كأنما حدث في ميدان التحرير يوم جمعة لمّ الشمل مفاجأة. ربما جاء الفرز حاداً غير أنه ليس سوى منعطف في المخاض السياسي في القاهرة حالياً. المفاجأة ليست أكبر من التلاقح الثوري المباغت في الميدان نفسه. عملية الفرز لا تثير القلق مهما كانت نتائجها طالما تأتي في سياق المخاض السلمي. القلق يبلغ شأوا بعيداً عند اللجوء إلى العنف بغية اختزال المخاض التلقائي بواسطة عملية قيصرية. عندئذ تواجه مصر خيارين لا ثالث لهما. إما ان تحدث ثورة على الثورة أو ثورة داخل الثورة. النتيجتان كارثيتان إذ لا أحد يمكنه الجزم بالمسار دع عنك النتائج المحتملة لأي من الخيارين. بالإضافة إلى إحباط غامر للقوى المتصارعة في سياق المخاض فإن الفوضى هي أكثر الاحتمالات الراجحة. في كل الأحوال ستلج مصر دورة من العنف لا أحد يستطيع تحديد خسائرها وضحاياها ومداها. العنف لا يولد إلا العنف. هذه هي الخلاصة الحتمية الوحيدة الثابتة. من أجل تأمين استمرار مخاض سلمي للفرز السياسي الحالي على القوى المصطرعة عدم المساس بهيبة الدولة. استهداف سلطة الدولة بغية تقويض هيبتها لا تعني تعزيز روح الثورة. كذلك يجب تحييد المجلس العسكري ذلك أن محاولات استفزاز المجلس أو استقطابه لا يؤمن عبوراً سلمياً للمرحلة الانتقالية. العمل من أجل الوصول إلى سدة السلطة حق مشروع لكل الفصائل شريطة التزامها الوسائل السياسية السلمية حتى صناديق الاقتراع. في سياق المخاض الحالي لابد من الفرز بين مشروعية العمل السياسي ومغامرات الانقضاض على الثورة أو اختطافها. عوضاً عن محاولات تجييش الشارع أو الهرولة إلى ثكنات الجيش من الأفضل تلاقي القوى السياسية من أجل انتاج مشروع وطني مشترك يؤمن عبور المرحلة الانتقالية. مثل هذا المشروع يشكل وحده الحاضنة الوطنية لتأمين مخاض سياسي سلمي مقبول النتائج. كما أن مثل هذا المشروع يبني وحده مصداً أمام مغامرات العنف المحتملة من قبل القوى السياسية بما في ذلك المغامرات العسكرية. تباين الرؤى تجاه المجلس العسكري يشكل أحد المنزلقات لجهة اختطاف الثورة أو إجهاضها. هو كذلك إحدى ثغرات مغامرة ثورة على الثورة أو ثورة داخل الثورة. التباين تجاه المجلس لا ينحصر في دوره كسلطة حاكمة مطلقة أو سلطة إدارية مفوضة. الأكثر خطورة من دور المجلس العسكري هو تركيبته البنيوية نفسها. المجلس ينظر إلى نفسه رأس الرمح في إنجاز الثورة السلمية انطلاقاً من انقلابه على الرئيس. ابعد من غيره يذهب المجلس إلى جدار تاريخي يسند إليه شرعيته. ذلك جدار يشكل امتداداً لثورة يوليو. قادة الأركان لا ينظرون إلى الجانب العسكري أو السياسي من الثورة بل إلى ثقل الجيش على الصعيد الوطني. الجيش المصري ليس فقط مؤسسة عسكرية بل أكثر من ذلك هو كذلك مؤسسة اقتصادية لها دور فاعل في الانتاج وثقل هائل في الأسواق. الأكثر خطورة في عملية الاستقطاب الجارية في سياق المخاض الحالي ذلك الجانب المتعلق ببنيوية أعضاء المجلس. هم خلاصة ثقافة سياسية لنظام سابق غير أنهم حاضرون على نحو صارخ في ثقافة حديثة يجري تشكيلها وصياغتها. الخطورة تكمن في بلورة قناعة لدى قادة الأركان بأن لديهم ثقلاً جماهيرياً خارج الثكنات. هذه القناعة لم تأت وهماً بل تبلورت في سياق التجاذب الجاري في الشارع السياسي حالياً. من غير الممكن عزل المجلس العسكري عن عملية المخاض في غياب مشروع وطني لعبور المرحلة الانتقالية. إذا كان هناك تيار إسلامي منظم فهناك كذلك تيار يساري يجنح إلى التجربة اللاتينية. بغض النظر عن حجم أي منهما فوجودهما يفتح احتمال التربص بالثورة. من يبرئ المجلس العسكري من محاولات بلقنة الخارطة السياسية أو تلغيمها؟