سبق وأن قلت إن لجنة تقصي الحقائق التي شكلها وزير الصحة بروفيسور مأمون حميدة، هي لجنة غير صالحة ومشكوك في مهنيتها واستقلاليتها وحيادها، وذلك لعدة أسباب أهمها أن رئيس اللجنة المحامي أشرف السراج يعمل مستشاراً قانونياً خاصاً لمستشفيات ومؤسسات مأمون حميدة الخاصة، وسبق له أن وقف في قضايا ضد الصحفيين أمام المحاكم لصالح السيد الوزير... واللجنة شهدت انسحاب (5) صحفيين منها، وأغلبهم اتهم اللجنة بان التقرير النهائي معد مسبقاً، وأنهم أتوا لكي يوقعوا عليه فقط. ووزير الصحة في المؤتمر الصحفي الذي عقده صباح أمس لإعلان نتائج لجنة التقصي يقر بوجود خلل في إدارة الأوكسجين داخل مستشفى بحري حسب تحقيقات اللجنة، والشيء الغريب أن التقرير ينفي في ذات الوقت تسبب نقص الأوكسجين في وفاة (3) أشخاص بالمستشفى بحجة أن المتوفين لايعانون من أمراض تستوجب إمدادهم بالأوكسجين... ووزارة الصحة تريد أن تغطي على سوءاتها، ولكنها نسيت أو تناست أن تزيل عنها روائحها الكريهة التي فاحت.. لتأتي الفضيحة الكبرى سريعاً والتي فجرها د. ياسر ميرغني والصحفي الفاتح محمد الأمين عضوا لجنة مأمون حميدة مساء أمس - ولم ينتظرا ضحى الغد – بقولهما: ((لقد تفأجنا بإضافة فقرة مخلة في تقرير لجنة تقصي الحقائق وذلك بإدخال عبارات لم تكن في المحضر الرسمي الذي وقعنا عليه وتم تسليمه لوزير الصحة يوم 25 يناير 2012 حيث وردت عبارة في الصفحة 4 تقول "والمرجح أن سبب الوفاة هو الالتهاب الرئوي الاستنشاقي ولا يمكن الجزم بأن عدم توفر الأوكسجين هو السبب المباشر للوفاة". ويمضي ياسر والأمين في القول: علماً بأن التقرير النهائي قد أعده كل من رئيس ومقرر اللجنة ووقعا عليه وسلماه لوزير الصحة ولم نطلع عليه إلا بعد انتهاء المؤتمر الصحفي، والصحيح هو "أن الأوكسجين كان غير متوفر في الطوارئ عند حاجة المريض المتوفي له")). انتهى. إقرار أستاذ الأمين ودكتور ياسر (بالفقرة المخلة) بالتقرير والتي تم "حشرها حشراً" دليل واضح ودامغ على التزوير والتزييف في التقرير الختامي، الذي أقر بنقص الأوكسجين في ذلك اليوم، ونفى أن يكون السبب في الوفاة، وا عجبي!!!... الحلقة الماضية من البرنامج الناجح ذائع الصيت "صحة وعافية" الذي يعده ويقدمه الشاعر والأديب الدكتور عمر محمود خالد، تطرقت للطب الشرعي وللأخطاء الطبية، وكان ضيفا الحلقة د. عقيل سوار الدهب مدير مشرحة الخرطوم، والفريق الدكتور جار النبي... د. عقيل أوضح نقطة مهمة ومحورية حول تحديد أسباب الوفاة، حيث قال إنه لا يمكن لأي طبيب أو دكتور غير الطبيب الشرعي أن يحدد سبب الوفاة، وأنهم في المشرحة عندما تأتيهم جثة شخص ما من أي مستشفى، فإنهم لايكتفون بالتقرير الطبي المرفق مع الجثة، بل يعيدون كل الفحوصات والتحاليل الطبية على الجثمان حتى (فحص نسبة السكر في الدم)، بل ويرسلون العينات لعدة معامل أخرى، وهذا كله حتى يصلوا للحقيقة الكاملة دون أي لبس... إذن (قطع عقيل قول كل خطيب)... فلجنة مأمون حميدة لا يمكنها تحديد سبب الوفاة الحقيقي للمرضى، حتى لو استمرت في تحقيقها 100 عام، وحتى لو شكل الوزير "ألف ألف" لجنة أخرى غيرها "لم ولن" تصل للنتيجة الحقيقية القاطعة، لأن جميع اللجان الثلاث الماضية لم تقم بتشريح الجثامين... الشيء الذي يحيرني شهادة غريبة جداً سجلتها محاضر اللجنة الرسمية عندما استجوبت (تحت القسم) مسؤول الأوكسجين بمستشفى بحري د. مجاهد حول أسباب نقص الأوكسجين بالمستشفى في تلك الليلة المشئومة، د. مجاهد قال: (مدير عام المستشفى د. أحمد يعقوب أمرني بعدم امداد مستشفى الحوادث والطوارئ بالأوكسجين، فامتثلت لاوامره).... اللجنة استدعت مدير المستشفى، وواجهته بافادات مسؤول الأوكسجين.. تاملوا معي ماذا قال السيد المدير: (أنا كنت بهظر معاهو ساكت)!!!... تقرير اللجنة والمؤتمر الصحفي والوزير لم يشيروا لهذه الجزئية "المهزلة" التي تعكس بوضوح العقلية والمنهجية التي تدار بها الصحة في البلاد... ومدير بحري وأنصاره يحتفلون أمس بتقرير اللجنة، ويوزعون (الحلاوة والبيبسي) فرحاً على ماذا؟، حقيقته لا أدري!... والغلابى تكتم أنفاسهم بأمره... "لانو كان بهظر"... بعد كل هذه الفضائح يريد مأمون حميدة وحاشيته، أن يجرونا إلى معارك جانبية، ويصرفونا عن القضية الاساسية (موت 3 مرضى بمستشفى بحري نتيجة لنقص الأوكسجين)... مأمون حميدة شن من خلال المؤتمر الاعلامي هجوما على الصحافة، واتهمها بتناول المعلومات المغلوطة حول حادثة مستشفى بحري وقال (الصحفيون ما بيعرفوا اللغة العربية وبيغلطوا في كتاباتهم)... أقول للوزير: الحمد لله البقت على الصحافة أخطاء لغوية، ما أخطاء طبية تؤدي لمقابر "أحمد شرفي"، وكان نسينا لينا حرف فوق كلمة، أخير من ننسى لينا شاش أو مشرط في بطن زول... أما الناطق الرسمي باسم الوزارة د. معز حسن بخيت أقول له: ده موش مأمون حميدة ذاتو الكتبت فيهو في إحدى الصحف، كيف يتم تعيينه وزيراً للصحة وهو يمتلك عدداً من المستشفيات الخاصة، وكيف يمكن أن يفصل بين أعماله الخاصة والعمل العام... ماذا تغير يا معز؟.. أم المنصب غير ما كتبته.. ولّا برضو إنت كنت "بتهظر"؟!. نشر بتاريخ 01-02-2012