مع حلول يونيو القادم يصبح السودان وطنا جديدا بملامح جغرافية وسكانية جديدة لن يختلف ثقافيا واجتماعيا عن كونه وطن متنوع ومتعدد وممتد عبر شرقه وغربه وشماله ووسطه وجنوبه الجديد . لكن سودان مابعد يونيو يفرض وآجبات جديدة على جميع مكوناته السياسية والاجتماعية والمهنية والثقافية وشرائحه المختلفة وذلك في إطار مهمة رتق نسيجه الاجتماعي والقومي وتوحيد وجدانه الوطني عبر قناعات واجندة وطنية تجمع الشتات وتحشد الطاقات وتنقل المجتمع من ثقافة الشقاق والحروبات الصغيرة الى ثقافة التنمية والبناء في مناخ من الحريات الأساسية والتقاليد الديمقراطية والتراضي المدني تحت ظل دستور ديمقراطي عادل يفرض هيبته على قوانين القمع الضالة والخارجة عليه. وللصحافة والاعلام دور اساسي في جميع هذه المهام العليا وهي مهام مقدسة وفق المعايير الوطنية والمثالية ، ورغم ان الصحافة والاعلام في بلادنا لاتزال تعاني من ظروف غير مواتيه لانطلاقها من منصات لازمة وأساسية لأداء دورها إلا أن التحدى القادم الذي يواجه الوطن ويستهدف وجوده متماسكا يفرض إعادة النظر من قبل الدولة في قضية الحرية بصورة جدية . فليست الحرية دوما خصما على السلطة وخصما لها بل هي ضوء لازم في عمليات البناء والتنمية لدرء الفساد وفي علاقة المواطن والدولة لمنع الظلم عنه والتغول على حقوقه وفي الحفاظ على سيادة الوطن من تهاون المسؤولين في حمايته وصيانة تلك السيادة . والصحافة والاعلام الراشد والمستنير يمكن أن يكون دعما للدولة وللحكم الراشد دون مزايدة في المدح والقدح ودون إفراط أوتفريط أو مغالاة في كلا الاتجاهين . فقد مضي عهد الاعلام الرسمي مع غروب شمس الأنظمة الشمولية وسقط دوره وماتبقى منه أصبح عاجزا وكسيحا في مواحهة الحقائق في عصر حرية المعلومات وأصبحت حرية الاعلام أهم ضامن لحماية .الانظمة والدول المدنية والديمقراطية بقدر نزاهتها وشفافيتها . وإزاء الوضع الراهن في بلادنا فإن المتغيرات الداخلية المتفجرة سواء في الحدود الجنوبية أو في غرب السودان أو جنوب كردفان فضلا عن الاحتقانات السياسية الداخلية والمتغيرات والتحولات في المنطقة العربية تستوجب رؤية واقعية لضرورات إطلاق الحريات الأساسية وفي مقدمتها حرية الصحافة والإعلام الحر ليقوم الاعلام الوطني بدوره الأساسي في الرقابة والبناء الوطني والترويج للمشتركات الثقافية والسياسية والثوابت الوطنية الجامعة وبناء الوعي الوطني واستزراع ثقافة الديمقراطية وترسيخ آليات الحوار والاختلاف السلمي وإنماء الشعور القومي وإقصاء المسلمات القبلية والجهوية والعرقية ومصطلحات التباين السلبي ومفردات التهميش التي شوهت اللغة اليومية في موائد التفاوض ومنابر الحوار. والإعلام بكل ضروبه وألوانه مطالب بدوره بتطوير آلياته وشخوصه ثقافيا وفكريا حتى يكون مقنعا امام المتلقي وقادرا على النهوض بوعيه إلى جانب ترقية مفرداته الثقافية والفردية وتحديد أهدافه وألوياته لتحقيق المصالح العليا للبلاد دون الاستغراق في التفاصيل الهامشية للظواهر الجانبية للمجتمع وشخصنة النقد والسماح للهواة بالانحدار بلغة الكتابة ومحتوى المقال ، والموازنة بين دوره الثقافي وحاجتة للمتلقي الذي قد تتباين حاجاته واهتماماته بحشده على الطريق الوطني ما أمكن ذلك . ولايتأتى كل ذلك إلا بمواجهة صريحة من قبل السلطة الحاكمة من جهة والسلطة الرابعة المفترضة في النظم الديمقراطية من الناحية الثانية حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود وينتقل الوطن إلى مرحلة جديدة من بناء النسيج القومي والتربية الوطنية لانتاج وطن ديمقراطي حر وشخصية سودانية منتمية إلى كل شبر من ترابه الوطني . Hassan Elhassan [[email protected]]