لم يعد أي شيء كما كان من قبل، بالأمس كان الرئيس مثالاً للعظمة والأبهة واليوم أصبح مثالاً لانعدام الثقة وانعدام الرؤية ، فمنذ أن ثار الشعب على حكمه الممتد لعشرات السنين ، صارت الهواجس الدائمة تحرمه من لذه النوم الرئاسي الذي كان فيما مضى مستقراً ومفعماً بالأحلام الوردية لكنه أصبح مؤخراً متقطعاً وتتخلله أسوأ الكوابيس الرئاسية، لم يعد الرئيس يشعر بالأمان مطلقاً ، اهتزت ثقته حتى في جهاز مخابراته الذي لم يعد يصدق تقاريره أحد ، أصبح الرئيس لا ينعم بأي شيء من مباهج السلطة خصوصاً بعد إسقاط ثلاثة رؤساء على يد شعوبهم ومقتل أحدهم في ثلاث ثورات شعبية عارمة في ثلاث بلدان مختلفة وفي فترات زمنية متقاربة! وقف الرئيس أمام شرفة قصره الرئاسي الفخم ساهماً ثم تساءل بغضب شديد: من أين أتت هذه التواريخ السخيفة 14 يناير التونسية، 25 يناير المصرية ، 3 فبراير اليمنية ، 17 فبراير الليبية و15 مارس السورية ؟! من أين أتت شعارات "الشعب يريد إسقاط النظام" و"الشعب يريد إسقاط الرئيس"؟! ما هي الجهة التي ابتدعت مصطلحات "بلطجية" ، "شبيحة" و "بلاطجة" ؟! كيف تحولت جامعة الدول العربية إلى مقر لرؤساء وزراء ثائرين يساندون ما يُسمى بالثورات الشعبية؟! كيف أصيب شعبي ، الذي كان يحبني ، بالجنون المفاجيء وراح يطالب باسقاطي ويقيم المشانق الرمزية لقطع رأسي؟! تحسس الرئيس رأسه في تلك اللحظة ثم غمغم مشجعاً نفسه: لا تُوجد أي ثورات شعبية بل هناك حركات محلية فوضوية تسعى لسرقة سلطتي مستقوية بمؤامرة خارجية شيطانية ولهذا سوف أصمد ولن أتنحى أبداً! شاهد الرئيس نشرات الأخبار التي تبثها فضائيته الرئاسية والتي تؤكد أن الحياة طبيعية والشوارع هادئة في البلد ثم شاهد فضائيات الجزيرة والعربية والبي بي سي وفرنسا 24 التي تنقل صور الشعب المتظاهر في سائر المدن والمتدفق كالسيول في كافة الشوارع والهاتف بأعلى صوت: "الشعب يريد إعدام الرئيس" وتنقل صور شهداء الشعب الذين يقتلهم جنود الرئيس فيؤدي ذلك إلى تصعيد الغضب الشعبي لأبعد الحدود وعندها صاح الرئيس غاضباً: ماذا تريد مني تلك الفضائيات اللعينة؟! رغم شعوره بالتحدي ، تضعضعت عزيمة الرئيس مؤخراً ، تولدت في نفسه قناعة مفادها أن المعالجات الأمنية لا تجدي نفعاً مع الشعب وأنه لا يُمكن لأي رئيس أن ينتصر على أي شعب في أي معركة فاصلة ، تراءت له صور فرار زين العابدين التونسي وحبس مبارك المصري ومقتل القذافي الليبي ، ازعجته عدة تصريحات إقليمية ودولية تطالبه بالتنحي الفوري ، أفزعته حتى النخاع أخبار الشعب الذي تزداد ثورته كلما ازداد قمعه ، وعندها راح الرئيس يتساءل بخوف شديد: من هو التالي أنا أم غيرى؟ تلك هي المسألة! أتنحى أم لا أتنحى؟ تلك هي المسألة! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي 55619340