كثرت في الآونة الأخيرة المقالات المبذولة للعلن في كثير من الصحف الورقية والمواقع الاسفيرية من قبل بعض الإنقاذيين منتقدة لنظامهم العضود (نظام الإنقاذ) وراح أغلبهم يرجع سبب الفشل الذريع في الحكم بعد تجربة ربع قرن من السيطرة المطلقة على البلاد ورقاب العباد إلى سبب مضحكٍ مبكٍ ألا وهو قرار حل الحركة الإسلامية الذي تم بعد نجاح عملية السطو المسلح على السلطة والنهب المقنن لثروات البلاد ومقدرات الدولة بقوانين شرعوها بعد انقلابهم المشؤوم ما أنزل الله بها من سلطان زينوها وألبسوها لباس الحق وهي محض هراء باطل افتروا بها على الله الكذب (فانظر يا من أكرمك المولى بنعمة الحجا) لجريمة التمكين وقانون الصالح العام الذي هز أركان المجتمع والأسر المستقرة ودكِّ أحلامها المحدودة في تربية الأبناء والحياة الكريمة وأدى لتفككها وبعثر عقدها المنظوم فارتحل العائل بأهله أو وحيدًا شريدًا يطلب المأوى والأمان في ديار الكفر حسب وصفهم الأخرق بعد أن ضاقت عليه رحابة داره ودار أجداده حتى غدت أضيق من (خرم إبرة) بما تفننوا في ابتداعه من قوانين ظالمة حللت ما حرم الله ففرقت بين الزوج وزوجه نفيًا واعتقالاً وقتلاً وبعد كل هذا الهول والذل والمرمطة يطل علينا البعض منهم لسبب أو لآخر ليقول لنا بكل بساطة وكلماته تقطر براءة بل وأسًى على الحال الذي آل إليه الوطن ليعلق كل تلك الجرائم التي ارتكبت والآثام التي اقترفت على مشجب قرار حل تنظيم الحركة الإسلامية!! وكأنهم بهذا الطرح (الاراجوزي) يريدون إقناع شعب السودان (الفضل) بأن تجربة الإنقاذ البشعة في الحكم بكل إخفاقاتها وجرائمها وأخطائها وخطاياها لم تكن تجربة الحركة الإسلامية بل مجرد تجربة لثلة منهم سطت على السلطة بليل بهيم وأدارت كل هذه الفظاعات طوال هذا الوقت دون أن يكون ذلك مخططًا له ومرسومة تفاصيله ومتفقًا وموافقا عليه من قبل الحركة الإسلامية ومركز شورى شيوخها الكرام!! وكأني بهم يقولون أيضًا أعطونا فرصة أخرى لنثبت لكم أن الحركة الإسلامية قادرة على حكمكم بما يرضي الله وفق مشروعٍ مدخرٍ لليوم الأسود لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (يا سبحان الله)!! فمن زيَّن لهم أن هذا الشعب الصابر يسبح في بحر (ريالته ومخاخيط هبله)؟! أن أي طرح ناقد للتجربة الإنقاذية المريعة يأتي بهذا الشكل السقيم وفي هذا السياق العقيم سيعتبر من العامة سفهًا وقلة عقل دعْ عنك رأي النخب والمهتمين بالشأن السياسي فمن السذاجة بل الغباء بما كان أفتراض الجهل والهبل في الشعب السوداني الذي يعتبر من أثرى شعوب الأرض تجربة سياسية وتنظيمية. بل من المعيب محاولة هؤلاء إخفاء الحقائق ودفنها ودفن الرؤوس معها في التراب فأمانة الطرح والقلم تقتضي طالما قد أمسكت به وانبريت دون أن يطلب منك أحدٌ للخوض في موضوع هام كتجربة الإسلاميين في حكم السودان التي تضرر منها الوطن والمواطن إلى حد انقسامه وذهاب ثلث أرضه ومكونه البشري وأكثر من 80% من ثرواته الطبيعية أن تكون شجاعًا وصادقًا أو لتصمت، فمجمل التجربة الخربة لا تحتاج لشرحٍ وتفسيرٍ فكل بند من بنود مشروعها الذي أطلق عليه مسمى (حضاري) يشرح ويفضح نفسه بنفسه ابتداء من (صياغة الإنسان السوداني الجديد) التي أفضت لضياع منظومة الأخلاق والقيم التي كان يتحلى بها المجتمع حتى ظهرت فيه مظاهرُ وشواهدُ يكاد يشيب من هولها الولدان من الأطفال فاقدي السند نتاج الزيجات العرفية التي لم يعرفها أو يسمع بها المجتمع السوداني إلا في عهد إسلامي (خلوها مستورة وفقه السترة) إلى انتشار الرذيلة والمخدرات في دور العلم وخرابات (ثورة التعليم العالي) التي باتت تخرج من الفاقد التربوي والأخلاقي أكثر بكثير من الكادر المؤهل. إن تبسيط الأمور بهذا الشكل وطرحها بهذه السطحية والهروب إلى الأمام من نتائج التجربة الكارثية دون تقديم رؤية نقدية وتحليلية صادقة مستندة على الاعتراف بمسؤولية ما حدث والتبرؤ منه والاعتذار علنا للشعب وفضح كافة من يصرُّون اليوم على مواصلة نفس النهج لن يكون كافيًا ولا مقبولاً لقبول توبة من ادعى التوبة ويريد عبر بضع مقالات عجاف محو ذاكرة الشعب وسجل مشاركاته الأسود في هدم الوطن ونسف لحمته المجتمعية، فقد تقبَّل هذا الشعب المسامح من قَبْل هذا النوع الفطير من الأعذار عن مشاركة الحركة الإسلامية لنظام مايو المقبور وسمح لسدنته بالعودة من شباك المرحلة الانتقالية بعد أن تم طردهم من باب الانتفاضة الشعبية بل أكرم نزلهم ومنحهم ثلاثة وخمسين مقعدًا برلمانيا وكانت النتيجة جحودَ ونكرانَ جميلٍ وانقلابًا بالليل مارس من الفظائع على أبناء السودان الكرام ما تقشعر من ذكره الأبدان في (بيوت الأشباح) سيئات الذكر!! ولن يلدغَ الشعبُ المؤمن من الجحر مرتين. فباب التوبة الذي أشرعه المولى عز وجل في وجه عباده لن يستطيع كائن من كان أن يوصده ولكن للتوبة النصوحة اشتراطاتها الشرعية وهي فقط ما نطالب به المدعين اليوم مغادرة فسطاط الإنقاذ رغم التأخير إن كانت حقا مغادرتهم لله أما (أن كان لشيءٍ في نفس يعقوب) فلن ينطلي الأمر على أحد من بعد أما نهج وسياسة (دق الإضينة وإتعذرلو) المتبع من البعض فمن فرط سخفه وحماقته فلا يمكن أن يمر على إنسان السودان وعلى الذين يستبسلون اليوم في التهرب من مسئولية المشاركة الآثمة احترام العقول وتقديم مراجعات فكرية جادة وإفادات منطقية تساعد على تضميد الجراح وإعادة بناء ما تم هدمه في كافة مناحي الحياة السودانية التي أصابها ضرر بالغ جراء تجربة حكم نظام الإنقاذ التعيسة. تيسير حسن إدريس 18/12/2011م تيسير ادريس [[email protected]]