مات البروفسر عبد العزيز بطران ، والناس كلهم يموتون ، ولكن لا يموت من ترك من خلفه تراثاً علمياً يفيد البشريّة ، و لا يموت من كانت سيرته طيّبة عطرة يفوح أريجها فتزكو النفوس ويطيب المكان ، و لا يموت من اتّسع قلبه فوسع النّاس على اختلاف أفكارهم ، وتوجهاتهم الثقافيّة واالسياسيّة ، و لا يموت من عاش عيشة الفنان ، فروح الفنان تسمو إلى آفاق رحبة ، لا يعرفها من لا يزال يعيش في حمأة الطين ، والفنان تصغر في عينه الكبائر وتكبر في عين غيره الصغائر . الميت الحقيقي هو ميت الأحياء ، فبعض الناس خُلق ليقاسم الناس الطعام والشراب والهواء لا يقدّم خيراً ولا يكف شرّاً ، فهو من سقط المتاع : ليس الميت من مات فاستراح إنما الميت ميت الأحياء كان البروفسر بطران عالماً وأكاديمياً مرموقاً ، درس في أحسن الجامعات البريطانية ، ودرّس في أرقى الجامعات الأمريكية ، وترك تآليف حسان ، نرجو أن يستفيد منها السودانيون وغيرهم من الشعوب الأخرى ولا سيّما الشعوب الأفريقيّة ، فقد سلخ خير سنيّ عمره يدرّس تاريخ هذه القارة السمراء ، ويقدمه إلى الطلاب في حلّة بهيّة . لقد استنار البروفسر بطران بنور العلم ، فانكشف له من حقائق الحياة ما انبهم على غيره ، فبعض الناس لا يزالون يبحثون عن حظوظ النفس ولو كانت بين حجارة المقابر ، وفي حضرة الموتى . رحم الله البروفسر بطران فقد لقيته أوّل يوم في مسجد دار الهجرة في التسعينيات من القرن الماضي ، ثم شاء ربي أن نصلي عليه ونودّعه في المسجد نفسه ، فكان خير تعارف في خير مكان ، وخير وداع في خير دار . لقد سبق لقائي البروفسر بطران أحاديث عنه من صديقه الأستاذ عبد الواحد الطريفي ، فقد كان يفيض في ذكر محاسنه ، فوجدته الحمد لله كما قال ، وإنّا لنرجو أن يكون عند الله خيراً ممّا قال . عزائي إلى أسرة المرحوم ، وإنا لنرجو أن تكون ذريته خير خلف لخير سلف ، و أن يكثروا له من الدعاء ، فإنه خير هديّة تقدّم إلى الميت . نسأل الله تعالى أن يرحم البروفسر بطران ، و أن ينزل على قبره الضياء والنور ، وأن يسكنه الفردوس الأعلى من الجنة ، إنه ولي ذلك والقادر عليه . Hashim Muheldein [[email protected]]