في عام 1972 ، تفجرت فضيحة ووترغيت التي تُعد أكبر فضيحة سياسية في تاريخ أمريكا وكان ملخص الفضيحة هو قيام الرئيس الجمهوري نيكسون بالتجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي المنافس في فندق ووترغيت عبر زرع أجهزة تنصت على اتصالات النواب الديمقراطيين ، وقد أدت تلك الفضيحة إلى استقالة نيكسون وعزل بعض مساعديه ، فقدان الحزب الجمهوري لمقاعد في مجلسي الشيوخ والنواب ، وضع الحملات الانتخابية تحت الرقابة الفدرالية، تشويه صورة العمل القانوني لتورط بعض المحامين في الفضيحة، وتشويه صورة العمل الرسمي في نظر الرأي العام ودمغه بالفساد السياسي إلى درجة أن اللاحقة "غيت" أصبحت عبارة مميزة لكل فضيحة سياسية أو اعلامية تقع في أي مكان في العالم! وهاهو التاريخ يعيد نفسه ، ففي يوليو 2011 ، تفجرت أكبر فضيحة اعلامية وسياسية في تاريخ بريطانيا وهي فضيحة هاك غيت التي تتلخص في تورط صحيفة نيوز اوف زي ورلد البريطانية، التي يملكها روبرت مردوخ الاسترالي الأصل الأمريكي الجنسية، في فضيحة تنصت على اتصالات بعض المشاهير بعد اختراقها بمساعدة من أفراد في الشرطة البريطانية ، لقد أدت هذه الفضيحة إلى استقالة رئيس شرطة اسكوتلانديارد البريطانية ونائبه ، التحقيق مع مردوخ وابنه أمام مجلس العموم البريطاني، تعرض أسهم بعض شركات مردوخ لخسائر مالية، توجيه اتهام بالتنصت على اتصالات واتهام بالفساد إلى رئيسة تحرير صحيفة نيوز اوف زي ورلد السابقة ريبيكا بروكس وهما تهمتان يعاقب عليهما القانون الجنائي البريطاني بالسجن، اهتزاز سمعة حكومة المحافظين البريطانية لعلاقتها بالمتورطين في هذه الفضيحة وما زالت نتائج هذه الفضيحة تتوالى تبعاً لتوسع دائرة التحقيقات خصوصاً بعد العثور على الصحفي الذي فجر فضيحة هاك غيت ميتاً بعد قيامه بالكشف عنها! من المؤكد أن آثار فضيحة هاك غيت البريطانية سوف تطال الصين وأوربا والولايات المتحدةالأمريكية والعالم العربي أيضاً لأن روبرت مردوخ ، المعروف بولائه الشديد لإسرائيل وعدائه السافر للفلسطينيين ، هو المالك والمدير الفعلي لأكبر إمبراطورية إعلامية في العالم حيث تقدر قيمتها ب 33 مليار دولار أمريكي، وهذه الامبراطورية تعتبر الأكثر تأثيراً في تشكيل الرأي العام العالمي بسبب احتكارها لأقوى القنوات العالمية لصناعة الترفيه الإعلامي والسينمائي والاخباري مثل قناة فوكس نيوز، ويُمكن القول إن فضيحة هاك غيت هي فضيحة دولية ذات تداعيات عربية محلية خصوصاً أن مردوخ لديه شراكات إعلامية في العالم العربي ويسعى إلى خلق شراكات إعلامية جديدة في منطقة الخليج العربي ولذلك يجب علينا استخلاص العبر من فضيحة هاك غيت باعتبار أن أهم الأهداف السياسية لثورات الربيع العربي هي محاربة الفساد السياسي والاعلامي أياً كان مصدره. ولعل أهم العبر الاعلامية والسياسية التي يجب استخلاصها من فضيحة هاك غيت هي أن السبق الصحفي لا يبرر مطلقاً اختراق قانون الخصوصية الذي يحمي مكالمات الأفراد من التنصت غير المشروع وأن التنصت غير المشروع على اتصالات الافراد هو جريمة يعاقب عليها القانون فضلاً عن أنه خطأ مهني قاتل غير قابل للمعالجة ، ولعل من أكبر مفارقات هذه الفضيحة هي أن قانون مكافحة الارهاب البريطاني ، الذي يجيز التنصت على اتصالات الأفراد بهدف مكافحة الارهاب في بريطانيا ، قد تم خرقه بشكل سافر وتم استغلال أجهزة التنصت المتطورة بغرض التنصت على مكالمات مواطنين بريطانيين لا شأن لهم بالارهاب الأمر الذي يشكل اعتداءاً صارخاً على قيم الديمقراطية البريطانية التي تقوم أساساً على حماية حقوق الأفراد ومنع السلطات العامة من التغول عليها دون أي مبرر قانوني! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي