل إن الحركة وجيشها البغيض هما اللذان يروِّعان الشعب ويذيقانه صنوف القهر والتجويع والذل ويلبسانه ثياب الجوع والخوف الأمر الذي جعل شعب الجنوب بل والمنظمات الأممية تشهد بأن الحال كان في أيام الحرب أفضل بكثير من الحال اليوم. هذا يحدث بعد أربع سنوات ونيف من اتفاقية نيفاشا بمعنى أن الفترة الانتقالية التي يُفترض أنها ستُقيم الحكم الراشد في جنوب السودان وتحقِّق الاستقرار تمهيدًا لقيام الانتخابات ثم استفتاء تقرير المصير قادت إلى العكس وإلى انهيار الدولة في جنوب السودان باعتراف المبعوثين الأمميين الذين قالوا إن الجنوب على حافة الانهيار وقد أوردنا ذلك في حينه ولو صدقوا لقالوا إنه قد انهار بالفعل!! أما باقان وعرمان فإنهما في وادٍ آخر فها هو باقان يطالب في نفس اليوم الذي وردت فيه أنباء المذابح التي تجتاح جنوب السودان بعقد مؤتمر للشريكين تحت رعاية منظمة الإيقاد والوسطاء بمدينة (نيفاشا)!! لتقييم ما نُفذ من الاتفاقية! بربكم أليس هذا الرجل يعيش في غيبوبة فبدلاً من أن يتوجه إلى الجنوب لإنقاذه من الانهيار يريد أن يسافر إلى نيفاشا مرة أخرى وكأننا (ناقصين) أو كأن نيفاشا القديمة جاءت بالأمن والأمان لجنوب السودان؟!