Dr Abdalla M. Suliman Badr [[email protected]] الرحيل الفاجع للموسيقار الفنان المبدع الدكتور محمد وردي عليه رحمة الله ، يعيد للأذهان موضوعا هاما كثيرا ما تحدثنا عنه في أعقاب رحيل الفنانين والمبدعين، ألا وهو كيف نخلد ذكراهم لتبقي حية وفاعلة في وجدان الناس وكذلك لنتيح للأجيال الجديدة وبصفه خاصة المهتمين منهم بالموسيقى والغناء ، التعرف على إبداعاتهم والاستفادة من تجاربهم. هنالك جهود تبذل على المستويين الرسمي والشعبي وهي في أغلب الحالات عباره عن حفلات غنائية يتم فيها الاحتفاء بالفنان الراحل وتبادل الكلمات التي تعدد مناقبه وإسهاماته ، ومن ثم الاستماع لبعض أغنياته وقد يتم بث تلك الحفلات مباشرة أو تسجيلها وبثها فيما بعد على إحدى القنوات الفضائية. وقد يتكرر هذا الاحتفاء في ذكرى رحيل المبدع في السنوات القليلة الأولى التي تلى رحيله، ثم تتباعد وتضيع الذكرى في لجة النسيان.هذه بشكل عام صورة ما نفعله لتخليد ذكرى الراحلين من المبدعين.وقد نضيف إليها جهودا أخرى تبذل هنا وهناك في شكل ندوات أو محاضرات أو كتابات في الصحف أو إصدارات يبادر بها أشخاص أو أحاديث في الإذاعات والقنوات عن سيرة الراحلين من المبدعين وعطائهم أو جهودا خاصة من أسر المبدعين وما إلى ذلك . هذه كلها جهود طيبة لابد أن تستمر وتجد التشجيع ، ولكنها في رأيي لا تكفي. فالمطلوب ، إضافة لذلك ، جهد مؤسسي مدروس ومخطط ومدعوم من الدولة تحدد له آلياته وترصد له الإمكانيات اللازمة ، حتى تكون تلك الجهود المبذولة عملا مستمرا ومتطورا يتجاوز تخليد الذكرى إلى تخليد الإسهام والإفادة من التجربة نفسها ، ويجعلها في متناول الأجيال الجديدة. فهنالك مبدعون سودانيون رحلوا عن عالمنا يعتبر كل واحد منهم مدرسة متفردة لها خصائصها ومميزاتها التي تحتاج لجهد علمي وأكاديمي رصين للوقوف على تجلياتها ومساهمتها في الإطار الإبداعي والثقافي العام. فعلى سبيل المثال يجب أن يحظى الإرث الفني الضخم الذي تركه الفنان محمد وردي لإهتمام المتخصصين لثبر أغواره ، وتوثيقه بشكل دقيق يجعل من إسهاماته الموسيقية وتنويعاته الأدائية وتعامله مع المفرده المغناة الدارجية والعربية الفصيحة والنوبية وغير ذلك من جوانب تجربته الثرة، مجالا متكاملا للبحث والدراسة في إطار مناهج دراسة الموسيقى السودانية. لا أدري كيف تنظر وزارة الثقافة ومؤسساتها،وأجهزة الإعلام على اختلاف أنواعها، والجهات المهتمة بالموسيقى مثل كلية الموسيقى والدراما واتحاد المهن الموسيقية وغيرها من الجهات ، للدور المنوط بها في تخليد إسهامات المبدعين بأساليب مبتكرة ومتنوعة تحقق الأهداف التي نرجوها ، وفي تقديري أن الاهتمام بهذا الجانب يجب أن يحظى بأولوية في إطار خططها وبرامجها.فإذا كنا نبذل الجهود من خلال المؤسسات الرسمية والأهلية ونتيح الفرص من خلال برامج ومسابقات ومهرجانات للأحياء من الفنانين وللشباب من المبدعين ، فلا أقل من أن يلتئم هذا الجهد بنشاط أكاديمي وإعلامي واسع ومستمر يعنى بكل ما أسهم به المبدعون الذين رحلوا عن دنيانا في مختلف المجالات ، فهذا هو الاحتفاء الحقيقي بهم وبإبداعاتهم.