منصات حرة رحل الموسيقار وهو حزين على الوطن رحل وفى قلبه حسرة على الأجيال رحل وقلبه على النضال وحنجرته تهتف للحرية ، آخر لقاء بالهرم لى كان فى مناسبة أحد أقاربنا قبل رحيله بأيام وكانت آخر مرة تتغنى فيها حنجرته غّنى بحماس وحب وعنفوان وكأنه كان يعرف أن هذه هى آخر مرة سيغنى فيها ، قبلته و لى الشرف بأنى آخر من قبل جبهة وردى وكنت ضمن آخر من إستمعوا له تغنى وردى فى تلك الليلة بلغته النوبية البليغة فى المعنى والتعبير وطريقة تركيب الجمل كيف لا وهو يحمل بداخله حب وطنه الصغير النوبة وحب وطنه الكبير السودان ، رحل وردى وهو ينظر إلى المستقبل مستقبل هذا الشعب الذى شكل وجدانه وساهم فى تماسكه ووحدته لايختلف فى وردى إثنان من بنى وطنى من حلفا إلي نمولى ومن طوكر للجنينة هذا هو الوطن الذى يعرفه وردى وتغنى له ولاوطن بعده رحل وردى وفى داخله أمل التغير وأمل التقدم وأمل الحرية ، لم يكن يريد سوى وطن حر وشعب سعيد وردى لم يكن ملك لحزب أو نظام وردى لم تكبله الأيدلوجيا وتحدد مسيرته الأفكار وردى كان طليق الأشياء والقاسم المشترك الأكبر للوطن ، مهما قلت وقلنا وقالوا عن وردى لن نوفيه حقه ومستحقه ، تغنى وردى بلغته الأصل وأبدع فيها وكتب بها شعراً للحب وللحرية حتى تقلد صفة ( أُرو ) وهى بالنوبية (الملك)، إينما ذهب كانت مسامه تتقبل الأشياء ويُنصب عليها إمبراطوراً تغنى باللغة العربية الفصحى والدارجى فصار إمبراطورها وتغنى بأناشيد الوطن فأصبح ملكها وتغنى بلغته النوبية فصار أُرو عليها ، وردى لم يذهب ولن نبكى عليه ، البكاء دائماً يكون على الفقد ونحن لم ولن نفقده فهو فى وجدان كل سودانى وفى قلب الشعب وفى طعم مياه النيل ، هو بيننا وسيظل ، وترك لنا إرثاً ثورياً وثقافة نضالية ما إن تمسكنا بها لن نضل أبداً فطريق وردى الذى خطه لنا واضح ومكابر من ظن أنه كفر بالحرية والثورة كيف يكفر بها وهو صانعها وملهمها وشاديها وملهبها كيف وهو المتوج عليها شعراً وغناءاً وعزفاً أنجب السودان عمالقة للغناء وأنجب مناضلين أشاوس للخبز والحرية ولكن كان وردى هو النكهة التى تحدد للجميع الطعم الحقيقى للتغيير والثورة للحب والغزل للنضال والعشق للبقاء والأمل للغناء والطرب للإيقاع والعزف للوطن والشعب وسيظل الكل وفياً لهذه النكهة وهذا الطعم الأصيل جيل بعد جيل ، لك الرحمة أيها الهرم وأيها الوطن فالناى لن يصمت والشعب لن يسكت كيف هذا وأنت إبن هذه البلاد ومن صلبها خرجت وفى ترابها دفنت كيف نصمت ونسكت وأنت صوت الحرية وكلمة الحق ووجدان الشعب ، فلتهنأ روحك وهى تتجول بييننا وليأخذ جسدك راحته الأبدية هناك ملفحاً بتراب الوطن كما أراد ، وسيبقى السودان وفياً لك وعاشقاً لفنك وستظل مخلداً فينا أيها الإمبراطور الأُرو راحلاً وباقياً .. مع ودى .. الجريدة