سبق أن أوضحنا أن ملامح الجمهورية الثانية لا تبشر بخير فالعقلية الحاكمة والمسيطرة علي البلاد منذ أكثر من عشرين عاما , لا يمكن وبطبيعة الحال أن تفسح المجال لتنداح الحريات وأن تتسارع خطي التحول الديمقراطي ، ذلك بالرغم من أن الدستور الانتقالي قد أحتوي علي باب كامل للحريات والحقوق الأساسية ولكن هذه الحكومة لا تأبه لا بالدستور ولا بالقوانين هي حكومة لا تعرف سيادة حكم القانون ، فالقوانين التي تسنها هي نفسها لا تستطيع التقيد بها الأمر كله هرج مرج ومن يضلل الله فلن تجد له هادياً ، هذه المجموعة الحاكمة ضلت طريقها فهي تمشي مكبة علي وجهها وتدير أمر البلاد كما لو أنها تدير مجموعة من الحمقي بل المجانيين ، ظن بعض الناس وأن بعض الظن أثم بأن المجموعة الحاكمة بعد انفصال الجنوب سوف تعود إلي رشدها وتدير البلاد بصورة تلملم شعثها وترقع الفتوق في جدار الوحدة الوطنية ولكن عادت حليمة إلي قديمها ، أقدمت المجموعة علي اشعال حربين في جنوب كردفان والنيل الأزرق لتنضم هاتين المنطقتين الاستراتيجيتين إلي مأساة دارفور ، بل ضاعف النظام من مظالمها التي الحقت أضراراً جسيمة لكل السودان من أقصي الشمال إلي أقصي الجنوب ومن أقصي الغرب إلي أقصي الشرق – المناصير في الشمال والمعاشيين في الوسط والطلاب في الجامعات وأصحاب الحاجات والفقراء وهكذا توزع الظلم علي كل أهل السودان ، فمثل هذه العقلية يستحيل أن تطلق الحريات وتحافظ علي الحقوق الأساسية في عالم يموج بالثورات بحثاً عن التحرر من قبضة الاستبداد والقهر ولكن كعادة الحكومات الديكتاتورية لا تنفع معها النصح الا صبح الغد الموشح بالثورة فلتنتظر هذه الحكومة طوفان الثورة ولا تنفع ولات حين مناص ، وفي ظاهرة تدل علي غباء الحكومة وحمقها بداءت جمهوريتها الثانية بالتهديد والوعد وقطع الرقاب والسيوف البتارة وسقط القول ولكن البعض لم يدرك أن هذه الإشارات هي نذير شؤم علي هذه البلاد ، أما الحريات والحقوق الأساسية فهي العدوة الأولي للنظام فكل من يرفع عقيرته بقول الحق مصيره غياهب السجن أن لم تزهق روحه ، أنظروا إلي تعامل النظام مع مطالب المناصير ، اعتقالات وقمع وضرب وتجاهل مع أن المناصير لم يطالبوا باسقاط النظام , فقط تنحصر مطالبهم في الأنصاف ..... أنظروا إلي الجامعات التي تتعرض للاقتحام من رجال الشرطة والأمن ضرباً واهانة لطلاب العلم وسرقة لممتلكاتهم علي قلتها وبؤسها وفوق هذا اعتقال السياسيين حتى بدون أبداء أسباب قانونية أو موضوعية يحدث كل هذا ورأس النظام يخاطب الأمة في عيد استقلاله ويبشرهم باتاحة مزيد من الحريات والانفتاح والتحول الديمقراطي وبعد يومين من هذا الحديث يقدم جهاز الأمن علي إغلاق صحيفة رأي الشعب ومصادرتها وتشريد العاملين فيها بغير مسوغ قانوني والرائد لا يكذب أهله !! أي قانون هذا الذي يعطي السلطة للجهاز لقفل الصحف ومصادرتها ؟ نعلم جيداً أن هذا الجهاز لا يحتاج لقانون يضبط حركته ويبين إجراءات ممارسته لسلطاته وفق قانون الأمن نفسه هذا الجهاز يحركه شيطان الخوف الذي يوسوس إليه مخوفاً من الثورة والانتفاضة علي الظلم فترتعد فرائص القوم ويفقدون معها الحكمة والعقل فيتصرفون تصرفات يوردهم الهلاك ، أين مجلس الصحافة المختص ؟ أين النيابة المختصة . أين القضاء ؟ كل هذه الأجهزة يتجاوزها الجهاز بل يضرب بها عرض الحائط أيريد الجهاز أن يثبت للعالم أن هذه الأجهزة القضائية عاجزة وغير قادرة علي ممارسة سلطاتها ؟ وبهذه التصرفات سهل الجهاز للرقابة الدولية من إدانة البلاد في المحافل الدولية وجرها إلي ما لا يحمد عقباه ، مسكينة وزارة العدل وهي تستعد لمحاورة الخبير المستقل لتقنعه بأن حقوق الإنسان والحريات الأساسية في تقدم ملموس!! وأن توصيات مجلس حقوق الإنسان في دورته الأخيرة وجدت طريقها إلي التطبيق !! ماذا تقول وزارة العدل للخبير المستقل إزاء الاعتقالات العشوائية وضرب المظاهرات السلمية والاعتداء علي المعتصمين واقتحام الجامعات ومصادرة الصحف وتكميم الأفواه ؟ الأمر يدعو للشفقة ..... تعالوا معنا نستمع إلي مرافعة الجهاز تبريراً لاعتداءاته علي حرية الصحافة , يقول مدير أدارة الإعلام بجهاز الأمن والمخابرات أن الحريات الصحفية يجب أن تكون منضبطة بالمسئولية وأخلاق المهنة وان تضع نصب أعينها مصالح الوطن وأن أيقاف رأي الشعب تم بناء علي المخالفات التي أتت بها الصحيفة والتي لا تتسم مع أخلاقيات المهنة وميثاق الشرف الصحفي الذي أكدّ علي ضرورة الحفاظ علي الأمن القومي والابتعاد به عن المهاترات و المساومات ) هذا الضابط والذي لا نعرف رتبته ولا أسمه و لا خبرته في مجال الصحافة يعطي دروساً عن أخلاقيات مهنة الصحافة وميثاق الشرف الصحفي لا مثال الطيب أبراهيم عيسي رئيس تحرير رأي الشعب الذي افني زهرة عمره في خدمة الإعلام والصحافة مسئولاً في دوائر رسمية يرسم خطي الإعلام الحقيقي بكل أبعاده حتي بلغ من العمر عتيا فتفرغ للاعلام الخاص معلماً وكاتباً محترفاً ألم أقل لكم ان الصور في هذه البلاد أصبحت مقلوبة لم يقف هذا الضابط عند إلقاء الدروس في مجال الصحافة والإعلام بل ذهب يحذر من المساس والتلاعب بأمن و سلامة الوطن ومقدراته المادية والبشرية محذراً كل من تسول له نفسه باسم الحريات القفز فوق الخطوط الحمراء !؟ ما هي الخطوط الحمراء يا هذا ؟ نقول لمن له قلب وعقل ما عادت مسألة الأمن القومي تدار في غرف مغلقة وبواسطة قلة كل معرفتها وهمها حماية النظام القائم ومصالحه , الأمن القومي والتخطيط له أصبح شأناً عاماً يشترك فيه كل الشعب في إقراره والدفاع عنه وحمايته ، فحين تذهب الصحافة إلي تبيان المخاطر المحدقة بالبلاد عسكرياً واقتصادياً إنما تفعل ذلك لتنبيه الشعب والأستعداد للتصدي للمخاطر حتى لو استدعي ذلك إسقاط النظام وإحلال بديل آخر يفي بمتطلبات الأمن القومي ، ولكن هؤلاء القوم يفهمون الأمن القومي بإخفاء الحقائق ينكرون الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة علي البلاد ينكرون وجود التمرد من أصله ويعودون ليقولوا للشعب أنهم قد قضوا عليه ثم يعودون بعد يومين يجأرون بالشكوى أن المتمردين دخلوا إلي دولة الجنوب بمئات السيارات والآليات العسكرية أين أعين الجهاز التي لا تنام ! أين سمع الجهاز الذى يسمع دبيب النملة السوداء علي الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، هذا هو مفهومهم للأمن القومي ! وهم لا يدركون أن الشعب هو الذي يحمي البلاد ويصبر علي المسغبة ويتنازل عن بعض حقوقه تحقيقا للمصالح العليا للبلاد ولا يتم ذلك إلا بتمليكه الحقائق وليس بإخفاء الحقائق في عالم لم يعد في الإمكان أخفاء شئي , مسكين جهاز الأمن لم يستوعب الدروس ولم يتعز مما يدور حوله ، ما حصل في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا ليس ببعيد!! ذهب صاحبنا الضابط العظيم وهو يبين أسباب قفل الصحفية قائلاً أن الحريات الصحفية لا تعني تعريض الأمن القومي للمخاطر بدعم ومساندة الحركات المتمردة مبيناً أن هذا الفعل سيجد الردع المناسب!! ومضي هذا العالم الفذ والخبير الأمني والإعلامي إلي القول بأن الصحيفة تظل مغلقة إلي حين الفصل في الإجراءات القانونية التي اتخذت في مواجهتها !! الأمر يدعوا إلي الضحك يا هذا أنت الخصم والحكم فقد أصدرت الحكم وصادرت الجريدة وطردت الصحفيين فما الداعي للإجراءات ومن يتخذ هذه الإجراءات اأنت ؟؟ أم غيرك أين مجلس الصحافة أين النيابة أين القضاء ؟ لأول مرة نسمع أن الحكم يسبق الإجراءات ، معلوم قانونًا وعرفاً ودينًا أن تبدأ الإجراءات أولاً ، تحريات و فتح بلاغ ، إجراءات تحفظية من جهة قضائية أو شبه قضائية ثم يأتي بعد ذلك الحجز والمصادرة الخ ولكن ماذا نقول إزاء الصور المقلوبة !! أليس في الحكومة , القدامي والجدد والمتمردين السابقين رجل رشيد يجهر بالحق ويوقف الجهاز عند حده أم أنهم جمعياً ينتظرون المصير المحتوم ، دمتم في رعاية حكومة الجمهورية الثانية. Barood Ragab [[email protected]]