أعجبتني طرفة الدكتور كمال عبد القادر التي حكاها بصحيفة السوداني عن سهام.. إحدى قريباته التي كاد أن يفوتها قطار الزواج .. أقسمت بأن تضرب زوج المستقبل (كف) في يوم الزفاف إلى أن ينكفئ على وجهه من (الكوشه) .. وعندما تم سؤالها عن السبب قالت .. بعد الكف سأقول له .. (إنت كنت وين الزمن ده كله وأنا مكملة قروشي في الكريمات والترزية .. مالك ما بتشوف .. وكمان جاييني بعد أمي ماتت). حسناً .. فقد صدقت سهام .. (انت كنت وين الزمن ده كله) .. وقد عرفت حي الصحافة بالخرطوم منذ أن كنت طالباً في المرحلة الابتدائية ونسكن الكلاكلة المنورة .. عرفته حياً منظماً .. مرتباً .. يشبه بعضه .. يليق بطبقة وسطى حينها .. لكن .. كنت مستاء من شوارع ذلك الحي بجميع مربعاته في فصل الخريف .. إذ أنها مليئة بالحفر والمياه الراكدة .. وشاءت الأقدار أن أسكن ذلك الحي لبضع سنوات وأنا أقود عربتي.. ثم الآن هو تحت مرور حركتي اليومية .. هذه الحركة التي لاتستثنى مكاناً .. وبعد كل هذه السنوات يظل الحي هو الحي .. والشوارع هي ذاتها .. والصور نفس المشاهد .. ذات الحفر و(الدقداق) في الصيف .. والمياه الآسنة في الخريف .. وهو من الأحياء النادرة مكتملة العدة والعتاد من ناحية البشر، إذ قلما تجد فيه قطعة فارغة بدون بناء. ولكن ما دخل الصحافة وشوارعها بمنظمة مجددون .. وما علاقة كل ذلك بالسؤال المبهم في افتتاحية هذا المقال. طيب إني أيها السادة أتهم نفسي وإياكم بأننا شعب شحيح فيما يتعلق بأمر خدمة المجتمع .. شعب تكون نهاية (دقه طوريته) عند عتبة بابه .. (تطلع المويه من بابي وبعد داك إنشاء الله تغرق البلد) .. شعب معارض بفطرته .. إذ أن أي عمل يشتم فيه رائحة الرسمية يكون أغنى الناس عن الشرك فيه بينه والحكومة .. فيتنازل بأسرع ما تيسر لها تاركاً إياها تعاني ويلات الوحل و(الدقداق) .. وفي حقيقة الأمر لا يعانيها إلا هو. لماذا تظل طرقات بيوتنا التي نسير فيها وأولادنا وأهلينا بتلك الحال في انتظار قدوم مستحيل لحكومة تعاني وتكابد (الأمرات الكثيرة)؟! .. لماذا نقذف بقاذوراتنا كيفما اتفق وفي ذهن كل منا (ما هو إحنا بندفع نفايات هم قاعدين يسووا شنو)؟! .. لماذا يعلو صوت سائقوا السيارات في بلادي بأقذع الألفاظ سواء أكان ظالماً أو مظلوماً .. مخطئاً أو أخطأ آخرون في حقه؟! .. لماذا يدفع كل منا دم قلبه لتعليم أطفاله في المدارس الخاصة (لمن استطاع إليها سبيلا) ونترفع عن أن نتبرع بثمن وجبات لأطفال جياع في مدرسة الحي الذي نسكنه؟! .. لماذا ولماذا .. سأعطى كل منكم فرصة لإكمال سيل الأسئلة المتدفق في هذا الاتجاه ثم ننتقل إلى الفقرة التالية. مجددون .. شباب من صلب هذا البلد .. أعرف مديرهم فارس .. شاب منتصب القوام في عزة .. يأكل الطعام ويمشي في الأسواق .. ومن خلفه أهل خير.. بدون مقدمات عن بداية التجربة.. هذه المنظمة الآن تسعى لكفالة 140 ألف تلميذ في وجبة الإفطار.. حسناً.. فإني أرى أنه قد سد هذه الثغرة فجزاه الله خيراً و يستحق أن يصوت له 140 ألف أسرة بكامل عتادها في أول انتخابات قادمة .. ونحن مجموعة من المهندسين والمهتمين أسسنا منظمة العون الفني .. نسعى من خلالها لتنفيذ برامج تدريبية ضخمة لترسيخ فهم إتقان العمل ودرء الكوارث والعون الفني في الطوارئ والملمات وحشد الجهد الشعبي في التطوير والتأهيل ومحطتنا التالية هى الصحافة بعد الخريف انشاء الله تعالى .. والأطباء .. أين هم .. نتمنى أن نسمع منظمة بل عشرة بل ألف تعمل في العيادات المجانية للأطفال والرجال والنساء الذين لا يجدون ما ينفقون ولا يسألون الناس الحافا .. والمحامين عليهم مثل ذلك في الدعم القانوني .. والزراع والمعلمون وحفظة القرآن وأهل التخصصات النادرة و.. كل في مجاله وخبرته وجهده ووقته .. لا يكلف الله نفساً إلا وسعها .. نريد تفجير مقدرات هذا الشعب وطاقاته .. شعب جله من الشباب والذي عليه ضريبة خدمة الوطن وأهله .. وهو في شوق إلى ذلك .. ولكن لا توجد قيادة .. من يقود هذا العمل؟!. نود الآن الإجابة على تلك اللماذات الكثيرة التي سألناها لأنفسنا .. لماذا نحن شعب معارض بفطرته؟!. ببساطة .. لأن السياسيون يعزلون أنفسهم عن هذا الشعب وهمومه .. حكومة ومعارضة .. الشعب في حوجة إلى من يكفل أطفاله الفقراء في المدارس و المعارضة مهمومة بقتال الحكومة وأموال الدولة تنفقها الحكومة على المعارضة لتنال رضائها .. فتتقارب الحكومة والمعارضة وينالان معاً سخط هذا الشعب .. شعب يربيه ساسته وقادته على الفرجة والعداء غير المتوازن والمعارضة ذات البرنامج الواحد .. إسقاط النظام. لماذا نحن شعب معارض بفطرته؟! .. ببساطة لأنه لا خاطر لهذا الشعب عند حكومة أو معارضة .. فتكون حدوده باب داره وما زاد عن ذلك فهو مسؤولية الحكومة .. ألا أفلا أحدثكم عن خير من ذلك. ألا فإني أوصي منظمة مجددون بأن يجالسوا الأحزاب السياسية ولسان حالهم يقول (نحن نعمل في خدمة المجتمع .. تقدموا لقيادة هذا العمل واتخذوه مطية للوصول إلى كراسي الحكم) .. ونحن في العون الفني سنقول للتنظيمات السياسية مثل ذلك .. لا نتبع لتنظيم في نشاطنا .. ولكن لا مانع عندنا من أن يتبنى عملنا المؤتمر الوطني أو حزب الأمة أو الاتحادي أو الشيوعي .. لا مانع عندنا من أن يتخذون خدمة الشعب والمجتمع سلماً يدعون به هذا الشعب إلى برامجهم وأفكارهم .. يرفض الشعب أفكارهم أو يقبلها ..ذلك له .. ولكن يجب أن تكون خدمة المجتمع هي السبيل الوحيد لطرح الأفكار على الشعب .. اخدمني ثم قدني. والله أيها الأخوة إن الدرب لواضح وإن العمل لكبير وإن هذا الشعب ليستحق ويحتاج .. فلندع كثير الكلام ونتجه إلى قليل من العمل .. سأقترح عليكم .. اقترح أن تنشئ الأستاذة مريم الصادق المهدي وتتبنى منظمة باسمها وإخوانها واسم حزبها تعمل في مجال دعم التعليم .. تجلب الدعم للمدارس الحكومية وتتبناها وترعاها خدمة للفقراء الذين لا يجدون ثمن المدارس الخاصة .. ثم تعمل تجنيداً لذلك الشعب ولأولئك الطلاب لفكر الله أكبر ولله الحمد .. لدعوة المهدية .. أنيروا عقولهم حتى يفهموا فكرتكم وطرحكم. واقترح على أبناء زعيم االحزب الاتحادى والختمية .. الميرغني .. إنشاء منظمة تعمل في الدعم الصحي .. تنفذ عيادات مجانية لفقراء بلادي وتدعم المراكز الصحية وترعاها .. عالجوا هذا الشعب ثم قدموا فكرتكم وبرنامجكم. والحزب الشيوعي عليه بالعمل الرياضي والجماهيري والثقافي .. استوعبوا طاقات الشباب وفجروها في التعمير .. ثم حدثوهم عن دولتكم وبرنامجها. سادتي زعماء المعارضة .. هذا هو الدرب لإسقاط هذه الحكومة .. درب خدمة المجتمع والشعب .. أسلكوه وستجدون الحكومة تأتيكم طائعة مختارة لتقاسمكم بل لتتنازل لكم عن الحكم فأنتم تملكون الشعب. إخوتي في المؤتمر الوطني .. أتذكر إذ لحافك جلد شاة .. وإذ نعلاك من جلد البعير.. فسبحان الذي سواك ملكاً.. وألبسك الزبرجد والحرير.. لست في حاجة لتذكيركم بشباب البناء ورائدات النهضة والاتحاد الإسلامي والوجبة المدرسية .. وشباب الوطني ونداء الجهاد والبر الدولية والإغاثة الإسلامية ومعارج والمجلس الأفريقي وسلسبيل ومنظمة الدعوة الإسلامية و موفق الخيرية و ... لا لا لا .. انتم تعرفون الدرب .. فلا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثاً. سادتي وسيداتي شعب هذا البلد المعطاء.. أهلي الطيبين.. أعينوا أنفسكم بفعل الخيرات. \\\\\\\\\\\\\\\