فى البدء لا بد من تسجيل إعتراف مفاده أن خطاب الوزير كمال عبد اللطيف فى الملتقى الثانى للإعلاميين السودانيين العاملين فى الخارج كان مفاجأة لى ولغيرى من المشاركين.خطاب ظاهره الصراحة والوضوح وباطنه ما سوف تبديه لنا الأيام المقبلة.الخطاب غير من أماكن جلوسنا وبدل فى خططنا واستراتيجياتنا لمواجهة الضجيج والضباب والتهليل والتكبير الخالى من التركيز. لقاؤنا برئيس الجمهورية كان هادئاَ فى مجمله، لولا تلك القادمة من بلاد ملك الملوك،فقد إنطلقت كالصاروخ فى غير إستئذان تمدح الإنقاذ وقائدها بقصيدة ما عدت أذكر منها شيئاَ.بريق حليها كاد أن يخسف بأبصارنا.السيد الوزير تركها على سجيتها ولم يشأ أن يقطع حبل أفكارها ويفسد عليها بهجة ليلها وجميل الحان حسين شندى. فهمنا من الرئيس أن حكمهم بدأ بالعام 1999-عام المفاصلة-أما قبل ذلك فالأمر كان بيد الشيخ (أيوه شيخ...)، يمين يمين-شمال شمال.ودعا الضيوف إلى فتح صفحة جديدة. فى علاقته بالشيخ ذكر كمال أنها وصلت مستوىَ لو قال لهم أنه يوحى إليه لصدقوه - تأمل ثم تأمل. نفى الرئيس تهمة الثراء عن جمال الوالى ووصفه بالسخى، وعدد أغنى أغنياء السودان من غير الإسلاميين...النفيدى...البرير... أسامة داؤود... و. من الصفوف الخلفية سمعت من يقول: وأين أبكر وملوال وأدروب؟ وأنا أنصح الدارسين والمهتمين بمراجعة كتاب نبلوك عن صراع السلطة الثروة فى السودان، فهنالك عوامل كثيرة تساعد فى تكديس الأموال عند جماعات معينة.وقبل سنين مضت تساءل أحد مشاهدى تلفزيون السودان عن السبب فى عدم وجود شركة ذات إسم فى الخرطوم يمتلكها جنوبى.لا شك لدى أن مثل هذه القضايا قتلت بحثاَ فى نيفاشا وأبوجا....، والعبرة فى التطبيق. وحتى لا نذهب بعيداَ عن عنوان مقالتنا، فإن الرئيس تكلم عن مشكلة دارفور وحمل السيد أحمد إبراهيم دريج قدراَ منها، وذلك بمحاباته لأهله الفور حينما كان حاكماَ لدارفور. السيد دريج شخصية لم أتشرف بلقائها حتى ساعتى هذه، لكن ذاكرتى ومصادرى المعلوماتية تكشف عن وجه أخر لدريج، حاكم اقليم دارفور وزعيم المعارضة من قبل.غاب ذلك الوجه فى بيت الضيافة.وكم تمنيت لو أتيحت لى الفرصة-كانت ممكنة ولكنها ضئيلة- لأذكر الحضور بما خفى من معلومات عن هذا القائد الدارفورى الرقم. دريج ابن الشرتاى فاز فى انتخابات الديموقراطية الثانية مستقلاَ، وجاء من الهامش الى الخرطوم مدعوماَ بهذا السند الجماهيرى وانحاز الى حزب الأمة-جناح الصادق المهدى عندما خسر السيد دائرة الجبلين بهزيمة مريرة من محمد داؤود الخليفة(جناح الإمام الهادى).صار دريج زعيماَ للمعارضة بديلاَ للصادق المهدى.وهذه تحسب للإمام الصادق،فقد كانت له بعض حسابات ذكية سبق بها أبناء جيله. تحمل دريج صلف أهل المركز(كاتب المقال منهم) وجهلهم بالسودان الكبير.نعتوه بأوصاف من شاكلة زعيم القرود زاعمين أنه لا يفرق بين الغروض والقرود، وناسين أو متناسين أن له لغة أم هى من أقدم وأعرق اللغات فى العالم،وما دروا حينها أنه سوف يأتى يوم على السودان تتبوأ فيه تلك اللغات(مش لهجات) مكانها فى دستور البلاد. يا بنى وطنى، مشاكل التهميش والإستعلاء والإقصاء قديمة وموثقة،تحمل دريج نصيبه منها قبل أكثر من أربعة عقود، وكان سلاحه الكلمة والحوار ما وجد الى ذلك سبيلاَ. جاء دريج فى بداية الثمانينات حاكماَ لدارفور تحت حكم الرئيس السابق جعفر نميرى. ورأس حكومتين لم يعين فيهما وزيراَ فوراوياَ غير العقيد م أحمد عبد القادر أرباب وذلك لدوره فى تأسيس جبهة نهضة دارفور.أما تعيين المهندس أبو القاسم سيف الدين رئيساَ للبرلمان الولائى فقد جاء لإعتبارات منها أنه من أوائل الدارفوريين الذين نالوا دراسات عليا فى بريطانيا. دريج من القادة القلائل الذين التفتوا الى قضايا الأقليات،ويتجلى ذلك فى تعيينه حسين نحلة من الماهرية فى حكومته حرصاَ فى أن يكون لهم تمثيل. علائق دريج بدولة الأمارات وطيدة ومتميزة، توجت بزيارة الشيخ زايد لدارفور بلد الكرم والضيافة،فأنبهر الشيخ أيما إنبهار بتلك الحفاوة الدارفورية وحرارة الإستقبال.فما كان منه فى وقت لاحق إلا وقد تبرع بمليون دولار لدارفور،إشترى بها دريج واحداَ وثلاثين عربة دفع رباعى دعماَ للأمن والشرطة فى محاربة النهب المسلح بالإقليم.شراء العربات فى ابى ظبى قامت به السفارة السودانية هنالك. فى بداية الثمانينات أيضاَ زار وفد المانى السودان بهدف تقديم العون والمساعدة، وكانت رغبتهم فى أن يختاروا أحد الأقاليم السودانية أنموذجاَ للتنمية.وجههم النميرى لمقابلة حكام الأقاليم ودريج منهم.تفوق دريج على أقرانه فى طرح مشاريع الأقليم التنموية وتقديم الدراسات الداعمة،فوقع اختيار الألمان على دارفور وحصلت توأمة بين إقليم دارفور وولاية سكسونيا السفلى فى المانيا. لم يعجب النميرى هكذا حال فأرتكب واحدة من حماقاته وحرم إقليم دارفور من تلك المساعدات الألمانية. هل لنا أن نتساءل ما علاقة ذلك بتعويق بناء طريق الغرب؟ والله نحن الذين نخرب بيوتنا بأيدينا. جاء دريج الى الخرطوم شاكياَ لا باكياَ.عرضحاله التمويل ومشاكله ومكث فى مركز السودان شهراَ سعى فيه سعياَ حثيثاَ لمقابلة النميرى والتشكى عنده قبل أن يتجه الى من لايظلم عنده أحد. النميرى تعمد أن يتجاهله وتهرب من مقابلته، حتى كان ذلك الإجتماع الذى ضم الوزراء وحكام الأقاليم، فكانت الفرصة التى واجه فيها دريج النميرى.غضب النميرى وقال لدريج:- دى ثورتى وأنا بعمل فيها اللى دايرو والما عاجبو يمشى..........!!! فى مساء ذلك اليوم كانت طائرة الخطوط البريطانية متجهة الى لندن فى الثامنة مساء بتوقيت الخرطوم. خرج السيد أحمد ابراهيم دريج من منزلهم (السودان)... ومشى... ومشى... ومشى،ولم يعد حتى يوم الناس هذا. أنهيت كتابة المقال والنميرى ما زال حياَ،وتوفى قبل نشره،ألهم أرحمه،وخربانة أم بناية قش.