يبدو واضحا أن الحكومة الجديدة التي تعثرت ولادتها كثيرا ستواجه ظروفا صعبة بعد تأدية أعضائها للقسم وهي تحديات جسيمة طالما حذر منها الساسة العقلاء من ذوي الخبرة والانتماء الوطني الخالص الخالي من الغرض عبر سنوات خلت . فإحجام الأمة القومي عن المشاركة له ما يبرره بقدر وعيه الذي حمله على التمييز بين معارضته للنظام القائم وبين حرصه على سلامة الوطن . وهرولة البعض أيضا من قادة بعض الأحزاب للحاق بركب السلطة بقدر وعيهم، له أيضا ما يبرره من تهافت تجاوز نبض قواعدهم الواعية بأكثر مما قيض الله لهم من وعي . وأي كانت تشكيلة الحكومة القادمة والتي يبدو أن الحزب الحاكم يحرص على تنوعها لأسباب شكلية بحتة غير ذات محتوى فإنها ستواجه بقدر من التحديات التي لا يمكن مواجهتها إلا عبر إجماع قومي وبرنامج وطني شامل يتجاوز رؤية الحزب الحاكم الأحادية إلى رؤية قومية. وأهم هذه التحديات : الوضع الاقتصادي المتردي بسبب تداعيات الانفصال ،ومحاربة الفساد واستعادة المال العام وإعادة التوازن للاقتصاد السوداني عبر سياسات قومية يشارك في وضعها جميع الساسة والخبراء والمعنيين. ويحمد لحزب الأمة القومي مبادرته بالدعوة لعقد مؤتمر قومي اقتصادي غض النظر عن وجوده الفعلي في السلطة التنفيذية من أجل الخروج بتوصيات تعيد الأمور إلى نصابها . ويواجه السودان أيضا مخاطر من نوع خاص أفرزتها مواضع الخلل في اتفاقية السلام سواء في الحروب المشتعلة في أطراف البلاد أو التحالفات المسلحة التي تسعى إلى إدخال البلاد في دوامة جديدة من العنف قد تدفع البلاد إلى خطر التفتيت . وقد برهنت القوى السياسية المدنية من قوى وأحزاب سياسية على وعيها ووطنيتها برفض تلك التحالفات المسلحة والتمسك بالمعارضة السلمية المدنية من أجل التغيير . وهو موقف عقلاني دعمته الأممالمتحدة برفضها العلني للتحالفات العنفية كطريق للتغيير ،واستهجنته واشنطن التي قالت إنها مع التغيير بالوسائل الديمقراطية . ويواجه السودان أيضا صعوبات تكييف علاقاته مع دولة جنوب السودان التي تعاني بدورها من أزمات داخلية ومعقدة تنعكس بالضرورة على المناطق الحدودية بين البلدين بكل ماتحمله من مصالح مشتركة . ويواجه السودان معضلة الدين الخارجي المتصاعد وأموال المساعدات والقروض المجمدة لدى المنظمات الدولية بسبب تعقيدات العلاقات الخارجية مع النظام القائم وقضية المحكمة الجنائية ،فضلا عن المتغيرات في المحيطين العربي والإقليمي وضرورة التكيف مع تلك المتغيرات. لاشك أن نظام الإنقاذ يواجه اليوم امتحانا صعبا يضعه بين خيارين إما التوائم مع مطالب الجماهير والاستجابة إلى تطلعاتها في الديمقراطية والحرية وبناء نظام جديد يجعل الولاء للوطن .وإما مواجهة النظام لاحتمالات محفوفة بالمخاطر لا تغني القوة المادية عن كبحها وله فيما حدث من حولنا العبرة إن اعتبر . غير أن حرص الخلصاء في هذا الوطن على سلامة البلاد وحمايتها من مخاطر التفتت والانزلاق إلى هاوية العنف وترفعهم عن المكاسب السلطوية والحزبية مقابل الاتفاق على برنامج وطني شامل لإنقاذ البلاد يفتح فرصة أخيرة قد لا يكون من الممكن توافرها مرة أخرى .. لكن التساؤل هو هل ترى أن الحزب الحاكم يمتلك الإرادة لاستغلال هذه الفرصة أم أنه سيمضي على نهاية الطريق ؟ Hassan Elhassan [[email protected]]