لم يكتفِ الاتحاديون امس الاول خلال ليلة احتفالهم السنوي بذكرى راعي الحزب السيد علي الميرغني؛ لم يكتفوا بانتهاز فرصة المناسبة للافصاح عن موقفهم من المشاركة في السلطة، بل تجاوب العدد الكبير من الحضور مع خطاب المسؤول الاعلامي ومرشح الحزب لمنصب رئيس الجمهورية، الاستاذ حاتم السر تجاوباً كبيراً، وهتفوا مطالبين بإسقاط النظام، في استفتاء حقيقي لموقف جمهور الحزب من مشاركة حزبه في السلطة. حاتم السر الذي الهب حماس الجمهور، شن هجوماً عنيفاً على حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وحمّله مسؤولية تفتيت البلاد، مؤكداً رفض الحزب لأي خطوات تقود للمشاركة في السلطة، لافتا إلى ان حزبه اختار منهج التغيير الشامل، ومبشّراً بأن "رياح التغيير قد هبت في البلاد"، تزامناً الثورة الشعبية في المنطقة العربية. وشدّد السر على ان الحزب الاتحادي الديمقراطي، هو من سيقود معركة التغيير بالبلاد. مثنياً على جموع قطاعات الشعب التي رفضت التهميش والظلم واحتكار السلطة. إذن فهاهو الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، يعود إلى "الأصل"، كحزب معارض اصيل، وقائد لتجمع المعارضة ضد نظام الانقاذ منذ مجيئه، بل ان زعيمه مولانا محمد عثمان الميرغني هو من قاد العمل المعارض بالخارج؛ قبل توقيعه في العام 2005 على اتفاقية القاهرة التي عاد بموجبها للمشاركة في العمل السياسي المعارض من الداخل. وثمّن رئيس هيئة قوى الاجماع الوطني الاستاذ فاروق ابو عيسى موقف الحزب الاتحادي الرافض للمشاركة، ووصفه بأنه موقفٌ غير مستغرب منه، لأن تاريخه النضالي، وموقف جماهيره الكبيرة يؤكّد ذلك، وهي الاكثر تضرّراً من سياسات هذا النظام، واضاف ابو عيسى في حديثه ل (الأحداث) امس، بأن هذه كانت قناعاتنا منذ اليوم الاول، برغم المحاولات المفلسة من المؤتمر الوطني، التي هدفت إلى هز ثقة الشعب في هذا الحزب "الطَود"، وقياداته الوطنية، ويمضي ابو عيسى ليؤكد بأن هذا الموقف سيفتح الباب لبناء جبهة واسعة، مرفوعة القامة، تهدف للخلاص من هذا النظام، من خلال تغيير شامل. ويشير إلى ان الموقف الساطع والواضح من قبل الاتحادي والامة، ورفع ايديهما عن هذا النظام نهائياً، سيحقق التحاماً وطنياً كاملاً، في جبهة واسعة، وبرنامج وطني لاستبدال النظام الحالي، بنظام يحقق تطلعات الشعب، ويسترد سيادته الوطنية، ويحل بأسرع ما تيسّر الازمة الاقتصادية الخانقة، عبر برنامج اسعرفي سريع، مؤكداً بأن الايام القليلة المقبلة، ستشهد النتائج الفعلية لكل هذه الترتيبات. مسيرة الاتحادي والتي اتسمت دون غيرها من الاحزاب بالانشقاقات المستمرّة؛ وصلت مؤخراً إلى نقطة فارقة تحدد مستقبل الحزب، في ضوء المتغيرات السياسية التي يمر بها الوطن ككل، اهمها واخطرها، انفصال جنوب السودان، واقبال البلاد على مرحلة جديدة، يتوقع فيها استمرار المؤتمر الوطني في سياساته، على ضوء ما كشفه من ملامح "جمهوريته الثانية"، حيث كان الاتحادي أحد اهم القوى التي خاضت مع الوطني جولاتٍ متكررة من الحوار حول المشاركة في الحكم، وغيره من القضايا الوطنية، وإن لم تبرح تلك الجولات محطة الحوار الاولى، بسبب نقاط الخلاف التي تمترس حولها كل طرف. ذات الامر انطبق كذلك مع حزب الامة القومي في حواره مع الوطني، لكنه كان اكثر وضوحاً في رفض المشاركة، واعلان موقفه باكراً، ما اوحى ان الاتحادي في طريقه لقبول المشاركة، خاصة بعدما تواترت انباء من داخل الحزب تتحدث بأن الحزب "يطالب بمشاركة تناسب حجمه، وحددها بنسبة 20%". غير ان عضو هيئة القيادة بالحزب بروفيسور بخاري الجعلي يرفض رفضاً قاطعاً حصر مسألة تفاوض حزبه مع الوطني، في المشاركة فقط؛ ويؤكد بأن المشاركة في السلطة هي البند الاخير في حوار الاتحادي مع الوطني، ويوضح بأن حزبه فاوض الوطني في عدة قضايا وطنية حيوية، مثل قضايا ازمة دارفور، والوضع الاقتصادي، ووضع الدستور، مشدّداً على ان بند المشاركة لم يكن من اولويات الحزب، بل كانت "همنا الاول هو جمع الصف الوطني لمواجهة ما يجابه الوطن من ازمات، اقتصادية، وامنية، وسياسية، واجتماعية. ويمضي الجعلي في حديثه امس مع (الاحداث) ليقول، إن حزباً في قامة الحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل، ما جاز له، ولا يجوز ان يجلس على الرصيف ويشهد الوطن يتفتّت، ويتعرض لمخاطر داخلية وخارجية جمّة. هذه إذن فلسفة الحزب الاتحادي في قبول التفاوض مع الوطني حول المشاركة، وهذا ما يعود الجعلي ليؤكده ويقول، بناءاً على ذلك قبلنا مبدأ التفاوض بشأن المشاركة في السلطتين، التنفيذية والعدلية، على ان تكون المشاركة طبقاً للشروط التي طرحناها في مذكرتنا للوطني. ويشير الجعلي في حديثه معنا، إلى انه وبصرف النظر عن مشاركة الحزب في السلطة من عدمها؛ فإنه لن يتخلّى عن مسؤوليته التاريخية نحو الوطن، وهو يعمل الآن برئاسة مولانا محمد عثمان الميرغني، على جمع لُحمة الجنوب الذي انفصل عن الشمال، ويبحث في صيغة مناسبة للتعاون مع الجنوب، على امل ان يعود إلى وضعه السابق. وقطع الجعلي بأن ما تم امس الاول بمسجد السيد علي، ليس فيه جديداً كما تناقلته وسائل الاعلام؛ فالتفاوض والحوار بين الاتحادي والوطني قد توقّف منذ اكثر من عشرة ايام، موضحاً بأنهم قد اوصلوا للوطني رأيهم وموقفهم بشأن المشاركة، وبيّنوه لهم بالتفصيل، وهي المشاركة وفق شروطهم، من منصب رئيس الجمهورية، حتى معتمدي المحليات، وزاد "من حق اهل الوطني ان يقبلوا به او يرفضوه". ولكن هل يعنى مثل هذا الحديث من عضو الهيئة القيادية للحزب، بأن رفض المشاركة في السلطة لم يكن حديثاً نهائياً، حتى لو قيل امام هذه الحشود الكبيرة من جماهير الحزب؟ يجيب بروفيسور الجعلي بإجابة تترك باب الجدل مفتوحاً امام كل الاحتمالات، وتطرح مزيداً من الاستفهامات حول موقف الحزب من كافة القضايا الوطنية، ويقول إنه إذا اقتضت مصلحة البلاد العليا دفع الضرر، وانقاذ البلاد انقاذاً حقيقياً مما يواجهه من ازمات شائكة ومعقّدة؛ فلن نجلس حينها على الرصيف. ويصب في هذا الاتجاه الذي يعيد الضبابية لموقف الحزب الاتحادي بشأن المشاركة؛ تأكيد المؤتمر الوطني بأن الحزب الاتحادي لا يزال مستمراً في "دراسة خيار المشاركة في الحكومة"، مشيراً إلى "عدم وضوح الرؤية الكاملة، لمعرفة واستجلاء موقفه النهائي تجاه المشاركة فى الحكومة المرتقبةً". حيث اكد امين الاعلام بالمؤتمر الوطني ابراهيم غندور للصحفيين امس، بأن الحكومة المقبلة، ستكون حكومة وحدة وطنية ذات قاعدة عريضة، ولن تكون خالصة للمؤتمر الوطني، لكنه استدرك بالقول إن المؤتمر الوطني لن ينتظر الحزب الاتحادي لاعلان الحكومة الجديدة. ويشكّك الكاتب والمحلل السياسي امير بابكر في ان يكون موقف الحزب الاتحادي بشأن المشاركة هو الموقف الاخير له، ويقول إن الحزب بطبيعته به تيارات متعدّدة، بعضها يرى أهمية المشاركة في السلطة، بإعتبار انها يمكن ان تحدث تغييرات داخل النظام، والبعض الآخر، ومعظمهم من الشباب، يرفضون المشاركة بشكل قاطع، ويعتبرون ان القبول بها في الوضع الحالي، تعود بكارثة، وتؤدّي لضعضعة الحزب، وزيادة انقساماته، ويرى بابكر في حديثه ل (الاحداث) امس، بأن قرار المقاطعة قرار صائب، واصفاً الحكومة بالسفينة الغارقة، من يركب فيها، سينتهي دوره كحزب سياسي، سواء اكان الاتحادي الديمقراطي، او اي حزب غيره، ويمضي بابكر ليؤكد بأن موقف الاتحادي سيمثل صدمة بالنسبة للمؤتمر الوطني، لأنه كان يبحث عن مخرج لأزماته داخل الحزب، وليس ازمات الوطن، لأن حل هذه الاخيرة واضح ومعروف. وظل الوطني يلعب على التناقضات داخل الاتحادي لتغيير مواقفه. وفي ذات الوقت يمثل دعم حقيقي للمعارضة، من شأنه تقوية العمل المعارض، وهو موقف يجعل حتى جماهير الحزبين اكثر فاعلية وقدرة على العطاء. لكن امير يعود ويؤكد بأن الحزب الاتحادي الديمقراطي، كان من الممكن ان يلعب دوراً مهماً منذ الاستقلال، باعتباره حزب الوسط الذي التف حوله كل الناس، لكنه لم يقم بذلك الدور، بسبب التضعضع والانقسامات التي لازمته. وبعد.. هل ستشكل ليلة الاثنين المشهودة بمسجد السيد علي بالخرطوم بحري، علامة فارقة في تاريخ الحزب، ويسجّل من خلالها نقطة مهمة في رصيده الجماهيري، ام ان "تحت القبة" الكثير مما ستكشفه الايام المقبلة، في بحر السياسة الذي لا يعترف بالثوابت.. الايام وحدها هي الكفيلة بالاجابة على هذه التساؤلات. jamal koora8 [[email protected]]