- تنفيذ الاتفاقيات المُبرمة كاملة،تمثل إعادة كتابة عقد اجتماعي جديد: في الحلقة الثالثة، انجرف بي الحديث قسراً، وساقني سوقاً إلي نهاية ظللت أُأخِرها لنهاية هذه السلسلة التي، رميتُ من وراءها الوصول إلي حقيقة استحالة قيام دولة سودانية ذات حُلم واحد وهدف إستراتيجي مشترك، لأن الضمان الوحيد لقيام دولة سودانية ذات كيان واحد منسجم هو، تطبيق مضامين الاتفاقيات التي أُبرِمَت في هذا العِقد الأول من الألفية الثالثة، فماذا حدث للمشروع؟ الذي حدث هو، إنه في مرحلة التنفيذ، نكص المركز عن الوفاء بالتزاماته المنصوص عليها داخل الاتفاقيات المبرمة، وتنفيذ الاتفاقيات المُبرمة عملياً، معادلة قوامها تقديم تنازلات من طرف المركز لمصلحة الهامش، وإشراك الهامش فيما ظل يحتكره المركز ويستأثر به منذ قيام الكيان الذي ظل يُعرف بالسودان،استئثار مُطلق بالسلطة والثروة وجهاز الدولة، وعلي مستوي الحريات العامة والحقوق الأساسية يجب علي المركز أن يرفع يده الثقيل من عاتق المواطن بإتاحة مساحات شاسعة لهذه القِيَم التي لا تقوم الحياة ولا تستقيم بدونها لأن الحرية هِبة ربانية يحرُم علي الكافة مصادرتها أو تقييدها، وقد تجلَّي فرض المركز لمشروعه السياسي وثقافته، وإملائه علي الآخرين في الحقبة الأخيرة التي جلس فيه (الإنقاذ)علي سُدّة الحكم ، وظل المركز عبر الزمان يُعيد إنتاج الهوية العامة والشائعة لشعوب السودان ومكونها الإثني والثقافي واللغوي والديني في هويته الخاصة، وينكِر علي الآخرين إرثهم اللغوي والثقافي والعرقي ما لم يتحسس أهل الهامش في عِرق المركز ودينه وثقافته أصلاً ونسباً، وبالتالي تم عمداً تزييف هوية الأمة ومسخِها وتشويهها وبالتالي تغريب الدولة. في مرحلة تنفيذ الاتفاقيات المبرمة، بين الهامش والمركز، في هذا العقد الأول من الألفية الثالثة، والتي هي، بمثابة إعادة كتابة عقد اجتماعي جديد لمجموع شعوب السودان لبناء دولة جديدة علي أساسها، في مرحلة التنفيذ، أصرَّ المركز علي أن يسدر في غيِّه وان يقاوم التنفيذ، تكريساً لصفة عدم الوفاء بمستحقات جُلَّ الاتفاقيات المُبرمة مع قوي الهامش السوداني وقد شهِد بها العالم أجمع، وتضمنت سقوفاً زمنية وجداول للتطبيق، وكان المركز قد تعهّد بالإقلاع عن الظلم والتزم إعمال العدل والقسط في العمل مع إخوته، أبناء الهامش، بحسن النيَّة الواجبة لبناء دولة جديدة وفق المعايير المضمنة في الاتفاقيات المُبرمة، فصدَّق أبناء الهامش أهل المركز علي ما تعهَّدوا به ووقعّوا وأشهدوا عليه العالم أجمع!! صدَّقُوا المركز لأن المؤمن صِدِّيق، فجنحوا للسلم ووضعوا أسلحتهم وعكفوا علي تسريح جيوشهم، وقفلوا عائدين إلي قلب الوطن ومركزه للمشاركة في الآليات المشتركة لتنفيذ الاتفاقيات المبرمة وصولاً إلي مرحلة التطبيع والاستواء والسلام والأمن والعدالة،عازمين علي عدم العودة للحرب، ومشاركة الجميع في إدارة جهاز الدولة من القمة إلي القاعدة.. هذا هو التحول السياسي والديمقراطي الذي يجب أن يسبق الانتخابات وإجراءاتها المبتدئة بإحصاء عام لسكان السودان والمنتهية إلي اختيار من يحكمون الدولة من القمة إلي القاعدة، وهي مرحلة بعيدة المنال، أقصد الانتخابات المنشودة لإحداث نظام حكم جديد وفق صيغ ومعايير جديدة تضمنتها الاتفاقيات المبرمة. إذا،ً التحول السياسي الذي يوفر للجميع، أفراد وجماعات، نيل نصيبهم في السلام والأمن والحرية الكاملة، وحقهم في التنظيم والتعبير، وفي الثروة والسلطة وجهاز الدولة، هذا التحول يجب أن يأتي أولاً، وأن يتحقق للعيان ويحسه ويتنسمه الجميع، بل يجب أن يسبق كل المراحل، وبتحققه، تشرع الأجهزة المختصة في عمليات انتخابات التحول السياسي.. هذا هو أهم ما يجب أن يراجعه الناس في بطون الاتفاقيات المبرمة بين الهامش والمركز، فالأمر ليس محكوماً بالقيد الزمني فقط، ولكن بتنفيذ بنود الاتفاقيات وفق القيد الزمني، إذاً العبرة بتنفيذ بنود الاتفاقيات وفق القيد الزمني المضروب لها، أما عدم التنفيذ مع انقضاء القيد الزمني فيعني عدم التنفيذ طبعاً.. ومعلوم للكافة أن تنفيذ الاتفاقيات في المُجمل شأن خاص بالطرف المهيمِن علي سلطة وثروة البلد ومؤسسة الدولة،إذاً المركز هو المنوط به تنفيذ الاتفاقيات المبرمة بالتنازل عن نصيب أهل الهامش، والإفراج عن أنصبتهم في الثروة والسلطة، فإذا قِيل أن اتفاقاً لم يُنفَّذ أو بنداً من اتفاق لم ينفذ، أو قانوناً لم يُعدَّل أو جهازاً أو مؤسسة عامة لم تقوم أو تُعمم لجميع الشعب السوداني، وظل خاصاً بالمركز كما كان قبل توقيع الاتفاقيات المبرمة، فأعلم أن كل تعطيل أو تأخير أو مماطلة أو تسويف أو مفاوضة الطرف الآخر علي بنود الاتفاق في مرحلة التنفيذ!! فأعلم إن الفاعل والمتسبب في تعطيل الاتفاقيات، والمُعوِّق لإحداث التحول السياسي المفضي إلي التحول الديمقراطي عبر انتخابات حرة ونزيهة، هو المركز.. المركز السوداني قد تخصص عبر التاريخ في توقيع الاتفاقيات ونقضها في مرحلة التنفيذ.. وكما معلوم للعامة أن بلد المليون شهيد هي الجزائر، فقد أُُشتُهِِِر السودان/المركز بنقض العهود والمواثيق، فما من عهدٍ قطعوه إلاّ نقضوه، هذا هو حديث التاريخ وشهادته عبر العصور. الخلاص من نقض العهود والمفاوضة في مرحلة التنفيذ، هو زوال الدولة السودانية القديمة لعدم أهليتها في الوفاء بالتزاماتها التي تجعل منها دولة قابلة للحياة والبقاء والاستقرار والازدهار.. أزعم أن الدولة الحقيقية معناها، مجموعة من قيم الأخلاق والوفاء، فلا دولة تعيش وتدوم مع الجحود والنكوص ونقض العهود. انهار العقد الاجتماعي الذي تأسس عليه السودان الأول أو القديم، والآن تم الاتفاق بين مجموع الشعوب القاطنة في الرقعة الجغرافية المسماة السودان علي مجموعة اتفاقيات هي بمثابة عقد اجتماعي جديد لإعادة بناء دولة سودانية جديدة، ولكن سوء الطالع ظل يلازم المشروع، فالقاسم المشترك في كل هذه العهود والاتفاقيات هو المركز المتخصص في نقض العهود والمواثيق، وبالفعل قام بنقض وقضم جميع العهود المبرمة بين شعوب السودان لتأسيس عقد اجتماعي جديد لإعادة بناء دولة حقيقية عادلة وشائعة ومستدامة.. فاستحال تبعاً لذلك إمكانية بناء دولة سودانية محورها المركز الناقض الدائم للمواثيق والعهود، لأن هذا المركز قد استمرأ الظلم واكل حقوق إخوته في الهامش، بل تخصص في إنكار القيم والمقدسات الخاصة بالشركاء الموقعين علي العهود.. ويكمن الحل في خيارين، الأول: إزالة المركز أو تغييره واستبداله بمركز آخر لدائرة الدولة السودانية، مركز يلتزم المسئولية الأخلاقية ويؤمن بان الأمم الأخلاق، وأن ذروة سنام الأخلاق الوفاء والأداء، ويقوم بهذا الأمر أهل المركز بان يلتزموا بتقديم خيارهم أخلاقاً ووفاء، والخيار الثاني: العمل علي إفناء ما عرف بالدولة السودانية المعروفة الآن، وإعادة بناء دولة أخري من جموع الشعوب الملتزمة بأخلاق الأمم، من ذوي المكونات المتقاربة والحلم المشترك والمصير الواحد لتحقيق حياة كريمة تقوم علي صون كرامة الإنسان وتحفّيزه علي تقديم الغالي لوطنه وشعبة، دولة تكون غايتها الأبدية صون كرامة الإنسان وتحقيق العيش الكريم له.