بسم الله الرّحمن الرّحيم النّاس للموت كخيل الطّراد * فالسابق السابق منها الجواد والله لا يدعو إلى داره * إلا من استصلح من ذي العباد وقد دعا الله أخانا الأستاذ / فتحي خليل إلى داره دار الخلود ، حيث لا نصب ، ولا تعب ، وإنّا لنحسب ، ولا نزكي على الله أحداً ، أنه استصلحه ثُمّ دعاه ، فقد كان رحمه الله برّاً تقيّاً، خيّراً متواضعاً ، حميد السيرة ، حسن النقيبة ، زكي القلب ، سليم الصّدر ، ذا أناة ووقار ، يعرف حدود ما أنزل الله . كان رحمه الله من أوفر الناس عقلاً ، كبيراً لا تستوقفه صغائر الأمور ، ولا لاسفسافها ، جعل العمل العام قربة يتقرّب بها إلى الله وما أعظمها قربة لمن أحسنها كما فعل فتحي فأفنى نفسه فيه حتّى لقي ربّه . كان " فتحي " وما أقسى كلمة " كان " على القلب ، وما أثقلها على اللسان ، كالشمس للدنيا ، وكالعافية للأبدان ، لا يلقاك إلا باسماً ، ولا يصرف وجهه عنك حتّى تصرفه ، لقيته ذات مرّة في إحدى المناسبات في الخرطوم ، وكان والياً على الشماليّة ، فدعاني إلى زيارته وأصر أن أعده فوعدته ثُمّ أخلفته ؛ لطاريء فرض علي ّ قطع إجازتي ، والسفر فجأة ، وليتني زرته ، وهل ينفع شيئاً ليت ؟! ورغم أنّ " فتحي " قد تبوأ في الدولة وظائف كبيرة ، ومناصب خطيرة إلا أنّ ذلك لم يورثه غير التواضع وهضم النفس ، فلم يعرف الكبر إلى نفسه سبيلاً ، وما شهدنا حتّى عرفنا ، ولا أعلم أحداً عرف عنه زلة ، ولا سمع منه ما يوغر الصدور . ورغم مكايد السياسة ، وقلّة ورع المشتغلين بها ، إلا أنّ " فتحي " كان يأخذها مأخذ الجد ، لا يعرف الوعود الكاذبة ، ولا الخصومة الفاجرة ، ولو أنّ الساسة كانوا على سيرته ومنهاجه ، لانزل الله على العباد بر كات من السماء ، ولأكلوا من فوقهم ، ومن تحت أرجلهم ، ولكن أنى ذلك ؟ فالكرام قليل . ورغم مغريات منصب الوالي ، وولايته على مال الولاية ، إلا أنه بإجماع أهل الولاية كان طاهر اليد ، زاهداً فيما عند الناس ، راضياً بما رزقه الله من الكسب الحلال ، قانعاً به ، يرجو ما عند ربّه ، وما عند الله خير وأبقى . لا أعزّي في فتحي أسرته ، وأهله ، وأقاربه ، ولا جمهور الشماليّة فحسب ، بل أُعزّي فيه أهل السودان كافة ، فقد كان للدنيا جمالاّ ، وللوطن كمالاً ، لم يبخل على الوطن بشيء يقدر عليه فلم يفعله ، وعندما عُرض عليه الترشيح لمنصب الوالي ، كان أزهد الناس فيه ، ولولا إصرار الرئيس عليه ما قبله . وحين فاز بالمنصب كان أشقى الناس به ، فقد هاله الأمر ، وكبُر في نفسه ، واستشعر عظم المسؤوليّة ، وخشي أن يلقى الله ، ولم يحسن القيام بالمسؤوليّة على الوجه الذي يرضاه ؛ لذلك تجده يستشير في حكم أهل الشماليّة وماأشدهم على الولاة ، وما أكثر حجاجهم كل من يأنس فيه الخبرة ، والكفاءة ، والحنكة ، وحسن التدبير ، ولعلها كانت منه معذرة إلى الله . اللّهم إنّي وكل إخوان فتحي ، وأحبائه ، وخلانه ، ومن يعرفونه عن قرب ، نشهد لفتحي بالإيمان ، ونقاء السريرة ، وجمال الخلق ، ومتانة الدّين ، فاقبل اللّهم شهادتنا فيه ، وأنزله منازل النبيين ، والصديقين ، والشهداء وحسُن أولئك رفيقا ، وأدخله اللّهم الجنّة بلا حساب فمن نوقش الحساب فقد عُذب . الّلهم اغفر له وارحمه ، وعافه واعف عنه ، واغسله بالثلج والماء والبرد ، ونقّه من الخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدّنس . الّلهم أنزل على قبره الضياء والنور والفسحة والسرور ، والزم أهله وزوجه وأفراد أسرته الصّبر ، إنّك وليّ ذلك ، والقادر عليه . Hashim Muheldein [[email protected]]