بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى:(هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية هذا بلاغ للناس بقلم: أبوبكر يوسف إبراهيم روحانيات رمضانية : "مثل المؤمن كالخامة من الزرع، تفيئها الريح مرة، وتعدلها مرة"!! الاستهلالة: في شهر رمضان المبارك علينا أن نتوقف قليلاً في استراحات روحانية نُزَوِّد فيها الروح بما يجعلها منتصبة قوية في إيمانها وتمسكها بعقيدتها نمارسها ونطبقها عملياً فنفخر بها ونزهو ونشكر الله على نعمة الإسلام ؛ فإن طرأ ما يدعونا للكتابة لرد كيد كائد فنحن نقتدي بالمسلمين في غزواتهم حين يأتي وقت الصلاة ؛ طائفة تصلي وطائفة تحرس متيقظة؛ فإن دعت الحاجة فلن نتوان قرأت لكم من إعداد الدكتور نظمي خليل أبوالعطا موسى أستاذ علوم النبات في الجامعات المصرية ما يستحق أن نطلع عليه لإدراك الإعجاز الإلهي الذي لا يمكن التوصل إليه إلا إن تقيدنا وعملنا بالموجهات القرآنية من والتأمل التفكر والتدبر لنعقل وندرك ؛ وكل هذه النعم تحتاج منا لإعمال العقل.!!. المتن: للتربية والتعليم أساليب عدة وطرائق في التدريس منها التربية بضرب الأمثال, وقد استخدم الناس الأمثال منذ القدم كوسيلة لتقريب المراد فهمه وتوصيله للأذهان، وفي المثل نقرب المجرد بالمحسوس والغائب بالحاضر، وكان صلى الله عليه وسلم يستعين على توضيح المعاني التي يريد بيانها بضرب المثل، مما يشهده الناس بأبصارهم، ويتذوقونه بألسنتهم، ويقع تحت حواسهم وفي متناول أيديهم، وفي هذه الطريقة تيسير للفهم و التعلم، واستيفاء سريع لإيضاح ما يعلمه أو يحذر منه. وقد تقرر عند علماء البلاغة أن لضرب الأمثال شأنا عظيما في إبراز خفيات المعاني، ورفع أستار محجبات الدقائق، وقد أكثر الله سبحانه من ضرب الأمثال في كتابه العزيز واقتدى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك بالكتاب العزيز فكان يكثر من ذكر الأمثال في مخاطبته ومواعظه وكلامه (انتهى) المرجع:(الرسول المعلم وأساليبه في التعليم، عبد الفتاح أبوغدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب: سوريا (ط 1) (ص 12) 1996م). ومن الأمثلة التي ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمن والمنافق من عالم النبات قوله صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمن كالخامة من الزرع، تفيئها الريح مرة، وتعدلها مرة، ومثل المنافق كالأرزة، لا تزال حتى يكون إنجعافها مرة واحدة)، (وفي رواية المجذية) متفق عليه. والخامة من الزرع): أول ما ينبت من الزرع على ساق واحدة وقيل: الضعيف، والخامة تكون في بدايتها رقيقة ضعيفة لشدة لينها. (تفيئها الريح): أي تميلها وتجعلها منثنية ومنكفئة على الأرض، وتارة تقيمها، والمراد أن الخامة من الزرع تستمد قوتها وقدرتها على الصمود في مواجهة الريح من ضعفها ولينها. (كالأرزة): هي شجرة صلبة، يقال أنها شجرة الصنوبر، وفي المعجم الوسيط: الأرز: شجر عظيم صلب دائم الخضرة يعلو كثيرا، تصنع منه السفن وأشهر أنواعه أرز لبنان. (المجذية): الثابتة المنتصبة والمستقرة. (حتى يكون إنجعافها): أي انقلابها. (نقلا عن الحكم والأمثال النبوية من الأحاديث الصحيحة، سميح عباس، الدار المصرية اللبنانية للنشر (ط 1) (ص 241) 1994م). وهذا الحديث فيه مشاهد عظيمة من عالم النبات والبيئة المحيطة به، فعندما تهب الريح عاصفة شديدة نجد النباتات الحولية الضعيفة الساق والمرنة غير المستغلظة تغلظا ثانويا في السمك وغير الطويلة الساق في الحقول الشاسعة قد تمايلت جميعها كبساط أخضر جميل مع اتجاه الريح الشديدة والباردة أحيانا والحارة أخرى، ثم تهدأ الريح فجأة، فتستقيم النباتات جميعها دفعة واحدة وتعتدل، وقد تغير الريح اتجاهها فتميل النباتات معها في اتجاهها ، وهكذا تتلاعب سيقان وأوراق تلك النباتات الخضراء الضعيفة مع الريح، تنحني، وتميل، ثم ترتفع وتستقيم إلى أن تهدأ الريح فتعود سيرتها الأولى وتستمر في نموها وإزهارها وإثمارها. وإذا تتبعنا نبتة واحدة في هذا الجو العاصف نجد ساق النبتة تتلاعب بأوراقها في سرعة عجيبة مع الرياح شدة وضعفا واتجاها. وفي المقابل وفي نفس المكان نفسه وبالريح عينها نجد الشجرة القوية المعمرة سنوات عدة أتتها الرياح العاصفة القوية، فقاومتها بهامتها الكثيفة وساقها الطويلة، فضغطت عليها الريح بشدة ثم اقتلعتها من الأرض وألقت بها ممددة طويلة مهزومة مقلوعة من جذورها، محطمة سيقانها وأوراقها ومبعثرة في كل مكان، ثم تهدأ الريح وتدب الحياة في المكان ولكن هذه الشجرة لا تقدر على العودة سيرتها الأولى ولا يجد الناس بدا من إزالتها من المكان وتقطيعها وتجفيفها واستخدام ساقها في الصناعات الخشبية وفي إيقاد النيران. الهامش: يا له من مشهد تصويري رائع لخامة الزرع الشديدة الضعف والرقة البينة الضعف! إلا أن الله - عز وجل - جعل لها من هذا الضعف قوة وهذا ما يطلق عليه الضعف الوظيفي (أو الضعف الايجابي)، لأنه يوظف لخدمة صاحبه ولا يكون علامة ضعف أو عجز، فمثلا الريح تقتلع كل قائم في طريقها، فمن انحنى سلم منها وأمن على بقائه (ومن لم يقدر على مقاومتها اقتلعته من جذوره) ولهذا شبه صلى الله عليه وسلم المؤمن بالخامة (النباتية) الرقيقة، لم يؤثر في إيمانه ضراء أو نازلة، ممتثلا لله - عز وجل - واضعا نصب عينيه قوله تعالى: "قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا" (التوبة/51). abubakr ibrahim [[email protected]]